أثار إعلان فوز مرشح حزب الحرية والعدالة محمد مرسي بانتخابات الرئاسة المصرية، بعد ثورة شعبية أطاحت بالرئيس السابق محمد حسني مبارك، ردود فعل صهيونية شابتها حالة من الارتباك والقلق بشأن مستقبل العلاقات الثنائية بين (تل أبيب) والقاهرة، وتأثيرها على خارطة التحالفات في المنطقة. وذكرت صحف صهيونية صادرة، أول أمس، أن المؤسستين السياسية والعسكرية في الكيان تتخوفان من تراجع العلاقات مع مصر وتصاعد الهجمات من سيناء ضد جنوبه، في أعقاب فوز الإسلامي محمد مرسي برئاسة مصر الذي جعل الاحتلال في حيرة من أمره، حيث يعيش حالة من الترقب الحذر من سياسات الرئيس الجديد ويحاول قادته كسب وده، بعد فقدانهم مبارك الذي يعتبرونه كنزًا لهم، وخاصة بعد اعتلاء حركة إسلامية عريقة طالما كانت تعتبر هذا الاحتلال عدوًا لمصر ولفلسطين وللأمة العربية للرئاسة. وتحت عنوان «الشرق الأوسط الجديد»، أكدت صحيفة «معاريف»، أن الخوف أصبح حقيقة واقعة، وأن الإخوان المسلمون باتوا هم السلطة في مصر، مشيرة إلى وجود حالة من الخوف والقلق في أوساط النخبة السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني، بسبب نفوذ مصر الحاسم في العالم العربي. وأضافت الصحيفة أنه يوجد تخوفات كبيرة لدى المؤسستين السياسية والعسكرية في «إسرائيل» لأن للعلاقات مع مصر، وهي أكبر وأهم دولة مجاورة ل»إسرائيل»، تأثيرا هاما للغاية على العلاقات مع كل العالم العربي. وقالت إنه على الرغم من قول مرسي بعد الإعلان عن فوزه بالرئاسة، الأحد، أنه سيحافظ على جميع الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر، إلا أن جهاز الأمن «الإسرائيلي» يتخوف من أن تكون لانتخاب مرسي تبعات سلبية وخصوصا على المدى البعيد. وأضافت الصحيفة أن جهاز الأمن «الإسرائيلي» بدأ قبل عدة شهور بالاستعداد والجهوزية لنشوء وضع مختلف في مصر، وفي الوقت نفسه الحذر من المس بالعلاقات الحساسة بين الدولتين والامتناع عن إطلاق تصريحات يمكن تفسيرها بشكل يثير إشكاليات. ووفقا للصحيفة، فإن مسؤولين أمنيين «إسرائيليين» قالوا خلال اجتماعات مغلقة أنه إذا غيّرت مصر سياستها فإن «إسرائيل» ستواجه مشكلة أمنية أصعب من تلك التي تواجهها مع حزب الله والفصائل الفلسطينية في غزة سوية، وهذا الأمر يعني رصد ميزانيات كبيرة جدا خاصة وأنه منذ حرب العام 1973 لم تكن هناك جهوزية «إسرائيلية» في هذه الجبهة. وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش المصري هو «نقطة ضوء» كون التقديرات «الإسرائيلية» ترى أنه يؤيد اتفاقية السلام في هذه المرحلة. وأضافت أن التقديرات «الإسرائيلية» هي أن الحكم الجديد في مصر لن يبذل جهودا كبيرة في المحافظة على الحدود بين الدولتين وأنه قد تقع هجمات من سيناء ضد أهداف «إسرائيلية» إضافة إلى أن»إسرائيل» ستواجه صعوبة في العمل بحرية ضد حماس في قطاع غزة من أجل الامتناع عن احتكاك مع الحكومة المصرية الجديدة. بدورها، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤول سياسي صهيوني رفيع المستوى قوله إن «العالم ضحك علينا لأننا وصفنا الربيع العربي بأنه شتاء إسلامي، والآن يرى ويدرك الجميع إلى أين وصل الوضع». وأضاف المسؤول الصهيوني «سننتظر الآن لنرى ما إذا كان النظام الجديد سيحاول استعراض نفسه كمعتدل والتقرب من الغرب، أم أنه سيتجه نحو التطرف في أعقاب سيطرته على الحكم والبرلمان». وكان القلق والخوف الشديدين من المستقبل هو المسيطر على ردود فعل صحف صهيونية أخرى تجاه فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة مصر، فكان العنوان الرئيسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» هو: «ظلام في مصر»، معتبرة أن وصول الإسلاميين لقصر الرئاسة في مصر هو «يوم أسود ومظلم» على الكيان الصهيوني، وتطور خطير بالنسبة له. وأشارت الصحيفة إلى أنه يجب الاستعداد لجميع الاحتمالات، بما في ذلك رئيس إسلامي لجهاز المخابرات، وإعادة النظر في اتفاقية السلام، وانهيار الاتفاقات الاقتصادية وغياب التعاون الأمني بين الجانبين. من جانبها، أكدت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أن وصول الإخوان المسلمين في مصر إلى السلطة، من شأنه أن يكبل عمليات الجيش الصهيوني في غزة، وسيعوق من قدرته على الرد على اشتعال الغضب في القطاع المحاصر. ريبة وقلق.. ورغم أن الكيان الصهيوني غير سعيد بنتيجة الانتخابات في مصر، إلا أنه لا يريد إفساد العلاقة مع الرئيس المصري الجديد. كما أنه وجد نفسه مرغما على الإشادة بالعملية الديمقراطية التي أوصلت المرشح الإسلامي إلى أعلى قمة في هرم السلطة. لذلك فإن أول رد فعل لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على فوز مرسي كان شديد الحذر، حيث لم يهنئ مرسي، ولكنه في الوقت ذاته أعرب عن رغبته في استمرار التعاون بين البلدين. وقال مكتب رئيس الوزراء الصهيوني في بيان بعد إعلان فوز مرسي، وفقا لوكالة «رويترز»: «تشيد إسرائيل بالعملية الديمقراطية في مصر وتحترم نتيجتها.» وقال البيان «تتوقع «إسرائيل» استمرار التعاون مع الإدارة المصرية على أساس معاهدة السلام بين البلدين التي هي في مصلحة الشعبين والتي تسهم في الاستقرار الاقليمي». ووقعت مصر و»اسرائيل» معاهدة السلام عام 1979. وأصبح الحديث عن المصلحة المشتركة دعوة متكررة من جانب الكيان الصهيوني منذ خلع محمد حسني مبارك الذي فتح الطريق أمام صعود الحركات الإسلامية التي تعرضت للقمع طوال حكمه على مدى ثلاثة عقود والتي تدعو إلى قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني في أفق رحيله عن أرض فلسطين التي احتلها غصبا وقتلا لأهلها. تفاؤل حذر.. من جهته، علَّق وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك على نتائج الانتخابات المصرية الرئاسية، معتبرًا أنها غيرت المنطقة. وذكر باراك أنه يتوقع أن تحافظ القيادة المصرية الجديدة برئاسة مرسي على «معاهدة السلام» المصرية الصهيونية الموقعة بمنتجع «كامب ديفيد» بالولايات المتحدة. وقال إيهود باراك: «»إسرائيل» تعمل في نطاق جميع التفاهمات والاتفاقات الدولية, واتفاقية السلام مع مصر تنطوي على أهمية بالغة بالنسبة للشعبين المصري و»الإسرائيلي»»، على حد قوله. وأضاف وزير الحرب «الإسرائيلي» خلال جلسة عقدتها كتلة حزب «الاستقلال» البرلمانية، أول أمس: «نتائج الانتخابات في مصر تعد تغييرًا هامًّا في المنطقة, ونحتاج إلى المزيد من الوقت لفهمها، وهي تنطوي على الفرص من ناحية وعلى التحديات من ناحية أخرى». وذكرت صحيفة «معاريف» «الإسرائيلية» أن باراك أكد أن «إسرائيل» ستواصل متابعة التطورات في مصر لضمان المصالح «الإسرائيلية» على المدى البعيد, ول»الحفاظ على الاستقرار والهدوء والسلام في المنطقة بأسرها». وكان النائب الأول لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» شاؤول موفاز قد روَّج خلال جولة تفقدية قام بها، أول أمس، في مدينة أشكلون لمقولة أن «إسرائيل» تحترم المسيرة الديمقراطية في مصر, مشيرًا إلى أن تل أبيب تتوقع أن يتم احترام معاهدة السلام الموقعة بين البلدين كما جرى خلال العقود الثلاثة الماضية. وفي السياق نفسه، قال وزير المخابرات الصهيونية دان مريدور في اجتماع مجلس أمناء الوكالة اليهودية: إن «إسرائيل» تحترم نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر وأنها مطمئنة إلى حد كبير إلى أن التعاون بين البلدين سيستمر. من جانبه، قال عضو الكنيست عتنيئيل شنلر من حزب كديما إنه «على «إسرائيل» أن تحيي الشعب المصري على إجراء العملية الديمقراطية، وردود الفعل الأولى التي ستصدر عن «إسرائيل» من شأنها أن تكون هامة لبلورة علاقتنا مع الجارة في الجنوب». تشاؤم واضح.. بدوره، قال وزير الجيش الصهيوني السابق بنيامين بن إلعيزر، المعروف بعلاقاته الممتازة بالرئيس المخلوع مبارك، وكان من أوائل وقلائل السياسيين الصهاينة الذين دعوا صراحة إلى دعم الرئيس المخلوع، إنه على (إسرائيل) عدم التعجل باتخاذ موقف من الرئيس المنتخب. وأضاف بن اليعيزر في حديث مع الإذاعة الصهيونية: «يجب الانتظار لنرى ماذا سيفعل الرئيس الجديد، فهو إسلامي ومعروف في الماضي بمواقف مناهضة لإسرائيل، كل التغييرات الحاصلة الآن هي إسلامية وهي أكثر تدينا وأكثر كراهية لإسرائيل». وقال إنه يأمل في أن يسمح هذا الرجل (مرسي) للجيش بأن يواصل التعاون مع (إسرائيل) في القضايا الأمنية. وقال «كل شيء الآن محفوف بالضباب الكثير، فنحن أمام عالم آخر، ليس عالم مبارك، هذا هو شرق أوسط متطرف وإسلامي ويكره (إسرائيل)». مع ذلك قال بن اليعيزر إنه لا يعتقد أن الشعب المصري انتخب محمد مرسي لقيادة مصر نحو المواجهة، داعيا إلى وجوب قيام (إسرائيل) بالبحث عن قنوات للحوار والتفاهم مع القوى الإسلامية التي تجتاح المنطقة، ومحاولة إيفاد الرسل للوصول لحوار مع الإسلاميين. وعقّب عضو البرلمان الصهيوني «الكنيست» ميخائيل بن آري، على نتائج الانتخابات المصرية التي توّجت مرسي رئيساً للجمهورية بعد إطاحته بمنافسه أحمد شفيق آخر رئيس للحكومة في عهد النظام السابق، بالقول «إن فوز مرسي هو المسمار الأخير في الوهم المسمى بالسلام مع مصر، والذي كلفنا ثمناً باهظاً»، على حد تعبيره. وتوقّع النائب عن حزب «الاتحاد القومي»، في تصريحات أدلى بها للإذاعة العبرية، تدهوراً في الأوضاع الأمنية في منطقة الحدود مع شبه جزيرة سيناء المصرية، وأضاف «لا أحد يعرف الآن ماذا ينتظرنا على الحدود الجنوبية والتي تعتبر الآن إسلامية»، كما قال. «مسمار أخير...» وتقاطعت تحليلات المعلقين العسكريين ونظرائهم السياسيين الصهاينة مع قادة الكيان، فقد وصف المعلق العسكري لموقع صحيفة «يديعوت أحرنوت» (رون بن يشاي) فوز مرسي بأنه «حدث تاريخي» لعدة أسباب منها تقلد ابن التيار الإسلامي الحكم للمرة الأولى، وانتهاء عصر الجنرالات منذ سقوط الملك فاروق، وأخيرا لبلوغ رئيس سدة الحكم بشكل ديمقراطي. لكن يشاي اعتبر أنه مع استمرار تساقط «حجارة الدومينو بحضن الإسلاميين» فإن احتمالات التسوية مع الفلسطينيين تناهز الصفر كما سيواجه سلام «إسرائيل» مع الأردن خطرا حقيقيا. ويشير في حديث ل«الجزيرة نت» إلى أن ذلك لا يبشر بالخير من وجهة نظر «إسرائيل»، التي ترى أن ما تشهده مصر هو استمرار للمسلسل الذي حدث في كل من إيران وتركيا وتونس وغزة. وبحسب يشاي فإن فوز مرسي يقلق «إسرائيل» باعتباره مؤشرا لمخاطر استعجال سقوط الأنظمة الحاكمة التي تدعمها الجيوش في كل من سوريا ولبنان والأردن والسلطة الفلسطينية، ويرى في سقوط السلام مع الأردن «خطرا كبيرا». ورغم ذلك، لا تبدو الصورة بهذه القتامة، حيث يؤكد يشاي أن المسيرة الديمقراطية في مصر تبعد شبح الحرب الشاملة، مدللا بأن تجارب التاريخ تقول إن الأنظمة الديمقراطية لا تسارع للخوض في حروب خوفا من محاسبة الشعب لها. وما يعزز من طمأنة الكيان استمرار احتفاظ المؤسسة العسكرية في مصر وأتباع النظام السابق بنفوذ، بدليل الفارق البسيط بين مرسي وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. يشار إلى أن الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي أعلن في وقت سابق أنه يؤيد مراجعة اتفاقات السلام التي وقعتها مصر مع «إسرائيل». وقال الدكتور مرسي: «سنقوم بالنظر في جميع اتفاقات كامب ديفيد بين مصر و»إسرائيل» من أجل تحقيق مصلحة مصر وفلسطين أولاً». وأضاف مرسي في مقابلة إعلامية: «لابد من مراجعة كل القرارات السابقة من خلال مؤسسات الدولة والحكومة لأنني طبعًا لن أتخذ أي قرار منفردًا سواء في الداخل أو الخارج». وأكد الرئيس المصري المنتخب: «سياستنا تجاه «إسرائيل» ستكون سياسة ندية؛ لأننا لسنا أقل منهم، بل نحن أصحاب حقوق وسنتناقش مع الجميع لعودة الحقوق الفلسطينية إلى أهلها؛ لأن استتباب الأمن في المنطقة أساسه إنهاء المشكلة الفلسطينية». غير أن مرسي أبرز، في خطاب وجهه للأمة مساء الأحد فور إعلان فوزه، التزامه بالحفاظ على الاتفاقيات الدولية التي تربط بمصر بكافة دول العالم. وقال: «إننا سنحافظ على المعاهدات والمواثيق الدولية وكافة الاتفاقيات المبرمة معنا». وأضاف «إننا سنؤسس لعلاقات متوازنة بيننا وبين كل القوى العالمية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل». كما أكد مرسي أن مصر قادرة على الدفاع عن نفسها وان تمنع أي عدوان عليها وعلى أراضيها.