من أصعب المراحل وأكثرها تأثيرا على نفسية ومعنويات الإنسان، هي لحظة بلوغ الإنسان مرحلة التقاعد، مرحلة يشعر فيها المحال على المعاش بتراجع قدرته على العطاء والإنتاج، كما تحسسه بالانتقال من الإنسان المنتج إلى العاجز أو العالة بدل المعيل، خصوصا إن كان راتب المعاش الذي يحصل عليه المتقاعد هزيلا وعاجزا عن سد الحاجيات الضرورية لأفراد الأسرة. *** المتقاعدون في أرقام يقدر عدد المتقاعدين من الوظيفة العمومية خلال السنة الماضية بحوالي 15 ألفا، وهو في تزايد مستمر سنة بعد سنة، ومن المرتقب أن يصل إلى 300 ألف متقاعد سنة 2020. أما في القطاع الخاص، فيصل عدد المعاشات إلى 382 ألفا، وتقدر بعض الدراسات معدل المعاشات في القطاع الخاص ب1500 درهم، ويصل هذا المعدل إلى حوالي 680 درهما للرجال مقابل 890 درهما للنساء بالنسبة للمتوفى عنهن أزواجهم. وحسب إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط، فإن عدد معاشات الصندوق الوطني للتقاعد في الأنظمة العامة والخاصة بلغ 515 ألفا و264 سنة 2006، وبلغ عدد المستفيدين بالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد 61 ألفا و416 سنة 2007. وبعيدا عن لغة الأرقام والدراسات والمعدلات، تتقاضى أرامل متقاعدين من الوظيفة العمومية أجورا جد هزيلة، تصل أحيانا إلى أقل من 100 درهم للشهر. مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى احترام الحد الأدنى للأجور، واحترام مقتضيات مدونة الشغل. لعب الورق و»الضامة» طقوس أصبحت في حكم المعتاد، نشاهدها كل يوم تؤثث فضاءات عمومية في عدد من المدن، خاصة الفضاءات الشعبية منها، حلقات للعب الورق هنا وهناك، وأخرى للعب «الضامة»، معظم اللاعبين والمتفرجين من المتقاعدين، امتدت بهم السنون إلى الجلوس الاضطراري لإعدام رتابة الأيام. ساحة سيدي بوجيدة بفاس، إحدى الساحات العمومية التي أصبحت محجا للمتقاعدين. في حدود العاشرة صباحا يبدأ مسنون في القدوم إلى الساحة، يلتقون يضحكون ويتجاذبون أطراف الحديث، جزء منهم يلعب لعبة الورق والآخرون يكتفون بالمتابعة، وأغلبهم من المتقاعدين، يقول أحدهم في دردشة مع «التجديد»، «أغلبنا متقاعدون، وهكذا نعيش حياة التقاعد، عملنا عشرات السنين والآن جاء دور أبناءنا، نقضي جزءا من الوقت مع العائلة والأصدقاء، ثم نلتقي هنا لنكسر روتين اليوم بالمنزل»، أما آخر فيلفت الانتباه إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه المتقاعدون، ويقول «المحظوظون منا من لهم أبناء يشتغلون ويوفرون لهم لقمة العيش، أما راتب المعاش فلن يضمن لنا توفير لقمة العيش وتسديد مصاريف الكراء والماء والكهرباء.. نعم صحيح نلجأ إلى البحث عن عمل آخر مباشرة بعد إحالتنا على التقاعد، لكن في أحسن الأحوال لن نستطيع العمل أكثر من أربع سنوات إلى ستة سنوات». متقاعد آخر يرى أن الفرد عندما يحال على التقاعد، يشعر بوجود وقت فراغ، منهم من يحسن استغلاله إن كانت ظروفه المالية تسمح له بذلك، ومنهم من يلجأ إلى الهروب من روتين الوظيفة، الذي اعتاد عليه سنوات مضت، فيقسم وقته بما يناسبه ويناسب اهتماماته، أما الصنف الآخر الذي لا دخل له سوى راتب المعيشة الهزيل جدا، فتجده يبحث عن عمل يضمن له قوت العمل بالرغم من التقدم في السن والمرض والعياء. المسنون المتقاعدون بساحة سيدي بوجيدة، يتوقفون على اللعب مباشرة بعد آذان الظهر، ثم فترة راحة وقيلولة وتناول وجبة الغذاء، قبل أن يعودوا من جديد لتمتلئ بهم الساحة بعد صلاة العصر. معاشات هزيلة لأرامل حالة من عشرات الحالات التي توجد بالمغرب، سيدة أرملة توفي زوجها سنة 1987 بعد سنوات من العمل في إدارة الدفاع الوطني، راتبه الأساسي آنذاك كان يتجاوز بقليل تسعة آلاف درهم، توفي الزوج، وبعد إجراء العمليات الحسابية المعقدة، اتضح أن الزوجة سيكون بإمكانها أن تتسلم مبلغا يصل إلى 716 درهما باعتباره مبلغا نهائيا للمعاش، ولأن الأيتام هم ثلاث بنات وابن واحد، ظلت الأرملة تتسلم مبلغ 432 درهما عن كل يتيم، كتعويض عائلي شهري، وبمجرد أن يصل اليتيم إلى سن 21 يتوقف التعويض العائلي.. وبعد سنوات من الاقتطاعات، بلغت قيمة المعاش الذي تتسلمه الأرملة من مركز بريدي حوالي 70 درهما، وهو المبلغ الذي استمرت في سحبه من الوكالة البريدية نهاية كل شهر إلى حدود سنة 2008، حيث تم الرفع من قيمته ليصل الآن 93 درها، والمثير للانتباه أن الأرملة في كثير من الأحيان تضطر لأخذ سيارة أجرة للتوجه نهاية الشهر إلى الوكالة البريدية، وفي النهاية قد تظفر بنصف المبلغ فقط، السيدة هذه التي تحدثت إليها «التجديد»، ربما شاء القدر أن تكون من أسرة ميسورة «ولله الحمد»، تشكر نعم الله عز وجل، استطاعت أن تربي أبناءها وتزوجهم وتضمن لهم قوت يومهم..، تقول ابنتها، «ترى ما مصير عشرات الأرامل مثلها، ومن أين لهم بقوت يومهم؟». وتعتبر معاشات العسكريين من أقل وأضعف المعاشات التي يحصل عليها متقاعدو الوظيفة العمومية، وتزداد معاناة أسرهم بعد وفاة الزوج، حيث يحصل الأرامل على نصف المعاش الذي كان يتقاضاه الزوج أثناء حياته، مبلغ لا يسمح بتغطية أبسط متطلبات العيش اليومية، وتزداد المعاناة إن ترك الزوج المُتَوفى أبناءا في سن التمدرس، ولم يكن يملك أثناء حياته منزلا للسكن. خالتي الشريفة، كما يسميها شباب حي الليدو الصفيحي الذي يضم عددا مهما من المتقاعدين وأرامل المتقاعدين، أغلبهم من العسكريين، توفي زوجها قبل عشر سنوات، كان عسكريا وترك لها ابنة واحدة وبراكة، معاشها اليوم يصل إلى 400 درهم شهريا، يشفع لخالتي الشريفة أن مصاريفها الشهرية لا تتضمن تسديد ثمن كراء المنزل، تقول «الحمد لله مستورة واخا عايشا مكرفسا»، زوجت ابنتها وظلت وحيدة في السكن الصفيحي، معاشها الشهري تؤدي منه حوالي 120 درهما ثمن خدمة الإنارة، وتحاول قدر جهدها الاقتصاد في استعمال الماء، بل تلجأ إلى جلب الماء من أحد الآبار لضمان عدم تجاوز فاتورة استهلاك الماء 20 درهما شهريا، وإذا اقتصدت فإنها لن توفر أكثر من خمسون درهما بعد تسديد فاتورتي الماء والكهرباء !! يقول مقربون من خالتي الشريفة، أنها عانت كثيرا ولسنوات كثيرة، قبل أن تحصل مؤخرا على منحة من مؤسسة الحسن الثاني لقدماء المحاربين والعسكريين، والتي تقدر ب2500 درهم، عبارة عن منحة مساعدة ستتسلمها الأرملة كل ثلاثة أشهر. حالة أخرى لأرملة عانت كثيرا أمام عجزها عن توفير قوتها اليومي، السيدة الأرملة ترك لها الزوج منزلا صفيحيا، و450 درهما معاشا شهريا، لكنها وجدت نفسها بعد سنوات مجبرة على مغادرة المنزل الصفيحي، ولا أحد يعلم مكانها الآن، بعدما طالبها أبناء زوجة ثانية للعسكري الراحل باقتسام الإرث، وأي إرث؟. عدد كبير من المتقاعدين الذين التقت معهم «التجديد»، وأمام عدم كفاية راتب معاشهم الشهري لتلبية حاجيات الأسرة، يلجأون إلى البحث عن عمل إن أسعفتهم ظروفهم الصحية، وأكثرهم يفضلون العمل حراسا للبنايات السكنية، بما يسمح لهم من أخذ قسط من الراحة، بدل البحث عن عمل شاق لن يستطيعوا القيام به لكبر سنهم. متقاعدو التكوين المهني يستنجدون متقاعدو التكوين المهني ليسوا أحسن حالا، حيث يبلغ راتبهم الشهري بعد التقاعد حوالي 2000 درهما، مع منحة تسلم للمتقاعد لحظة التقاعد، تسمى بهدية التكريم وتقدر بحوالي 5000. لا حديث وسط المكتب الآن إلا عن قرب إحالة عدد من المستخدمين على التقاعد بعد أسابيع، يقترب الموعد، يقول أحدهم، «تنتظرنا عطلة طويلة الأمد، سيتم إحالتنا على شبح التقاعد، نعرف جميعا الراتب الذي ينتظرنا، راتب القهرة والحكرة والظلم الاجتماعي..». تصل أجرة المكونين بالتكوين المهني إلى حوالي 7000 درهم شهريا، ليغادروا بأجرة 2000 درهم، لن تكفي حتما لتغطية مصاريف الكراء والماء والكهرباء بمدينة الرباط أو الدارالبيضاء مثلا. تحول ديموغرافي مرتقب حسب تصريح لوزير المالية نزار بركة أدلى به الأسبوع الماضي، فإن 70 بالمائة من المغاربة لا يستفيدون حاليا من أنظمة التقاعد، وأن نسبة 30 بالمائة المتبقاة مهددة بعدة إكراهات بدأت بوادرها تتجسد في العجز الذي أصبح يدق باب الصندوق المغربي للتقاعد خلال نهاية السنة الحالية. وتكشف العديد من الدراسات أن التغير في الهرم الديموغرافي يرفع من احتمال وقوع مشاكل اجتماعية كبيرة، وسيعرف المغرب حسب معطيات رسمية زيادة ديمغرافية في حدود 300 ألف سنويا، وهو ما يعني أن ساكنة المملكة ستبلغ خلال 2030 ما يناهز 38 مليون فردا، كما أن نسبة الأطفال تعرف انخفاضا طفيفا وتدريجيا منذ 2008، وسيعرف المغرب بالمقابل ارتفاعا سريعا للشيخوخة، وسترتفع نسبة المسنين «أكثر من 65 سنة» من 7,6 سنة 2000 إلى 25,5 سنة 2050 بالمغرب، بالإضافة إلى الوصول إلى 5,1 في المائة للذين تزيد أعمارهم عن 80 سنة. ارتفاع يرى الكثير من المحللين سيطرح العديد من التحديات، في وقت تعرف صناديق التقاعد بالمغرب مشاكل مالية. أحمد لحلمي علمي المندوب السامي للتخطيط، سبق أن كشف عن أرقام مخيفة تدق ناقوس الخطر، منها أن 86,7 في المائة من المسنين، الذين يبلغ عددهم في المغرب خلال سنة 2006 ما يربو عن 2 مليون و400 ألف، لا يتوفرون على أي تغطية صحية، كما أن 16,1 في المائة من المسنين لا يتوفرون على معاش التقاعد. وبالتزامن مع التغييرات الديمغرافية التي ستفرز ارتفاعا مطردا لنسبة الشيوخ والمسنين، سترتفع النسبة من 8 إلى 16 بالمائة ما بين الفترة الراهنة وسنة 2030، مما يقتضي من المجتمع والدولة التفكير في هذه الفئة التي ظلت تستفيد من التضامن الأسري. *** أرقام مهمة 70 بالمائة من المغاربة لا يستفيدون حاليا من أنظمة التقاعد. حوالي 86 بالمائة من المسنين، لا يتوفرون على أي تغطية صحية. توقع ارتفاع نسبة المسنين سنة 2030 إلى 16 بالمائة بدل 8 بالمائة من ساكنة المغرب. معدل المعاشات في القطاع الخاص لا يتجاوز 1500 درهم. معدل معاشات أرامل المتقاعدين 890 درهما تقريبا. أنظمة التقاعد في المغرب يستفيد منها فقط % 30 من المغاربة، وهي نسبة ترتب المغرب في وضع حرج (تونس 77%، والجزائر 57 %، وتركيا 68 %). أنظمة التقاعد يتكون قطاع التقاعد من أربعة صناديق ذات طابع عام: الصندوق المغربي للتقاعد (CMR): الموظفون المرسمون للدولة (مدنيون وعسكريون) والجماعات المحلية. النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR): مستخدمو المؤسسات العمومية. الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS): أجراء القطاع الخاص. الصندوق المهني المغربي للتقاعد (CIMR): نظام تكميلي اختياري لفائدة أجراء القطاع الخاص. وصندوقين داخليين : مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط. بنك المغرب. التقاعد في التشريع المغربي: في القطاع العام • بلوغ الموظف أو العون العمومي سن 60 سنة من عمره. • قضاء خدمة فعلية تصل إلى 21 سنة بالنسبة للرجال و15 سنة بالنسبة للنساء (والتوقف عن العمل هنا اختياري). في القطاع الخاص • بلوغ الأجير سن 60 سنة من عمره (ويكمن للأجير أن يطلب التوقف عن العمل وبعد موافقة مشغله ابتداءا من بلوغه سن 55 سنة). • بلوغ الأجير المنجمي 55 سنة من عمره. حالات أخرى مشتركة بين القطاعين • الوفاة. • الإصابة بالعجز الصحي عن العمل. • المغادرة الطوعية.