دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع على وضع الدستور المصري يفتح الأبواب على كل الاحتمالات
أخطار سياسة حافة الهاوية
نشر في العلم يوم 02 - 04 - 2012

خلال الثلث الأخير من شهر مارس 2012 اسدل الستار على فصل جديد من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية ركوب حركة التطور والتحول في مصر لتحقيق جزء من مخططاتها التي تشمل كل ما يسمى منطقة الشرق الأوسط الكبير، وذلك بإعلان البيت الأبيض أنه سينفذ كل التزاماته خاصة المالية والعسكرية تجاه الحكومة المصرية.
المواجهة التي دارت بين القاهرة وواشنطن لعدة أشهر والتي وصفتها بعض وسائل الإعلام الدولية بمعركة تكسير العظام، إنتهت دون أن تنجح الإدارة الأمريكية في فرض تصورها لعمل وتمويل ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية، ولا في استغلال قضية المساعدات العسكرية والمدنية التي تقدمها لمصر لتملي شروطها.
وزارة الخارجية الأمريكية وبالتعاون مع بعض الأطراف السياسية في مصر والتي شكرتها الوزيرة كلينتون ومشرعين في الكونغرس الأمريكي علنا، نجحت في إخراج 16 من المتهمين الأمريكيين والغربيين المتورطين في تنظيمات أجنبية متهمة بخرق القوانين المصرية وتلقي تمويل أجنبي غير قانوني ومخالفة للتشريعات المعمول بها في مصر وذلك دون انتظار نتائج محاكمتهم، التي قدر البعض أنها ستكشف أخطر مؤامرة على المنطقة منذ إتفاقية سايكس بيكو سازانوف عام 1916، والتي كانت تفاهما سريا بين فرنسا والمملكة المتحدة على اقتسام الهلال الخصيب بينهما لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى.
الغضب والجدل الذي أثارته عملية رحيل المتهمين الغربيين مستمر ويفرز في كل يوم نتائج تظهر أبعادها على حسم جزء من الصراعات التي تتواصل على الساحة المصرية. المهم كما يقول ملاحظون من غرب أوروبا هو أن غالبية الشعب المصري أدركت أن مسألة المنظمات ليست سوى قمة جبل الجليد الطافي فوق الماء والذي يختفي غالبه تحت السطح، وأن هناك ما هو أخطر كثيرا في الممارسات الأمريكية وتابعيها سواء كانوا من الأوربيين أو أطرافا عربية تتوفر على قدرات مالية ضخمة وتتدخل في الشأن المصري الداخلي وأطراف عربية أخرى.
يشار أنه يوم 1 سبتمبر 2011 هدد موقع ويكيليكس الذي شرع خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2010 في نشر مئات آلاف الوثائق السرية الأمريكية، بنشر الصيغة الكاملة لبرقيات يبلغ عددها 251 الفا و287 بها جزء كبير يشرح أساليب استغلال مجموعة من المصالح والادارات الأمريكية للعديد من منظمات المجتمع المدني للتجسس ونشر الفوضى وأعمال الشغب. ولكن على أثر تحذيرات بعض "منظمات حقوق الانسان" وحكومة الولايات المتحدة من مغبة ما يمكن ان يمثله هذا الأمر بالنسبة إلى الاشخاص الواردة اسماؤهم فيها وإمكانية تعرضهم لأحكام بالسجن أو الإعدام في دولهم بتهمة التجسس والتخريب، أمتنع جوليان اسانغ مؤسس الموقع عن نشر الأسماء والتفاصيل التي تبين كذلك تعاون المخابرات المركزية والخارجية الأمريكيتين للتدخل في شؤون دول ذات سيادة.
بعض مصادر الرصد أفادت أن مؤسس موقع ويكيليكس، نقل إلى أطراف عدة التفاصيل التي حجبها مؤقتا وذلك كتأمين شخصي له له وكذلك كسلاح يمكن أن يستخدم في وقت لاحق.
في نهاية شهر مارس 2012 وجه بعض الأعضاء المؤثرين في الكونغرس الأمريكي لوما إلى إدارة الرئيس أوباما، قائلين أن تراجعها في المواجهة مع المجلس العسكري في مصر شجع دولة الإمارات العربية المتحدة على أغلاق مكتب المعهد الديمقراطي الوطني الممول أمريكيا في دبي ومؤسسة كونراد اديناور القريبة من المحافظين في حزب انغيلا ميركل الألماني بتهمة القيام بنشاطات غير مشروعة، وحذر هؤلاء النواب من أنه إذا لم تستخدم واشنطن كل وسائل ضغطها فإن دولا أخرى خاصة في المنطقة العربية ستقوم بخطوات مشابهة.
الدستور
مع نهاية شهر مارس 2012 نشبت ازمة جديدة في مصر ولكن هذه المرة بين حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين من جهة، والمجلس العسكري وعدد من الأحزاب والقوى السياسية من جهة أخرى، وذلك حول اختيار مجلس "الشعب" البرلمان يوم السبت 24 مارس لأعضاء اللجنة التي ستضع دستورا جديدا للبلاد.
الملفت أنه في نطاق الصراع الجديد وفي هجوم استباقي اتهمت جماعة الاخوان المسلمين ضمنا الجيش بالرغبة في تزوير انتخابات الرئاسة والتأثير على المحكمة الدستورية العليا لحل البرلمان.
المجلس العسكري رد، فأعرب عن "استيائه البالغ" من قيام طرف ب "التشكيك في نواياه" وفي "استقلال المحكمة الدستورية العليا".
وقال المجلس العسكري في بيان له ان "المجلس الأعلى للقوات المسلحة تابع ببالغ الاستياء ما تناولته وسائل الاعلام من بيانات صدرت من إحدى القوى السياسية بما يطعن فى نزاهة قصد بهاالقوات المسلحة ومجلسها الأعلى وينال من أداء ووطنية الحكومات ويشكك فى استقلال المحكمة الدستورية العليا والتأثير على حيادها فى أحكامها".
واعتبر المجلس العسكري في بيانه الذي لم يسم الاخوان صراحة ان "الحديث عن تهديدات بوجود طعن فى دستورية مجلس الشعب أمام المحكمة الدستورية العليا والإيحاء بخضوع هذه المحكمة الجليلة للسلطة التنفيذية إنما هو أسلوب غير مقبول يستهدف الإساءة إلى القضاء المصري العريق وإستباق أحكامه والسعي إلى تحقيق مصالح حزبية ضيقة على حساب قدسية القضاء".
وفي اشارة الى فوز الاخوان المسلمين والسلفيين الكاسح في الانتخابات التشريعية التي جرت في ظل تولي الجيش للسلطة بعد تنحي الرئيس حسني مبارك في فبراير 2011، قال بيان المجلس العسكري ان "القوات المسلحة ومجلسها الأعلى هم من خططوا ونفذوا الانتخابات التشريعية السابقة بشفافية ونزاهة شهد بها الجميع وأفرزت القوى السياسية الحالية بمجلسي الشعب والشورى".
ودعا المجلس العسكري "الجميع إلى أن يعوا دروس التاريخ لتجنب تكرار أخطاء ماضي لا نريد له أن يعود والنظر إلى المستقبل بروح من التعاون والتآزر" في تلميح واضح الى المواجهة العنيفة التي وقعت بين جماعة الاخوان والرئيس الاسبق جمال عبد الناصر في العام 1954 والتي انتهت بحل الجماعة في ذلك العام.
في عملية إمتحان القوى كذلك فتح رئيس الوزراء المصري، د .كمال الجنزوري، النار على حزب الاخوان في البرلمان، محذرا من مؤامرة تتعرض لها مصر، وأبدى مخاوفه على ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وتحدى البرلمان، معتبرا أنه لا يملك سندا قانونيا لسحب الثقة من الحكومة، وأوضح أن الإعلان الدستوري الصادر عقب الاستفتاء الشعبي في 19 مارس عام 2011 لا يتضمن نصا واحدا يتعلق بسحب الثقة، وأن سلطة البرلمان وفق المادة 33 من الإعلان هي التشريع والمراقبة للخطة والموازنة العامة.
طعون أمام القضاء
يذكر ان عددا من المحامين والشخصيات العامة بمصر اقاموا امام القضاء الاداري دعاوى يطعنون فيها في صحة الانتخابات البرلمانية التي اجريت في نوفمبر وديسمبر 2011 معتبرين ان القانون الذي اجريت على أساسه غير دستوري.
واحالت المحكمة الادارية العليا الطعن في دستورية قانون الانتخابات الى المحكمة الدستورية العليا.
الأزمة تفاقمت بموازاة مع نشوب جدال عنيف حول الجمعية التأسيسية التي انتخبها مجلسا الشعب والشوري والتي يشكل الاسلاميون غالبية اعضائها المئة. حيث أن 37 من اعضاء البرلمان ال50 الممثلين في اللجنة هم من التيار الاسلامي الذي ينتمي اليه ايضا عدد كبير من شخصيات المجتمع المدني ال50 الذين يشكلون النصف الاخر للجنة، وبهذا يتحكم الإسلاميون فيما يزيد عن 75 في المائة من الأعضاء.
يوم الاحد 25 مارس أعلنت عدة احزاب انسحابها من الجمعية التأسيسية احتجاجا على هيمنة حزبي الحرية العدالة والنور السلفي عليها. وإتهم نواب هذه الأحزاب وجزء منهم من المطالبين بمدنية الدولة زملائهم في حزبي العدالة والحرية، والنور، بالرغبة في الاستحواذ على اللجنة التي ستضع بذلك دستورا على هواهم ومن ثم لا يمثل باقي قوى المجتمع.
وأكد الحزبان الليبراليان الرئيسيان في البرلمان وهما المصريون الاحرار والحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي انسحابهما من الجمعية التأسيسية بعد ان قاطع نوابهما انتخاب هذه الجمعية السبت. وفي وقت لاحق انضم حزب الوفد إلى المقاطعين.
كما انسحبت من هذه الجمعية للسبب نفسة كتلة الثورة المستمرة التي تضم حركات ثورية وشبابية وحزب العدل "وسط" وحزب الكرامة الناصري. وأكدت الاحزاب التي انسحبت، ان الدستور لابد ان يكون معبرا عن المجتمع المصري بكامله وليس عن "اغلبية برلمانية" قد تتغير في الانتخابات المقبلة، كما اعترضوا على ضعف تمثيل المرأة والأقباط في هذه الجمعية التأسيسية.
النائب البرلماني والمنسق العام للتحالف الديمقراطي، وحيد عبد المجيد، أعلن الانسحاب من الجمعية، وذلك اعتراضا على ما أسماه حالة عدم التوافق بشأن اختيارات أعضائها.
عدة حركات شبابية تعهدت بإسقاط سلطة "الإخوان"، ودعت القوى السياسية الى عدم الاعتراف بشرعية باللجنة التأسيسية للدستور. وبدأ القضاء المصري نظر أكثر من 15 دعوى قضائية تطالب بإلغاء قرار البرلمان بتشكيل جمعية الدستور، فيما أعلنت مجموعة أخرى من الأحزاب والقوى الوطنية والحركات الثورية عن تأسيس جبهة "دستور لكل المصريين" للدفاع عن حق الشعب المصري في صياغة دستور يحصن حقوقه الأساسية ويضمن تمثيل جميع فئات وقوى المجتمع في كتابته والتوافق عليه.
ونظم مواطنون مسيرة انطلقت من ميدان التحرير إلى مجلس الشعب، احتجاجا على سيطرة حزبي الحرية والعدالة والنور على أغلبية الجمعية التأسيسية للدستور. وطالب المتظاهرون خلال مسيرتهم بإسقاط لجنة وضع الدستور، ودعوا إلى إعادة تشكيلها، بما يضمن تمثيل كل القوى السياسية والوطنية ومختلف النقابات المهنية والعمال والاتحادات الطلابية والهيئات القضائية والشخصيات العامة التي لديها خبرة في وضع الدساتير. كما دعا هؤلاء جموع الشعب إلى المشاركة في مليونية "دستور لكل المصريين" بميدان التحرير، وكافة ميادين محافظات مصر، احتجاجا على الطريقة التي تم بها تشكيل لجنة صياغة الدستور، واحتجاجا على سيطرة التيارات الإسلامية على وضع الدستور طالب خبراء سياسيون بمشاركة القوى الوطنية في كتابة الدستور الجديد وعدم استئثار قوى التيار الإسلامي على كتابته، وحذر الكاتب الصحافي سعد هجرس ورئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بهي الدين حسن، خلال ورشة عمل نظمتها مؤسسة عالم واحد للتنمية بمنتدى رفاعة الطهطاوي بعنوان "مسار دستور مصر من اندلاع موجة غضب، وأعلن عدد من المتناظرين رفضهم سيطرة الحرية والعدالة والنور على الجمعية التأسيسية للدستور.
موقف الأزهر
الأزهر الشريف الذي لا ينازع أحد في ثقله على الصعيد الشعبي المصري، أعلن من جانبه انسحابه من المشاركة في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، كما أعلن تحفظه على تمثيل الأزهر في لجنة الدستور احتجاجا على ما رآه تهميشا لدوره في قضية وطنية محورية.
وأكد مجمع البحوث الإسلامية، في بيان له، عقب اجتماع عقده برئاسة شيخ الأزهر أحمد الطيب، أن الأزهر رأى تهميش دوره في قضية وطنية محورية، وهي إعداد مشروع الدستور، مضيفا أن الأزهر الشريف يعلن اعتذاره عن عدم المشاركة في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. وكانت اللجنة المختصة لاختيار أعضاء لجنة صياغة الدستور قد اختارت مفتي الديار الأسبق د .نصر فريد واصل فقط ممثلاً للأزهر في اللجنة، وهو ما اعتبر تهميشا لدوره وتحجيماً لمكانته، حيث رفضت اللجنة تمثيل اثنين من مستشاري شيخ الأزهر، وهما الدكتور عبد الدايم نصير مستشار شيخ الأزهر لشؤون التعليم والمستشار القانوني محمد عبدالسلام.
المحكمة الدستورية العليا بدورها انضمت إلى إعتراضات الأزهر، حيث أعلنت أن المستشار علي عوض نائب رئيس المحكمة قرر الانسحاب من الجمعية عقب اجتماع الجمعية العمومية للمحكمة، مشيرة إلى أن القرار جاء نتيجة لما تشهده الساحة السياسية في البلاد من جدل بين القوى السياسية والحزبية حول سلامة تشكيل الجمعية التأسيسية، وكذلك صحة إجراءات انتخاب أعضائها، ما يثير شكوكا، الأمر الذي دفع المحكمة إلى انسحاب ممثلها حتى تكون بمنأى عن الجدل الدائر.
رفض من الداخل
يسجل أنه منذ الإعلان عن انتخاب الجمعية التأسيسية، والمشهد السياسي في مصر يشهد حالة من الجدل الواسع، امتد من اعتراض القوى السياسية المدنية على تشكيل الجمعية إلى الإسلاميين ذاتهم، الذين بدأت فصائلهم تبدي رفضها للطريقة التي جرى بها انتخاب الجمعية.
هذه الانتقادات لم تتوقف عند بعض شرائح التيار الإسلامي داخل البرلمان فقط، لكنها تجاوزتها إلى شرائح أخرى خارجه، فحزب "البناء والتنمية"، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، اعتبر، على لسان رئيس كتلته البرلمانية د . محمد الصغير، أن الطريقة التي جرت بها عملية انتخاب الجمعية كانت أشبه بمدرسة الخط، التي كان يقوم فيها النواب الإسلاميون بانتخاب ما كان يملى عليهم من قائمة موحدة ثم توزيعها على نواب حزبي الحرية والعدالة والنور، وقد ضمت أسماء يبدو أن الحزبين توافقا على انتخابها لعضوية الجمعية. لذلك يخلص د . الصغير إلى أن انتخاب أعضاء الجمعية تم بطريقة المغالبة.
حزب الأصالة، ذو الاتجاه السلفي، ذهب في إنتقاده على الخط ذاته.
الانتقادات التي يثيرها إسلاميون حول طريقة انتخاب الجمعية التأسيسية تكاد تتفق مع النقد نفسه الذي توجهه القوى المناوئة لحزبي الأغلبية البرلمانية، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر حول انعكاسات الصياغة التي سيخرج بها مشروع الدستور في ظل عدم التوافق أو التجانس حول طريقة صياغته، ما قد يترجم عدم دستوريته بالأساس في ظل الدعاوى القضائية المطالبة بوقف عمل الجمعية من ناحية، واعتذار أعضاء من المحكمة الدستورية عن عدم عضوية الجمعية من ناحية أخرى.
فقدان الثقة
من جهة أخري، طالب سياسيون بضرورة وضع معاير للجنة الدستور، استنادا لفقدان الثقة بين أوساط الرأي العام وجماعة الإخوان المسلمين، محذرين من تحول حزب "الحرية والعدالة" إلى نظام دكتاتوري. وقال أستاذ العلاقات الدولية، بهجت قرني، خلال ندوة نظمها المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية بعنوان "رؤية الشباب لمستقبل مصر وتحديات المرحلة الانتقالية"، إن حالة عدم التواصل بين القوى الوطنية والسياسية من شأنها إحداث قلاقل مجتمعية وسياسية، مؤكدا أن عدم التوافق على الجمعية الدستورية، انتقل من تيارات الليبرالية واليسارية والقومية في خلافها مع جماعة الإخوان إلى داخل الجماعة ذاتها. وأبدى الناشط السياسي والعضو السابق في الجماعة، إبراهيم الهضيبي، اعتراضه على المعاير التي تم على أساسها اختيار اللجنة التأسيسية للدستور، داعيا كافة القوى الوطنية للمشاركة في كتابة الدستور الجديد. وقال السياسي أحمد سميح إن عملية تشكيل الجمعية التأسيسية أفقدت الشعب ثقته في جماعة الإخوان وجعلت المصريين يتخوفون من رغبة حزب الإسلاميين في الاستئثار بالسلطة.
عدد من اساتذة القانون أشاروا أنه لا يمكن لحزب يملك أغلبية في البرلمان ما أن يحدد اسس دستور جديد لبلده، وإلا فإنه عندما يخسر هذا الحزب أغلبيته يمكن للقوى المتقدمة مستقبلا بدلا منه أن تبدل من جديد الدستور حسب مفهومها.
إن الكيان السياسي الذي انتخب ليكون القوة الأولى في البرلمان اختير من طرف الناخبين لمهمة تشريعية محددة وليس لفرض تصور دستوري يسود لمدة طويلة. دساتير الدول لا تتبدل كما يجري بالنسبة لقوى الأحزاب في الحكومات أو التنظيمات التشريعية. الأمثل والأنجع هو أن يتم أنتخاب أعضاء الجمعية التأسيسة مباشرة من طرف الشعب وعلى أساس معايير موضوعية وعملية.
ويحذر عدد من الخبراء من أن وضع دستور لا يتفق مع غالبية التوقعات الشعبية يشكل خطرا على وحدة الأمة ومنفذا لكل هؤلاء الذين يسعون إلى تشجيع الحركات الإنفصالية على أساس ديني أو عرقي. والمعروف أنه بالنسبة لمصر، هناك قوى تعمل منذ عقود على تقسيم البلاد إلى أربع دويلات وهناك قوى نافذة خاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل تدعم قيام دولة قبطية، إلى جانب ثلاث أخرى.
البحث عن تسوية
يوم الخميس 29 مارس 2012 عقد المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة لقاء مع عدد من رؤساء الأحزاب السياسية بوزارة الدفاع لاستكمال المناقشات الموسعة بشأن أزمة تأسيسية الدستور، حيث سعى المجلس العسكري لاحتواء الأزمة، في لقاء حضره رئيس الأركان الفريق سامي عنان.
وأكد المشير طنطاوي خلال اللقاء على أنه يجب على الأحزاب أن تعمل بكل الصدق والإخلاص، وأن تتجرد بعيدا عن أي انتماءات حزبية أو سياسية من أجل المشاركة في صياغة دستور يكون معبرا عن إرادة الشعب بكل طوائفه المتنوعة والمنصهرة في بوتقة الشعب المصري، واضعا مصر والمصريين أولا وقبل كل شيء.
وأكد طنطاوي أنه لا يجب أن ينفرد فصيل بعينه أو حزب بصياغة الدستور، وإنما يجب أن تشارك جميع طوائف الشعب في صياغته. وأعرب عن أمله في الوصول إلى نتائج إيجابية وحلول وطنية ومنطقية لجميع طوائف الشعب المصري. وأكد على ضرورة أن يكون الدستور القادم مشمولا برعاية الحكمة. واتفق معه رؤساء وأحزاب القوى السياسية على أهمية أن يكون الدستور معبرا عن كل طوائف الشعب.
وقال المجلس العسكري في بيانه إن اجتماع المشير طنطاوي مع قادة الأحزاب "بحث السبل الكفيلة بإيجاد تمثيل فاعل لكل الأحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني والشخصيات العامة بما يضمن مشاركة عدد مناسب منهم، ممن تم انتخابهم في قوائم الاحتياطيين، في عضوية الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور بما يحقق التوازن في عضوية اللجنة".
واتفق الموقعون على التأكيد على ما سبق أن اتفقت عليه الأحزاب والقوى السياسية والشعبية من مبادئ عامة لصياغة الدستور، شريطة أن تكون وثيقتا الأزهر والتحالف الديمقراطي من أجل مصر مرجعيتين أساسيتين لمواد الدستور، لتكون مؤسسة الدولة ديمقراطية وطنية دستورية حديثة أساسها المواطنة وسيادة القانون، وتكفل حرية الفكر وحرية العقيدة، وتجرم التمييز بين المصريين على أساس الدين أو العرق أو الجنس وتكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية وتدعم الوحدة الوطنية.
كما طالب البيان بالبدء في تشكيل لجان نوعية فنية تكون مهمتها معاونة الجمعية التأسيسية، وتقدم كل الخبرات الفنية في إعداد صياغة الدستور ومراجعة النصوص الدستورية بما يضمن التوازن وتحقيق المصلحة الوطنية في جميع النصوص والمواد الدستورية.
ووقعت على بيان المجلس العسكري أحزاب الحرية والعدالة، والنور، والوفد، والوسط، والحرية، وغد الثورة، والجيل، والأصالة، ومصر الحديثة، والإصلاح والتنمية، ومصر العربي الاشتراكي، والاتحاد المصري العربي، والحضارة.
الخلاف المستمر
الدكتور مصطفى النجار، رئيس حزب العدل، الذي رفض التوقيع على بيان الأحزاب والمجلس العسكري، قال إنه لا شيء تغير بعد هذا الاجتماع وإن الأزمة ما زالت كما هي، مشيرا إلى أن الاجتماع انتهى إلى عدة توصيات أهمها، تشكيل لجان نوعية لمساعدة اللجنة التأسيسية للدستور، وهي لجان استشارية ليس لها حق التصويت كما أن قراراتها غير ملزمة للجمعية الأصلية.
وأكد النجار أن الاجتماع نوه إلى ضرورة الاعتداد بمبادئ وثيقة الأزهر للحريات دون أن يلزم الجمعية التأسيسية بتضمينها في الدستور، مشيرا إلى أن المجلس العسكري حث حزب الحرية والعدالة ضمنيا ودون أن يسجل ذلك في البيان، أن يناشد بعض أعضائه في الجمعية الانسحاب لصالح آخرين من تيارات أخرى من أجل إحداث التوازن، وأن الحديث كان في حدود خروج خمسة أفراد، وتابع أن رئيس حزب الإخوان الدكتور محمد مرسي قال "إنه سيحاول معهم". وتوقع النجار أن يتصاعد الغضب الشعبي من هذه النتائج، في انتظار الحكم القضائي ببطلان الجمعية التأسيسية.
الخاسر والرابح
مع نهاية شهر مارس 2012 انتقد قياديون سابقون في جماعة الإخوان المسلمين وخبراء استراتيجيون ومحللون سياسيون في مصر وخارجها موقف الجماعة الذي اتجه خلال الفترة الأخيرة إلى افتعال الصدام مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة تسيير الأعمال برئاسة د .كمال الجنزوري.
وقالوا لعدد من وسائل الاعلام: إن جماعة الإخوان المسلمين لم تع دروس الماضي وأبعاد الأزمة السياسية التي تمر بها مصر واتجهت إلى ما وصفوه ب “سياسة الاستقواء”، مطالبين إياها بمراجعة سياساتها والابتعاد عن الصدام مع جهاز الحكم نظراً لأنها ستكون الخاسر الأول من تداعياته.
ووصف النائب الأول السابق للجماعة د . محمد حبيب الصدام بين الجماعة والمجلس بأنه صدام حقيقي.
واعتبر المحلل الاستراتيجي، لواء دكتور نبيل فؤاد، أن جماعة الإخوان تعتمد على سياسة الاستقواء، وذلك بعد أن حققت أغلبية برلمانية تسعى لممارسة تلك السياسية لتحقيق أهداف أبعد من ذلك، كأن تشكل الحكومة أو غير ذلك من الأعمال المنافية للإرادة الشعبية، وهي غير مدركة للمتغيرات الحاصلة في الشارع، وأنها فقدت أرضية شعبية لها بعد أدائها المتدني والكشف عن ممارساتها.
ووصف الباحث في مجال العلوم السياسية، حمزة شبانة، الصدام بين الجماعة والمجلس بأنه إفراز طبيعي لممارسة سياسية من جانب جماعة ظلت تعاني الإقصاء السياسي سنوات طويلة، بعدها تحولت إلى مشارك في صنع القرار العام لكن دون سابق خبرة كافية، ما أوقعها في شرك سياسي نظراً لنقص الخبرة السياسية، معتبراً أن ما يحدث أمر طبيعي لأنه في أي أنظمة للحكم يكون هناك النظام الحاكم والمعارضة، وأن الانسجام بينهما لا يمكن أن يدوم على طول الخط.
عودة إلى الشارع
يوم الجمعة 30 مارس 2012 تظاهر مئات آلاف المصريين، في ميدان التحرير بالقاهرة، وعدد من المحافظات الأخرى، خصوصا في الإسكندرية والسويس، احتجاجا على هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على الجمعية التأسيسية للدستور، في وقت غابت فيه جماعة الإخوان المسلمين التي كانت قد هددت في وقت سابق بمليونية في الميدان لإسقاط حكومة الجنزوري. ورفع متظاهرو التحرير لافتات تطالب ب"دستور لكل المصريين" فيما ردد آخرون هتافات للتنديد بموقف جماعة الإخوان وتحالف السلفيين للاستحواذ على التأسيسية.
توجه قيادة جماعة الاخوان المسلمين إلى مواجهة أوسع مع معارضيهم تأكدت يوم السبت 31 مارس، حيث اعلنت اختيار خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة كمرشح وحيد عنها لخوض اول انتخابات رئاسية بعد تنحي حسني مبارك في فبراير 2011.
واعلن المرشد العام للجماعة محمد بديع في مؤتمر صحافي بمقر الجماعة في القاهرة ان الشاطر تقدم باستقالته من منصب نائب المرشد تمهيدا لترشحه في رسالة قال فيها، حسب المرشد، "رغم انني لم أفكر في شغل أي موقع تنفيذي فإنني أرجو قبول استقالتي كنائب للمرشد وعضو في مجلس الشورى".
وتلا الأمين العام للاخوان محمود حسين بيانا قال فيه ان الشاطر هو "المرشح الوحيد" للجماعة، وبرر عودة الجماعة عن قرار عدم تقديم مرشح عنها للانتخابات.
الشاطر استاذ في الهندسة في الواحدة والستين من عمره حقق ثروة هائلة في مجال الاعمال وانضم الى الاخوان المسلمين في 1981 واصبح عضوا في مجلس الشورى في 1995. وقد إثيرت الكثير من علامات الاستفهام حول ثروته وعلاقاته مع أطراف خليجية وخاصة في قطر، وكذلك مشاركة أطراف نافذة في دول بترولية خليجية في إقامة إمبراطوريته المالية وتوسع نشاطها إلى دول عربية وتعاملها مع قوى سياسية لنشر توجهات سياسية معينة. دخل خيرت الشاطر السجن عدة مرات في ظل الرئيس مبارك الذي كان يغض النظر عن نشاط الجماعة التي كانت محظورة.
وتعتبر شركات الشاطر الكثيرة مصدر تمويل الجماعة التي تحاط دوائر تمويلها بالغموض.
المسجل أنه لم تكد تمر ساعة واحدة على قرار ترشيح الشاطر، حتى توالت ردود أفعال غاضبة من قيادات إخوانية كبيرة. حيث أعلن الدكتور كمال الهلباوي المتحدث السابق باسم الجماعة في أوروبا استقالته من جماعة الإخوان اعتراضا على قرار الجماعة المخالف لما أكدته سابقا عدة مرات من أنها لن تقدم مرشحا في الانتخابات الرئاسية.
من جانبه قال الدكتور محمد حبيب النائب السابق لمرشد الإخوان إنه يرفض ترشيح خيرت الشاطر للرئاسة من خلال جماعة الإخوان المسلمين معتبرا القرار " يندرج ضمن أخطاء كثيرة ترتكبها الجماعة في الفترة الأخيرة".
زعزعة الاستقرار
في هذا التوقيت يشار إلى تجدد محاولات زعزعة الاستقرار في مصر حيث تكثفت دعوات للجهاد المسلح ضد المجلس العسكري. الأخوان ينفون علاقتهم بهذه التحركات.
الخبير الأمني اللواء سامح سيف اليزل، يذكر إن جماعة الإخوان هي جماعة دعوية إسلامية كما أعلنت رسميا من قبل وإن حزبها "الحرية والعدالة" هو الذراع السياسي لها، وبالتالي يجب أن تفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي ويجب عدم الخلط بين الاثنين.
وأكد اليزل لعدد من وسائل الاعلام أن هناك خلطا بين عمل الجهتين وتساؤلات بشأن دور الحزب ودور الجماعة أثارت بلبلة وغضبا لدى المجلس العسكري، بدليل البيان الأخير للجماعة الذي هاجم المجلس العسكري لعدم تغيير حكومة الجنزوري، والذي كان من المفترض أن يخرج من الحزب.
وأوضح اليزل أنه لا يمكن الجزم بشكل قاطع بأن من دعا للجهاد ضد المجلس العسكري هو تابع لجماعة الإخوان، لكن بالفعل هنالك مواقع تقوم بهذه التهديدات، وربما هناك من يريد الوقيعة بين الإخوان والمجلس العسكري وتأجيج الموقف الراهن بين الطرفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.