عندما صافح العرب بعضهم بعضا في قمة بيروت الأخيرة، أعرب الأمريكيون عن انزعاجهم، خاصة لما رأوا الكويتيين والسعوديين يمدون أيديهم إلى العراقيين مصافحين.أمجرد مصافحة قصيرة تزعج الأمريكيين؟ غريب أمر هؤلاء الأمريكيين الذين يفرحون ويمرحون عندما يرون العرب يتخاصمون ويتدابرون ويتقاتلون، وينزعجهم عندما يرونهم يتصالحون ويتعانقون ويتراجعون. هل هذه علامة من علامات المرض؟ بل هو المرض نفسه الذي أخبرنا به القرآن الكريم عن الشيطان عندما يفرح لخصام الإخوة والمقربين، وينزعج لتآلفهم وعودتهم إلى الصواب، أليس عمل الشيطان هو التحريش والتفريق والتمزيق داخل النفس الواحدة والأسرة الواحدة والمجتمع الواحد والأمة الواحدة؟ ألم يكن هو الذي نزغ بين يوسف وإخوته، ودفع الإخوة إلى التآمر على أخيهم الأصغر وتنفيذ المؤامرة والزج به في غيابات الجب لو لا أن الله أنقذه وحمله إلى سدة الحكم بسبب صبره وتقواه؟ ألم يقل يوسف عندما جاءه إخوته معتذرين مستغفرين (وقال يا أبت هذا تاويل رؤياي من قبل، قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي، إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو العليم الحكيم). وفي حديث نبينا عليه الصلاة والسلام أن الشيطان لا يفرح بشيء كفرحه بالتفريق بين المرء وزوجه، ولا ينزعج لشيء كانزعاجه للتوحيد بين المرء وزوجه. الانزعاج الأمريكي إذن أقرب ما يكون إلى سلوك الشيطان الرجيم، بل هو عينه، فقد يكون الشيطان كما أخبرنا القرآن جنا أو قد يكون إنسا، وقد تكون العلاقات بين الفريقين متينة جدا إلى درجة تبادل الخبرات والأفكار بطريقة خفية، (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا). ولذلك، ليس من نصيحة فوق نصيحة القرآن لتجنب المكر الشيطاني (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم) فأكثروا يا معشر العرب والمسلمين من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله، إنه سميع عليم) فليست الاستعاذة سلاحا "دينيا"فحسب، ولكنها سلاح "سياسي" أيضا، علما أن ليس في أمرنا فرق بين الدين والسياسة. حسن سرات