الحياء ذلك الخلق المنسي من حياتنا النفس البشرية تتطلع دائما إلى ما يحقق لها السعادة والنجاح، ويكفل لها الفوز والفلاح، ويعود عليها بالنفع والمصلحة، وهي تخشى وتضيق من كل ما يجلب لها الشقاء، ويعود عليها بالضرر والهم والحزن، ومن هنا كان الترغيب في بعض الأعمال وذكر فضائلها، والترهيب من أعمال أخرى وذكر مساوئها، له أثره البالغ في حث النفوس على الخير والفضيلة، وإبعادها عن الشر والرذيلة، ففي الترغيب تشويق للعمل، وحث على البذل، وفي الترهيب تخويف وردع، وتحذير من طول الأمل، ودفع إلى تطهير النفس من الأرجاس، ومن أجل ذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأمثال في أبواب فضائل الأعمال تحقيقا لهذا الغرض. حياتنا تستنجد بخلق الحياء ومع حلول فصل الصيف تحتاج حياتنا اليومية إلى ستار الحياء تتظلل تحته، وتستنجد به حتى تتخلق بخلق الرسول الكريم الذي يحكي لنا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه. (متفق عليه)، وما يكرهه الرسول القدوة هو ما خالف أمر ربه في الأخلاق والسلوكات، وما يحبه ويحرص عليه أن يكون أتباعه(نورهم يسعى بين أيديهم)، من الصلاح والتقوى. لكن هذا الخلق الكريم تباعدت المسافة بيننا وبينه في حياتنا، وأصبحنا نرى فئات كثيرة من مجتمعنا المسلم نزعت عن أجسادها الأثواب الساترة بحجة الحرارة، وقصد بعض منها الشواطئ في لباس ينأى عن الآداب الشرعية، مما جعل الاستجمام محفوفا بآثام حري بالمسلم الورع التنزه عنها. الحياء من الإيمان قرن المصطفى صلى الله عليه وسلم الحياء بالإيمان في الحديث النبوي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الايمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» (متفق عليه). والرسول الكريم، وهو المعلم، يقرن الإيمان مباشرة بفعل الأفراد، يروي الإمام البخاري رحمه الله في قصة دعوية بليغة قائلا: حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك بن أنس عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرعلى رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:دعه فإن الحياء من الإيمان). فمن تخلق بالحياء زرع في قلبه إيمان داخلي يزجره على فعل السوء والتلفظ بالفحش من القول، وهو المعنى الذي يؤكده الحديث المروي عن أبي مسعود أنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت )، فالحياء يعصم المرء من التجرؤ على أحكام الشرع وحقوق الخلق، ويكون بمثابة الشرطي المراقب على أي تصرف مخالف لما جاءت به أخلاق الإسلام. فالحياء قوة نفسية تضع السلوك في مرآة قبل الإقدام عليه سواء كان سلوكا في اللباس أو الكلام أو في أي منحى من مناحي حياة الأفراد الخاصة والعامة، فيكون سره أفضل ما يعاينه الناس منه ظاهرا، وإذا سمعوا له ارتاحت له القلوب والنفوس، لأن خشيته وحياؤه يجعله حذرا محتاطا مما يخدش مروءته ودينه. نماذج بشرية حيية وقد اشتهر صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام بشدة حيائهم، فهذا ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، يخبره النبي عليه السلام بثناء الله عن حيائه، وهذا الصديق يستتر مقتنعا بثيابه وهو في الخلاء حياء من الله تعالى من شدة الورع، ومما أثير عنه رضي الله عنه قوله:يا معشر المسلمين :استحيوا من الله عز وجل، فوالذي نفسي بيده، إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنعا بثوبي استحياء من ربي عز وجل .وفي مقابل هذا، كره علماؤنا الأجلاء وجها آخر لهذا الخلق، وهو أن يكون الحياء، وهو حقيقة الخجل، مانعا من السؤال عن أمور دينه كبيرها وصغيرها، إذ كثيرا من النساء مثلا يغلب عليهن هذا السلوك المحمود، ويذهبن إلى تفضيل سؤال بعضهن البعض عن كثير من الأمور الفقهية بدل أهل العلم والفقه، فترى كثير منهن يفعلن أمورا لا تمت لأحكام الشرع بصلة، فنساء الأنصار لم يمنعهن الحياء عن السؤال في أدق الأمور لمعرفة ما يجب عليهن من أمر دينهن كما روت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. الحياء مجلبة للخير الحياء ليس أدبا يهذب النفوس ويحميها فقط، بل هو مجلبة للخير ولا يأتي إلا بالخير، وقد تضافرت أحاديث شريفة في إقرار هذا الفضل للحياء، منها الحديث الذي روي عن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير» (متفق عليه). وفي رواية لمسلم: «الحياء خير كله»، أو قال: "الحياء كله خير". وعن انس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه.(رواه الترمذي، فبالحياء ينال المسلم توقير الناس واحترامهم، والمجتمع المغربي يكن للمتخلق بالحياء محبة وقبولا لا يقدر، حتى إنهم لينزهونه عن كل فعل مكروه لما علم من حيائه في غيبته، ويأتيه الثناء من كل جانب، فاللهم جملنا بخلق الحياء، في ديننا حتى نتقيك ونفوز برضاك، ومع خلقك حتى ننال حبهم، وأعنا على زرعه في حياتنا الأسرية والاجتماعية. ع.ل