تناقلت الصحف الفرنكوفونية المغربية والفرنسية نبأ تأجيل اختيار "ملكة جمال المغرب" إلى ما بعد الانتخابات التشريعية، أي إلى شهر أكتوبر 2002، لا قدر الله. ويرجع المتأسفون عن التأجيل سبب ذلك إلى رد فعل الإسلاميين المغاربة، وخاصة أعضاء حزب العدالة والتنمية الذي قد "يستغلون" المناسبة لتحويلها إلى ورقة انتخابية، كما يقول أصحاب سوق النخاسة الجديد. وقد كان منتظرا لديهم أن يتم تنظيم العرض الساقط يوم الحادي عشر من شهر ماي الجاري. وللتخفيف من حدة غضب الإسلاميين، كما يقول أنس الجزولي، مدير الوكالة الوسيطة (كارفور) بالرباط، التجأ المنظمون إلى تغيير اسم العرض المخزي، واستبدلوا "ملكة الجمال" ب "غزالة الأطلس" لإعطائه طابعا وطنيا كما يزعمون. وقال مديرالعمليات الاستعراضية السخيفة "تغيير الإسم هذا جاء ليعطي لهذه المباراة خصوصية وطنية، ولتجنب المزايدات الفارغة مع الإسلاميين والنسوانيات". كما أن أرباب النخاسة الجديدة اختاروا أن يكون عرض الأجساد الأنثوية بالملابس التقليدية، خلافا لما هو عليه الحال في العروض الغربية، حيث تجرد العارضات من كل قطعة ثوب إلا بضع سنتيمترات لا تستر شيئا. وللدفاع عن هذا الاختيار، قال ذلك الجزولي وهو يرد على المؤيدين للعروض العارية "إننا خطونا خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام، إن تنازلاتنا مقتصرة على هذا العرض الأول (...) كان ممكنا أن نقاوم أكثر، لو تلقينا دعما ومساندة من الرأي العام والمجتمع المدني والإعلام... وحدنا في مواجهة الإسلاميين، ليس لنا أي نصيب في النجاح.." غير أن الرجل المشرف على العرض، لا يلبث أن يكشف عن تناقض مريح، وذلك عندما يتحدث عن الاستعداد للانتخابات واحتمال أن يستغل حزب العدالة والتنمية المناسبة ليوظفهما في معركته السياسية ويقدم نفسه على أنه مدافع عن الإسلام. ففي معرض سرده لمعطيات كاذبة عن تغيرات عميقة في المجتمع المغربي، وابتعاده عن الإسلاميين، وإقباله عن على عروض "الجمال" قال: "إن المجتمع المغربي لا يفكر أبدا مثل الإسلاميين، ففي كل يوم يفقد هؤلاء المتطرفون شيئا من تأثيرهم على الساكنة"، وللبرهنة على قوله زعم أن عدد الفتيات الراغبات في المشاركة في المباريات الاستعراضية وصل إلى 14000، وهذا الرقم شبيه برقم فرنسا رغم أن الأمر هناك تصاحبه حملة إعلامية كبيرة. غير أنه ينقلب عن نفسه ليعود إلى سنة 1999، وهي السنة التي شهدت توترا حادا بسبب "ملكة جمال الرباط"، بين المنظمين وكل من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية. وبلغ التوتر مداه عندما هم أعضاء الحركة والحزب بتنظيم وقفات احتجاجية أمام فندق هيلتون حيث تعرض الفتيات عاريات أمام عبيد الشهوة وسماسرة النساء. ولم تخف حدة التوتر إلا بتدخل من الملك الراحل الحسن الثاني عليه رحمة الله، الذي وعد بألا يتكرر في المغرب مثل هذا الأمر الذي يسيئ إلى السمعة الدينية للمملكة. فقد نسب الجزولي سبب فوز النائب عبد الإله بنكيران بالمقعد البرلماني لدائرة "سلا المزرعة" إلى الاستثمار الجيد لهذه المناسبة.وحتى لا يتكرر الأمر هذه السنة فقد فضل المنظمون تأجيل تنظيم العرض البئيس إلى ما بعد والانتخابات لتفويت الفرصة على مرشحي حزب العدالة والتنمية. والتناقض البارز في ترهات الجزولي هو إذا كان الشعب المغربي قد ابتعد عن الإسلاميين، كما يتوهم، وصار يفهم الإسلام فهما عصريا، فلماذا الخوف من الاستثمار الانتخابي، وتأجيل العرض إلى تاريخ لاحق، وإذا كان الناس على استعداد لكي يصوتوا للعدالة والتنمية كما صوتوا لعبد الإله بنكيران في 1999، فإن التغير الذي يتحدث عنه الرجل مجرد خداع ووهم.ثم إن الجزولي اعترف صراحة أنه المجتمع المدني والرأي العام والإعلام لا تقف مع هذه المخازي، فكيف يزعم أن المغاربة ابتعدوا عن التدين وراضون عن العرض المهزلة. هذا وقد تناولت الخبر كل من جريدة الحياة الاقتصادية (لافي إيكونوميك) 17 ماي وهي أسبوعية مغربية فرنكوفونية، والأسبوعية الفرنسية البريد الدولي (لوكوريي أنترناسيونال 20 ماي). وذكرت هذه الأخيرة أن >جريدة التجديد المغربية المقربة من الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية وصفت أنس الجزولي بأنه سلمان رشدي المغربي، هذا العرض، بالنسبة للإسلاميين، لا يعدو أن يكون خطيئة شرعية وفعلا شيطانيا<. أما أن يكون ذلك خطيئة كبيرة وخطوة من خطوات الشيطان، فذلك ما قالته "التجديد" مرات عديدة عن هذا الأمر وغيره،سواء تم في الرباط أو في أكادير، وحتى في باريس ولوس أنجليس الأمريكية.. وأما أن تصنف الجزولي بأنه سلمان رشدي فإن ذلك لم يحدث إطلاقا. ويذكر أن عددا من الجمعيات الأوروبية المجتمعة تحت اسم "لوبي النساء الأوروبيات" وعدد من الجمعيات الهندية والأمريكية وفي كل مكان تعارض العروض الحقيرة لأجساد النساء، وذهبت نساء الهند إلى أكثر من هذا ورشقت بالحجارة المبنى الذي أجريت فيه العروض منذ أكثر من عشر سنوات.كما يذكر أن إحدى الفتيات المغربيات القاطنات بفرنسا بشرى ساجدي (23 سنة) سبق لها أن سميت "ملكة جمال المغرب" لعام 1998، انتهى بها الأمر إلى شبكة تدير القمار والدعارة، فألقي عليها القبض بتهمة سرقة 80 شيكا وحكمت عليها المحكمة الفرنسية يوم 7 ماي الجاري بالسجن لمدة سنة. وأن عددا من الفتيات يتم تهجيرهن للقيام بأعمال مهينة حقيرة وابتزاز أجسادهن والتخلي عنهن في النهاية، مثل العقود المبرمة بين بعض الفنادق الكبرى بالدار البيضاء وفتيات مغربيات للقيام بالرقص والدعارة في بعض الدول الخليجية، ومثل شبكات التصوير الجنسي الخليع الذي اكتشف جزء منه في ورزازات ومراكش... .وغير ذلك كثير. فهل الحماية والحرية لأصحاب الفسق والفجور والنخاسة الجديدة بالمملكة المغربية، والظلم والاعتداء على النساء العفيفات المحجبات، داخل المؤسسات العمومية والخصوصية؟ حسن السرات