صارت للشهادة الطبية أهمية بالغة في المجتمعات المعاصرة، لما لها من انعكاسات مهنية وقضائية واقتصادية واجتماعية، شهادة فرضت الحياة العصرية التعامل بها في كثير من المناسبات (الولادة، الحصول على رخصة مرضية، إثبات أو تشخيص نسبة العجز في حالة حوادث السير، أو حوادث الشغل، أو الضرب و الجرح، حالة الإصابة بمرض نفسي أو عقلي أو جسدي، إثبات عاهة ...). عرف غالبية فقهاء القانون الشهادة الطبية بأنها سند مكتوب مخصص لمعاينة أوتفسير وقائع ذات طابع طبي، ويشهد بمقتضاها الطبيب بأنه أجرى معاينة طبية لتشخيص حالة المعني، محددا ما أسفرت عنه تلك المعاينة الطبية في وثيقة مكتوبة، إلا أن بعض الأطباء يمنحون الموظفين شهادات تثبت حاجتهم للإجازة مرضية بدون فحص ، رغم علمهم بأن الشخص المعني غير مريض، رغم أن مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية، فيما يلجأ آخرون إلى التحايل على القضاء بالحصول على شهادات مزورة، لا تمثل الضرر الحاصل، ويجد القضاء نفسه مضطرا إلى التعامل معها، بل تعتبر سندا لتحديد نسبة العجز الذي لحق بالضحية..، فما رأي الشرع في هذا الوضع سواء بالنسبة للطبيب الذي يعطي الشهادة أوالشخص الذي يطلبها وهو لا يستحقها؟ شواهد وهمية الشواهد الطبية المزورة كانت موضوع احتجاج مهنيي السير (سائقي الطاكسيات الصغيرة) بآسفي السنة الماضية، حيث نظم هؤلاء وقفة احتجاجية أمام إحدى المستشفيات بآسفي، لاستنكار التزوير الذي يقدم عليه بعض الأطباء بمنح شواهد طبية مزورة لبعض الأشخاص الذين يتعرضون لحوادث السير للرفع من نسبة العجز، شواهد تتم من خلالها تصفية الحسابات بالمحاكم، تغير مجرى المتابعة القضائية فتضيع بسببها حقوق المظلومين وتتقوى حجج الظالمين بالاستعانة بمعطيات كاذبة، حيث ترتدي الوقائع المزيفة ثوب الوقائع الحقيقية. ضياع حقوق التلاميذ والمواطنين بسبب الشواهد الطبية المزورة والتلاعب بها، عجل باتخاذ "محمد الوفا" وزير التربية والوطنية لإجراء سيحد لا محالة من تغيب الأساتذة و المعلمين، حيث قررت وزارة التربية الوطنية الشهر الماضي التدقيق في الرخص المرضية الممنوحة للحد من التلاعب في الشهادات الطبية المزورة. وكشف وزير التربية الوطنية بأن طبيبا بمدينة الرباط أصدر 200 شهادة طبية لفائدة موظفين محسوبين على قطاع التعليم والتكوين بمبلغ 100 درهم لكل شهادة، وبسبب الأضرار التي تخلفها "الشهادات الطبية المزورة" على مستوى أداء الموظفين من جهة وضياع التلاميذ من جهة أخرى، ستعمل هذه الوزارة على تدقيق الشهادات التي يزداد عددها مع كل موسم دراسي، ففي جهة الدارالبيضاء الكبرى لوحدها، سجل الموسم الدراسي الماضي ما يقارب 20 ألف يوم بدون عمل. كذب وزور عن التزوير في وثيقة طبية، يقول علي بنبريك، أستاذ الدراسات الإسلامي بجامعة ابن زهر بأكادير، إنها من باب شهادة الزور، وهي كل شهادة مخالفة للحق ومنافية للواقع ،قال تعالي:"فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور"-سورة الحج:30) وليحذر من يستسهل هذا النوع من الشهادت أن يقع ضمن من وصفهم الله تعالى بقوله:" وَاِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً" سورة المجادلة. وفي الحديث الصحيح، يعد قول الزور -بحسب بنبريك-من أكبر الكبائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ، وجلس وكان متكئا فقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها حتى قال الصحابة: ليته سكت" (رواه البخاري) وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"-رواه البخاري-. وأوضح المتحدث نفسه أن هذا النوع من الشهادات التي يمنحها بعض الأطباء لبعض الموظفين فيها إهدار لحقوق أطراف عدة منها المواطنون الذين تتعطل مصالحهم بسبب غياب الموظف المؤتمن عليهم، والدولة التي تؤدي أجر هذا الموظف رغم إخلاله بواجبه بناء على هذه الشهادة، هذا من جهة ومن جهة أحرى فالشهادة الطبية غير الصحيحة كذب ، لا يجوز اعتمادها سواء من طرف الطبيب أو من طرف الموظف أوغيرهما ممن يطلبها لغرض التهرب من العمل. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من آفة الكذب فقال : "إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" -يشدد بنبريك موضحا، "إذا تعمد الموظف أخد عطلة مرضية دون أن يكون مريضا بسبب هذه الشهادة فلا شك أن ذلك غش وتدليس، وأكل لأموال الناس بالباطل، وكل ذلك مما حرمه الشرع وتوعد صاحبه بأوخم العواقب في الدنيا والآخرة، والموظف الذي يضطر للتغيب عن عمله لن يعدم مبررا صادقا مقبولا من الناحية الشرعية والقانونية".