ينبغي التأكيد هنا أن قرار المصادقة على البروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل ليس قرارا سهلا، ليس بسبب الآلية الحقوقية التي يوفرها هذا البروتوكول وذلك بإتاحة الإمكانية للأطفال لتقديم البلاغات عن الانتهاكات التي يتعرضون لها إلى هيئة دولية لتقوم بمهمة التحقيق فيها، فهذا يندرج ضمن تحصين الحقوق التي تم التنصيص عليها سواء في اتفاقية الطفل أو في البرتوكولين الاختياريين المتعلق أولهما باشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، والمرتبط ثانيهما ببيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، إنما التحدي يكمن في القدرة على الوفاء بمشترطات اتفاقية الطفل سواء على مستوى التشريعي والإداري، أو على مستوى واقع حقوق الطفل اليوم، خاصة وأن الأمر لا يتعلق فقط بحقوق اقتصادية أو اجتماعية وإنما يتعداها إلى حقوق تربوية وثقافية وإعلامية. إن الجرأة والشجاعة في اتخاذ هذا القرار ينبغي أن تواكب بسياسات نشطة في مجال رعاية الطفولة ومواجهة كافة أشكال الإهمال التي يتعرض لها الطفل، بل ومواجهة الشبكات التي تستغل الطفولة في التسول المنظم، أو الشبكات التي تقوم بالمتاجرة في الأطفال أو استغلالهم لأغراض جنسية. إن الأمر يتعلق بسياسات بنائية تهتم بتربية الطفل على هويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة، والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه، ورعاية صحته النفسية والبدنية، وتشجيع وسائل الإعلام للقيام بدورها في تلبية الحاجات التربوية والتوجيهية للطفل، والرفع من قدرة القطاع التعليمي لتعميم التمدرس ومواجهة الهدر المدرسي الذي يروح ضحيته الطفل، كما يتعلق بسياسات وقائية وزجرية تتصدى لجميع أشكال الاستغلال للطفل حتى ولو كان الأمر يصدر من محيطه الأقرب منه، خاصة وأن الواقع المغربي يزخر بظواهر الاستغلال الاقتصادي للطفل والذي يمنعه في كثير من الأحيان من إتمام تعلميه. والأخطر من ذلك، هو موضوع الاستغلال الجنسي للأطفال وحمايتهم من الجرائم الإلكترونية والتي باتت تطلب اتخاذ جميع الإجراءات الملائمة لتشديد الرقابة سواء على مستوى وطني أو متعدد الأطراف لمنع أي إكراه للطفل على تعاطي أي نشاط جنسي، أو استخدامه في الدعارة أو في العروض والمواد الداعرة أو في غيرها من الممارسات الجنسية. هذه التحديات التي يطرحها قرار المصادقة على البروتوكول الثالث الاختياري لحقوق الطفل أصبحت تطرح ضرورة الرفع من فاعلية العمل الحكومي والتشريعي حتى يؤطر قانونيا كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو المعاملة التي تتضمن الإهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال للطفل أو كافة أشكال الاستغلال الاقتصادي والجنسي. كما أصبحت تفرض بناء عمل تشاركي بمقاربة مندمجة بين القطاع الحكومي الوصي والمكونات المجتمع المدني لوضع برامج اجتماعية لتوفير الدعم اللازم للطفل والأسرة التي تقوم برعايته وتحسيس المجتمع بالخطوة التي سيقدم عليها المغرب، وأثرها المرتقب على تحسن وضعية حقوق الطفل في المغرب، والأدوار المطلوبة من كافة الجهات للارتفاع إلى مستوى ما تتطلبه اتفاقية حقوق الطفل.