أدلى الوزير الأول السيد عباس الفاسي بحديث صحفي مطول لأسبوعية «جون أفريك» الصادرة في باريس نشرته في عددها المؤرخ من 21 الى 27 شتنبر 2008. وقد أجرى هذا الحوار فرنسوا سودان مدير تحرير الأسبوعية، وتجاوزت مدة هذا الحديث ساعتين ونصف، وكان مرتجلا وتطرق لعدد كبير من المواضيع المرتبطة بقضايا الساعة وبالساحة الوطنية. وتبين من الصيغة التي نشر بها الحديث أن الأسبوعية تصرفت في محتواه بالاحتفاظ بعدد من الأفكار التي عبر عنها الوزير الأول ولجوئها إلى اختصار بعض الأجوبة، فضلا عن عدم نشر عدد من الأسئلة التي طرحتها وأجوبة الوزير الأول عنها. وقد كان الوزير الأول في هذا الحديث صريحا وصادقا وبرده الواضح على الأسئلة التي طرحتها الأسبوعية في ما يتعلق بوضعه الصحي وبعلاقته مع جلالة الملك وبظروف تشكيل الحكومة المنبثقة من انتخابات 7 شتنبر 2007 ورأيه في علاقة المغرب مع الجزائر. وفي ما يلي هذا الحواركما اختارت الأسبوعية نشره: > إشاعة الرباط وكلام بعض الصحف يتناول دوما وضعك الصحي المتدهور، وكسؤال أول أساسي كيف هو وضعك الصحي؟ أنا في صحة جيدة. أشتغل كثيرا، وأحس بنفسي جيدا في وضعي الحالي كوزير أول. أمارس رياضة المشي ثلاثة أيام في الأسبوع، ويحدث أن أتغلب أحيانا على من يمارسون معي تمارين المشي، وبالأمس فقد قال أحد المناضلين، والذي يبلغ من العمر 40 سنة، لأقربائه إنه لم يعد يقدر على مجاراتي! وصدقوني ففي حالة ما إذا كنت أعاني من أي عائق فإنني سأطلب التنحي من المهام الموكولة إلي دون تردد، لأن تدبير الشأن العام مقدس. > سنة بعد تعيينكم ألم تلاحظوا بعد أنه من الصعب أن تكونوا وزيرا أول لملك يسود ويحكم؟ لا، لسبب بسيط جدا وهو أن جلالة الملك يحترم بالحرف دستور البلاد، وخصوصا ما يتعلق باختصاصات الوزير الأول، وبالتالي فأنا اليوم أمارس كل مهامي التي يخولها لي الدستور. بالتأكيد المغرب ليس هو بريطانيا، فالملك يترأس المجلس الوزاري، الذي يمكنه أن يتحفظ على قرارات المجلس الحكومي الذي أترأسه كل أسبوع، لكن ما أؤكده وبكل ارتياح هو أن جلالة الملك لم يرفض يوما نصا صادق عليه المجلس الحكومي، رغم أن ذلك يدخل في إطار اختصاصاته. وبالطبع، ومثلما يحدث على سبيل المثال في فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، يتوفر العاهل على ما نسميه المجال الخاص وخصوصا الدبلوماسية والدفاع، والأمن والشؤون الدينية، أنا لست بعيدا عما يحدث في البلد، وأنا مشارك ودائما على علم بالقرارات الكبرى. > لكن منذ البداية كان يقال: «الملك هو من شكل الحكومة». هذا غير صحيح والدستور ينص على أن الملك يعين الوزراء باقتراح من الوزير الأول، وهذا هو ما حدث بالفعل لنأخذ مثلا حزب الاستقلال الذي أنتمي إليه، لقد وافق الملك على لائحة الحقائب الوزارية التي اقترحناها وعلى من يشغلها ماعدا واحد، كنت آمل لأسباب الفاعلية السياسية في إحداث كتابة دولة في الشباب تابعة لوزارة الشباب والرياضة، التي منحت لنوال المتوكل، ولم يتم الأخذ بهذا الخيار وتقدم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بلائحة من الأسماء والمناصب، تضم من بينها وزيرا للجماعات المحلية، وهي الوزارة التي لم تكن موجودة في الحكومة وقد تحدثنا وتمت الاستجابة في أغلبية الحقائب حتى في اختيار وزراء السيادة فقد استشارني الملك وطلب رأيي. > وإذا كنت اعترضت على واحد من وزراء القصر هل كان الملك سيوافقك؟ أظن ذلك، ولكن هذا الأمر لم يحدث. > ولماذا كنتم في حاجة الى شهر من المشاورات والحسابات من أجل تشكيل الحكومة؟ ليس هناك شيء من هذا.. جلالة الملك قال لي: «لا نريد أكثر. من 30 وزيرا» وفي ظرف 24 ساعة كانت الهيكلة الوزارية جاهزة. بالتأكيد كان يجب علينا أن ننتظر من أجل الإعلان عن الحكومة، نهاية مفاوضات الأحزاب التي ستشكل التحالف في المستقبل وافتتاح البرلمان، وبالنسبة إلى الباقي أؤكد أنني قمت به أنا، وتعليمات الملك في هذا الصدد كانت واضحة ومن حاولوا تجاوزي ضربوا رؤوسهم عرض الحائط. > ماهو الفرق بينك وبين سلفك إدريس جطو؟ هو هو، وأنا أنا. إذن فلا مجال للمقارنة هنا. لدي علاقات جيدة مع السيد إدريس جطو، الذي قام بعمل مهم، ربما يمكن البحث عن اختلافنا من خلال خطابنا، فخطابي أنا له دائما صبغة، سياسية حتى في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي. > هل حكومتك متجانسة بالفعل؟ بالتأكيد. إلى حد الآن لم أسمع عن أي خلل، وإلى حد الآن أيضا لم يأخذ أي وزير الكلمة من أجل تحطيم هذا المسار، سواء أمام العموم أو خلال المجالس الحكومية الأسبوعية. نحن جميعا متضامنون، وهدفنا واحد وهو: مصلحة المغرب. > نحس أحيانا بأن بعض وزراء الاتحاد الاشتراكي يشتغلون معكم بنفس المنطق الذي كنتم تمارسونه عندما كنتم وزيرا في حكومة عبد الرحمان اليوسفي: المساندة النقدية؟ الوزراء شيء، والأحزاب شيء آخر، لا يزعجني أي شيء من هذا في وزراء الاتحاد الاشتراكي، وعكس ذلك فأنا أحيي إخلاصهم وكفاءتهم. > هل تلعب دورا في الشؤون الخارجية للمغرب؟ بكل تأكيد. لقد مثلت جلالة الملك في العديد من القمم، ومؤخرا كلفني جلالة الملك باستقبال كوندوليزا رايس، كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية، أثناء زيارتها للمغرب. وتأكدوا من أنني لا أحس أبدا بأنني مهمش، والملك يعمل من أجل أن يستقبل كل زعماء الدول الذين يزورون المغرب وزيره الأول سواء كان الرئيس ساركوزي أو الملك عبد الله... > ولكن قيل إن ساركوزي في أكتوبر 2007 لم يأخذ وقتا ليقابلك؟ إشاعة خاطئة. لقائي مع الرئيس ساركوزي تم فقط تأجيله بيوم واحد بطلب منه، إذن فلقائي معه قد تم، وتحدثنا حول حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي ينتمي إليه وحول حزب الاستقلال والصحراء. وأنا أعرف الرئيس الفرنسي الحالي منذ 1990، عندما كنت سفيرا في باريس. > ولكن الإحساس المسيطر هو أن هناك بعض الملفات التي تفلت منك خصوصا ما يتعلق منها بالأمن الداخلي، وهذا ما حدث مثلا عند اندلاع أحداث سيدي إفني التي صرحتم خلالها أنه «لم يحدث شيء»، رغم أن تلك المنطقة كانت تعرف ارتجاجات اجتماعية قوية؟ الأمر يتعلق بتصريح تم بتره من طرف القناة الثانية، وكان ذلك خلال اجتماع بمدينة العيون، وقلت بالضبط إنه لم يحدث هناك أي شيء بسيدي إفني يختلف عن الإضرابات والاحتجاجات التي تكون من وقت لآخر في أقاليم مغربية أخرى، وقلت إنه لم يحدث هناك أي شيء مرتبط بدعوات انفصالية، وكل هذا اختفى في المونطاج، وبقيت جملة وحيدة هي التي بثت: «لم يحدث هناك أي شيء». وهذا ليس عملا شريفا، وفي الحقيقة فأحداث سيدي إفني يمكن تفسيرها بكون السكان يعتقدون أنهم لايستفيدون من ثروة الصيد المحلية ومن هنا جاء التذمر . قوات الأمن تدخلت بعنف وهذا أقل ما يمكن أن يقال... > مجلس النواب شكل لجنة تحقيق التي ستقدم خلاصاتها في أكتوبر المقبل. لننتظر أن نقرأ قبل أن نقرر. لم ينعقد المجلس الوزاري هذه السنة إلا في شهر يوليوز المنصرم، أي 6 أشهر بدون قرارات تنفيذية، أليس هذا أمرا مزعجا؟ لا البرلمان ولا الحكومة كانا عاطلين. وبالنسبة للباقي، فصاحب الجلالة هو من يتحكم في «أجندته» وأظن الآن أن البرلمان سيكون له ما يكفي من مشاريع ومقترحات القوانين للتشريع في الدورتين المقبلتين. ماهو تحليلك للأزمة الداخلية التي تشل الاتحاد الاشتراكي شريككم في الحكومة إلى حد أن هذا الحزب لم يتمكن من اختتام أشغال مؤتمره الأخير». > الاتحاد الاشتراكي ضروري بالنسبة إلى المغرب، وأتمنى أن يخرج هذا الحزب من الصعوبات التي تواجهه. بالتأكيد أنت تعلم أن هناك تيارا في الاتحاد الاشتراكي يدعو إلى انسحاب وزراء الاتحاد الاشتراكي من الحكومة التي تقودها؟ > نعم، وهذا يسائلني كيف يمكن أن يكون الجميع داخل هذا الحزب متفقا على المشاركة في حكومة جطو، التي كانت تقودها شخصية ليس لها انتماء سياسي وفي الوقت الذي نطبق فيه المنهجية الديمقراطية يخرج تيار ليعارض المشاركة؟ إنها مفارقة. لست وحدك المعني لأن العديد من المناضلين الاتحاديين يعتقدون اليوم أن مشاركتهم في الحكومة السابقة هي ما جعلهم يخسرون انتخابات شتنبر 2007، وهم يعتقدون أن العودة إلى المعارضة اليوم يمكن أن تنعش الحزب. > هذا ممكن، ولكن من هو المسؤول؟ نحن في حزب الاستقلال كنا محظوظين ضمن حكومة إدريس جطو في تسيير قطاعات كانت ناجحة مثل الإسكان والنقل والتجهيز وأيضا الشؤون ا لاجتماعية. الاشتراكيون من جانبهم ورثوا حقائب وزارية صعبة ومتطلبة ماليا وهذا يفسر ربما ذاك. هناك مؤتمر آخر، وعكس مؤتمر الاتحاديين كان ناجحا، وهو مؤتمر حزب العدالة والتنمية، هل تقاسمني نفس الرأي؟ > نعم، حزب العدالة والتنمية حزب ديمقراطي مرجعيته الأساسية هي الإسلام، لكن هذه المرجعية ليست حكرا عليه. ولقد أصبح مماثلا لبقية الأحزاب يحترم الدستور والشرعية. هل يمكن أن يصيرحزب العدالة والتنمية حزبا حكوميا؟ > نعم، أظن ذلك. ألا تجدون هناك أية صعوبة في أن تكونوا في الحكومة إلى جانب العدالة والتنمية؟ > مبدئيا، لا أجد أي مانع من ذلك، وأضيف أن جلالة الملك في نهاية الأمر هو من يملك الكلمة الأخيرة سواء في اختيار أعضاء الحكومة أو في تشكيل التحالف الحكومي، بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن تكون هناك أيضا مفاوضات داخل الكتلة وباقي مكونات الأغلبية. الاتحاد الاشتراكي يسير في هذا الاتجاه، وبعض قيادييه تداولوا مع العدالة والتنمية. > هذا ما ألاحظه، ولوقت قريب كان حزب العدالة والتنمية بالنسبة إليهم هو حزب الظلاميين.. لتروا كيف يمكن للمرء أن يتغير. هناك شيء جديد : ظهور فؤاد عالي الهمة على الساحة السياسية وحزبه الأصالة والمعاصرة. ما هو تعليقك؟ > لقد تفضل فؤاد عالي الهمة وزارني يومين فقط قبل الإعلان عن تأسيس حركة من أجل كل الديمقراطيين، ليطلعني على نواياه، واستمعت إليه باهتمام، ولم يزعجني أن هذه الجمعية تحولت فيما بعد إلى حزب سياسي جديد يجمع 5 أحزاب، وهو تحرك يسير في اتجاه تقليص بلقنة المشهد السياسي المغربي،والسيد فؤاد عالي الهمة عبر دائما عن مساندته للحكومة الحالية، ولن يكون من الملائم أن يحظى هذا الحزب بمساعدة السلطات. ويرى بعض المحللين أن الإشارة الى الملك محمد السادس التي يبدو أنها قد تستخدم كبطاقة معايدة لهذه التشكيلة الجديدة هي أمر مغلوط لأن جلالة الملك هو شخص ديمقراطي، ونحن وصلنا بالديمقراطية في المغرب إلى نقطة اللاعودة، ولامجال لنا اليوم بالعودة إلى «أحزاب الإدارة» التي عرفها المغرب في مرحلة سابقة، سيكون ذلك زلزالا. بالنسبة إلينا في حزب الاستقلال. نحن نلاحظ قبل أن «نتزوج» بأطروحة أو بأخرى. > بأكثر من 50 نائبا في البرلمان يبدو أن فريق فؤاد عالي الهمة يمسك بخيوط حكومتك هل انت واع بهذا الأمر؟ إذا كان السيد فؤاد عالي الهمة يريد أن يدخل المعارضة وهذا ما لا أعتقده فإن حلولا أخرى ستكون ممكنة. إن طبيعة الحركة الشعبية على سبيل المثال هي أن تكون في الأغلبية الحالية. وقد كانت الحركة الشعبية في جميع الحكومات وإذا رفضت أن تكون في هذه الحكومة فهذا لايعني أن الأمر لا رجعة فيه. > سيعقد حزب الاستقلال مؤتمره من 30 أكتوبر إلى 1نونبر، وأنت الأمين العام للحزب منذ 10 سنوات هل لديك نية للترشح مرة أخرى؟ القانون الأساسي يمنعني من ذلك، فولاية الأمين العام تجدد لمرة واحدة، حسب القانون المعتمد منذ 1998. > لكن المؤتمر من حقه أن يصلح القوانين بما في ذلك هذا المقتضى المحدد. بالطبع، كل مؤتمر يمكن أن يضيف تغييرات في القانون، فهو سيد نفسه. > وإذا حدث ذلك؟ سأفكر، وفي كل الأحوال سأخضع لقرارات الحزب، ليس لدي أي رأي شخصي، يمكن أن أقول إن أغلبية أعضاء ومناضلي الحزب يريدون أن أستمر في قيادة الحزب، ولكن شيئا وحيدا هو المؤكد: لن أقوم بأية حملة. > ماذا يقول لك المناضلون؟ يجدون صعوبة في تقبل كون الأمين العام الذي أوصل الحزب لأول مرة منذ خمسين سنة الى الوزارة الأولى لايمكن أن يعاد انتخابه بذريعة أن القانون الأساسي يمنع ذلك. > لكن هناك من يقولون إنك انهيت مهامك وحان الوقت لترحل؟ بلاشك، رغم أنه لم يتم التعبير عن هذا الأمر بهذا المعنى، لكننا سنرى.. وسأخضع لقرارات المؤتمر > كم يبلغ أعضاء حزب الاستقلال؟ حزب الاستقلال هو أول حزب في المغرب. لدينا 270 ألف منخرط والحزب الثاني يتوفر على 60 ألف عضو (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية). (ملحوظة من الأسبوعية). > كيف تصفون علاقتكم بالملك؟ ممتازة، انسيابية، موسومة بالاحترام المتبادل. أفعل كل شيء لأكون في مستوى الثقة الملكية، مثلما أفعل كل شيء لأنصت للبرلمان، المكالمات الهاتفية بين الملك وبيني منتظمة، ويحدث أن يستقبلني. > من هم المستشارون الملكيون الذين تلتقي بهم بكثرة؟ عبد العزيز مزيان بلفقيه، محمد معتصم، زليخة نصري.. > محمد السادس عاهل تواصلي؟ أكيد، كما أنني أحمل معي، دائما، هاتفا برقم خاص يمكنه من الاتصال بي في أي وقت. > الأوراش الكبرى، التي يقال عنها إنها ترسم معالم مستقبل المغرب، تعطى انطلاقتها وتدار بشكل مباشر من طرف القصر الذي يؤسس المكاتب ويعين المسيرين ويراقب عملية التنفيذ. ألا تضايقك رؤية قطاع من هذا الحجم ذي أهمية إعلامية وهو ينفلت من بين يديك؟ تشخيصك ليس دقيقا، أنا رئيس مجلس الإدارة أو المراقبة لغالبية هذه المؤسسات، مثل الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات والمكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للكهرباء والقرض الفلاحي ووكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق واللجنة الاستراتيجية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرنامج رهان تحدي الألفية. وذلك إما شخصيا أو عبر تكليف هذا الوزير أو ذاك. وكون الملك يتدخل في ذلك شخصيا فهذا شيء ممتاز، وأضيف أن كثيرا من المستثمرين الأجانب يختارون المغرب بفضل العلاقات الشخصية لجلالته. > وعدت بأن تكون وزيرا أول اجتماعيا. هل أنت راض عن حصيلتك في هذا المجال؟ نعم كيف يمكن ألا أكون كذلك ومعدل نمو الاقتصاد المغربي سيكون، حسب توقعاتنا، سيكون أعلى في 2008 مما كان عليه في 2007 ب 6.8% مع متم هذه السنة، رغم ارتفاع اسعار البترول والمواد الغذائية . كيف يمكن ألا أكون كذلك ومعدل البطالة الذي كان ما بين 14و16 في المائة قبل عشر سنوات يقدر اليوم ب 9 في المائة، إلى درجة أن طنجة ومراكش، مثلا، تعرفان نقصا في اليد العاملة. رفعنا من الحد الأدنى للأجور والتعويضات العائلية والمعاشات لقد رفعنا من سقف الاعفاء من الضريبة على الدخل إلى 27 ألف درهم في السنة، ولاحقا إلى 30 ألف بدل 24 ألف سابقا. عدد الفقراء الذين يعيشون بأقل من 10 دراهم، أي بدولار واحد، انتقل من 5.5 ملايين إلى 2.5 مليون شخص. نسبة الأمية تراجعت من 44 في المائة إلى 34 في المائة من إجمالي السكان. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تهم 12 ألف مشروع، ستنضاف إليها خمسة آلاف لاحقا، وثلاثة ملايين مستفيد. قطاعات التربية والعدل والفلاحة والطاقة في أوج الإصلاح. أكيد أن كل هذا لاينجز في سنة واحدة ولايندرج فقط في حصيلتي الخاصة، ولكنني ساهمت في تسريع وتيرة التحرك. > والمجازون المعطلون؟ إنه مشكل، قبل كل شيء، إعلامي وفرجوي. هم تقريبا ألفان يتظاهرون يوميا أمام البرلمان أمام عدسات الكاميرات منذ عشر سنوات. لقد قدمت لهم وعود غير مضبوطة وأحيانا ديماغوجية. وقد شكلت لجنة وزارية من أجل أن توفر لهم مناصب للشغل بمعدل 1000 كل سنة ابتداء من سنة 2009، وقد تمكنت وزارة التربية الوطنية من إدماج 1100 منهم في 2008. > يكمن المشكل في كون الخزان، إن شئنا القول، يتجدد؟ فعلا، لايمكن أن يوجد حل لهذا المشكل إلا في المدى المتوسط مع ملاءمة الشهادات مع متطلبات السوق. > كيف، هي علاقاتك بالنقابات؟ جيدة، رغم أن النقابات تكون في بعض الأحيان جد مسيسة، وقد أردت أن تكون هناك جولتان للحوار الاجتماعي، الأولى في أبريل والثانية في شتنبر، من أجل إنصات أفضل إليها. > كان التعريب حاضرا دائما في أدبيات حزب الاستقلال، هل صحيح أنك تجبر جميع المتعاونين معك على الكتابة بالعربية؟ لم أفعل شيئا من هذا القبيل، أنا براغماتي وأعرف جيدا ان بعض الوثائق، خاصة تلك الموضوعة رهن إشارة المستثمرين الأجانب، لايمكن إلا أن تكتب باللغات الأجنبية. وهذا يعني أننا لسنا أبدا في زمن إدريس البصري الذي كان المعربون يخجلون فيه من أنفسهم. هل عيب ألا يتحدث المرء وألا يكتب إلا بلغته فقط، كان الملك الراحل الحسن الثاني لايتحدث إلا بالعربية في مجالس الوزراء وكذلك يفعل الملك محمد السادس اليوم. وأثناء المجالس الحكومية؟ > لا أتكلم إلا باللغة العربية مثل عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو. وعندما يلتمس مني وزير، ذو تكوين فرنكوفوني بالفرنسية بعد بضع كلمات بالعربية، فإني اسمح له بذلك، غير أن هذا في تراجع مستمر. تجمعك علاقة ليست بالجيدة بمعظم مكونات الإعلام المغربي. وقد قلت بنفسك: «لم يكن أحد رحيما بي». وباستثناء الصحافة الاستقلالية، فكل الجرائد تنتقدك لماذا؟ > لا أدري، أتساءل. ربما هناك من جانب المنابر القريبة من المعارضة أو بعض مكونات اليسار حقد تاريخي أو إيديولوجي تجاه حزبي. ربما أن شخصيتي ونجاحي يزعجان أولئك الذين لم يفلحوا في تحقيق ما أفلحت في إنجازه. > أليس لديك من جانبك مشكل تواصل؟ صحيح أنني لا أتحدث يوميا الى الصحافة أو التلفزيون، وإنما أعقد ندوة صحافية بشكل دوري، لكنني أشجع الوزراء على عقدها. وفي العمق، أفضل العمل على السجال. هل هذا عيب؟. لا أعتقد ذلك، خاصة إذا وقفنا عند المقاربات المتبناة في بعض المقالات. قبل وقت قصير، أوردت جريدة ناطقة بالعربية في صفحتها الاولى مقالا حول عطلتي في أكادير التي قضيت فيها خمسة أيام دون أن أترك الفندق، تبعه مقال آخر يقول إن رفيق عطلتي ليس إلا عميد شرطة تلك المدينة، وهو شخص لا أعرفه ولم يسبق لي أن التقيت به. كان من الممكن أن أرد، لكنني اكتفيت بالضحك عليها. > هل تمس بك هذه الانتقادات؟ لا أقرأها ولا أعير لها بالا إلا إذا كانت تمس بشرفي، وهو ما لا يحصل. > إذا مس شرفك، هل سترد؟ فورا. لم يسبق لي أن اختلست درهماواحدا أو صرفته في عكس ما رصد له وإلا لما أصبحت أمينا عاما لحزب الاستقلال ولا وزيرا أول، بل إنني شرعت في التصريح بانتظام بممتلكاتي منذ التصويت على القانون المتعلق بذلك في 1992، وكل رؤساء الحكومات الذين اشتغلت معهم تسلموا هذه الوثيقة. > هل يمكن أن نعرف تفاصيلها؟ لا، لأنها ليست عمومية، لكن ليس هناك أي شيء مثير، وإنما ، بكل بساطة ثمرة أربعين عاما من العمل الجاد، من بينها فترة على رأس مكتب محاماة كبير. > هل أنت رجل غني؟ لا، فالمال وسيلة للعيش ولا أعيش من أجل المال. كان من الممكن أن أغتني وأتمتع بالامتيازات، لكنني لم أفعل ذلك. > يقال إن حزب الاستقلال شوفيني.. إذا كانت الشوفينية تعني رفض التخلي عن الصحراء المغربية، إذا كانت الشوفينية تقتضي عودة سبتة ومليلية الى حوزة الوطن، فسأقول نعم، نحن شوفينيون. > حزب محافظ، حزب يميني.. اقرأوا إذن برنامجنا الانتخابي! نحن حزب من وسط اليسار حزب ديمقراطي تعادلي. حزب الشعب. > متى سيتصالح المغرب مع الجزائر؟ ليست الكرة في ملعبنا. في حملته الرئاسية الأولى في 1999، قال الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إنه يريد للصحراء حلا لا غالب فيه ولا مغلوب. وهذا بالضبط ما نقترحه، لان الاستقلال خسارة للمغرب والاندماج خسارة للجزائر، فيما يبقى مقترح الحكم الذاتي نصرا لكلا البلدين وللمغرب العربي. > وجبهة البوليساريو؟ بالنسبة إلينا، ليس في مخيمات تيندوف سوى محتجزين. الدليل: ليس هناك صحراوي مغربي واحد ترك المملكة ليذهب للاستقرار هناك، في حين نزح 3 آلاف شخص في الاتجاه المعاكس. >الوزارة الأولى هي خير تتويج لمسيرتك؟ فعلا، لكن يجب أن أضيف أنني لم أكن أبحث عن هذا المنصب، إذ لست إلا نتاجا للمنهجية الديمقراطية وإرادة الملك. > هل يجب أن نصدق؟ طبعا، فنقيب المحامين في الرباط، وزير، سفير، وزير من جديد، أمين عام، وزير أول.. كلها مناصب لم أسع وراءها وإنما هي قدري وأحمد الله على ذلك. > إذا كان منطقيا أن يختار الملك وزيره الأول من الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، فإنه لم يكن ملزما باختيارك. هذه الفكرة التي كان يمكن بموجبها أن يعين استقلالي آخر عدا الأمين العام للحزب على رأس الوزارة لم يكن لها وجود إلا في أعمدة بعض الجزائد. إنني أعمل بجد من أجل العدل والبعض كان يفضل بدون شك شخصا مترددا ومتراخيا حتى إن جريدة عنونت: «الجميع إلا هو». ومن حسن الحظ أن هؤلاء الصحافيين ليسوا هم الذين يسيرون المغرب أو يعينون الوزراء. > كيف يمر يوم عمل عادي عند عباس الفاسي؟ أصل الى المكتب في التاسعة والنصف صباحا، واستمر في العمل حتى الواحدة والنصف ظهرا. أتناول الغداء في بيتي وأرتاح قليلا ثم أعود الى مقر الوزارة الأولى في السابعة مساء. بعد العشاء، أوقع على المراسلات وأشرع بعدها في التفكير في ما يسير كما يجب في المغرب وما لاهو على عكس ذلك، أدون أفكاري في مذكرة صغيرة؛ ملف معين لا يجب نسيانه، مشكل ينبغي حله، وأحضر لليوم الموالي. لا أخلد للنوم قبل منتصف الليل، وأحيانا بعد انتصاف الليل بنصف ساعة. في شهر غشت، أخذت عطلة لمدة خمسة أيام من أصل عشرة التي كانت مبرمجة. أترون، إنني لا أتوقف. > سعيد؟ نعم، لكنني أريد فقط أن أتمتع أكثر بأسرتي الصغيرة. > أمام الانتقادات التي وجهت إليك، ألم تفكر، ولو لمرة واحدة، في الانسحاب؟ أتريد أن تقول الاستقالة؟ أبدا، بل على العكس سأبقى وزيرا أول طالما أنني أحظى بثقة جلالة الملك. أما منصبي كأمين عام للحزب فهو شيء آخر يرجع فيه القرار الى القاعدة. > هل هناك حياة بعد السياسة؟ هناك ذكرياتي التي لم يحن الوقت بعد لكتابتها، لكنني سأكتبها. يوما لأن لدي الكثير لأقوله...