دستور يضع الشباب المغربي أمام تحديات كبرى للمساهمة في السياسات العمومية المحلية والوطنية يشكل مشروع الدستور الجديد المعروض على الاستفتاء الشعبي، محطة فاصلة في علاقة المجتمع المدني العامل في حقل الشباب والطفولة مع هذا المكون الأساسي في المؤسسات العمومية المحلية والوطنية، عبر الإقرار بضرورة إدماجه وإشراكه كقوة اقتراحية فاعلة ومؤثرة في بناء المسار الديمقراطي المغربي. إن تنصيص مشروع الدستور الجديد على حقوق الشباب والطفولة وإقرار الآليات المؤسساتية لبلورة هذه الحقوق في إطار مجلس وطني للشباب والعمل الجمعوي، ومجلس وطني للأسرة والطفولة، هو اعتراف صريح بالأهمية الإستراتيجية لهذه الشريحة الأساسية، ومدخلا جوهريا لمجموعة من الإصلاحات السياسية التي تيسر الولوج الفعلي للشباب إلى مراكز القرار واعتماد مقاربة تشاركية تروم تقوية العمل الجمعوي الشبابي والتربوي كشريك أساسي في العملية التنموية في مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. إن المقتضيات التي حملها مشروع الدستور، في مجال الطفولة والشباب والعمل الجمعوي، تعتبر محفزا أساسيا لانخراط الشباب في الحياة العامة وفي خلق انفراج حقيقي يصحح رؤية هذه الشريحة المجتمعية لمعنى المشاركة في الفعل في مختلف أوجه الحياة العامة، وهو أيضا اعتراف صريح بالأدوار الطلائعية التي قامت بها الشبيبة المغربية على مدار التاريخ المغربي، وخاصة خلال العقد الأخير من القرن الماضي، حيث أصبح العمل الجمعوي المرتكز في عمقه التنظيمي والتأطيري على الشباب، يضطلع بأدوار مهمة للمساهمة في البناء الديمقراطي، وإشاعة قيم المشاركة والتضامن والتطوع. وبالتالي فالتنصيص الدستوري على هذه الفئات هو رد اعتبار لها ومحاولة إزالة تلك الصورة النمطية التي ألصقت بها، ظلما، واعتبار هذه الفئة غير مبالية ولا تعير أدنى اهتمام للحياة السياسية والجمعوية. وبما أن الوثيقة الدستورية هي النظام الأساسي الذي ينظم العلاقات داخل الدولة وبين مؤسساتها، فإن الشباب اليوم والعاملين في حقل الطفولة يشعرون بأهمية اللحظة التاريخية التي تمر منها بلادنا، ويستشعرون أهمية التحدي الذي يطرحه مشروع الدستور الجديد لإبراز القدرات والطاقات التي يختزنها الشباب الذي يعتبر طرفا رئيسيا في صناعة هذه اللحظة المفصلية في التاريخ المغربي، من خلال الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تعرفه بلادنا منذ مدة ليست بالطويلة. وينص مشروع الدستور الجديد، على جمعيات المجتمع المدني كآلية تنظيمية تساهم في تأطير المجتمع، واعتبارها شريكا في رسم السياسات العمومية، كما يضع الشباب المغربي في صلب هذه الوثيقة الدستورية خاصة في الفصل 33 الذي ينص صراحة على أنه يتعين على السلطات العمومية «اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد, ومساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية, وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني». وبخصوص هذه المكانة التي حظي بها الشباب والطفولة والعمل الجمعوي في مشروع الدستور الجديد، أكد ربيع الوفودي فاعل شبابي وجمعوي، أن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، أقر بشكل واضح بضرورة إعطاء المكانة اللائقة بالشباب المغربي في المنظومة المؤسساتية والدستورية، بهدف ولوج هذه الشريحة إلى مراكز القرار بشكل أسهل وسلسل، وأن يساهم في بلورة وتنفيذ وتتبع وتقييم السياسات العمومية للدولة التي تجعل من الشباب إما هدفا أو فاعلا أساسيا فيها. وأوضح ربيع الوفودي أن تنصيص الدستور على إحداث مجلس وطني للشباب والعمل الجمعوي، ما هو إلا تكريس للنضال الذي أبنات عنه الحركة الشبابية على مر عقود من القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، خاصة تلك المنظمات الشبابية المنتمية للحركة التقدمية والديمقراطية والتي ساهمت بشكل جلي في المرافعة من أجل دستور ديمقراطي، يستطع أن يلج المغرب من خلاله إلى مصاف الدول المتقدمة. واعتبر الوفودي أن التنصيص على دسترة مجلس للشباب والعمل الجمعوي ومجلس للأسرة والطفولة، إشارة قوية، لتحفيز الشباب على المشاركة في الحياة العامة والشأن السياسي والمواطناتي، مؤكدا على أنه من شأن تنزيل هذه المقتضيات الجديدة على أرض الواقع عبر أجرأتها، أن تنعكس على الوضعية السوسيو-اقتصادية والثقافية والبيئية للشباب المغربي. من جانبه عبر محمد القرطيطي رئيس الجامعة الوطنية للتخييم التي تضم 35 حمعية وطنية بأزيد من 1300 فرعا على الصعيد الوطني، عن ارتياحه لما ورد في مشروع الدستور الجديد، مؤكدا على أهمية وإيجابية تنصيص الوثيقة الدستورية في الفصل 172 و171 على إحداث مجلس للشباب والعمل الجمعوي والفصل والمجلس الخاص بالأسرة والطفولة. وقال محمد القرطيطي إن «إقرار الدستور بمجلس للشباب والعمل الجمعوي هو ثمرة نضال قادته الجمعيات والأحزاب على مدى عقود، واستحقاق مستحق يعيد الاعتبار للشباب وجمعياته، ويلقي في نفس الوقت بمسؤولية كبيرة على الجمعويين لإعادة ترتيب بيوتهم وإطلاق برامج ومشاريع تليق بطاقاتهم الخلاقة والإبداعية» وبدوره أفاد اسماعيل الحمراوي رئيس منتدى الشباب المغربي ورئيس برلمان الشباب العربي الأوروبي، أن الشباب المغربي انتظر لسنوات طوال هذا الموعد مع التغيير، مشيرا إلى أن هذه الشريحة الأساسية لم تكن تجد ذاتها في دساتير المملكة وحتى بالنسبة للترسانة القانونية الموجودة، على قلتها، لم يتم تنزيلها كما يريدها الشباب أن تؤسس إلى تعاقد اجتماعي شبابي وترسم معالم السياسة العمومية في مجال الشباب. وأضاف الحمراوي، في تصريح لبيان اليوم، أن احتجاجات الشباب المغربي، حركت المياه الراكدة، وأن خطاب 9 مارس رسم المعالم الكبرى للتغيير في المغرب، مؤكدا على أن مشروع الدستور المعروض للاستفتاء يشكل وثيقة لتعاقد سياسي جديد للفاعلين، من خلال ترسيم عدة آليات سياسية وترافعية جديدة، يتطلع عموم الشباب المغربي لأجرأتها كما وردت في الدستور. وقال المتحدث إن «معركتنا الأولى تحققت، ويبقى لنا الكثير من العمل لجعل آلية مجلس الشباب والعمل الجمعوي تؤسس لخلق فضاء تشاركي وسياسة وطنية مندمجة/ فوق قطاعية للشباب المغربي بمشاركة مختلف الفاعلين ومأسسة العمل الجمعوي الذي يتخبط في ارتجالية دائمة تعيق التنمية المحلية والوطنية». وأوضح رئيس منتدى الشباب المغربي، أن الدور الجوهري الذي يتعين العمل عليه، مباشرة بعد المصادقة على الدستور، هو تنزيل مقتضيات هذه الوثيقق، من خلال ترسانة قانونية واضحة قادرة على تفعيل دور الشباب كقوة اقتراحيه قادرة على صياغة القرار والمساهمة في البناء الديمقراطي والعمل على وضع مساطر جدية للنهوض بقضايا التمكين السياسي للشباب وترسيخ ثقافة الحوار الشبابي والنقاش العمومي والمشاركة الإيجابية والمسؤولة في أوساط الشباب المغربي؛ وكذا تربية الشباب على قيم المواطنة وتعزيز قيم التسامح والمسؤولية والموضوعية وإشاعة ثقافة احترام حقوق الإنسان، والتربية على احترام قواعد العمل الديمقراطي التعددي في مؤسسات ومنظمات المجتمع». واعتبر الحمراوي أن التحدي الكبير المطروح الآن، هو العمل على تحقيق مجموعة من المطالب الشبابية التي بقيت عالقة عبر نضال ديمقراطي يمكن من كسب الرهان، مشيرا إلى أن التصويت بنعم على الدستور، هو تعبير عن إيمان الشباب المغربي بأن الخيار الديمقراطي في المغرب يسير بتدرج نحو إعداد قيادات شبابية قادرة على نشر الوعي بين الشباب حول مجمل التحديات التي تواجههم وكيفية التعامل معها وفقًا للمصلحة العامة. وأكد في السياق ذاته، أن وجود مؤسسات استشارية داخل الدستور الجديد سيجعل الشباب مجبرا على الدفع قدما نحو تخليق الحياة العامة وتفعيل الآليات الكفيلة بمحاربة الفساد واقتصاد الريع وكل الأشكال والسلوكيات المخلة بالقيم الوطنية.