افتتح مجلس الشعب المصري، المنبثق عن أول انتخابات تشريعية في مرحلة ما بعد مبارك، أول أمس، أولى دوراته بنوابه الذين يشكل الإسلاميون ثلاثة أرباعهم. فيما أعلن المجلس العسكري نقل السلطات التشريعية إلى المجلس الجديد. في وقت صوت فيه المجلس بأغلبية ساحقة على انتخاب سعد الكتاتني، القيادي في حزب الحرية والعدالة الجناح السياسيي لجماعة الإخوان المسلمين، رئيسا له في أول عمل يقوم به مجلس الشعب. وأعلنت الحكومة المصرية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يتولى شؤون البلاد منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير الماضي، نقل السلطات التشريعية إلى مجلس الشعب الجديد. وقالت على موقعها للتواصل الاجتماعي «فيسبوك» إن «المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعلن في رسالة لمجلس الشعب تسليم سلطة التشريع والرقابة للمجلس». وأكد طنطاوي تسليم السلطتين التشريعية والرقابية لسلطة مجلس الشعب، مشددًا على أن المجلس العسكري تعهد منذ تولي إدارة شئون البلاد إلى تسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة، ورئيس منتخب قبل نهاية يونيو المقبل. وأضاف في الرسالة التي تلاها الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب: «نحن نتوق لليوم الذي يقف فيه رئيس الجمهورية المنتخب تحت قبة البرلمان، يؤدي القسم قبل نهاية يونيو المقبل؛ لنسلم سلطات رئيس الجمهورية كاملة، وليعود الجيش المصري لمهامه للدفاع عن الوطن، وينشغل المجلس الأعلى بمهمته الأصلية دون غيرها». وأضاف: «أتقدم باسمي واسم القوات المسلحة بأخلص التهاني لرئيس المجلس وأعضائه على الثقة التي أولاها لكم الشعب العظيم، والذي اختار نوابه الذين يعبرون عنه عقب ثورة 25 يناير». وأردف: «يحق لنا جميعًا أن نفخر بالانتخابات التي شارك فيها جموع الشعب في إقبال غير مسبوق على الصناديق، شهد له القاصي والداني بالنزاهة، وعبَّرت عن الإرادة الحرة للمصريين». وأشار إلى أن «أيادي المجلس الأعلى للقوات المسلحة ممدودة لاستكمال بقية مطالب الثورة ومبادئها في العيش الكريم، ونتطلع لاستكمال مهمتنا كما بدأناها بإخلاص وشرف عبر انتخابات مجلس الشورى؛ ليتسنى لكم مع أعضاء مجلس الشورى المنتخبين اختيار الجمعية التأسيسية لوضع دستور جديد يليق بمصر». الكتاتني رئيسا لمجلس الشعب فبعد عام من الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، يرى العديد من المصريين مجلس الشعب الجديد مؤشرا على الحكم الديموقراطي، حيث إنه يتناقض تماما مع البرلمانات السابقة التي كان يسيطر عليها الحزب الوطني بزعامة المخلوع مبارك. وقال رئيس مجلس الشعب سعد الكتاتني في كلمة ألقاها في المجلس: «سنعيد بناء مصر الحديثة الوطنية الديمقراطية». وأضاف «سنعمل أن يكون المجلس هو العنوان الصحيح للديمقراطية وتحقيق كل أهداف الثورة». وأكد أن الثورة مستمرة و»لن يهدأ لنا بال ولن تقر أعيننا حتى تستكمل الثورة كل أهدافها وتقتص للشهداء بمحاكماتٍ عادلة وفعَّالة وسريعة، وتعيد بناء مصر الجديدة، مصر الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة». وأوضح أن «مجلس الشعب هو الثورة المصرية ويتحمل الكثير من التبعات والمهام الجسام السياسية والتشريعية والرقابية التي ستؤسس لمصر الحديثة وتصل تاريخ الوطن العريق بحاضره المشرق بعد انقطاعٍ دام عدة عقود، ومن ثَمَّ فمصر في حاجةٍ بالغةٍ لتضافر كل جهود نوابها لإنجاز تبعات هذه المرحلة». وقال: «إننا في حاجةٍ لأن نتحلى بالحكمة والصبر والإرادة والتصميم.. في حاجةٍ لأن نعمل معًا على تسليح الأمة بآليات التعامل مع العصر الجديد على النحو الذي يكفل لمصر مكانة تليق بتراثها الحضاري وبقدرات شعبها العريق، وبدورها الرائد الذي طالما اضطلعت به في محيطها العربي والإقليمي، كما أننا في حاجةٍ لأن نعمل على اقتلاع الفساد من جذوره الذي عانت مصر منه كثيرًا». وأضاف «أننا في حاجةٍ لإعادة النظر في حزمةٍ كبيرةٍ من التشريعات التي تعيد بناء مؤسسات الدولة وهياكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعمل على إعادة اكتشاف الإنسان المصري ليصبح مصريًّا جديدًا بعد الثورة وبناء دولة القانون على أسس الحق والعدل والمساواة». وعلى الفور، قام العاملون بمجلس الشعب بتعليق صورة كبيرة للدكتور محمد سعد الكتاتني عقب انتخابه رئيسًا للمجلس على الجدران الخارجية للقاعة الرئيسية للمجلس، بجوار صورة أحمد مظلوم باشا، أول رئيس للمجلس من سنة 1913 إلى سنة 1924م. ولاقى تعليق صورة رئيس المجلس الجديد إعجاب نواب البرلمان، مؤكدين أن البرلمان عاد لمصر بعد عقود عديدة من سيطرة الفساد والاستبداد، بحسب موقع «إخوان أون لاين». نقطة تحول في تاريخ «الإخوان» وشهدت أول انتخابات حرة تجري في البلاد، والتي جرت على ثلاث مراحل ما بين نونبر ومطلع يناير، حصول الإسلاميين على ثلاثة أرباع المقاعد. ويتولى الكتاتني (59 عاما) منصب الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، والذي فاز بنسبة 47% من مقاعد أول مجلس منبثق عن انتخابات حرة تشهدها مصر منذ الثورة. وفي أول تعليق غربي على انتخاب الكتاتني رئيسا لمجلس الشعب، أكدت صحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية أن فوز الدكتور محمد سعد الكتاتني، الأمين العام لحزب «الحرية والعدالة»، برئاسة البرلمان المصري، بعد حصوله على 399 صوتًا مقابل 79 صوتًا فقط لمنافسيه؛ يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ الإخوان المسلمين. وأشارت إلى أن التحول المهم الذي حدث يتمثل في أن جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورةً في عهد الرئيس الاستبدادي المخلوع حسني مبارك الذي أطيح به في ثورة 25 يناير عام 2011م، والتي ناضلت لمدة 84 عامًا تحت الحكم الملكي والدكتاتوري، وعاشت خلال هذه المدة كجماعة سرية (...) كانت منبعًا للأيديولوجيات الإسلامية في العالم، أصبحت الآن أقرب من أي وقت مضى إلى السلطة السياسية والشرعية الديمقراطية. وأبرزت الصحيفة كلمة رئيس المجلس التي قال فيها: «نريد من مصر والعالم كله أن يدركوا أن ثورتنا ستستمر، ولن نهدأ ولن تقرَّ أعيننا حتى تستكمل الثورة جميع أهدافها». وقالت الصحيفة إن انتصار جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تعتبر قلب العالم العربي ومركز الانتفاضة التي اجتاحت المنطقة العام الماضي يجعلها الأقرب إلى حكم البلاد. وأبرزت الصحيفة قيام المئات من جماعة الإخوان المسلمين بتأمين مداخل مجلس الشعب، أول أمس، ومعرفة كل فرد للدور الذي يقوم به، سواء الاحتفاء بالنواب الجدد أو تأكيد أن الجلسة الأولى للمجلس لن تشهد أعمال عنف. وأمام المجلس تجمع مئات أنصار الإسلاميين لتحية النواب أثناء دخولهم البرلمان، في مشهد لم يكن من الممكن تخيله قبل عام عندما كانت معظم الحركات الإسلامية محظورة. إلا أن دور المجلس المحدد لم يتضح بعد، حيث إن السلطة لا تزال في أيدي المجلس العسكري الذي تسلم السلطة من مبارك. وتساءل أحد النواب أثناء أداء القسم: «كيف يمكن أن نقرأ هذا القسم ونحن لا نعلم حتى ما إذا كنا سنكون نظاما رئاسيا أم برلمانيا». وتجمع مئات المحتجين أمام البرلمان وسط إجراءات أمنية مشددة لدعوة نواب البرلمان إلى تبني مبادئ الثورة ومن بينها إنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاكمة المسؤولين المدانين بسوء استغلال السلطة. وهتف البعض ضد المجلس العسكري ورئيسه المشير حسين طنطاوي الذي كان وزيرا للدفاع لمدة عقدين إبان حكم مبارك. وشكر الكتاتني الجيش وقال «خالص الشكر للجيش المصري العظيم، وللمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أنجز وعده الذي وعد الشعب به بأنه سيجري انتخابات يشهد بها العالم». وأضاف «وشهد المصريون والعالم لهذه الانتخابات رغم وجود بعض التجاوزات البسيطة، وأصبح المواطن المصري يشعر بقيمته ورأيه». واستشهد الجيش مرار بالانتخابات التاريخية كدليل على نيته تسليم الحكم إلى سلطة مدنية، إلا أنه تعرض لانتقادات شديدة خلال الأشهر الماضية بسبب انتهاكات الحقوق. ويتهم النشطاء المجلس بالاحتفاظ بالسيطرة السياسية رغم تطميناته بأنه سيسلم السلطة للمدنيين عند انتخاب رئيس في يونيو. وقبل انتخاب الكتاتني، ترأس الجلسة الأولى التي كانت مكتظة وشابها بعض الفوضى أحيانا، محمود السقا أكبر الأعضاء سنا ورئيس الجلسة الإجرائية بمجلس الشعب وهو من حزب الوفد الليبرالي. وأدى النواب اليمين الدستورية واحدا تلو الآخر وتعهدوا «بالحفاظ على سلامة الوطن ورعاية مصالح الشعب واحترام القانون والدستور». ومن المقرر أن تبدأ انتخابات مجلس الشورى هذا الشهر وفي نهاية فبراير. وبعد ذلك سيقوم مجلسا البرلمان باختيار لجنة من 100 عضو لوضع دستور جديد للبلاد. وقال الكتاتني في كلمته «إننا في حاجة ماسة للتعاون مع زملائنا المنتخبين أعضاء مجلس الشورى لتشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور بحيث تكون معبرة عن كل أطياف الشعب المصري».