استمرت حركة التوحيد والإصلاح سنة 2011 في تنزيل مشروعها المجتمعي، والدفاع عن القيم الإيجابية في صفوف المجتمع، وحرصت على إبداء رأيها في مختلف القضايا، وتفاعلت مع ما يحصل في المحيط العربي في ظل «الربيع العربي»، وظلت تبقي مسافة تفصلها عن حزب العدالة والتنمية وتحقق التمايز الوظيفي. ويمكن رصد سلوك ومواقف الحركة هذه السنة في ثلاث مستويات. المستوى الأول: الإصلاح الديمقراطي سايرت الحركة التحولات التي عرفها المغرب خلال السنة المنصرمة، من خلال تعبيرها عن مواقفها بشكل صريح وواضح من الأحداث التي تسارعت تباعا (خطاب 9 مارس، الورش الدستوري، انتخابات ال25 نونبر وفوز الإسلاميين وتكليف بن كيران بتشكيل الحكومة لأول مرة..). وأطلقت حركة التوحيد والإصلاح إلى جانب شركائها يوم الخميس 17 مارس 2011، نداء الإصلاح الديمقراطي، أوضحت ديباجته التي تم عرضها في ندوة صحفية على أن النداء أتى انطلاقا من الحراك الشعبي والمدني والديمقراطي المتصاعد، الذي كشف حسب النداء عن تفاعل متقدم مع حركة المد الديمقراطي في المنطقة العربية، وجسد وعيا تاريخيا بتحمل المسؤولية لتدشين مرحلة ديمقراطية جديدة، تنطلق من التطلعات الشعبية والشبابية التواقة للكرامة والحرية والعدالة والمطالبة بإصلاحات دستورية عميقة، تستند على المرتكزات التي أعلن عنها في الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011. واعتبرت الحركة وشركاءها أن المبادرة تعبير عن مسار نضالي يعزز الحراك الشعبي والمدني السلمي القائم بالمغرب وما تحقق من إنجازات ويتطلع إلى كسب معركة الإصلاح الديمقراطية مع صيانة مقومات ومكتسبات الوحدة والاستقرار. من جهة أخرى، انبنت المبادرة على ثلاث عناصر أساسية، أولا، ملحاحية إطلاق تعبئة وطنية حول قضايا الإصلاح الديمقراطي، ثانيا، العمل من أجل توفير شروط النجاح السياسي لورش الإصلاح الدستوري، ثالثا، أولوية التكتل من أجل صيانة مسيرة الإصلاح الديمقراطي. ومباشرة بعد إطلاق نداء الإصلاح الديمقراطي، بدأت الحركة تراكم عددا من المنجزات، تمثلت في إعداد مذكرة بشأن التعديل الدستوري قدمتها الحركة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، ثم على مستوى المبادرات الميدانية، شاركت الحركة في مسيرات وتظاهرات فاتح ماي لسنة 2011، خاصة في المسيرة المركزية التي نظمها الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بمدينة الدارالبيضاء، والتي قدرت وسائل الإعلام عدد المشاركين فيها بحوالي المائة ألف مشارك. ثم على مستوى الأنشطة التأطيربة، من خلال عدد من الأنشطة التي استهدفت المتعاطفين والأعضاء لتعريفهم بموقع الإصلاح الديمقراطي في الحراك الجاري. ثم على المستوى الإشعاعي، من خلال تنظيم عدد من الندوات العلمية والمهرجانات الخطابية عبر ربوع المملكة لبسط مضامين المذكرة التي رفعتها الحركة. وفي نفس السياق، عقد مجلس الشورى ندوة حول «حركة التغيير بالمنطقة العربية وتحديات الإصلاح الديمقراطي بالمغرب»، إصدار عدد خاص من جريدة«التجديد» تضمن عددا من المواضيع والتحليلات وملخص المذكرة بشأن تعديل الدستور. المستوى الثاني: مواقف من الاستبداد تفاعلت حركة التوحيد والإصلاح مع ما يحصل في العالم العربي من أحداث وتطورات، فيما سمي «الربيع العربي»، إذ تابعت ثورة الشعب التونسي وبعده المصري ثم الشعب الليبي والسوري، وأصدرت بيانات ونظمت أحيانا وقفات للتضامن مع ضحايا الظلم والاستبداد. وحيت الشعب التونسي على انتفاضته وهنأته على تحرره وانعتاقه من ظلمات نظامه الفاسد الذي حكمه لفترات طويلة، إذ أصدرت بيانا في 16 يناير، أعلنت من خلاله عن تضامنها المطلق مع الشعب التونسي ووقوفها إلى جانبه في العيش في رحاب نظام ديمقراطي تعددي يعبر عن إرادة الشعب، واعترت الحركة النهاية المخزية للنظام الفاسد فشلا ذريعا وانهيارا كاملا للنموذج الاستئصالي والنهج الإقصائي. كما أصدرت التوحيد والإصلاح في 7 فبراير، بيانا حول انتفاضة مصر، أعلنت من خلاله تضامنها بشكل كامل مع الثورة السلمية «العظيمة»، وأشادت بالتلاحم والتوحد الذي أبانت عنه مختلف فئات الشعب المصري من مسلمين وأقباط، وإسلاميين وقوميين وعلمانيين وغيرهم، وأدانت كل أعمال البلطجة والقتل الهمجي التي استهدف المتظاهرين العزل، كما اعتبرت أن ما حصل في تونس وبعده مصر يعد فشلا ذريعا لنهج الإقصاء والتحكم والانفراد بالقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وبمجرد ما سقطت طرابلس في أيدي الثوار، أصدرت الحركة بيانا بتاريخ 22 غشت، عبرت من خلاله عن أملها في أن يؤدي سقوط طرابلس إلى نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة يعيش فيها الليبيون بحرية وكرامة، ودعت جميع الثوار أن يغلبوا قيم العفو والرحمة اقتداء بسيد المرسلين يوم فتح مكة، وأن يحكموا بالقانون وحده في الاقتصاص من المجرمين الضالعين في جرائم الحرب والفساد، واعتبرت نهاية الديكتاتور فشلا ذريعا للخيار الأمني والعسكري في مواجهة وقمع الشعوب المطالبة بالحرية. من جهة أخرى، وحسب البيانات التي تصدرها الحركة، تابعت بقلق ما يحصل في سوريا، كما دعت في مواقف سابقة في 14 يونيو الشعب السوري إلى مزيد من الصبر والتشبث بالنهج السلمي والحضاري لتورثه وتوخي الحذر من أي استدراج للعنف أو حمل السلاح. المستوى الثالث: المدافعة الإيجابية يؤكد قياديو حركة التوحيد والإصلاح في كل فرصة إيمانهم بالمدافعة الإيجابية وتقديم بدائل في كل المجالات، تطبعها القيم الإسلامية والأخلاق الفاضلة من أجل ترشيد التدين في المجتمع كخيار استراتيجي. وفي هذا الصدد، تميزت سنة 2011 بتنظيم المهرجان الوطني الفني الأول تحت شعار «الفن إبداع ورسالة» بمدينة مكناس، وتنوعت فقرات المهرجان الذي امتد طيلة ثلاثة أيام، بين المسرح والسينما والتشكيل والخط العربي وكذلك الموسيقى التراثية والإنشاد، وعرف المهرجان أيضا، تنظيم ندوة فكرية حول «الفن في المغرب: الواقع والآفاق» شارك فيها عدد من الفنانين والمبدعين، كالناقد المسرحي عبد الكريم برشيد والفنانة سعاد صابر والباحثين امحمد الطلابي وفهدي عبد الفتاح. وتجلى خيار المدافعة الإيجابية والدفاع عن هوية المجتمع المغربي خلال السنة المنصرمة، في فضح الخطوات غير المحسوبة والتي من شأنها الإجهاز على مقومات الهوية، كما حصل في البيان الذي أصدرته الحركة حول رفع تحفظات المغرب على أحكام الأسرة والإرث في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بتاريخ 24 شتنبر، بعد أن أقدمت الحكومة على رفع تحفظات المغرب على مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، عبر رسالة سرية مؤرخة في 8 أبريل موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وهي المقتضيات التي تتعارض مع أحكام الإسلام وتخالف بنود مدونة الأسرة. من جهة أخرى، ركزت مذكرة حركة التوحيد والإصلاح المقدمة للجنة الاستشارية لتعديل الدستور على أربعة منطلقات، أولها تعزيز الآليات الدستورية لضمان احترام الاختيارات الدينية للمجتمع وثوابته الوطنية والحضارية، والثاني النهوض بالشأن الديني مسئولية الدولة والمجتمع، والثالث ضرورة التوفر على إطار دستوري يحدد المبادئ والقواعد المنسجمة مع المقومات الدينية والتاريخية التي تكون موجهة لكافة التشريعات السياسية، والرابع ملحاحية تعميق الدمج الإيجابي بين الإسلام ومقتضيات الديمقراطية.