يتحدث عبد الرحيم الشيخي، منسق نداء هيآت الإصلاح الديمقراطي في هذا الحوار ل «التجديد» عن تقييمه لمسار الحراك الذي عرفه الوطن العربي والمغربي منه على وجه الخصوص وكذا الاعتبارات التي حكمت مواقف حركة التوحيد والإصلاح اتجاه هذا الحراك وتفاعلها معه، وكذا عن السياقات التي أفضت إلى بروز ما سمي بالخيار الثالث الذي أفرز في ما بعد نداء الإصلاح الديمقراطي الذي وقعت عليه في البداية ستة هيآت والتحقت به هيآت أخرى، وعن الاعتبارات التي جعلت حركة التوحيد والإصلاح تقود خيارا ثالثا بعيدا عن خياري المغامرين والراغبين في الانقلاب على مسار الإصلاح بالمغرب وفرملته. وتحدث منسق مجلس شورى حركة التوحيد والإصلاح، عن تقييمه وانطباعاته حول سلسلة التظاهرات التي نظمتها هيآت نداء الإصلاح الديمقراطي سواء قبل خروج مشروع الدستور أو بعده، وهو حراك اعتبره المتحدث ذاته عرف تجاوبا شعبيا استثنائيا وغطى قياداته معظم مدن المغرب من شماله إلى جنوبه، بالإضافة إلى القوة الاقتراحية التي شكلتها الهيآت ذاتها من خلال المذكرات المرفوعة إلى لجنة مراجعة الدستور. وتطرق الشيخي أيضا إلى دوافع التصويت بنعم لصالح الدستور وعن الإجراءات التي يراها ضرورية بعد هذه الخطوة الإصلاحية الأولى كما تحدث عن مستقبل نداء الإصلاح هذا بعد أن تم اعتماد دستور سنة 2011. ● ما هو تقييمكم العام للحصيلة التي راكمها نداء الإصلاح الديمقراطي منذ انطلاقه إلى غاية اليوم؟ ●● في ما يخص الأشهر الأولى نظمت الهيآت الموقعة على نداء الإصلاح الديمقراطي عددا من الأنشطة سبق لنا أن بسطنا بعضا منها في حوار سابق مع جريدة «التجديد». أما في ما يخص هذه المدة الفاصلة بين تاريخ ذلك الحوار والإعلان عن مسودة مشروع الدستور، فقد واصلت الهيآت المذكورة تنظيم العديد من المهرجانات في عدد من المدن إما بتنسيق في ما بينها أو بتنظيم من قبل أحد مكوناتها، والتي عرفت من خلالها بمواقفها من التطورات الجارية كما أكدت على العديد من الأمور التي ينبغي أن تصاحب هذه المرحلة، وبالخصوص ما يتعلق منها بضرورة تعزيز إجراءات الثقة وتصفية الأجواء، والتي من بين عناصرها استمرار إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتصفية عدد من الملفات الكبرى للفساد وغيرها من الأمور التي سبق لهذه الهيآت أن طالبت بها على مستوى نداء الإصلاح الديمقراطي، وبالطبع فقد كانت هناك إشارة إلى عدد من الأمور التي يجب أن تتضمنها الوثيقة الدستورية خصوصا بعدما بلغ إلى علم هذه الهيآت من أخبار ومعطيات من طرق ومصادر مختلفة تفيد بأن عددا من المقتضيات ذات الصلة بالمرجعية الإسلامية والهوية قد وقع فيها تغيير في الاتجاه السلبي من مثل إسلامية الدولة والانتماء العربي الإسلامي للمغرب، فكانت هذه المهرجانات مناسبة للتأكيد على أن هذه أمور أساسية وقضايا حساسة لا يمكن التراجع عنها ولا يجوز التفريط فيها، وبالتالي فقد وجهت مكونات النداء عددا من الرسائل بهذا الخصوص سواء من خلال الكلمات التي ألقيت بالمهرجانات الخطابية أو من خلال البيانات والبلاغات التي أصدرتها مختلف هذه الهيآت، والتي نبهت إلى خطورة هذا المسار ومآلاته السلبية والدعوة إلى القيام بالتصحيح المطلوب، وهو ما حدث بالفعل إذ أن المشروع الذي عرض على الاستفتاء استجاب بنسبة معتبرة ومقدرة لذلك. وقد تم التنبيه أيضا من خلال حراك مكونات نداء الإصلاح الديمقراطي إلى ضرورة تحلي السلطات العمومية بعدم استعمال القوة لتفريق العديد من التظاهرات التي تعبر بشكل سلمي وبشكل حضاري عن موقفها وخصوصا التظاهرات التي كانت تنظمها آنذاك حركة 20 فبراير في مختلف المدن المغربية. ● ماذا عن الجانب الإعلامي في حراك هيآت النداء هذه، وكيف تم اتخذت الهيآت المشكلة للنداء مواقفها اتجاه مشروع الدستور؟ ●● على المستوى الإعلامي شارك عدد من ممثلي هيآت النداء في العديد من البرامج الحوارية أو التعريفية التي نظمتها وسائل الإعلام المغربية والدولية بمناسبة هذا الحدث وقامت جريدة «التجديد» بجهد مشكور من خلال مواكبة إعلامية متميزة في عدد من افتتاحياتها التي كانت تتابع بشكل دقيق مختلف التفاعلات التي حظي بها مشروع الدستور والإسهام في إغناء الحوار العمومي المثار في الساحة من خلال مناقشة عدد من الطروحات الفكرية والسياسية التي عرفتها هذه المرحلة. بعد صدور المسودة النهائية لمشروع الدستور، وكما كان متفقا عليه من قبل في هيآتها التقريرية، اجتمعت كل هيأة من الهيآت الشورية والتقريرية لمكونات نداء الإصلاح الديمقراطي وتدارست مشروع الدستور المعروض للاستفتاء وأصدرت على إثر ذلك بلاغات وبيانات توضح فيها الموقف المتخذ مع التنبيه إلى عدد من الملاحظات التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند التنزيل العملي وعدد من الثغرات الواجب استدراكها في المستقبل. ● على ماذا استندت مواقف الهيآت المشكلة للنداء وخاصة منها حركة التوحيد والإصلاح والتي اتجهت إلى تثمين مضامين الدستور والتصويت لصالحه بنعم؟ ●● هذه المواقف من الدستور انبنت بطبيعة الحال على عدد من الأمور الأساسية في مقدمتها المرجعيات التي تحكم كل هيأة من الهيآت، فنحن في حركة التوحيد والإصلاح كنموذج استحضرنا ميثاق الحركة خاصة ما له علاقة بمنهج المشاركة والتدافع السلمي المؤسس على مبدإ التدرج في الإصلاح وكذلك ما هو موجود في وثائقها بخصوص الإصلاح الدستوري والإصلاح السياسي بشكل عام، كما تمت مقارنة مسودة المشروع مع المذكرات التي قدمتها هذه الهيآت للجنة مراجعة الدستور ومع الدستور الحالي ووضع كل ذلك في سياقه أي سياق الثورات العربية التي تتطلع فيها مختلف شعوب المنطقة إلى تغيير الأوضاع نحو الأفضل ونحو مزيد من الحرية والكرامة والديمقراطية. بعد إجراء هذه المقارنات، وتعزيزها بقراءة تحليلية تستحضر اللحظة التي يعيشها الوطن أصدرت كل هيأة من هيآت نداء الإصلاح الديمقراطي موقفها، والتي كانت كلها لفائدة التصويت الإيجابي لمشروع الدستور وأكدت جميعها على ضرورة استئناف إجراءات تعزيز الثقة والتي من بينها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإطلاق سراح الصحفي رشيد نيني وإطلاق الحريات عموما وعدم تقييد حرية الصحافة، كما تمت الإشارة إلى ضرورة التعامل بشكل حضاري مع كافة الآراء المعبر اتجاه هذا المشروع مهما اختلفت سواء كان ذلك من خلال الشارع أو من خلال وسائل التعبير الأخرى. ● ما هي السياقات التي حكمت خروج الخيار الثالث إلى الوجود والذي أفرز بدوره نداء الإصلاح الديمقراطي؟ ●● أولا جاء هذا الخيار الثالث تفاعلا مع حركة المد الديمقراطي التي شهدتها المنطقة العربية، وبالطبع فإن المغرب لم يكن مستثنى من ذلك، ولهذا برزت دعوات شبابية إلى التظاهر وإلى التغيير بالمغرب تمثلت في حركة 20 فبراير، وبالطبع كان للحركة موقف يعرفه اليوم الجميع وهو المنطلق من اعتبار الحركة معنية بما يجري واختارت هذه الأخيرة ألا تشارك وألا تنزل للشارع لعدة أمور من بينها غموض هوية الجهات الداعية لأول مسيرة وأساسا لعدم وضوح سقف المطالب والمآلات التي يمكن أن تأخذها مجريات الأمور، بالنظر إلى ما جرى وما كان يجري حولنا من أحداث في بلدان عربية شقيقة. وقد اتخذ المكتب التنفيذي القرار بعدم المشاركة في هذه التظاهرات ومعه اتخذ قرار أن يبقى اجتماعه مفتوحا لتتبع تفاعل الأحداث وتطورها واتخاذ الموقف المناسب بشأنها، وهو ما تم مباشرة بإصدار بيان يوم 21 فبراير ثمن فيه الطابع السلمي والحضاري الذي ميز أجواء كل هذه التظاهرات ودعونا فيه السلطات المسؤولة إلى القيام بإصلاحات عميقة على المستوى السياسي والدستوري والديمقراطي. وبالطبع وما دمنا معنيين بهذا الحراك الطامح إلى التغيير فقد قدرنا أن ننخرط فيه بالشكل والمضمون الذي نراه مناسبا لتحقيق التغيير المنشود دون الوقوع في ما قد يهدد استقرار البلد، وهو ما لخصه نداء الإصلاح الديمقراطي وعبر عنه في ما بعد بالخيار الثالث. وقد أسهمت هذه الهيآت من خلال مواقفها المعبر عنها والمضمنة إما في البيانات والبلاغات أو المعلن عنها في المهرجانات الخطابية واللقاءات التواصلية والندوات والوقفات في هذا الحراك الشعبي والمؤسساتي الذي شهده المغرب وكانت أحد الفاعلين المعتبرين فيه. ● كيف تقدرون طبيعة وحجم إسهام خياركم هذا في صناعة التحول بالمغرب؟ ●● نقدر أن إسهامنا على هذا المستوى ومشاركة الهيآت المشكلة لنداء الإصلاح الديمقراطي على مستوى تقديم العديد من الاقتراحات لتعديل الدستور، (نقدر أن إسهامنا) كان إيجابيا وله دور أساسي في هذا المسار الذي عرفه المغرب وما وصلنا إليه اليوم. وبالطبع لا يمكن أن نقول أن كل ما نصبو إليه أو طالبنا به قد تحقق ولكن تحقق منه الكثير وبقيت أمور أخرى سنستمر في النضال من أجلها وفي الدعوة إلى أن تتحقق في المستقبل. فمن الأمور التي ركزت عليها هيآت نداء الإصلاح الديمقراطي سواء من خلال المهرجانات التي نظمتها مؤخرا أو من خلال بياناتها وبلاغاتها أنه وبعد أن يتم إقرار مشروع الدستور الجديد فسنكون جميعا أمام محك التنزيل العملي لهذه المقتضيات والذي ينبغي أن يكون تنزيلا بقراءة ديمقراطية وإيجابية، وتجنب كل التأويلات التي قد تعود بنا إلى ممارسات سابقة تنحو منحى الاستبداد والتحكم وتتجاوز النصوص المكتوبة التي نعتبر أنه حصل فيها تقدم كبير. بعد أن رفعت مسودة مشروع الدستور إلى الملك سربت بعض الأخبار تفيد بتراجعات جمة على مستوى المرجعية الإسلامية، غير أن جهود عدة وعلى رأسها ما قامت به هيآت النداء جعل المغاربة حسب بعض قادة النداء ينتصرون في معركة الهوية. صحيح ما قلت من كون ما تم فيه انتصار للمغاربة، لأننا لم نعتبر في يوم من الأيام أننا في معركة المطلوب فيها أن ينتصر طرف على آخر، فأهم ما كنا نصبو إليه ونريده هو أن تتخذ الأمور منحى فيه مصلحة المغرب والمغاربة جميعا، واعتبرنا أن الأمور المنصوص عليها في الدساتير السابقة والمتعلقة بالدين الإسلامي والمرجعية الإسلامية والهوية مكاسب أساسية لكل المغاربة وليست من الأمور التي يمكن أن تطالها المراجعة بهذه السهولة، ودعونا إلى ضرورة خضوعها للنقاش الواسع وربما إفرادها بالتصويت المستقل في حالة ما إذا تم التفكير في تغييرها، وبالتالي فما قامت به هيآت نداء الإصلاح الديمقراطي هوالتنبيه إلى أن هذه الأمور الأساسية وقالت أنها من الثوابت ومن الأمور التي أجمع عليها المغاربة وتمت ترجمتها في مختلف الدساتير السابقة، وبالتالي لا يجب المساس بها، بل ينبغي تعزيزها بمقتضيات جديدة من مثل التنصيص على أن يكون الإسلام المصدر الأول للتشريع. وبالرغم من كون هذا التنصيص لم يتم، إلا أننا نعتقد أن النص الحالي فيه الجديد بالمقارنة مع الدساتير السابقة، إذ أنه لم يقتصر فقط على كون المغرب دولة إسلامية بل نجد في الفصل الأول تأكيدا على أن الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة ذكر في مقدمتها الدين الإسلامي السمح وهذا ما لم يكن في النص السابق، كما تم على مستوى الأسرة تحديد تعريف دقيق بما يتناسب مع المرجعية الإسلامية إضافة إلى تقييد سمو المواثيق الدولية وأمور أخرى من قبيل تمثيلية المجلس العلمي الأعلى بالمحكمة الدستورية وبالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وهذه من الأمور التي نعتبرها جديدة بالمقارنة مع المرحلة السابقة. ● كيف تقيمون التفاعل الشعبي الذي كان مع التظاهرات التي نظمتها هيآت نداء الإصلاح الديمقراطي بالعديد من المدن المغربية من الشمال حتى الجنوب؟ ●● أعتقد أنه سواء قبل صدور مشروع الدستور أو بعده، من خلال متابعتي الخاصة أو من خلال ما قامت بتغطيته جريدة «التجديد»، فإن التفاعل في عمومه كان إيجابيا وجماهيريا ملحوظا وفي مستوى متقدم، وأعتقد أن ذلك يرجع بالأساس إلى حضور هذه الهيآت في المجتمع قبل أن ينطلق هذا الحراك وأثناءه وبعده ولكون خطابها خطابا معقولا ومعتدلا ومؤسسا، وهكذا فإن تدخل عدد من الإخوة في هذه المهرجانات لم يكن فقط من أجل الدعوة إلى التصويت الإيجابي لصالح مشروع الدستور، بل لكي يؤسسوا أيضا وعيا بالمرحلة ومتطلباتها يرتكز أساسا على تبيان الإيجابيات والمكاسب التي جاء بها هذا الدستور في هذه المرحلة بالذات وما هي بعض الأمور التي لم تتضمن والتي ينبغي أن تستدرك وينتبه إليها الجميع، إضافة إلى ما يستتبع التصويت من انخراط إيجابي وفاعل للمواطنين في الحياة العامة، وعليه فإن هذا التعاطي الواعي مع المستجدات ومع هذه الوثيقة الدستورية حفز الناس على الإنصات والاستماع، وعلى التعرف على هذه الوجهة من النظر. ● ما هو مستقبل نداء الإصلاح الديمقراطي، خاصة بعد اعتماد الدستور بشكل نهائي؟ ●● هذه من الأمور التي تداولنا فيها في إطار التنسيق بين هيآت نداء الإصلاح الديمقراطي وتم التفكير في إصدار نداء ثاني ربما يؤطر للمرحلة المقبلة وقد نصطلح عليه بنداء الإصلاح السياسي أو بنداء الإصلاح الديمقراطي رقم 02 خصوصا أننا سندخل مرحلة يتم فيها تفعيل مضامين هذه الوثيقة الدستورية وستكون من بين المحطات الأساسية الانتخابات القادمة وكذا تفعيل عدد من المقتضيات الخاصة بالمجتمع المدني. سنكون إذن أمام تحد كبير يتمثل في التنزيل العملي والتفعيل الواقعي والحرص على متابعة ومراقبة ما سيقدم عليه مختلف الفاعلين من تحر فعلي لتنزيل حقيقي وديمقراطي إيجابي لمضامين هذا الدستور وهذا ما سيظهر في الأيام القادمة المقبلة بعد استكمال إعلان النتائج، وسنجتمع لنقرر كيف سنتعامل مع المرحلة المقبلة.