}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ النور: 21. الآيات ذات الصلة بما يجب من المؤمنين لمواجهة كيد الشيطان كثيرة ومتنوعة منها ما يجعله عدوا للإنسان كما في قوله تعالى: }إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{ فاطر / 6. والإحالة على عداوة الشيطان للإنسان كثيرة في كتاب الله تعالى. ومنها نهيه تعالى عن عبادة الشيطان بمعنى طاعته وإتباع ما يزينه للإنسان كما في قوله تعالى: }أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{ يس: 60. ومنهاالأمر باليقظة الدائمة لمواجهة نزغ الشيطان كلما تحرك الإنسان لجهة الخير كما في قوله تعالى: }وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ الأعراف/ 200. وهذا التوجيه تكرر بقريب من لفظه في قوله تعالى: }وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ فصلت/ 36. كما ورد في سياقات أخرى التحذير من نزغ الشيطان كما في سورة يوسف والإسراء... ولقد أفرد العلماء كتبا في الموضوع ومن أشهرها تلبيس إبليس لإبن الجوزي وإغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن قيم الجوزية. والآية موضوع هذا النداء فيها نهي عن اتباع خطوات الشيطان بما يجعلها متضمنة لحذر زائد من مثل ما يسمى بالمقاربة الاستباقية بحيث يتقي المرء الشر قبل أن يغرق فيه، بل يتجنبه وهو في بدايته حيث لا يكون جانب الفساد جليا ولا صريحا. ومن المفيد التذكير أن النهي عن اتباع خطوات الشيطان تكرر في القرآن الكريم في سياقات مختلفة ومنها ما سبق الحديث عنه ضمن نداءات الإيمان وذلك عند قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين{ البقرة/ 208. وقد وقع النهي عن اتباع خطوات الشيطان في نفس السورة عند قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين{ٌ البقرة/ 168. ومثله في سورة الأنعام عند قوله تعالى: }وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{ الأنعام/ 142. ومن الملاحظات البينة هو تكرار نفس الصيغة في المواضع الثلاثة، وفيها نهي عن اتباع الخطوات وتعليل ذلك بالعداوة البينة. ونظرا لورود الآية في سورة النور فقد اجتهد بعض المفسرين في البحث عن الصلة بين الآية وسياقها فجعل بعضهم خطوات الشيطان بمعنى تزيينه قذف عائشة رضي الله عنها، قال ابن الجوزي: «أي: تزيينه لكم قذف عائشة رضي الله عنها». وتكرر هذا المعنى عند أكثر من واحد. كما حمل بعضهم ذلك على غضب أبي بكر الصديق على مسطح، قال ابن عجيبة في تفسيره :» ولما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها حلف أبوها ألا ينفق على مسطح شيئا؛ غضبا لعائشة، وكان ينفق عليه؛ لقرابته، فأنزل الله تعالى: }يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ{ ولكنه استدرك بعد ذلك وقال في التفسير: «أي لا تسلكوا مسالكه في كل ما تأتون وتذرون من الأفاعيل، والتي من جملتها : منع الإحسان إلى من أساء إليكم؛ غضباً وحَمِيَّةً»، فجعل ما كان من أبي بكر هو مما يدخل في الآية وإلا فالنهي الوارد فيها يتسع ليشمل كل ما يدعو إليه الشيطان من الرذائل، وهذا ومثله مما يمكن أن يقال فيه: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السياق» قياسا على القاعدة المشهورة: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب». وقوله تعالى: }وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ هذا توجيه كريم من الله تعالى بأن العبد على قدر صلته بربه يدفع عن نفسه كيد الشيطان ومكره وأنه لو وكل لقدراته أو حيله وإمكاناته لضاع، وهذا احد معاني الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كما في قوله تعالى: }وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ فصلت/ 36. فصار المطلوب هو استفراغ الوسع لتحقيق العبودية لله عز وجل باعتبار ذلك هو عنوان التحصين: }وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ فصلت/ 36.