نشبت أزمة جديدة في مصر بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الاخوان المسلمين بعد اتهام الجماعة ضمنا الجيش بالرغبة في تزوير انتخابات الرئاسة والتأثير على المحكمة الدستورية العليا لحل البرلمان. واتجهت العلاقة بين المجلس العسكري الحاكم الفعلي في مصر وجماعة «الإخوان» صاحبة الأغلبية البرلمانية، نحو أزمة سياسية، وذلك في أعقاب تجاذبات جرت أول أمس بين الطرفين، شككت خلالها الجماعة في نوايا المجلس العسكري تجاه الانتخابات الرئاسية المقبلة، واتهمته ب”وضع عراقيل أمام استمرار مسيرة التحول الديمقراطي”، فيما رفض المجلس العسكري “التشكيك في نواياه” وفي “استقلال المحكمة الدستورية العليا”، معرباً عن “استيائه البالغ” مما تناولته وسائل الإعلام من بيانات صدرت من إحدى القوى السياسية بما يطعن فى نزاهة قصد القوات المسلحة ومجلسها الأعلى وينال من أداء ووطنية الحكومات ويشكك في استقلال المحكمة الدستورية العليا والتأثير في حيدتها فى أحكامها”. وتكشفت بعض تفاصيل الأزمة بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري الحاكم في مصر، والتي ترجع للجلسة البرلمانية المشتركة بين مجلسي الشعب والشورى التي انعقدت السبت قبل الماضي. فقد كشف مصدر بجماعة الإخوان ل»بوابة الوفد» عن قيام الفريق سامي عنان قائد أركان القوات المسلحة ونائب رئيس المجلس العسكري بإجراء مكالمة هاتفية بالدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب أبلغه بوجود طعن أمام المحكمة الدستورية حول عدم دستورية النظام الانتخابي، من شأنه إبطال شرعية البرلمان، وذلك لابتزاز «الإخوان» للتراجع عن مطلبهم بإقالة حكومة الجنزوري والتأثير على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور. وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه: «كما حاول العسكري استغلال قدرته على تحريك الطعن، واستصدار حكم ببطلان قانون الانتخابات ما يعني حل البرلمان، في التأثير على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بفرض شخصيات بعينها على تشكيل الجمعية تمكنه من الحفاظ على وضع استثنائي للقوات المسلحة، بحيث يكون فوق المساءلة وعدم السماح لأي سلطة مدنية منتخبة من التدخل في شؤون الجيش حتى لو كان ذلك للصالح العام». وأشار المصدر إلى أن الفريق عنان اشترط أن ينص الدستور القادم صراحة على ضرورة تصديق رئيس الجمهورية على تشكيل الحكومة، وهو ما يرفضه «الإخوان» تجنبًا لإنتاج نظام فرعوني جديد على غرار نظام مبارك. وبعد ظهر، أول أمس، كرر حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الإخوان، الاتهامات إلى المجلس العسكري وانتقد «المحاولات التي يقوم بها البعض للقفز على البرلمان المنتخب بغرفتيه، والتقليل من شأنه والإساءة له». وحمل الحزب بقوة، في بيان رسمي صدر عن مكتبه التنفيذي، على المجلس العسكري، وحمّله المسؤولية كاملة عما وصفه ب”الآثار السلبية المتزايدة” من جراء بقاء حكومة كمال الجنزوري، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية “تتعمد افتعال الأزمات بهدف تصديرها لأي حكومة قادمة”. استياء «العسكر» وتزامن صدور بيان «الحرية والعدالة»، مع بيان للقادة العسكرييين بدا لافتاً استخدامه لمفردات جديدة. ففي بيان شديد اللهجة، أعرب المجلس العسكري الحاكم، أول أمس، عن «استيائه البالغ» من قيام جماعة الاخوان المسلمين ب»التشكيك في نواياه» وفي «استقلال المحكمة الدستورية العليا». وجاء بيان المجلس العسكري ردا على الانتقادات الحادة وجهها له «الإخوان» في بيان أصدروه مساء السبت الماضي. وقال المجلس العسكري في البيان الذي بثته وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية إن «المجلس الأعلى للقوات المسلحة تابع ببالغ الاستياء ما تناولته وسائل الإعلام من بيانات صدرت من إحدى القوى السياسية بما يطعن فى نزاهة قصد القوات المسلحة ومجلسها الأعلى وينال من أداء ووطنية الحكومات ويشكك في استقلال المحكمة الدستورية العليا والتأثير على حيدتها في أحكامها». وكانت جماعة الاخوان المسلمين أكدت، السبت الماضي، أن المجلس العسكري «يؤيد استمرار حكومة» كمال الجنزوري رغم فشلها «مما يثير الشكوك حول سر هذا التمسك بالفشل والفاشلين وهل هي رغبة في إجهاض الثورة وتيئيس الناس أم رغبة في تزوير انتخابات الرئاسة؟». وأضاف بيان الإخوان أن هناك «تهديدا بأنه يوجد طعن في دستورية مجلس الشعب في درج رئيس المحكمة الدستورية العليا يمكن تحريكه وهذا الكلام كارثة، فهل المحكمة الدستورية خاضعة للسلطة التنفيذية؟». يذكر أن عددا من المحامين والشخصيات العامة أقاموا أمام القضاء الإداري دعاوى يطعنون فيها في صحة الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نونبر ودجنبر الماضيين، معتبرين أن القانون الذي أجريت على أساسه غير دستوري، بحسب قولهم. لكن كبرى الأحزاب السياسية التي فازت في انتخابات شهدت مستوى عال من المشاركة والنزاهة، وفق وكالات أنباء إعلامية عربية ودولية اتهمت شخصيات محسوبة على «فلول» نظام محمد حسني مبارك والحزب الوطني المنحل بمحاولة التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية والدفع في اتجاه منع التحول الديمقراطي في مصر من أن يشهد طفرة نوعية غير مسبوقة. واعتبر المجلس العسكري في بيانه الذي لم يسم الاخوان صراحة أن «الحديث عن تهديدات بوجود طعن فى دستورية مجلس الشعب أمام المحكمة الدستورية العليا والإيحاء بخضوع هذه المحكمة الجليلة للسلطة التنفيذية إنما هو أسلوب غير مقبول يستهدف الإساءة إلى القضاء المصري العريق واستباق أحكامه والسعي إلى تحقيق مصالح حزبية ضيقة على حساب قدسية القضاء». ودعا المجلس العسكري «الجميع إلى أن يعوا دروس التاريخ لتجنب تكرار أخطاء ماضي لا نريد له أن يعود والنظر إلى المستقبل بروح من التعاون والتآزر»، في تلميح واضح إلى تكرار سيناريو عام 1954، حيث انقلب الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر على الجماعة وزج بالعديد من قياداتها وأعضائها في السجون والمعتقلات وأعدم أعدادًا كبيرة منهم، من بينهم المستشار عبد القادر عودة. .. ليسوا مع أو ضد «العسكر» لكن قياديا بارزا في «الحرية والعدالة» شدد على أن «الإخوان» والمجلس العسكري لم يكن بينهما «شهر عسل» كي ينتهي. وأوضح الدكتور أمير بسام، عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة، أن «مواقف الحزب من أي فصيل نابعة من استقراء مصلحة الوطن وليس مصلحة الإخوان أو غيرها». وأضاف أنه «في البداية عندما كانت قرارات المؤسسة العسكرية بها جزء كبير موفق كنا معها ولكن حينما صدرت قرارات تصب نحو تكريس أوضاع معينة لا نقبلها ولا يقبلها الشعب كانت لنا وقفة ضدها». وحول رده على بيان المجلس العسكري، وأن على الإخوان قراءة التاريخ، قال في حواره مع برنامج «البلد اليوم» على قناة صدى البلد المصرية أول أمس «إن الاحداث تقرأ في سياقها وعقارب الساعة لن ترجع إلى الوراء، فالشعب المصري والمؤسسة العسكرية والإخوان في ثورة 52 يختلفون تمامًا عما هم عليه الآن». وأضاف أن «الإخوان في أحداث 54 لم يصطدموا بعبد الناصر مع أنهم كانوا قادرين على ذلك لأن الصدام وقتها كان سيؤدي إلى حرب أهلية؛ إلا أن الإخوان ضحوا بأنفسهم في سبيل الابتعاد بالوطن عن هذه الفتن وقبعوا في سجون عبد الناصر لعشرات السنين». وأردف أن «الإخوان» ليسوا مع أو ضد المجلس العسكري «على طول الخط»، ولكن «نحن مع القرار الذي يصب في مصلحة الوطن». وأشار إلى أن المجلس العسكري قبل انتهاء الانتخابات وعندما ظهرت بوادر حصول «الإخوان» على الأغلبية استبق الأحداث وصرح بعدم أحقية الأغلبية في تشكيل الحكومة حتى وإن تنصل المجلس بعدها من هذا التصريح فالأحداث المتتالية تثبت أن هذا التصريح يعبر عن وجهة نظر المجلس العسكري». وشدد أمير بسام على أن «لجان المجلس تكشف كل يوم عن كم هائل من الفساد داخل الوزارات ومع عجز الحكومة عن التصدي لمافيا الفساد داخلها وخارجها نجد المجلس العسكري يؤازرها ويساندها». واستغرب من عدم قبول بعض القوى السياسية أن تستحوذ الأغلبية على غالبية لجان البرلمان وقال هل مطالب من الأغلبية أن تترك المناصب القيادية للأقلية. الانتخابات الرئاسية إلى جانب ذلك، ووسط المعركة «الحامية» بين «الإخوان» والعسكر، أعلن حزب الحرية والعدالة، لأول مرة في بيان له، أنه مازال يدرس حتى الآن الخيارات المتعلقة بالترشح للرئاسة, كما تدرس الهيئات المختصة في الحزب ما طرحه البعض بترشيح أحد قيادات الحزب, أو الإخوان المسلمين على منصب الرئيس, نظرا للمستجدات الكثيرة التي تشهدها الساحة الداخلية والخارجية، وأنه عندما يتم التوصل إلى قرار نهائي سوف يتم إعلانه للرأي العام. وقد شكك «حزب الحرية والعدالة» في نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة, موضحا أنه يتابع الخطوات التي تشهدها العملية الانتخابية حتى الآن والسلبيات المرصودة فيها, وهو ما يدعو للقلق حول نزاهتها, وما إذا كان سيتم تزويرها لمصلحة مرشح بعينه يريد البعض فرضه على الشعب. وسيحسم مجلس الشورى العام للجماعة اليوم ملف الانتخابات الرئاسية, وسط مطالب من قواعدها الشعبية بالدفع بمرشح إخواني أو من الإسلاميين. وأكد الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة أن مجلس الشورى العام للجماعة سيحسم قريبا موضوع اختيار المرشح الرئاسي، وأنه من الوارد حدوث تغيير في موقف الإخوان بشأن ذلك. وأضاف، أول أمس، خلال لقائه قيادات وأعضاء «الإخوان» في محافظة كفر الشيخ المصرية: «حينما رفضنا الترشح في البداية كان ذلك خوفًا على مصر، أما الآن فهناك مستجدات وهناك من رموز النظام من أعلن عن ترشحه مثل عمر سليمان وغيره حتى مبارك يُحرر له توكيلات.. ولذا فكل الخيارات مفتوحة، ونحن لا نسعى لسلطة، ولكن قرار عدم الترشح سار حتى يصدر قرار من مجلس الشورى العام». وحول حكومة الجنزوري قال المرشد العام: «دعمنا هذه الحكومة في بدايتها، ولكننا وجدناها تفتعل الأزمات من غاز وسولار وأزمات تلهي المواطنين.. وكلما قام البرلمان بطلب الحكومة للردِّ على بيانها لا يحضرون، والقشة التي قصمت ظهر البعير ما قامت به الحكومة من تمكين المتهمين الأمريكيين من الهروب». جدل حول "صانعي" الدستور وتأتي هذه الأزمة الجديدة بين المجلس العسكري وجماعة الاخوان المسلمين فيما تشهد البلاد جدلا عنيفا حول الجمعية التأسيسية التي انتخبها مجلسا الشعب والشوري السبت الماضي والتي يشكل الاسلاميون غالبية أعضائها المئة. وأول أمس، أعلنت عدة أحزاب انسحابها من الجمعية التأسيسية احتجاجا على ما وصفته «هيمنة» حزبي الحرية العدالة والنور السلفي عليها. وأكد الحزبان الليبراليان الرئيسيان في البرلمان، وهما المصريين الأحرار والحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي انسحابهما من الجمعية التأسيسية بعد أن قاطع نوابهما انتخاب هذه الجمعية السبت. كما انسحبت من هذه الجمعية للسبب ذاته كتلة الثورة المستمرة (التي تضم حركات ثورية وشبابية) وحزب العدل (وسط) وحزب الكرامة الناصري. وتؤكد الأحزاب التي انسحبت أن الدستور لابد أن يكون معبرا عن المجتمع المصري بكامله وليس عن «أغلبية برلمانية» قد تتغير في الانتخابات المقبلة، كما يعترضون على ضعف تمثيل المرأة والأقباط في هذه الجمعية التأسيسية. وكانت اللجنة العامة المشرفة على عملية الفرز في انتخابات أعضاء لجنة المائة للجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد قد كشفت عن أسماء الفائزين بعضوية الجمعية، كما أعلنت أن الاجتماع الأول للجنة التأسيسية للدستورسيكون غدا الأربعاء الموافق 28 مارس بالقاعة الفرعونية في مجلس الشعب. وقال الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب : «إنه بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور تم وضع اللبنة الأولى من لبنات الديمقراطية التي نسعى إليها جميعًا, مشيرًا إلى أن طريق الديمقراطية هو الطريق الذي رسمناه جميعًا منذ البداية ولن نحيد عنه، وأن التشاور قبل اتخاذ القرار مبدأ لنا». وأعلن الكتاتني رئيس الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى المخصصة لاختيار الأعضاء المائة في الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع الدستور خلال مؤتمر صحافي بُث على قناة «النيل» للأخبار عن رفع الجلسة داعيًا إلى عقد الاجتماع الأول للجمعية التأسيسية يوم (غد) الأربعاء 28 مارس في تمام الساعة 10 صباحًا. من جانبه، أعلن النائب مصطفى بكري رئيس اللجنة المشرفة على عملية الفرز صباح أول أمس نتيجة انتخابات تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع أول دستور لمصر بعد الثورة, والتي تتكون من مائة شخص 50 % منهم من أعضاء البرلمان بغرفتيه «الشعب والشورى», و50 % من النقابات والهيئات والاتحادات والشخصيات العامة. وأشار بكري بعد انتهاء عملية الفرز التي استغرقت أكثر من 13 ساعة إلى أن عدد الأصوات الصحيحة بلغ 535 صوتًا من بين مجموع الأصوات التي بلغت 589 صوتًا بينها 54 صوتًا باطلاً. وضمت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور 15 من شيوخ القضاة وفقهاء القانون والدستور البارزين بنسبة 15 % من نسبة المشاركين؛ بخلاف ما تداوله بعض النشطاء المصريين والأحزاب من عدم وجود فقهاء قانون بها. وشملت قائمة الفائزين تمثيلاً للمحكمة الدستورية العليا وأساتذة القانون وقضاة ومجلس الدولة، فضلاً عن شيوخ القضاة والنيابة الإدارية، فيما حصدت نقابة المحامين نصيب الأسد ب»8 مقاعد». واختار النواب المستشار علي عوض محمد صالح نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، أحد أهم رموز القانون الدستوري في مصر، ممثلاً عن أكبر محكمة عليا في مصر.