سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عزيزة البقالي القاسمي (الأمينة العامة لمنظمة تجديد الوعي النسائي) ل«التجديد»: المجتمع المدني يراهن على ضمانات الحكومة الجديدة لدعم الديمقراطية التشاركية
أكدت عزيزة البقالي القاسمي الأمينة العامة لمنظمة «تجديد الوعي النسائي» على أهمية الدور الذي لعبه المجتمع المدني في تأطير النقاش المجتمعي حول قضايا الإصلاح و مطالب التغيير، وإسهامه الايجابي في بلورة الدستور الحالي. وأشارت إلى أن هذا الدور الذي لعبه المجتمع المدني اتسم بشراكة وتنسيق في ظل نوع من الاستقلالية مع الفاعل السياسي، وبشكل يحاول التعبير عن الطموحات الشعبية. وقالت رئيسة المجلس الإداري لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية في حوارها مع «التجديد» «إن المغرب دخل بإقرار الدستور الجديد مرحلة مهمة من تاريخه الحديث، تقتضي - بحسبها - من الفاعلين في الحقل السياسي والمجتمع المدني التحلي باليقظة والحكمة وكذا الجرأة اللازمة من أجل العمل على التنزيل السليم للدستور والدفع إلى تبني التأويل الديمقراطي لمقتضياته». وذكرت الفاعلة الجمعوية، أن المجتمع المدني مطالب بعد دسترة أدواره ووضعه، بالاستيعاب الواعي والعميق للتحولات و الأدوار الجديدة، بما يثمر تحركا جديا ومثمرا في سبيل تطوير بناء القدرات المؤسسية والتنظيمية للجمعيات و المنظمات وتعميق ممارستها الديمقراطية، وكذا تفعيل أدوارها السياسية والاجتماعية وتوسيع أنشطتها لتواكب بفعالية المنعطف التاريخي الذي تمر منه المنطقة العربية والعالم بشكل عام. ● تؤكد التحولات التي شهدتها الساحة الوطنية مؤخرا، المنحى التصاعدي لانخراط هيئات المجتمع المدني في السياسة العامة، اقتراحا وإعدادا وتفعيلا، ما هي الرؤى والمقاربات التي باشرتها فعاليات المجتمع المدني، والتي أفضت إلى سقف مرتفع نوعيا من مطالب الإصلاح الدستوري؟ ●● المتتبع لحركية المجتمع المدني المغربي في أعقاب تفاعلاتها مع السياق الإقليمي و العربي، يدرك أهمية الدور الذي لعبه هذا المكون الحيوي في تأطير النقاش المجتمعي حول قضايا الإصلاح و مطالب التغيير. هذا إلى جانب القدرات الاقتراحية التي أبان عنها من خلال إسهامه الايجابي في بلورة الدستور الحالي. وعموما اتضحت هذه الحركية، من خلال المساهمة المهمة للنسيج الجمعوي في هذا الباب من حيث حجم أو نوعية المذكرات التي قدمها للجنة الاستشارية المكلفة بإعداد مشروع الدستور. وتميزت بغناها وتنوعها وتعدد المقاربات والرؤى والتوجهات التي طرحتها، بشكل عكس واقع التنوع الذي يطبع مكونات المجتمع المدني المغربي سواء من حيث اختلاف مرجعياته و أطره أو من حيث قضايا اشتغاله الأساسية. وقد شكلت هذه المذكرات مرجعا مهما للجنة إعداد الدستور، من حيث التأكيد و دعم المطالب التي التقت فيها الإرادات وخاصة في مجال دعم مبدأ فصل السلط و استقلال القضاء وربط المسؤولية بالمحاسبة وغيرها من مقتضيات إرساء الديمقراطية الحقة. كما ساهمت بالمقابل في طرح عدد من الإشكالات على لجنة إعداد الدستور بخصوص بعض القضايا التي كانت محل نقاش تعددت فيه الرؤى والمقاربات، وقد انعكس ذلك على الصياغة النهائية للوثيقة الدستورية، التي يمكن القول أنها اتسمت بالعمومية في هذا الموضوع، وتركت الإمكانيات مفتوحة في بعض الحالات لتأويلات متعددة، ربما ترك أمر الحسم النهائي فيها لاحقا إلى ميزان القوى المجتمعي إبان عملية التنزيل لمقتضيات الدستور. ● المجتمع المدني شكل إحدى الحلقات الرئيسية والفعالة في إنجاح مسلسل الإصلاحات. كيف يمكن تقييم عمل النسيج الجمعوي في سياق تفاعله مع المحيط السياسي العام؟ ●● صحيح أن العمل الجمعوي شهد دينامية خاصة في السنوات الأخيرة بفعل مجهودات التطوير التي بذلها رواد هذا الحقل. ويمكن أن نسجل أن المجتمع المدني كان سباقا لتبني مجموعة من الملفات والقضايا المجتمعية قبل أن تلتحق الدولة به خاصة في المجالات الحقوقية بأبعادها المختلفة. إلا أن التحول الإيجابي الذي سلكته الدولة انطلاقا من سنة 2003، بإرساء مبدأ الشراكة مع الجمعيات، ساهم باعتقادي بشكل بارز في رفع وتيرة هذه الحركية المجتمعية، كما شكل اعتماد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ابتداء من سنة 2005 نقلة نوعية ساهمت في توسيع و تقوية الفعل الجمعوي وتطوير قدراته سواء في مجال العمل بالمشاريع أو فيما يتعلق بتطوير القدرات الاقتراحية و الترافعية للمجتمع المدني . في ظل هذه المعطيات، وفي سياق التحولات الإيجابية التي صاحبت تولي الملك محمد السادس لعرش المغرب، توفر جو إيجابي بالرغم من استمرار بعض التحديات والاكراهات الذاتية والموضوعية. ويمكن القول، أن المجتمع المدني استطاع في ظل هذا المناخ، أن يتأهل لكي يكون له دور مقدر في مسلسل الإصلاحات التي شهدها المغرب، ويساهم بفعالية من أجل المطالبة والسعي من أجل إقرار إصلاحات سياسية ببلادنا، وقد اتسم هذا الدور بشراكة وتنسيق في ظل نوع من الاستقلالية مع الفاعل السياسي، و بشكل يحاول التعبير عن الطموحات الشعبية. ● تمت الآن دسترة أدوار المجتمع المدني ووضعيته، على غرار الأحزاب السياسية والنقابات، بهدف توضيح دور جميع الفاعلين، باعتقادكم، هل المجتمع المدني مؤهل ليكون في مستوى الدور المنوط به دستوريا؟ ●● شكل الاعتراف الدستوري بالمجتمع المدني ودسترة آليات عمله أهم المكاسب التي حملها الدستور الحالي. وأقول بأنه من شأن هذه المكاسب رد الاعتبار لهذا المكون، وتمكينه من أخذ موقعه، إلى جانب المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، كفاعل أساسي في تدبير الشأن العام والمحلي بمختلف أبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بما يساهم في إرساء قواعد الحكامة الجيدة . وأعتقد شخصيا أن هذا الوضع سيسهم حتما في تثمين الخبرة التي راكمتها مكونات الحقل الجمعوي عبر سنوات النضال المجتمعي، وكذا ترسيخ المكتسبات التي تم تحقيقها، كما سينقله هذا الموقع الدستوري إلى أدوار جديدة أكثر تأثيرا وفاعلية في الحياة المجتمعية. ومن هنا تأتي مشروعية طرح سؤال التأهيل والجاهزية من أجل تنزيل أمثل للدستور بما يحقق مصلحة المجتمع و يستجيب لتطلعاته. والحاجة ماسة في نظري، إلى استيعاب واعي وعميق للتحولات و الأدوار الجديدة من لدن الفاعل الجمعوي، بما يثمر تحركا جديا ومثمرا من أجل تطوير بناء القدرات المؤسسية والتنظيمية للجمعيات و المنظمات وتعميق ممارستها الديمقراطية، وكذا تفعيل أدوارها السياسية والاجتماعية وتوسيع أنشطتها لتواكب بفعالية المنعطف التاريخي الذي تمر منه المنطقة العربية والعالم بشكل عام... ● ما هو تصوركم لتفعيل الفصلين 12 و13 «اللذين يتحدثان عن المجتمع المدني وضرورة تأهيله وإشراكه في الحياة السياسية» في الدستور الجديد؟ ●● عموما، يتوقف تفعيل مقتضيات الدستور عموما على مدى الإرادة السياسية الموجودة لترجمة التوجهات الكبرى للدستور إلى واقع فعلي. أما بخصوص الفصول المشار إليها وغيرها من الفصول المؤطرة لأدوار المجتمع المدني، وهي تعكس الفلسفة الجديدة التي يطرحها الدستور لعلاقة المجتمع بالدولة. أتصور أن تفعيلها رهين من جهة بمدى نجاعة وسرعة تفاعل الحكومة مع الورش الكبير الذي يتطلبه تنزيل مقتضيات الدستور من إخراج للقوانين التنظيمية ومشاريع القوانين التي تضبط ممارسة مختلف الحقوق والاختصاصات التي يخولها الدستور للمجتمع المدني ولعموم المواطنين، وتعجيل بإحداث مختلف الهيئات والآليات و المجالس التي نص عليها. ومن جهة أخرى، على حيوية وقوة مكونات المجتمع المدني في مرحلة أولى في تتبع تنفيذ الحكومة لالتزاماتها بهذا الخصوص، وفي مرحلة ثانية على فعالية استثمار الجمعيات لهذه الآليات ووسائل العمل الجديدة، والاجتهاد للرفع من قدراتها الاقتراحية و الترافعية بما يمكنها من ترجمة حقيقية للتطلعات المجتمعية. ● أصبح المغرب مفتوحا على آفاق واعدة وكبرى، مرتبطة بأسلوب جديد في التدبير، يدعم تشجيع التشارك بين الوزارات والقطاعات والمجتمع المدني والمواطنين، ما هي المطامح القصوى لمؤسسات المجتمع المدني في إطار التوجهات الإستراتيجية الكبرى للحكومة الجديدة؟ ●● بالفعل، فتح الدستور الحالي آفاقا جديدة بتنصيصه على اعتماد مبدأ الديمقراطية التشاركية، التي تتوخى إشراكا أوسع للمواطن في الحياة الجماعية، بشكل يجعله يمارس حقه في المشاركة ويفتح أمامه إمكانية التأثير على مسلسل اتخاذ القرار الوطني منه أو المحلي وذلك عبر التنصيص على مجموعة من الإجراءات الجديدة. وتشمل هذه الإجراءات إحداث سلسلة من مؤسسات الديمقراطية التشاركية من مثل المجلس الأعلى للغات والثقافات، المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.. بالإضافة إلى آليات وإمكانات للمساهمة في مجال الرقابة والتشريع والاقتراح. ولعل تطلعات المجتمع المدني اليوم ورهاناته كبيرة في أن يستطيع من خلال هذا المدخل، أن يكمل جوانب القصور الذي تتسم بها الديمقراطية التمثيلية ويساعد بشكل أفضل على مواكبة التحولات الاجتماعية وتطور الحاجات الأساسية للمجتمع، و كذا مواجهة التحديات التي تفرضها التحولات الإقليمية والدولية بما يفضي إلى الرفع من المردودية المجتمعية . وهو في ذلك يراهن على الضمانات التي ستقدمها الحكومة الجديدة لدعم هذا التوجه والتمكين له، و كذا على تعاملها المنصف والعادل مع مكونات الحقل الجمعوي بمختلف مشاربه بما يحفظ التعددية و التنوع والاختلاف، و يدعم تماسك النسيج المجتمعي. ● ما هو الدور الذي سيرتكز عليه المجتمع المدني مستقبلا، اعتبارا لما ينتظر المجتمع المغربي من محطات ورهانات؟ ●● دخل المغرب بإقرار الدستور الجديد مرحلة مهمة من تاريخه الحديث، تقتضي من الفاعلين في الحقل السياسي والمدني التحلي باليقظة والحكمة وكذا الجرأة اللازمة من أجل العمل على التنزيل السليم للدستور والدفع إلى تبني التأويل الديمقراطي لمقتضياته. وتبرز فاعلية وحيوية المجتمع المدني خلال هذه المرحلة، في مدى قدرته على التتبع والفعل في مختلف المحطات التي تلي إقرار الدستور، ابتداء من تتبع ومراقبة نزاهة مختلف المحطات الانتخابية وممارسة الرقابة المجتمعية من أجل ضمان احترام القواعد الديمقراطية في إرساء المؤسسات الدستورية، مرورا بتتبع التطبيق العملي و الميداني للمقتضيات الدستورية، بالإضافة إلى مدى إحكامه للآليات الدستورية الجديدة و قدرته على الإبداع و التطوير الذي تقتضيه المرحلة، وحسن إدارة التدافع في القضايا المصيرية التي اكتفى الدستور بوضع إطارها العام، وترك ضوابطها وتفاصيلها لفعالية المجتمع بهيئاته المدنية و السياسية من قبيل علاقة الدولة بالهوية والمرجعية وغيرها من القضايا التي تباينت حولها المواقف والاقتراحات إبان النقاش المجتمعي الذي سبق إقرار الوثيقة الدستورية. ● ما هي الآليات المساهمة في تقوية دور المجتمع المدني بمكوناته السياسية والاجتماعية المختلفة، وذلك في توافق مع الرهانات الإستراتيجية المطروحة الآن ؟ ●● أعتقد أن قوة وتطور المجتمع المدني و السياسي مرتبطة أساسا بمدى نجاحنا كدولة وكمجتمع في محطة الانتقال الديمقراطي التي نعيشها اليوم، ومن شأن هذه المحطة، إذا تضافرت الجهود المخلصة أن تسهم في وضع أسس ديمقراطية حقيقية، سياسية واجتماعية واقتصادية تستجيب لتطلعات الشعب المغربي، و تنسجم مع مقومات هويته. إذ إن تحقيق الالتقائية الصادقة لمختلف الإرادات على قاعدة التأويل الديمقراطي للوثيقة الدستورية شرط أساسي و ضروري لإنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي ببلادنا. فمن جهة نحن ننتظر كمجتمع أن تعكس ممارسات الدولة الإرادة السياسية اللازمة للإنجاح، ومن جهة أخرى يجب علينا أن نجتهد حتى تصبح الإرادة الشعبية لكل مكونات وأطر المجتمع المدنية و الحزبية والأكاديمية مشبعة بما يكفي من ثقافة التضحية والوطنية و الممانعة لتأسيس فضاء رحب للمشاركة والثقة المتبادلة واحترام الاختلاف، يتم في إطاره الانتقال إلى ديمقراطية حقيقية في ظل مجتمع متوازن في نخبه و خياراته الإستراتيجية.