ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطورة إفشاءأسرار العلاقات الزوجية
نشر في التجديد يوم 13 - 06 - 2012

« تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته ، كما تتجلى حال المريض أمام الطبيب حين معالجته ، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة « هذا القول لابن عبد البر هو أساس معاملة الكبار مع الصغار ..
ويختلف أسلوب التعامل مع الطفل من شخص لآخر ومن طفل لطفل ... ومن وقت لآخر ... وسنستعرض بعض الأساليب الخاطئة في التعامل مع الطفل لنتجنبها قدر المستطاع ... وهذه الأساليب نوجزها في النقاط التالية :
أولاً : الصرامة والشدة :
يعتبر علماء التربية والنفسانيون هذا الأسلوب أخطر ما يكون على الطفل إذا استخدم بكثرة ... فالحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك ، .. أما العنف والصرامة فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها ؛ حيث ينفعل المربي فيفقد صوابه وينسى الحِلْم وسعة الصدر فينهال على الطفل معنفا وشاتما له بأقبح وأقسى الألفاظ ، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا قرن العنف والصرامة بالضرب ...
وهذا ما يحدث في حالة العقاب الانفعالي للطفل الذي يُفِقْدُ الطفل الشعور بالأمان والثقة بالنفس كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي في وقت حدوث المشكلة فقط ( خوف مؤقت ) ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلا .
وقد يعلل الكبار قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك والمعاملة والدراسة .. ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي فيكره الطفل الدراسة أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات أو يصاب بنوع من البلادة ، كما أنه سيمتص قسوة انفعالات عصبية الكبار فيختزنها ثم تبدأ آثارها تظهر عليه مستقبلاً من خلال أعراض (العصاب) الذي ينتج عن صراع انفعالي داخل الطفل ..
وقد يؤدي هذا الصراع إلى الكبت والتصرف المخل ( السيئ ) والعدوانية تجاه الآخرين أو انفجارات الغضب الحادة التي قد تحدث لأسباب ظاهرها تافه .
ثانيا : الدلال الزائد والتسامح :
هذا الأسلوب في التعامل لا يقل خطورة عن القسوة والصرامة .. فالمغالاة في الرعاية والدلال سيجعل الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين ، أو تحمل المسؤولية ومواجهة الحياة ... لأنه لم يمر بتجارب كافية ليتعلم منها كيف يواجه الأحداث التي قد يتعرض لها ... ولا نقصد أن يفقد الأبوان التعاطف مع الطفل ورحمته ، وهذا لا يمكن أن يحدث لأن قلبيهما مفطوران على محبة أولادهما ، ومتأصلان بالعواطف الأبوية الفطرية لحمايته، والرحمة به والشفقة عليه والاهتمام بأمره ... ولكن هذه العاطفة تصبح أحيانا سببا في تدمير الأبناء ، حيث يتعامل الوالدان مع الطفل بدلال زائد وتساهل بحجة رقة قلبيهما وحبهما لطفلهما مما يجعل الطفل يعتقد أن كل شيء مسموح ولا يوجد شيء ممنوع ، لأن هذا ما يجده في بيئته الصغيرة ( البيت ) ولكن إذا ما كبر وخرج إلى بيئته الكبيرة ( المجتمع ) وواجه القوانين والأنظمة التي تمنعه من ارتكاب بعض التصرفات ، ثار في وجهها وقد يخالفها دون مبالاة ... ضاربا بالنتائج السلبية المخالفته عرض الحائط .
إننا لا نطالب بأن ينزع الوالدان من قلبيهما الرحمة بل على العكس فالرحمة مطلوبة ، ولكن بتوازن وحذر. قال صلى الله عليه وسلم : « ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا « أفلا يكون لنا برسول الله صلى عليه وسلم أسوة ؟
ثالثا: عدم الثبات في المعاملة :
فالطفل يحتاج أن يعرف ما هو متوقع منه ، لذلك على الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحوها للطفل ، و عندما يقتنع فإنه سيصبح من السهل عليه اتباعها ... ويجب مراجعة الأنظمة مع الطفل كل فترة ومناقشتها ، فلا ينبغي أن نتساهل يوما في تطبيق قانون ما ونتجاهله ثم نعود اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيق نفس القانون لأن هذا التصرف قد يسبب الإرباك للطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض وفي بعض الحالات تكون الأم ثابتة في جميع الأوقات بينما يكون الأب عكس ذلك ، وهذا التذبذب والاختلاف بين الأبوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي شديد يدفعه لارتكاب الخطأ .
رابعا : عدم العدل بين الإخوة :
:يتعامل الكبار أحيانا مع الإخوة بدون عدل فيفضلون طفلا على طفل ، لذكائه أو جماله أو حسن خلقه الفطري ، أو لأنه ذكر ، مما يزرع في نفس الطفل الإحساس بالغيرة تجاه إخوته ، ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ والعدوانية تجاه الأخ المدلل بهدف الانتقام من الكبار، وهذا الأمر حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : عليه الصلاة السلام « اتقوا الله واعدلوا في أولادكم».
إفشاء أسرار الحياة الزوجية إحدى العادات السيئة التي تؤثر على العلاقة بين الزوجين وتفتح الباب أمام تدخّل الأهل أو الأصدقاء في أمور قد تكون غاية في الخصوصية، وينتهي المآل بفتور العلاقة أو الطلاق أو خراب البيوت، فما قول الشرع في هذه المسألة؟، وماهي عواقبها على الأسرة والمجتمع؟، وماهي حدود افشاء الأسرار بين الزوجين؟ موضوع تطرحه «التجديد» للنقاش وتحاول الإجابة على أسئلته الشائكة.
***
رأي الشرع
في مقاربة شرعية للموضوع، أكد الدكتور محمد بولوز الباحث في العلوم الشرعية والاجتماعية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على أن «استحضار مقاصد الحياة الزوجية وطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين الزوجين من معاني المودة والرحمة والسكينة والمعاشرة بالمعروف وأداء الحقوق المتبادلة والقيام بالواجبات الشرعية من نفقة وإحصان وطاعة في المعروف وحسن الخلق والعناية بالنشء والتعاون على تربية الأبناء وأداء حق الأصول من الجانبين كل ذلك مع عوامل أخرى إيمانية واجتماعية واقتصادية يؤدي إلى السعادة الزوجية والحياة الطيبة التي وعد الله بها المومنين قال تعالى:» مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُومِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)النحل.مضيفا بأنه من شأن الحريصين على حياتهم الزوجية، تجنب المنغصات وما يكدر صفو العلاقة بين الزوجين من سوء الخلق ومن ذلك إفشاء أسرار الحياة الزوجية».
وأوضح بولوز، أن أول ما ينبغي ضبطه هو معنى «أسرار الحياة الزوجية» التي لا يجوز نشرها وإفشاؤها؟ والتي لا تخرج - حسبه -عن ثلاثة أنواع: أولها ما يتعلق بالجوانب الجنسية بين الزوجين، وثانيها ما يتعلق بالعيوب الخِلْقية والخُلُقية، المادية والمعنوية، وثالثها ما يطلب أحد الطرفين بلسان الحال أو المقال عدم إفشائه.
فبخصوص النوع الأول - يقول المتحدث - نجد فيه النهي النبوي واضحا، فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها))
قال النووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع، فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنه خلاف المُروءَة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) وإن كان إليه حاجة، أو تترتب عليه فائدة، بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعله أنا وهذه)) وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (أعرَّستم الليلة)، وأزيد هنا بأنه لا يجوز القياس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر بعض تفاصيل حياته الزوجية الخاصة، لأنه عليه الصلاة والسلام كان في موقع تشريع وبيان ما يجوز وما لا يجوز في تلك العلاقة، حتى ذكر العلماء من حكمة تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام نقل حياته الخاصة للمسلمين للاقتداء والبيان وبسط آداب المعاشرة. وأما تفصيل الكلام في حياة الزوجين الخاصة بعده صلى الله عليه وسلم فلا فائدة منها تحصل وما يكون من استثناء يبقى خاصا بلحظات التنازع عند القضاء ونحوه أو حالات التداوي عند الطبيب ونحوه.
وأما النوع الثاني المتعلق بالعيوب المادية والمعنوية التي تكون في أحد الزوجين أو فيهما معا والتي يحرم إفشاؤها فلأنها تدخل في باب الغيبة المحرمة كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول ، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهته»، فالزوجان لهما حقوق على بعضهما زائدة على حقوق عامة الناس ولا يجوز لهما إفشاء عيوب بعضهما إلا ما كان من استثناء التظلم إلى الجهات التي يرجى منها الإنصاف كالقاضي والحكمين أو لمن يرجى نصحه ومساهمته في الإصلاح أو طلب التطبيب والتداوي ونحو ذلك.
والنوع الثالث من الأسرار خاص بطلب أحد الزوجين عدم إفشاء سر معين بلسان الحال أو المقال: وهذا يدخل في باب الحفاظ على أمانة المجلس والتوجيه النبوي واضح في هذا الباب، ففي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة).
قال المناوي في شرحه لهذا الحديث: (..التفت يمينًا وشمالًا فظهر من حاله بالقرائن أن قصده أن لا يطلع على حديثه غير الذي حدثه به (فهي) أي: الكلمة التي حدثه بها (أمانة) عند المحدث أودعه إياها، فإن حدث بها غيره فقد خالف أمر الله، حيث أدَّى الأمانة إلى غير أهلها، فيكون من الظالمين فيجب عليه كتمها، إذ التفاته بمنزلة استكتامه بالنطق، قالوا وهذا من جوامع الكلم، لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على آداب العشرة، وحسن الصحبة، وكتم السِّر، وحفظ الود، والتحذير من النَّمِيمَة بين الإخوان، المؤدية للشنآن ما لا يخفى)
وأقول والحال بين الزوجين أشد في نشدان آداب العشرة وحسن الصحبة وحفظ المودة لما لعواقب غياب ذلك على كيان الأسرة من سوء العلاقة وحدوث الشقاق وربما يتطور إلى فراق.
وهذا النوع الثالث له ضابط واحد هو أن لا يكون السر المطلوب حفظه يتعلق بحرام كما في الحديث فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المجالس بالأمانة إلا ثلاثة: مجالس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق) ومن اقتطاع مال بغير حق كتمان غش أو تدليس على الناس في مشروع أو تجارة ونحو ذلك مما يمحق به بركة الرزق ففي الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو قال: حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) يقول بولوز.
راحة أو قلق
أكيد أن جلسات الأخوات والجارات والصديقات، وجلسات الأصدقاء، وما يكشف فيها من أسرار، وما تقضى فيها من حكايات وتخيلات، تكشف أسرار البيوت وتجعلها على ألسنة العامة، يعرفون عنها أكثر مما يعرفه ساكنوها، فتتلطخ حرمات البيوت، ويرتفع عنها الأمن والسكينة، وتتآزر على المجتمع عوامل الهدم والتصدع. وهذه الأسرار موضع حسد بين النساء والرجال أيضًا.
ويِؤكد علماء النفس أن ترويح الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها ونشر أسرار بيتها، وترويح الزوج عن نفسه ونشر أسرار بيته، غالبًا ما يصنع من القلق أكثر مما يجلب من الراحة، فالراحة قد تكون آنية وعاجلة، لكن القلق حتمًا سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار وتجني الزوجة أو الزوج الندم والخسران، فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية، ولا واحدة من النساء تتحمل إفشاء أسرار حياتها الزوجية.
ويرى بعض الباحثين المتخصصين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا أن عملية الثرثرة وإفشاء الأسرار الحميمة بين الزوجين هو سلوك مجتمعي، يختلف باختلاف المجتمعات والحضارات، فالحديث في هذه الموضوعات يتنوع بتنوع الثقافات والحضارات، ويختلف باختلاف التربية الأسرية؛ لأنها مفاهيم نسبية تختلف باختلاف رؤية المجتمع لها، فما يراه البعض سراً، لا يراه البعض الآخر كذلك.
العواقب
ولهذه العادة عواقب وخيمة على الأسرة والمجتمع وعنها يقول بولوز: مما سبق يتبين أن عدم التزام كتم الأسرار الزوجية له عواقب على الأسرة إذ ما من مخالفة شرعية إلا وتنعكس على العلاقة بين الطرفين فتنعدم الثقة ويسود الشك ويغيب الشعور بالأمان وربما يكون ذلك سببا للشجار والخصام والتقاطع والتدابر ودخول أطراف أخرى خارج الأسرة للشماتة والتعيير والإفساد بين الزوجين والأشد خطورة في المسائل الجنسية أن تحدث المقارنات فينتقل الإنسان من الإحساس بالرضى الذي كان عليه في علاقاته الحميمية، إلى التطلع إلى ما لا يجوز له وربما تطور الأمر إلى الخيانة أو التفكير فيها، كما في البوح بالأسرار الخاصة كشف للعورات التي أمرنا بسترها عمن لا يجوز له الاطلاع عليها فإذا الإنسان مكشوف أمامك رغم ما يستره من ثياب، وفي ذلك ضرب لخلق الحياء والستر المأمور به في الشرع، يضيف المتحدث.
هذا ويفتقد الزوجان إلى الخصوصية، وتصبح تفاصيل حياتهما مشاعاً للمحيطين بهما، ويسوء الوضع في حال تعلّق الأمر بأسرار دقيقة، وقد يصل الأمر إلى الانفصال بسبب هذا العيب الخطير.
وصايا
وأوصى بولوز الزوجين بكثمان الأسرار الزوجية لأنها حق لكلا الزوجين في عدم افشاء ما بينهما وهو حق الآداب الإسلامية العامة التي توصي بستر مثل هذه الأمور، والمرء مستأمن عليها من جهة الواجب الشرعي والآداب الإسلامية، وجهة صاحب الحق الخاص وهو الزوج أو الزوجة لما لهما من حقوق بعضهما وقد سمى الشرع تلك العلاقة بالميثاق، وليس أي ميثاق ولكنه ميثاق غليظ كما في قوله تعالى:» وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21) النساء.
ويعتبر المتحدث أن كتمان الأسرار سر من أسرار السعادة الزوجية حيث تترسخ الثقة والحب والأمان وقد تزول تلك الآفات والنقائص مع الزمن وتصبح تلك العيوب جزءا من الماضي وربما يحدث للطرف الآخر آفات وعيوب طارئة فيحفظها عليه الطرف الآخر مكافأة له بالمثل. ويوضح بولوز أن حفظ الأسرار المشروعة من الخلق الرفيع وصفة من صفات المُروءَة والنبل وفيه درء لمفسدة الحقد والحسد.
وتعميق للثقة بين الزوجين، وسبب من أسباب النجاح في الحياة الزوجية. ويدل على كرم فِي النَّفس، وسمو فِي الهمة، وبعد عن اللغو والثرثرة المؤذية، وأقل ما يقال في إشاعة الأسرار الزوجية أنه من سيء الأخلاق، كما قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: (إذاعة السِّر من قلة الصبر وضيق الصدر)
فعلى قدر تسلحنا بالعلم النافع ومعرفة عواقب مثل هذه الآفات وشغل أوقاتنا بالصالح من الأعمال وتجنب صحبة الثرثارين بمثل هذه السخافات والمنشغلين بتشريح أعراضهم وأعراض غيرهم في العالمين، على قدر ما نستطيع تجنب آفة إفشاء أسرار الحياة الزوجية والسلامة من آثارها وعواقبها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.