إفريقيا لم تكن دائما سيدة قراراتها،صحيح أنها حصلت على استقلالها السياسي، لكن استقلال المؤسسات والشخصيات التي تتعاقب على حكم البلدان المشكلة للقارة يبدو أنه مازال بعيد المنال، في ظل التطاحنات العسكرية والمطامع التي تحرك الرغبة في الاستيلاء على الحكم. الإعلام، بدوره، له نصيب من التأثير الممارس على حكام إفريقيا. فغياب الديمقراطية الحقيقية يجعل حكام القارة السمراء في تبعية دائمة لإعلام يلمع صورتهم مقابل عطايا مادية هائلة. كل مقال له ثمنه. «جون أفريك»، الأسبوعية التي أسسها الوزير التونسي الأسبق البشير بن ياحمد، واحدة من هذا «اللوبي» الإعلامي الذي يعرف كيف تؤكل كتف إفريقيا. في 7 أكتوبر 1998، نشر مؤسس «لوتر أفريك» حوارا مع عمر بونغو على 10 صفحات تم إنجازه في قصر الرئيس على شاطئ البحر. والأنكى هو أن جون باتيست بلاكا أقسم، بعد 7 سنوات، بأنه لم يسبق له أن نشر حوارا مع بونغو على صفحات صحيفته (في حوار مع المؤلف). ثمة أسباب حالت دون نجاح صحيفة «لوتر أفريك». ففضلا عن التردد التحريري وظروف النشر، هنالك ثلاثة معيقات. أولها الثقة المبالغ فيها عند جون باتيست. يقول أحد رفاقه القدامى إن «بلاكا كان متيقنا من أنه سيقضي على «جون أفريك» بعد عددين أو ثلاثة.» ثانيها، جنون العظمة. إذ أن بلاكا كان يرفض أن يستقر بصحيفته في مكان آخر غير المقاطعة الثامنة في باريس، ولما كان يُقترح عليه مقر بسيط، كان يرفض بدعوى أنه «صغير جدا. ولا يمكننا أبدا أن نستقبل فيه وفد بيل كلينتون.» والمعيق الثالث يتمثل في التسيير الهاوي. «لقد بدأنا العمل دون أن يكون لنا محاسب ولا مدير مالي أو وكالة إشهار، كما تقول زميلة غادرت الصحيفة قبل السقوط. كما لم يكن راتب للصحافيين. كان لنا فقط مدير يعيش من بطاقة الإئتمان الخاصة بالصحيفة. لم يكن ذلك كافيا للاستمرار.» (...) وإذا كانت صحيفة «غري غري»، التي تصدر مرة كل 15 يوما، استطاعت أن تقاوم أكثر من غيرها، فهذا الاستثناء لم يحد عن القاعدة التي تريد أن تبادل الصحف نوعا من العلاقات الشاذة مع الأنظمة الحاكمة. فبعد أن كان مضطهدا من قبل النظام الغابوني إلى درجة أنه اضطر إلى مغادرة البلد والحصول على وضع لاجئ سياسي في فرنسا، يبدو أن ميشيل أوغوندو لونداه، مدير نشر الصحيفة، امتثل لقاعدة المشاركة المتفاوض عليها؛ بل إنه طمع في الحصول على مقعد في برلمان بلاده بعدما ترشح للانتخابات التشريعية يوم 17 دجنبر2006 ك«مرشح مستقل». وأين كان ترشيحه؟ في مدينته الأصل، فرانس فيل، أكبر مدن إقليم أوغوي العالي، الذي عُرف بوقوعه تاريخيا تحت نفوذ عمر بونغو (...) لا أحد يشك في أن الوجه الآخر لأونغوندو يثير بين رفاق صحيفة «غري غري» بعض الارتياب في سريرة مدير نشرها. واحد منهم يتساءل حول «ما إذا كان استغل الصحيفة ليرفع من المزايدات، وما إذا كنا أسهمنا في ذلك من دون علمنا. أتمنى من كل قلبي أن لا يكون الأمر كذلك، وإن كنت لا أستبعد حدوثه.» رجل من بين زمرة المشككين له أسبابه التي تجعله أكثر شكا وانتقادا لمدير نشر الصحيفة من غيره. يتعلق الأمر بنيكولا بو، الدعامة الأساسية في «لو كنار أونشيني» ورئيس «جمعية أصدقاء لو غري غري». فلم يذخر هذا الرجل أي جهد في أن يجد المستثمرين، الذين يقبلون بتمويل الصحيفة دون أن يصروا على حقهم في مراجعة الخط التحريري... علامات أخرى أججت الشك، بدءا من ظهور حوارات مع رؤساء دول مثل عبدواللاي واد، ولوران اغباغبو وعمر بونغو كذلك، فضلا عن عمليات ضخ أموال في رأسمال الصحيفة لإنقاذها بعدما صارت ماليتها في خطر. ما حكاية العشرة آلاف أورو التي انضافت إلى صندوق الصحيفة في نونبر 2005؟ هي عطية من النظام السينغالي، كما قال أونغوندو لرفاقه، الذين تأخروا في اكتشاف هفوات التسيير والتدبير الإداري. فقد اكتشف أصدقاء «لو غري غري» أن أونغوندو فتح حسابا خاصا في لوكسمبورغ، وأن أحد المقربين منه ضمن هيأة التحرير يسهر على الإشراف على إخراج نشرة «رسالة أبيدجان»، التي تقوم بالدعائية لنظام أبيدجان. أحد رفاق الدرب قال عنه: «منذ البداية، كان يتعامل مع العاملين معه كما لو كان مستبدا إفريقيا.»