تتقدم حركة التوحيد والإصلاح بمذكرتها للإصلاح الدستوري قياما بواجب الإسهام في صياغة مشروع دستور ديمقراطي حديث، ينطلق من المكتسبات التاريخية التي راكمها المغرب عبر تجربته الحضارية الطويلة والغنية ويتطلع إلى تعزيز موقع بلادنا ضمن حركة المد الديمقراطي الذي تشهده المنطقة العربية، ويقوي مكانتها على المستوى الإقليمي والدولي، وفي إطار انخراطها في المشاورات والإسهامات الموسعة في إعداد التعديلات الدستورية التي دعا إليها الخطاب الملكي التاريخي ليوم 9 مارس .2011 إن حركة التوحيد والإصلاح باعتبارها فاعلا مدنيا إصلاحيا تركز جهودها أساسا ومنذ عقود في مجالات الدعوة والتربية والقيم، وتعتمد الاجتهاد المقاصدي لتجديد الدين وتجديد فهمه والعمل به، تعتبر أن المراجعة الدستورية الجارية محطة لترسيخ الاختيار الديمقراطي والحريات العامة وإرساء الاعتراف الدستوري بدور المجتمع المدني، وتعزيز قيم المواطنة الحقة المستندة إلى المرجعية الإسلامية والمستفيدة من مكتسبات الحضارة الإنسانية الراشدة، وهي قضايا أساسية في توجه بلادنا نحو الاستجابة للتطلعات الشعبية والشبابية المشروعة المطالبة بدستور جديد يؤسس لريادة نموذج ديمقراطي مغربي أصيل، يحقق الاندماج الإيجابي المطلوب بين مبادئ الإسلام في الحكم ومقتضيات الخيار الديمقراطي. إننا في حركة التوحيد والإصلاح، وأخذا بعين الاعتبار لمجالات عملنا الأساسية في الحقل الدعوي وللطابع المدني لهيأتنا، سنركز في اقتراحاتنا بالأساس على القواعد والمقتضيات الدستورية ذات العلاقة بالمرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة، وعلى ما يُمَكن من تعزيز الخيار الديمقراطي في علاقته بالمجتمع المدني وتوسيع إمكانات وفرص المجتمع بمختلف مكوناته في ممارسة حقه في الرقابة الشعبية على أداء المؤسسات التشريعية والتنفيذية. منطلقات المراجعة الدستورية تنطلق حركة التوحيد والإصلاح في مقترحاتها للمراجعة الدستورية من مجموعة منطلقات تتمثل في: أ- تعزيز الآليات الدستورية لضمان احترام الاختيارات الدينية للمجتمع وثوابته الوطنية والحضارية، ذلك أن المراجعة الدستورية الحالية مطالبة باستيعاب إرهاصات التحول الديموقراطي المؤطر للتدافع الوطني حول قضايا المرجعية والهوية والقيم سواء تعلق الأمر بقضايا اللغة والتنوع الثقافي، أو تعلق بالعلاقة بين المرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة وبين المواثيق الدولية في مجال التشريع للعلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، أو في العلاقة مع قضايا السيادة الوطنية والضغوط الخارجية المفضية إلى الانتقاص من هذه السيادة.ويتمثل هذا التحول المفصلي في الانتقال من الاقتصار على مسؤولية الدولة في حسم هذه القضايا إلى تمكين المجتمع من الاضطلاع بدوره، عبر إقرار حقه في المبادرة الاقتراحية في القضايا ذات العلاقة بالهوية والمرجعية والقيم، سواء في مراجعة النص الدستوري أو في اقتراح القوانين والتشريعات، وذلك في تفاعل وتكامل مع باقي السلط، وهو التطور الذي شهدته مختلف تجارب الانتقال الديموقراطي. ب - النهوض بالشأن الديني مسؤولية الدولة والمجتمع: وتنطلق الحركة من ضرورة تضافر الجهود ومساهمة الجميع لتحقيق الإصلاح المطلوب لهذا الشأن، ومن إيمانها بالتعاون مع غيرها من الهيئات والمؤسسات في عملها الدعوي والتربوي ومجهودها الإصلاحي، عملا بقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) المائدة-.2 وقد أكدت الحركة في معرض تثمينها لبعض عناصر تدبير الشأن الديني على ضرورة إشراك عموم الفاعلين في هذا الحقل من مؤسسات رسمية وهيآت مدنية وجهود شعبية، وتشجيع الاجتهاد المعاصر، وتحقيق الانسجام بين السياسات العمومية المتخذة في باقي المجالات وسياسات تدبير الشأن الديني وتجاوز التناقضات القائمة في الحياة العامة بسبب غياب هذا الانسجام، وهو ما يقتضي أن تكون المراجعة الدستورية مدخلا لتثبيت ما تحقق من مكتسبات في هذا المجال عبر دسترتها وتوسيع المشاركة المدنية والعلمية في مؤسساتها وتجاوز التناقضات القائمة. ج - ضرورة التوفر على إطار دستوري يحدد المبادئ والقواعد المنسجمة مع المقومات الدينية والتاريخية والثقافية والحضارية للمجتمع والتي تكون موجِّهة لكافة التشريعات والسياسات العمومية، وذلك وفق ما نجده في الوثائق الدستورية الحديثة، والتي تخصص بعضا من مقتضياتها للمبادئ الناظمة للسياسات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وتحدد منظومة القيم والأخلاق المؤطرة لهذه السياسات. سد - ملحاحية تعميق الدمج الإيجابي بين مبادئ الإسلام في الحكم ومقتضيات الديمقراطية، والتي تسعى إلى صيانة كرامة الإنسان والسعي لتحقيق ما يخدم مصلحته وينهض بحضارته، وتُفضي إلى بناء دولة الحق والقانون، بوصفها دولة مدنية ديمقراطية بمرجعية إسلامية، يكون فيها مصدر السلطة هو الشعب وترتبط فيها ممارسة السلطة بالمسؤولية والمحاسبة، على أساس تعاقد سياسي يضمن الكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية، ويتحقق فيها استقلال سلطة القضاء والارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان وإطلاق الحريات. مرتكزات في الديباجة الدستورية إن الديباجة الجديدة للدستور يجب أن تكتسب القوة القانونية لفصوله وتتضمن عناصر واضحة في تأكيد الانتماء الإسلامي للمغرب واعتماده للخيار الديمقراطي، وذلك على أساس المرتكزات التي نقترح إدماجها بشكل صريح في ديباجة الدستور، وهي كالتالي: أ - إسلامية الدولة المغربية: وهو عنصر قررته وصرحت به جميع الدساتير المغربية، وفق ما هو منصوص عليه في الفصل السادس من الدستور الحالي: ''الإسلام دين الدولة''، ذلك أن المرجعية الإسلامية هي اختيار الشعب المغربي وأساس الدولة المغربية وعامل وحدتها وتلاحم مكوناتها ومرتكز إشعاعها التاريخي والحضاري. وبناء عليه يكون من الواجب البدهي التأكيد في ديباجة الدستور على ''سمو المرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة مع الاجتهاد المبدع لما تتطلبه مستجدات الحياة ومقتضيات التقدم أثناء تنزيل أحكام هذه المرجعية''؛ ب - وحدة الهوية المغربية في إطار تنوع روافدها وتعدد مكوناتها وأهمها الأمازيغية والعربية. سج - اعتزاز الشعب المغربي وتمسكه بانتمائه الديني والتاريخي للأمة الإسلامية، ولمحيطه المغاربي والعربي والأفريقي، وبدوره الريادي في كل هذه الانتماءات؛ د - الانفتاح والتفاعل الإيجابي على جميع الثقافات والحضارات والتجارب الإنسانية، والاستفادة منها والإسهام فيها؛ ه - التمسك بالنهج الشوري الديموقراطي في تدبير شؤون الحكم وسائر الشؤون العامة، مع الأخذ بمبدإ التطوير والتجديد المستمرين لآليات هذا الخيار ومخرجاته. المقترحات بناء على ما سبق تتأطر مقترحاتنا لمراجعة الدستور بتوجهات تعزيز المكانة الدستورية للمرجعية الإسلامية أولا، وإرساء مبادئ تقوية الوحدة والهوية والمواطنة ثانيا، والتكريس الدستوري للخيار الديمقراطي لتحقيق سيادة الشعب وتأكيد حقه في الاختيار والمراقبة والمحاسبة وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها ثالثا. تعزيز المكانة الدستورية للمرجعية الإسلامية يمثل الإسلام الثابت الرئيسي للمجتمع والدولة في المغرب، ورغم التنصيص عليه في الدساتير السابقة، إلا أن التقنين الدستوري لذلك بقي محدودا وغير قادر على ترجمة قواعد دستورية مؤطرة لسلوك المؤسسات المنتخبة، وهو ما يفرض أن تنص هذه المراجعة الدستورية على ما يلي: أ - يضاف إلى عبارة ''الإسلام دين الدولة'' في الفصل السادس ما يلي: ''وهو المصدر الأول للتشريع''؛ ب - دسترة البيعة الشرعية التي تتم على أساس الدستور بين أمير المؤمنين وممثلي الأمة والمؤسسات الدستورية وذلك كتتويج لانتقال الملك، وتحدد صيغتها وتنظيمها بقانون تنظيمي. ج - دسترة مؤسسة المجلس العلمي الأعلى والتنصيص على استقلاليته العلمية؛ سد - تعديل الفصل 21 من الدستور باستبدال رئيس المجلس العلمي الإقليمي لمدينتي الرباط وسلا في عضوية مجلس الوصاية برئيس المجلس العلمي الأعلى؛ ه - التنصيص على إحداث المجلس الأعلى للزكاة، ويصدر قانون تنظيمي يحدد صلاحيات هذا المجلس ونظامه؛ و- دسترة المجلس الأعلى للأوقاف، وتوسيع اختصاصاته لتشمل، إلى جانب مراقبة مالية الأوقاف، مهام تنمية وتطوير هذه الأوقاف وفق قواعد الحكامة الجيدة؛ ز - التصريح بشمولية رقابة المجلس الدستوري على القوانين للنظر في عدم تعارضها مع الأحكام القطعية للإسلام، مع توسيع عدد أعضاء هذا المجلس ليضم ممثلين عن المجلس العلمي الأعلى؛ ح- توسيع صلاحيات البرلمان لتشمل الموافقة على الالتزامات الدولية للمغرب وأن تكتسب قوة القانون بعد المصادقة عليها، ويمكن لعشر أعضاء أحد مجلسي البرلمان الدفع بعدم الدستورية، مع إحداث آلية انتقالية لإخضاع الاتفاقيات السابقة لمصادقة البرلمان. ط - التنصيص الدستوري على المبادرة الشعبية والمدنية في الطعن في دستورية القوانين والاتفاقيات الدولية المخالفة للمرجعية الإسلامية أو التي تمس بقيم الهوية المغربية ومقومات السيادة الوطنية. ي - التنصيص الدستوري على تمثيلية هيآت المجتمع المدني المعنية بالشأن الديني في المؤسسات الوطنية المنصوص عليها في الدستور وذات الصلة بقضايا الهوية والقيم؛ التنصيص على المبادئ الدستورية الكفيلة بتقوية مقومات الوحدة والهوية والمواطنة نقترح في هذا الإطار أن يتم تخصيص باب على غرار ما هو موجود في عدد من الدساتير الحديثة يكون الغرض منه توفير إطار دستوري لمجموع السياسات والتشريعات بما يقوي ويحفظ مقومات الوحدة والهوية والمواطنة، خاصة وأن بلادنا تتجه نحو تمكين الحكومة من الاختصاصات التنفيذية الحيوية وتنزيل جهوية ديمقراطية ومتضامنة. ونقترح لذلك ما يلي: أ - يضاف إلى كون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، التنصيص على وجوب التزام المؤسسات الوطنية بذلك، مع دسترة أكاديمية محمد السادس للغة العربية؛ ب - دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية تكتب بالحرف العربي توسيعا لاستعمالها، والتنصيص على التزام الدولة بدعمها وتطويرها؛ ج - التنصيص الدستوري على السيادة اللغوية والثقافية في الحياة العامة واعتبار كل معاملة بلغة أجنبية في الشؤون العامة الوطنية بمثابة إخلال بمتطلبات السيادة موجب لبطلان هذه المعاملة؛ د - التنصيص على ضمان الدولة للحق في الصحة وفي التربية والتعليم الإلزامي والمجاني لجميع المواطنين بدون استثناء؛ ه - التنصيص على أن العمل والمشاركة في تنمية البلاد وخدمتها حق مكفول لجميع المواطنين وواجب وطني، وكذلك حقهم المتساوي في الاستفادة من خيرات وطنهم وفرص العمل فيه ومنع أي تمييز في ذلك بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو اللباس أو المظهر أو الانتماء العرقي أو الجغرافي؛ و - التنصيص الدستوري على مؤسسة الأسرة وإقرار حماية الأمومة والطفولة والشبيبة والشيخوخة وذوي الاحتياجات الخاصة وصون كرامة المرأة، وأن تكون غايات المبادرات البرلمانية والسياسات الحكومية التشجيع على بناء الأسرة وضمان تماسكها وتقوية الروابط بين مكوناتها ومساعدتها على القيام بواجباتها وفق قواعد المودة والرحمة. التكريس الدستوري للخيار الديمقراطي لتحقيق سيادة الشعب وتأكيد حقه في الاختيار والمراقبة والمحاسبة وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وذلك من خلال ما يلي: أ -التكريس الدستوري لمبدأ فصل السلط وتوازنها من خلال برلمان يتمتع بكامل صلاحيات التشريع والرقابة والمحاسبة منبثق من الشعب بناء على انتخابات نزيهة بإشراف هيئة مستقلة، وحكومة مسؤولة مسؤولية كاملة عن السلطة التنفيذية ومنبثقة عن الاختيار الشعبي الحر؛ ب - تعديل الفصل 19 من الدستور لينص على ما يلي ''الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للدولة، ورمز وحدتها، وضامن دوامها واستمرارها، وهو الساهر على احترام الدستور، وصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات والتحكيم بينها. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزتها في دائرة حدوده الحقة. وهو حامي حمى الدين ويمارس صلاحياته بهذا الخصوص بمقتضى ظهائر''؛ ج - تعديل الفصل 23 من الدستور الحالي لينص على ما يلي: ''شخص الملك لا تنتهك حرمته''. د - التنصيص على إعلان دستوري لحقوق وواجبات المواطن؛ ه - التنصيص على تأسيس هيئة مستقلة، تتولى تنظيم جميع الاستفتاءات والانتخابات العامة، وتسهر على نزاهتها وسلامتها؛ و - الترسيخ الدستوري للقضاء كسلطة مستقلة ونزيهة والتنصيص على الآليات الكفيلة بضمان نزاهة القاضي؛ ز - ترسيخ المكانة الدستورية للحريات العامة والحرية الإعلامية ودسترة المؤسسات الوطنية المعنية بتنظيم القطاع الإعلامي وصيانة حريته واستقلاله وحماية المصادر وضمان الحصول على المعلومة؛ ح - التنصيص على حق المبادرات الشعبية في تقديم مقترحات قوانين، تعرض على البرلمان، إذا حصلت على مائة ألف توقيع على الأقل. ط - إقرار حق المواطن في الدفع بعدم دستورية المقتضيات القانونية المزمع تطبيقها عليه من قبل القضاء، وأن تتم الإحالة تلقائيا على المجلس الدستوري للبت في الدفع؛ ي - دسترة آليات تخليق الحياة العامة ومؤسسات الحكامة الجيدة ودعم الشفافية ومكافحة الفساد؛ ك - الاعتراف الدستوري بالمجتمع المدني إلى جانب الأحزاب والنقابات، وبحقه في تنظيم وتأطير المواطنين ودسترة مجلس أعلى للمجتمع المدني للارتقاء بالعمل الجمعوي وتفعيل دوره في الحياة العامة وترشيد وتخليق ممارسته ودمقرطة آليات دعمه؛ ل - صيانة ورعاية الحريات الفردية والجماعية للمواطن المغربي وحقه في التعبير والتنظيم والتجمع، وتجريم كل مس أو هتك لحرمته بالتجسس أو بالتنصت أو بالاعتقال بدون إذن قضائي وتجريم الاختطاف والتعذيب والاعتقال التعسفي واعتبار هذه الجرائم غير خاضعة للتقادم وإقرار عدم الإفلات من العقاب؛ م - التنصيص الدستوري على إخضاع مختلف الأجهزة الأمنية لرقابة السلطتين القضائية والتشريعية؛ ن - التنصيص الدستوري على قواعد فعالة للحيلولة دون استغلال السلطة والنفوذ للكسب غير المشروع ولتحقيق الفصل المناسب بين السلطة والثروة. إن حركة التوحيد والإصلاح وهي تسهم بهذه المقترحات لإصلاح الدستور الذي تأمل أن يكون متجاوبا مع تطلعات الشعب المغربي القوية في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، ومتيحا لبلدنا انتقالا سلميا وهادئا إلى مغرب أصيل ديمقراطي عادل ومزدهر، فإنها تؤكد أن نجاح هذا الورش يستوجب إجراءات مواكبة ومصاحبة وعلى رأسها الشروع في معالجة آنية ومستعجلة لملفات الفساد وإلغاء قانون الإرهاب والطي النهائي لملف الاعتقال السياسي ومعالجة شجاعة للانتهاكات الجسيمة لمرحلة (2011 1999)، وتفكيك مراكز النفوذ المفتقدة للشرعية الشعبية، وتصفية إرث السلطوية الحزبية والاقتصادية والثقافية والفنية وإنهاء الامتيازات الريعية الناشئة خلال مرحلة التسلط وإزالة الاحتقان في المجال الاجتماعي. (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).