جولة قصيرة على محلات الذهب بالرباط تكشف عن تراجع إقبال المواطنين على اقتناء هذه الحلي التي تعتبر بالنسبة للنساء رمزا للتميز والأناقة، وأصبحت النساء اليوم تقفن أمام محلات بيع الذهب تسترقن النظر إلى القطع الذهبية المعروضة وتكتفين بالسؤال عن السعر الحالي للغرام الواحد. «محمد» صاحب محل لبيع الحلي الذهبية بمدينة تمارة يؤكد ل»التجديد» أنه يتلقى يوميا أسئلة الزبائن حول سعر اليوم ومعظمهن تنتابهن حالة من الذهول عندما يعرفن الثمن ، «منذ سنتين وأنا أتوقع أن ينخفض سعر الذهب لأشتري بعض الحلي، لكني في كل مرة أصطدم بالارتفاع المستمر للأسعار بشكل لم يعد الشراء حلما قريبا بالنظر إلى ارتفاع غلاء المعيشة وثبات الرواتب» تقول «شريفة»وهي ربة بيت وتضيف « لا أستطيع دفع السعر الذي يطلبه أصحاب المحلات لذلك قمت ببيع أساوري واشتريت بالمبلغ الذي حصلت عليه أساور جديدة والباقي أدفعه بالتقسيط للبائع» حالة «شريفة» ليست استثناء فكثير من النساء لم يعد يغريهن شراء الحلي الذهبية، وهو شأن فاطمة وهي ربة بيت والتي أبدت استغرابها من ارتفاع أسعار الذهب إلى أرقام لم تكن تتوقعها وهي التي اشترت في الماضي حليها ب 100 درهم أو 150 درهم للغرام لتفاجأ اليوم بأسعار الذهب تتراوح ما بين 350 و 400 درهم للغرام، وتستنكر لحجم الخواتيم الصغير مقابل الأثمان الباهضة، تقول «فاطمة» ل»التجديد» « اللي دار الذهب شحال هادي هو اللي ربح» أما اليوم فلم يعد هناك ما يشجع على اقتناء حلي ذهبية جديدة. لا تجد بعض النساء اللواتي التقتهن «التجديد» تفسيرا لارتفاع أسعار الذهب لكن رشيدة وهي عاملة تقول إن « الغلاء مس كل شيء» وتضيف « إذا كان أسعار استئجار المنزل وفاتورة الماء الكهرباء والمدارس والخضر والادوية وهي من الضروريات قد ارتفعت، فلماذا لا يرتفع أيضا ثمن الذهب» منافسة بين المعادن أمام هذا الغلاء والذي لا يناسب الأسر المغربية البسيطة، اندفعت النساء نحو الحلي النحاسية وهي التجارة التي انتعشت بشكل ملحوظ هذا العام، جولة قصيرة في درب عمر أو شارع الجزاء في الرباط أو مدن أخرى تكشف عن نشاط تجاري جديد، نساء ورجال يجلسون في أي مكان من الشارع وأمامهم طاولة مليئة بحلي متنوعة: خواتم سلاسل، أساور أقراط.. وكلها من النحاس. في شارع الجزاء بالرباط، تتزاحم النساء أمام أحد البائعين، كل واحدة منهن تجرب ما اشتهته عينها من حلي وتسأل عن الثمن، البائع بدوره لا يدخر جهدا في إغرائهن بمزايا سلعته ويدعوهن إلى التزين بالنحاس بأرخص الأثمان « اختاري ما يناسبك والثمن رخيص وما علي إلا أن أنظف القطعة التي تريدين حتى تصبح لامعة براقة» هكذا يحاول البائع إغراءنا بالشراء. ارتفاع أسعار الذهب دفعت النساء إلى الإقبال على حلي أخرى من أجل الزينة وحضور المناسبات والأفراح فلم يعد الذهب سيد الحفلات، بل دخل حلبة المنافسة كل من النحاس والفضة والحلي القادمة من تركيا وتايوان والصين. الباعة يشتكون العديد من بائعي المجوهرات يؤكدون من جانبهم تناقص الطلب على الذهب بالمغرب، ويشتكون من وضعية القطاع الذي تكبد خسائر متتالية منذ سنوات أدت إلى إفلاس عدد من معامل صياغة الذهب التي سرحت العاملين بها كما أدت إلى إغلاق عدد من الباعة محلاتهم بسبب عدم صمودهم امام تقلبات الأسعار. صاحب محل لبيع الذهب بالرباط، قال ل»التجديد» إن القدرة الشرائية للمواطنين هي المحدد الرئيسي في البيع والشراء، موضحا أنه «مادام الزبون ميسورا ماديا ويمتلك المال فلا يهمه أن يرتفع ثمن الذهب إذا كانت لديه الرغبة في اقتنائه» ويضيف أن بعض زبائنه هجروا محله في حين ما زال آخرون أوفياء لشراء المجوهرات الذهبية. بائع آخر قال إن ارتفاع الأسعار هم سوق الذهب والفضة على حد سواء، موضحا أن معظم المواطنين يفضلون حاليا البيع على الشراء، فالمواطن يربح ثلاث مرات أكثر في حالة بيعه لمجوهراته ويضيف « في الماضي كانت الأسعار أقل مما هي عليه وكانت الحركة التجارية رائجة، أما الآن فأصبح الكساد في السوق والأغلبية يتجهون إلى البيع من أجل تحقيق الأرباح فالذي اشترى حليا ذهبية ب 100 درهم منذ سنوات سيبيعها الآن ب 300 درهم فالربح هنا مضاعف ثلاث مرات» يقول نفس البائع أن «هناك إقبال حاليا على شراء الحلي المصنوعة من النحاس لأن ثمنه منخفض وأرخص حتى من الفضة التي كنا نشتريها ب 5 دراهم والآن ب 16 درهم للجملة أي أنها تضاعفت 3 مرات». البائع المذكور يزاوج بين بيع الحلي المصنوعة من الذهب وتلك المصنوعة من النحاس ويقول إنه ينتظر أن تشهد الأيام المقبلة عن تحسن في الحركة التجارية وعودة الذهب إلى سابق عهده. صنايعة الذهب تحولوا إلى النحاس المصدق أمين صناع معامل الذهب في الدارالبيضاء قال ل»التجديد» إن ارتفاع أسعار الذهب ظاهرة عالمية ولا تهم المغرب فقط، حيث تضاعف السعر من ثلاثة إلى أربع مرات خلال الأربع سنوات الماضية مقابل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ويقول المصدق أن «الدهيبية» يعيشون حالة من الركود منذ أكثر من أربع سنوات وهي الوضعية التي يعانيها الصناع والتجار على حد سواء. يقول المصدق أن معظم المعامل في الدارالبيضاء أغلقت أبوابها وسرحت العاملين بها الذين انضافوا إلى جيوش المعطلين، «هذا القطاع كان يشغل ما بين 40 ألف و 50 ألف عامل في الدارالبيضاء لوحدها لكن الآن أفلست هذه المعامل وتم تسريح العمال» يشرح أمين الصنايعية ويضيف أن هؤلاء العمال المسرحين هم الذين يشتغلون حاليا في صناعة النحاس، «أصبح هؤلاء العمال يشتغلون في النحاس في درب عمر، إنهم يقومون بصناعة حلي من معدن النحاس بشكل يضاهي النقوش التي كانوا يشتغلون بها على الذهب ويبيعونها بأثمان زهيدة» ويؤكد ما قاله «بائعو النحاس حاليا في مختلف المدن المغربية كلهم كانوا صناع ذهب وبسبب إغلاق المعامل أصبحوا يصنعون النحاس بنقوش خاصة مثل الذهب» يفسر المصدق ضعف الإقبال على شراء الحلي الذهبية بكون « هذا القطاع يعتبر بالنسبة للمواطنين كماليات وبسبب ارتفاع تكلفة المعيشة ومعدلات البطالة تراجع الشراء، الناس يكتفون بمشاهدة الجديد في الفيترينات ويغادرون دون أن يشتروا، فقط المقدمين على الزواج هم من يحرصون على الشراء ولو مجوهرات خفيفة» شكوى من الضرائب يقول المصدق أمين الصنايعية في البيضاء إنهم إلى جانب الكساد الذي سببه ارتفاع أسعار الذهب في المغرب يشتكون من الضرائب، ويقول « تواصلنا مع المسؤولين واشتكينا من الضرائب التي تكلف المهنيين الكثير بالنظر إلى ركود السوق حيث إن بعض المهنيين أعلنوا الإفلاس وأغلقوا محلاتهم لكنهم ما زالوا يتوصلون بالضرائب سنويا». من جهة أخرى يقول المصدق إن المهنيين يعانون من منافسة البضائع القادمة من تركيا وتايوان والصين والتي أثرت على المبيعات المغربية من الفضة. «نحن لا نستطيع منافسة هذه السلع، فهؤلاء يتوفرون على آلات وتكوين عالي للصناع ويشتغلون بتقنيات عالية» ويضيف « أنا لدي آلات أنقش بها على الفضة وحاليا لا يقصدني حتى 2 بالمائة من الزبائن الذين كانوا يشترون مني في الماضي» لذلك يضطر أمثالي إلى التوجه للاتجار في السلع المستوردة والتي تكون متقنة ورخيصة وهذا ينعكس سلبا على الحلي المغربية المصنوعة من الفضة. الحلي المستعملة هي الرائجة دفعت حالة الركود التي يعيشها سوق الذهب في المغرب أصحاب المحلات إلى ابتكار طرق جديدة من أجل حماية محلاتهم من الإفلاس، وهذا ما يؤكد «محمد» صاحب محل لبيع الذهب بتمارة فهو يمنح تسهيلات لزبائنه إذ أنهم يشترون منهم القطعة التي يريدونها مقابل الدفع بالتقسيط، وهذا ما شجع الراغبين في الشراء على التعامل معه ويضيف «لولا هذه الطريقة لبقيت السلعة كاسدة في المحل ولبارت تجارتي» بالمقابل اتجه عدد من التجار إلى الاتجار في المجوهرات الخفيفة الوزن حتى تستجيب للقدرة الشرائية المحدودة للأسر المغربية. من جانبه يقول المصدق أمين الصنايعية في البيضاء إن السلع الرائجة في السوق حاليا هي المجوهرات القديمة والتي يشتريها التجار من أصحابها ويعيدون تنظيفها وغسلها ثم بيعها من جديد، « لا يوجد جديد في تالذهب حاليا كل ما يروج في السوق هو من الحلي المستعملة، فالعديد من الورشات أغلقت». يتذكر المصدق أنه منذ خمسين سنة حدثت نفس الأزمة لكن بعد ذلك انتعشت السوق وانطلق القطاع من جديد، لكنه يقول « حاليا طالت الازمة ونتمنى أن ينفرج السوق قريبا». *** المغرب يخزن 22 ألف طن من الذهب كشف موقع «فوربس- الشرق الأوسط» أن مخزونات المغرب من الذهب لدى البنك المركزي بلغت 22 ألف طنا سنة 2012، بقيمة 8 ملايير درهم وهو يناهز 5,60 في المائة من الموجودات من العملة الصعبة، بينما يصل المعدل العالمي إلى 12 في المائة، واحتل المغرب بذلك المرتبة الثامنة عربيا وراء كل من السعودية، لبنان، الجزائر، ليبيا، الكويت، مصر، وسوريا. وذكر الموقع، أن احتياطي المغرب من الذهب، يشكل نسبة 5.6 في المائة من احتياطات المصرف المركزي للذهب بالدول العربية. إلى ذلك، أفاد موقع «فوربس- الشرق الأوسط» أن مخزونات الذهب في الدول العربية وصل إلى ألف و174 طنا سنة 2012. وأضاف الموقع أن مخزونات الدول العربية، تشكل 3.8 في المائة، من احتياطات العالم من المعدن، وذلك حسب آخر الإحصاءات التي أصدرها مجلس الذهب العالمي هذه السنة. واحتلت السعودية المرتبة الأولى عربيا و16 عالميا ب 322.90 طن من الاحتياطي، أما مؤخرة الترتيب العربي، فقد احتلته موريتانيا بنسبة 0.40 في المائة من الاحتياطي الداخلي من الذهب. يشار إلى أن المجلة الأمريكية الشهرية فوربس تعد من أشهر المجلات الاقتصادية عالميا، حيث تعنى في الدرجة الأولى بإحصاء الثروات ومراقبة نمو المؤسسات والشركات المالية حول العالم وتقوم كل عام برصد وإحصاء أرصدة أغنيائه في قوائم من أشهرها على الإطلاق قائمة 100 شخص الأغنى في العالم. *** سعر الذهب يتراجع لأول مرة واصل سعر الذهب تراجعه بأكثر من واحد في المائة خلال جلسة يوم الثلاثاء، مسجلا أكبر انخفاض له في جلسة واحدة على مدار شهر وهو نفس المسار التراجعي الذي انخرط فيه الأورو حيث انزلق إلى أدنى مستوياته خلال معاملات اليوم مقابل الدولار. وهكذا هبط السعر الفوري للذهب ب35ر1 في المائة وصولا إلى 1615,76 دولارا للأوقية قبل أن ينزلق إلى أدنى مستوياته بتسجيله سعر 1613,49 دولار وهو أقل سعر له منذ أوائل أبريل.