في خطوة تكشف عن أزمة عميقة ومعقدة تعكس حجم الانقسام والتجاذب في المشهد المصري بين الأطياف السياسية الممثلة في البرلمان حول صياغة الدستور القادم، قرر الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب ورئيس الجمعية التأسيسية للدستور تأجيل الاجتماع الذي كان مقرراً للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، مساء أول أمس، «احتراماً لحجية الأحكام القضائية واجبة النفاذ وإعلاء لسيادة الدستور والقانون»، على حد قوله. وكانت محكمة القضاء الإداري قررت، أول أمس، وقف تنفيذ قرار مجلسي الشعب والشورى بتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور (وذلك في الدعاوي القضائية التي أقامها محامون وعدد من أساتذة القانون الدستوري، لوقف قرار مجلس الشعب في هذا الشأن)، وإحالة الدعوى في الموضوع لهيئة مفوضي الدولة لوضع تقرير بالرأي القانوني فيها. كما رفضت المحكمة الدفع الذي أبداه محامو مجلس الشعب بعدم اختصاصها بنظر هذه الدعوى، وأكدت المحكمة أنها الجهة المختصة. وأكدت المحكمة أن قرار الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب بتشكيل الجمعية هو قرار إداري يدخل تحت رقابة القضاء، ويجوز لمحاكم مجلس الدولة مراقبته. وقال الدكتور أحمد أبو بركة، المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة، إن حكم وقف تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور سيطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، وقال إن الحكم لا يحوز أي حجية قانونية ولا يحوز قوة الشيء المطعون عليه، واعتبره يمثل حالة من حالات مبدأ انتهاك الفصل بين السلطات. واستطرد أبو بركة: «وبالتالي فهو حكم مرجح إلغاؤه أمام الإدارية العليا»، مشيراً إلى أن إجراءات الطعن ستتم اليوم (أول أمس)، وأوضح ل»بوابة الأهرام» أن الحكم يمثل حالة من أظهر حالات الخطأ في تطبيق القانون. وأشار إلى أنه في حال صدور حكم الإدارية العليا بتأييد بطلان التشكيل فإن من حق مجلس الشعب ألا يعيره أي اهتمام، لأنه يعد تغولاً من سلطة على أخرى، وهو ما لا يجوز. إلا أن الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة أكد احترام الحزب الكامل لأحكام القضاء المصري، التي يدخل فيها حكم محكمة القضاء الإداري اليوم بوقف تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد. ونفى في تصريح صحافي قيام الحزب بالطعن على هذا الحكم، موضحاً أن الحزب ليس طرفاً في هذه الخصومة. وأكد في الوقت ذاته حرص الحزب على التعاون مع كل القوى والأحزاب السياسية في صناعة دستور يُعبِّر عن كل فئات وأطياف وهيئات الشعب المصري، وفق ما نقل عنه موقع الحزب الرسمي. وعبر خيرت الشاطر المرشح «الإخواني» للرئاسة في مصر عن احترامه لأحكام القضاء الإداري بوقف تشكيل «تأسيسية الدستور»، ودعا «جميع القوى الوطنية (المصرية) إلى الجلوس معًا للوصول إلى أفضل الحلول لعبور هذه الأزمة»، وقال إن «مصر في حاجة إلى الجميع وإلى وضع دستور يؤسس للدولة الديمقراطية الحديثة ويمهِّد للنهضة المرجوَّة». حل الأزمة من جانبه، قال الدكتور وحيد عبد المجيد عضو الجمعية التأسيسية للدستور إن حل «الأزمة» ينبغي أن يكون «سياسياً» وليس «قضائيا»، وأشار إلى أن الأزمة موجودة منذ تشكيل اللجنة، مؤكداً أن الجهود ما زالت تبذل لحلها، وتابع «وعموماً لم نصل لطريق مسدود في المفاوضات ولم نعالج الأزمة، ونحاول الوصول إلى نقطة التقاء مع كل الأطراف»، وفق ما نقلت عنه «العربية.نت». بدوره، أكد الدكتور طلعت مرزوق رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى أن «المجلس سيرى كيفية التعامل معه بالشكل القانوني، ونحن نحترم أحكام القضاء ونتعامل معها بكل شفافية». وأكد المستشار محمد عبد البديع رئيس محكمة بمجلس الدولة، في تصريح لموقع قناة «العربية»، أن الحكم الصادر في شقه المستعجل يوجب على البرلمان المصري تنفيذه لحين الطعن عليه، وقد قضى الحكم أيضا في شقه الموضوعي بإحالة الدعوى إلى هيئة المفوضين لدراسته، وأثناء ذلك سيتم الطعن على الحكم ويحال بعدها إلى المحكمة الإدارية العليا لتقول كلمتها، فإذا أقرت الحكم السابق بوقف تنفيذ قرار تشكيل الجمعية التأسيسية سيصبح لزاماً على مجلس الشعب إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية». غموض في الحيثيات في غضون ذلك، قال عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة والفقيه القانوني صبحي صالح: «إن الحكم لا يمثل لنا كإخوان أي مشكلة على الإطلاق، لأننا لسنا طرفاً في القضية ولا في تلك الأزمة». وأشار صالح إلى أن الطعن على الحكم وارد من أي من أعضاء الجمعية التأسيسية المنتخبين أو من الجمعية ككيان، وسواء تم الحكم بوقف التشكيل أو إعادته ليس لدينا ما يقلقنا، لأن في النهاية البرلمان بغرفتيه «الشعب والشورى» هو الذي سوف يختار أيضا أعضاء الجمعية بالانتخاب، وذلك طبقاً للنص الدستوري الواضح، وبالتالي إذا كانت المشكلة في تشكيل الجمعية من 50 % من أعضاء مجلسي الشعب والشورى و50 % من خارجه، فنحن أيضا ليس لدينا أزمة، لأن الكلمة الأولى والأخيرة للبرلمان ونحن الأغلبية فيه، إلا إذا وضعوا قانونا قالوا فيه لا يجوز مشاركة «الإخوان» في الجمعية التأسيسية، بحسب ما نقل عنه المصدر الإعلامي السابق. وفيما يتعلق بالحكم نفسه، قال صالح: الحكم من الناحية القانونية عليه ملاحظات وقابل للطعن لأنه ببساطة شديدة ما علاقة مجلس الدولة بالسلطة التشريعية، ثم إن مبدأ الفصل بين السلطات يقتضي بعدم تدخل القضاء الإداري في أعمال المجلس، لأنه ليس جهة إدارية ولا يصدر قرارات إدارية، ولكن على أي حال نحن نحترم حجية الأحكام. وأردف صالح قائلا إن هذا الحكم سوف يؤجل وضع الدستور، وبالتالي فإن الحكم لم يحل أزمة، وإنما صنعها، مشيراً إلى أن رئيس الجمعية التأسيسية الدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب سوف يتم إخطاره رسمياً بالحكم أولا، وبالتالي سيتم تأجيل انعقاد جلسات الجمعية لحين البت فى الأمر. وفي سياق متصل، قال القيادي الإخواني حمدي حسن في تصريحات صحفية، أول أمس، رداً على اتهام الإخوان بأنهم يريدون السيطرة على وضع الدستور إن الحكم صدر من حيث الشكل فقط، ولم تفسر المحكمة أسباب الحكم حتى الآن وحولته إلى هيئة المفوضين، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل قضت بوقف تشكيل الجمعية اعتراضاً على نسبة التمثيل فيها وهي 50 % من مجلسي الشعب والشورى و50 % من شخصيات خارج المجلس أم اعتراضا على أشخاص بعينهم. واعتبر حسن أن الحكم غير واضح على الإطلاق وأنه من حق الجمعية تقديم طعن أمام المحكمة الإدارية العليا، متابعاً أنه كان لا يجوز من الأساس قبول الطعن على تشكيل الجمعية، لأنه من أعمال البرلمان وليس قرارا إداريا يحق لمجلس الدولة أن يصدر فيه قراراً. يشار إلى أن حكم محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار مجلسي الشعب والشورى بتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور جاء بناء على دعاوي قضائية أقامها محامون وعدد من أساتذة القانون الدستوري لوقف قرار مجلس الشعب في هذا الشأن.