في عالم الغرب اليوم ، حيث طغت الحياة المادية وهوت ومكارم الأخلاق نحو أسفل الدركات، وفقدت العواطف الإنسانية والألفة العائلية قيمتها،و في عالم أصبح أساس الحياة فيه مبنياً على اللذة والشهوة ، وأصبح الهدف الأساس للناس جمع الثروة أكثر فأكثر ، فإن وضع الوالدين أصبح مؤسفاً ، حيث اختفى الحب والعطف من قلوب الأبناء ليكرموا الوالدين كما ربوهم صغارا، ولم تبق لديهم للفضائل الأخلاقية قيمة حتى يحترموهما لما لهما من حق عليهم. حقوق..وعقوق إن الشباب في الغرب يسيرون بسرعة نحو أهدافهم المادية ، وليس فقط لا يعيرون أهمية لوالديهم المسنين ، بل يعتبرونهما سداً ومانعاً أمام تقدمهم ولذا يسعون لإبعادهما عنهم ليتخلصوا من عبئهما .لم يجد المرء تعبيرا أقوى من سرد قصتين واقعيتين حول موضوع مكانة المسنين في الغرب سمعتهما أثناء لقاء مع بعض المهاجرين المغاربة. القصة الأولى بدأت عندما رفض مغربي أب مهاجر من الرعيل الأول في هولندا إدخال كلب إلى بيته أتى به حفيده ذو العشرين سنة ، ولما أصر في إدخاله رمى به هذا الشيخ خارج الدار ،وانتهى به عمله هذا بسجنه سنة كاملة بعدما قام حفيده باستدعاء رجال الأمن واتهموه بمعاداة الحيوانات.القصة الثانية انتهت بإسلام إحدى البلجيكيات،والسبب في ذلك هو قبول أحد المغاربة المسلمين بعيش أمها معهما في بيت الزوجية بدل دار العجزة، لم تصدق سيلفيا ذلك الأمر عندما التقت بمجمد في أحد النوادي ببر وكسيل، وسيلفيا(سارة) الطالبة الجامعية امتنعت عن الزواج بسبب أمها المريضة لأنها لم تجد من يتفهم تلك الوضعية الصعبة وذاك الحب الكبير التي تكنه لها، ولم يكن في نية سيلفيا أن تتزوج من رجل مسلم،بل كانت تبحث عن شاب عربي يشرح لها اكثر مكانة الوالدين في الإسلام ،حيث كان موضوع بعثها العلمي في مقارنة الأديان حول الأسرة ،وأدهشتها آية كريمة تقر ببر الوالدين.ولأن محمد كان مشبع الإيمان لم يرد أن تفوته الفرصة وأراد أن يهدي الله به رجلا!!، فذلك خير له من حمر النعم.وتحكي سيلفيا أن محمد لم يتأفف قط من حالة أمها المريضة التي طمع كذلك في إسلامها،وكانت العجوز التي أبهرت بصهرها أشد ما يكون الإبهار وأحبته كولدها أو أكثر، تجيبه عن عرضه الدخول في الإسلام أنها لا تقدر على أداء فرائض الصلاة،فيقول لها تكفيك الشهادتان.ما كانت سيلفيا تذكر موت أمها حتى اغرورقت عيناها بالدموع وكاد بعض من الجمع أن يبكي. مصيبة الأبناء ليس كل الشباب في الغرب سيلفيا، ولن يبتسم الحظ لملايين العجزة كما ابتسم لأم سيلفيا، فحين تغيب العاطفة وتتحول الحياة إلى مادة ، لن يجد غير إنسان ساقته شهواته الذاتية إلى التخلص من أعز عزيز وأقرب قريب،،ويجد الأبناء والأحفاد دور العجزة وسيلة للوصول إلى أغراضهم غير الإنسانية وغير الأخلاقية ، بالتخلص من عبء ثقيل بحد من طموحاته الشخصية والمهنية، فلا يجد حرجا في إبعاد الجد والجدة بالقوة والإكراه من العائلة إلى هذه المراكز وسحق عواطفهم ومشاعرهم ، وتحقير شخصياتهم ، وزيادة أحزانهم ، ومن ثم الإسراع في موتهم . إن الأشخاص الذين عاشوا عمرهم لوحدهم في الغرب ، ولم يؤسسوا عائلةً منذ البداية ولا يملكون زوجة ولا أبناء ، أو كانوا لديهم ثم فقدوهم ، عندما يصل هؤلاء إلى مرحلة الشيخوخة يعانون من ( مشكلة ) واحدة هي ( الشيخوخة ) . ولكن الوالدين اللذين أمضيا أكثر من نصف قرن وتحملا أعباء تكوين عائلة وصرفا في هذا السبيل عمرهما وأموالهما على أبنائهما وبناتهما ، لو حرما في وقت الشيخوخة من المحبة ، وأحياناً يواجهان التحقير وعدم الاحترام من الأبناء والأحفاد فإنهما يصابان بمصيبتين ، مصيبة الشيخوخة ومصيبة الإهانة وفقدان المحبة . ولا شك أن القلق النفسي والضغوط الروحية التي يصابان بها هي أقسى بكثير من المصيبة الأولى . لحسن الحظ أن الأسر المتشبعة والمتمسكة بتعاليم الإسلام ، يعطفون ويكرمون الوالدين عند الشيخوخة ، ولذا نرى الوالدين المسنين يحظون بنوع من المحبة والاحترام ، ولكن في الدول الغربية قلّت بشكل ملحوظ مكانة الوالدين المسنّين ، وفي بعض الأحيان يصابان بوضع مؤسف بحيث يقدمان على الانتحار بسبب الضغوط والوضع النفسي السيء لهما . وأحياناً يكون الأبناء العاقون هم الذين يمهدون لموت الوالدين . والغريب أنه في بعض دور العجزة ،تقول إحدى المتخصصات في تقديم المساعدات الطبية في كيبك بكندا أن لاحظت غير ما مرة أنه عندما تستقبلان زوجين كبيري السن ، فإن أبسط حقوقهما الزوجية تنتزع منهما ، وتضيف إيفا مودست أنها تجد من تقول : إن الحياة الجنسية فوق السبعين هي مسالة وسخة ،ويوصف النزلاء ب ...vieux cochonsî. انتحار العجزة والحالة هذه، يلفت نظر المختصين كثيرا التفكير والإقدام على الانتحار لدى المسنين، فحسب الإحصائيات في الدول الأوروبية أن نسبة الانتحار في صفوف المسنين كبيرة ، والانتحار في الغالب ينشأ عن عامل خارجي مثلاً أزمة مالية ، أو عدم وجود محبة من قبل الآخرين ، وقليلاً ما تكون الأسباب داخلية ،إنها ظاهرة قديمة منذ انغمس الغرب في أنانيته وعنجهيته، وعندما لا ينتحر ذلك الشيخ يجد من يقتله ببرودة سواء ما يسمى عندهم بالقتل الرحيم ، أو بواسطة جريمة مدبرة، ففي ذات يوم من عام 1967 في ناحية بالقرب من مدينة (ROUEN) الفرنسية ، يعلن شاب اسمه فرانسوا في حالة سكر أنه قتل جدّته . فلا يعيره الناس أهمية ويعتبرونه سكرانا ، ولكن الشرطة المحلية تفكر في التحقيق ، فيظهر أن كلام فرانسوا لم يكن عبثاً وأنه حقاً قتل جدته . والحكاية أن السيدة جولين والدة فرانسوا تتبرم من بقاء أمها العجوز لديها في البيت ، وأنها تعبت منها ، وأن ابنتها جانين على وشك الزواج ، فهي وخطيبها يريدان إبعاد العجوز عن البيت بسرعة لكي يتزوجا براحة ، وذات ليلة يتشاور الجميع ويتفقوا على أن يقوم فرانسوا بخنق الجدة ، فتم ذلك ومن الطبيعي أن موت امرأة عجوز ، عاجزة ، ليس أمراً مهماً يلفت النظر، وسكان الناحية اعتبروا المسألة عادية ، وطبيب القرية يكتب تقرير الوفاة دون تحقيق ، وتتم مراسم الكنيسة والدفن بشكل عادي ، وحتى ذلك اليوم الذي يهتدي فيه فرانسوا حيث يتم الكشف عن الجريمة ، وعلى أثر الكشف عن هذه الجريمة راود الشرطة الشك بشأن وفاة الجد الذي حدث قبل مدة قصيرة من موت الجدة فتعترف السيدة جولين وابنتها أنهما اتفقتا مع خطيب الفتاة وقامت جاكلين الابنة الصغرى للسيدة جولين برش سم الفئران بصورة تدريجية للجد حتى مات ودفن وتخلصوا من مزاحمته لهم لكي يجلسوا إلى التلفزيون براحة ، النتيجة أن السيدة جولين وابنها وابنتها وخطيب ابنتها كانوا متعاونين في ارتكاب الجريمتين وبقي زوج السيدة جولين غافلاً عن كل شيء وربما فكرت زوجته وأبناؤه في التخلص منه لضيق المكان . وحكمت المحكمة على الزوجة وابنها فرانسوا بالسجن المؤبد ، كما حكمت على جانين بالسجن عشرين سنة وزوجها عشر سنوات ، وعلى جاكلين بالسجن لمدة يمكن استبدالها بغرامة مالية. وأد الشيوخ : وكانت بين بعض الأقوام والقبائل عادات عجيبة بالنسبة للوالدين المعمرين ، إذ كان الأبناء طبقاً لعقيدة خرافية ، أو مراسم محلية يتصرفون بظلم مع آبائهم المسنين وينهون حياتهم بطريقةٍ غير إنسانية .+ أهالي الجزيرة ( فيجي ) يعتقدون أن أي شخص يحتفظ بقواه البدنية والروحية التي هو عليها لدى موته في العالم الآخر ، ولذا فإن الشخص عندما يصل إلى الشيخوخة فإنه سيبقى كذلك إلى الأبد ، ولهذا السبب فإن الابن الذي يحترم والديه يستطيع أن يقتلهما بضمير هادئ ، وهو يعتقد أنه قدم أكبر خدمةٍ لهما .ويقول ويل ديورانت سكان ملانزي يدفنون المرضى العجائز أحياءً ويعتبرون ذلك وسيلة جيدة للخلاص من بقاياهم ؛ .يقول راسل المربي المعروف: لقد كان التعاون الاجتماعي في الأساس مبنياً على القوة والقدرة وعلاقات الوالدين بأبنائهما ، طالما هم صغار ، فهي مبنية على القوة والقدرة ، وعندما يكبر الأبناء ويضعف الوالدان ، ينقلب الوضع ، بعض القبائل كانوا يبيعون الوالدين الضعاف إلى القبائل المجاوزة آكلة لحوم البشر ، ولذا كانوا يقتصدون في تكاليف العيش،وعندما يتحدث راسل عن هذا فإنه يومئ كذلك إلى مجتمعه ويقول له أن أبناءه الذين يقصدون في تكاليف الوقت والمال هم قريبين من آكلة اللحوم هاته. عقوق بعد الموت.. والخطير جدا ما كشف عنه مؤلفا كتاب حول اهتمام الأبناء بموت آبائهم ،وهما أخصائيان بعلم النفس:ماري فيدريك باكيه أستاذة في جامعة ليل الفرنسية، ولها عدة مؤلفات تخص مسألتي الموت والحداد مثل الحداد الذي علينا أن نعيشه والحداد والصحة. وميشيل هانو وهو طبيب ،ورئيس ومؤسس جمعية مواجهة الحداد من مؤلفاته أشكال الحداد في الحياة والأطفال في مواجهة الحداد ولنتحدث عن الحداد والموت..ويرى المؤلفان أن البعد الاجتماعي للحداد قد غدا اليوم أقل ظهوراً في المجتمعات الغربية. هذا إلى جانب بروز ظواهر جديدة للعلاقة الاجتماعية مع حدث الموت نفسه إذ أن الإحصائيات على أن عملية الحرق مثلت في فرنسا عام 1998 نسبة 17% اثر الوفاة وهي في ازدياد مستمر على الرغم من أنها ليست مندرجة في التقاليد الاجتماعية والعقائدية لهذه البلاد. وبالموازاة مع هذه الظاهرة هناك تراجع عن المظهر الجماعي للحداد باتجاه ما هو فردي وخاص. أن الحداد لم يعد يجد تعبيراته الظاهرة في الحياة العامة، وإنه يريد أن يختبئ، يقول المؤلفان. وبالوقت نفسه الذي تتكاثر فيه المقالات والدراسات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تتطرق لموضوع الحداد وطقوسه التقليدية نجد هناك عزوفاً متزايداً أيضاً لدى الغربيين المعاصرين عن المشاركة في المراسم الجنائزية لمعارفهم أو حتى لأعضاء من أسرتهم بحجة كثرة المشاغل أو بعد المسافات، بل أصبح يتم الاكتفاء في أغلب الأحيان بأن يدون الذين حضروا أسماءهم على سجل ل إثبات حضورهم بدلا من مراسم تقديم العزاء التقليدية في نهاية المأتم. أن هذا التقهقر الذي تشهده الممارسات الاجتماعية على صعيد المراسم الجنائزية يتماشى مع تنامي ظاهرة الانتشار الكبير ل مآوي العجزة وأيضاً للأقسام المختصة بالطاعنين في السن بالمستشفيات، هكذا تشير إحصائية يقدمها مؤلفا هذا الكتاب، إلا أن 70% من الفرنسيين على الأقل يمضون أيامهم الأخيرة في المستشفيات والمؤسسات المختصة، وحتى لو كان البعض منهم يتمنون الموت في بيوتهم. بر الوالدين..ذلك الكنز.. إن عقلاء الغرب مازالوا يصيحون بأعلى أصواتهم،وينتقدون الحياة المادية العدمية ، الممزوجة بأنانية قاهرة، ونرجسية مخربة، فالعمر يمضي بسرعة ، ولا ينقضي الوقت حتى يصل الشبان إلى مرحلة الكهولة ومن مرحلة الكهولة إلى مرحلة الشيخوخة ، ويقولون للمسرعين المهرولين، أنتم شباب ورجال اليوم ولكن تعالوا وفكروا في غدكم ، في شيخوختكم ، وقوموا اليوم بعمل الخير لوالديكم الشيوخ ، وراعوا الحقوق الإنسانية لهم ، لكي يقوم أبناؤكم غداً بالإحسان إليكم ومراعاة حقوقكم . تعالوا للحفاظ على لبنة الأسرة لتنتقل من جيل إلى جيل ، لكي يأخذ الأطفال وشباب اليوم درساً في احترام الوالدين ويقوموا بذلك لكم غداً. ونعود للمربي والعالم النفساني المشهور راسل الذي يعاتب مجتمعه ويصف الدواء بقوله :يوجد في عالمنا اليوم قانونان يتصارعان ، قانون سفك الدماء والموت الذي يبحث يومياً عن وسائل جديدة للتخريب والهدم ، وقانون للسلام والعمل والسلامة يسعى دائماً لكشف وسائل جديدة لإنقاذ الإنسان من براثن البلايا والأخطار التي تحدق بالعالم . إن دافع الحياة والحب ، مقابل غريزة العداء ، هو منبع كبير ، فكلما تمكنا أن نحب ، فإننا نعيش في راحة وسعادة . ونحن نقول إن هذا الدواء ، دواء العطف والمحبة ، الذي يشفي جميع الآلام والأحزان هو وصفة وصفها الأنبياء كلهم قبل قرون ، ألا يمكن تقوية هذه القوة الإعجازية التي تسبب التجاذب لدى المرأة والرجل وتبعث على الصداقة والصفاء بين أبناء البشر ؟ ألا يمكن إشاعة هذا الدواء الشافي الذي يؤدي إلى إزالة علل التفرقة والنفاق ؟ إن العقل والمنطق يحكمان علينا أن نرد بالإيجاب على هذه الأسئلة كما أن تجارب علماء النفس تؤيد ذلك ، لأن إعجاز المحبة يبرز كل يوم عملياً في مختلف المواقف أمام أنظار المحققين . المصدر: عدة مواقع أسرية على الأنترنت كتاب علم النفس الاجتماعي عبد الغني بلوط