إفريقيا لم تكن دائما سيدة قراراتها،صحيح أنها حصلت على استقلالها السياسي، لكن استقلال المؤسسات والشخصيات التي تتعاقب على حكم البلدان المشكلة للقارة يبدو أنه مازال بعيد المنال في ظل التطاحنات العسكرية والمطامع التي تحرك الرغبة في الاستيلاء على الحكم. الإعلام، بدوره، له نصيب من التأثير الممارس على حكام إفريقيا. فغياب الديمقراطية الحقيقية يجعل حكام القارة السمراء في تبعية دائمة لإعلام يلمع صورتهم مقابل عطايا مادية هائلة. كل مقال له ثمنه. «جون أفريك»، الأسبوعية التي أسسها الوزير التونسي الأسبق البشير بن ياحمد، واحدة من هذا «اللوبي» الإعلامي الذي يعرف كيف تؤكل كتف إفريقيا. موريطانيا؟ «بلد واكبته «جون أفريك/لانتليجان» و-دعمته- منذ نشأته.» الانقلاب؟ «ثورة تفتقت في 3 غشت كما زهرة في الصحراء.» أفكار محمد فال؟ «تستحق أن تنقش على الرخام». فلسفة ما جرى؟ «يجب مساعدة أصحاب هذه المرحلة الثورية على الاستمرار في البقاء في المستوى العالي والتاريخي الذي وصلوا إليه». وفي تمهيده للحوار الذي خص به الحاكم الموريطاني الجديد، كتب فرانسوا سودان: «يستقبل الرجل ضيوفه واقفا، منشرحا، يده في جيبه خلافا لسلفه (...) فال هو نفس الرجل الذي عرفته دائما.» وفي يوليوز 2006، حوار جديد طويل مع الكولونيل، حاكم نواكشوط، سبقه تقديم مادح. ها هي نواكشوط تصبح «تنين الصحراء الصغير» – لماذا صغير؟- تعبرها أرمادا من السيارات الرباعية الراقية وتتعدد بها «أوراش بناء المساكن الاجتماعية». وكل هذا بفضل من؟ بفضل الكولونيل (...) والتحول في الموقف تجاه رواندا يُمتع القارئ بمقاطع جميلة. مرة أخرى يبرع فرانسوا سودان في تقديمه للحوار «الحصري» الذي كان له مع الرئيس «بول كاغامي». ففيه تبرز رواندا كما لو أنها جنة أمنية بعدما أصبحت مظاهر «الانحراف نادرة، واختفت الأعمال الإجرامية وساد الهدوء الليلي.» ثم إن» (...) روح هذه الثورة التي ظهرت على أنقاض جرائم الإبادة لها اسم، إنه بول كاغامي.» وفي العدد السابق، كان المبعوث المفضل عند البشير بن ياحمد قد نشر شهادات لبعض الناجين من الإبادة سنة 1994، مسبوقة بإحالة على أن الالتزام العسكري الفرنسي إلى جانب «نظام الجنرال جوفينال هابياريمانا أصبح أكثر تهديدا للأمن والاستقرار». ويتنافى هذا الحكم مع علاقة الود التي كانت بين «جون أفريك» والنظام المذكور... «خلال التسعينيات، يقول أحد قدماء الصحيفة، كان هابياريمانا هو أكبر زبون للإعلانات. فقد كان هو الذي يضمن مداخيل آخر الشهر». في شهر فبراير 2005، تغنى فرانسوا سودان بالخصائص الرجولية للرئيس - ملكة النحل، بول كاغامي حين كتب أنه «صلب كعداء ماراثون وطويل كحربة محارب توتسي. عمل، ونظافة واحترام للوقت وصبر وفساد محدود وحكامة جيدة... هذه كلها ليست شعارات طنانة، بل حقيقة». فكيف، إذن، لا يمكن أن نرى في هذا المديح مكافأة تحريرية مقابل العقود الإشهارية البالغة قيمتها الإجمالية 350 ألف دولار، التي تم الاتفاق عليها في 8 يناير 2003 بين وكالة الإشهار التابعة للمجموعة وجمهورية رواندا؟ الاتفاق، الذي يمتد على مدة سنة كاملة، ينص، خاصة، على تنظيم ندوتين صحافيتين للرئيس أو لشخصية هامة يختارها كيغالي في باريس أو في بروكسيل، كما ينص على رحلتين منظمتين لمصلحة 3 إلى5 صحافيين يشتغلون في وسائل الإعلام الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية معروفون بتأثيرهم الصحافي. الفاتورة رقم 583112.16 بتاريخ 31 دجنبر تتعلق باستحقاق ثالث قيمته 70 ألف دولار، وبمبلغ آخر قيمته 6923 دولارا قيمة مصاريف 4000 نسخة من الملحق «رواندا اليوم» المنشور في الصحيفة. والأدهى من هذا وذاك أن العقد وقع من قبل فرانسوا سودان والدكتور دونالد كابيروكا، الوزير الرواندي في المالية والتخطيط الاقتصادي، الذي أصبح في ما بعد رئيسا للبنك الإفريقي للتنمية. وبعد مرور شهر واحد، بعث سودان برسالة إلى موديسترو تاباييرو، المستشار الإعلامي لبول كاغامي، يؤكد له فيها أنه سيحل قريبا برواندا، وأنه سيكون مرفوقا بوكيل تجاري يعمل لصالح «جون أفريك/أنتليجان»، رواندي النشأة، وفصل في رسالته مطالبه الصحافية التي تبتدئ بإجراء «حوار كبير مع رئيس الدولة». وفي نهاية الرسالة، أشار مدير التحرير إلى أنه سيرسل إلى «العزيز موديست»، في أقرب وقت ممكن، «مشروع تجديد الاتفاقات». كان الاتفاق مثمرا إذن. ففي 28 نونبر 2004، نشرت «جون أفريك/لانتليجان» «رسالة رواندا» من 8 صفحات، وهي عبارة عن ملحق إعلاني يصف رواندا ب«البلد الجديد»، الذي تقوده «دولة فعالة، جامعة ومعبئة.» إلا أن هذا المديح ليس إلا جزءا من الترسانة القوية التي تلجأ إليها «جون أفريك» (...). ويبقى فرانسوا سودان لغزا محيرا في هذا كله. يمتاز هذا الصحافي بقلم حاذق وقدرة استثنائية على العمل، وبمعرفة دقيقة بكواليس القصور الإفريقية؛ كما أنه يمكن أن يكتب في كل المواضيع مهما كانت. لكن، كيف لصحافي من هذا العيار أن يقوم بكل تلك الأفعال السيئة؟ «أرى فيه التجلي الحقيقي للموهبة المعطاء، تقول زميلة سابقة، إنه حيوان بدم بارد، لا أخلاق له البتة. ينجز الأعمال الخسيسة بكل دقة.» زميل آخر يقول عنه: «هو شخص منعزل، متستر على سريرته، لا يعرف من إفريقيا إلا القصور والرئاسات. داخل هيئة التحرير، يعيش منعزلا في مكتبه، بين ملفاته وهاتفه. خلال 4 سنوات، لم أره أبدا يشارك أحدا من هيئة التحرير الغداء.»