شكلت أحداث مدينة وجدة علامة فارقة في المشهد السياسي المغربي الذي تشكل عقب انتخابات 12 يونيو الجماعية، والتي منحت حزب العدالة والتنمية المعارض المرتبة الأولى في أغلب المدن الكبرى ومن بينها بالإضافة إلى وجدة، كل من الدارالبيضاء والعاصمة الرباط والقنيطرة. ويعتبر حزب العدالة والتنمية نفسه «ضحية» لما جرى في المدينة الحدودية، ويؤكد أن السلطة تدخلت «بعنف لصنع خارطة سياسية يبقى الحزب خارج إطارها»، في الوقت الذي يوضح فيه خصوم الحزب أن «ما جرى هو نتيجة لتحالف حزبي طبيعي وأن ما يروجه حزب بنكيران هو مجرد مزايدات سياسيوية لكسب التعاطف». بدأ كل شيء يوم 25 يونيو وهو اليوم الذي كان من المفترض أن يشهد تشكيل مجلس بلدية المدينة الحدودية وانتخاب الرئيس. وتنافست ثلاث شخصيات على المنصب هي عبد الله الهامل (وكيل لائحة المصباح) ولخضر حدوش (وكيل لائحة الجرار ورئيس المجلس السابق) وعمر احجيرة (وكيل لائحة الميزان). ومنذ اللحظات الأولى التي أعقبت ظهور النتائج، بدا أن أحزاب العدالة والتنمية (21 مقعدا) والاستقلال ( 13 مقعدا) والحركة الشعبية (14 مقعدا) نجحت في عقد تحالف فيما بينها لتفويت الفرصة على الأصالة والمعاصرة، وبقي مشكل اختيار الرئيس عقبة حقيقية أمام هذا التحالف. وتطورت الأحداث بسرعة بعد قرار باشا المدينة الحدودية تأجيل جلسة 25 يونيو «نظرا لعدم وجود النصاب القانوني» على حد تعبيره، حيث اجتمع فريق مستشاري حزب بنكيران مع 12 فردا من مستشاري الحركة الشعبية بملحقة الحزب للاعتصام حتى تاريخ عقد الجلسة الثانية يوم 1 يوليوز 2009. وحاصرت فرقة أمنية مكثفة المقر وأصرت على نقل مستشاري الحركة الشعبية إلى مفوضية الشرطة للتحقيق بدعوى أنهم مختطفون من طرف العدالة والتنمية، وهي التهمة التي نفوها أمام المحققين وفي تصريحات صحافية. وفجرت المستشارة الجماعية فدوى منوني ما وصفت بأنها «قنبلة» بتأكيدها، خلال ندوة صحفية محلية، عندما صرحت بأن عناصر من الاستعلامات العامة بالمدينة استفردت بخمسة مستشارين عن الحركة الشعبية وحاولت «مساومتهم وتهديدهم لثنيهم عن التحالف مع حزب بنكيران». ولم تقف فدوى عند هذا الحد بل أكدت أن الأجهزة الأمنية حرصت على إخبارهم بأن ملك البلاد محمد السادس لا يرغب في أن يرأس مدينة وجدة الحدودية عضو في العدالة والتنمية. واتهم الحزب المعارض ذا المرجعية الإسلامية بعدها عناصر من الأجهزة الأمنية باختطاف ثلاثة من مستشاريه لم يظهروا إلا مع بداية جلسة التصويت، كما اتهمها بمحاولة «تصفية» المحامي محمد بلكايد الذي دهسته سيارة أمام منزله أصيب على إثرها بجروح في ظهره. وعشية انطلاق عملية انتخاب الرئيس، تم تأجيل الجلسة مرة ثانية بدعوى «عدم اكتمال النصاب» وحدد يوم الجمعة 3 يوليوز تاريخا جديدا لعملية التصويت التي أفرزت فوز عمر احجيرة بالرئاسة ب 36 صوتا، مقابل 27 لتحالف العدالة والتنمية. وجاء فوز احجيرة بعد فشل تحالف الاستقلال والعدالة والتنمية والحركة الشعبية في الحفاظ على لحمته، بعد أن اختار وكيل لائحة الميزان تغيير «التكتيك» والدخول في تحالف جديد ضد العدالة والتنمية، لتبدأ بعدها مفاوضات ماراطونية بإشراف قيادات أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية خلصت إلى انتخاب احجيرة رئيسا، ووكيل لائحة الجرار نائبا أول للرئيس. مقابل ذلك، حاول العدالة والتنمية مواجهة الخطة الجديدة من خلال الحفاظ على تحالفه مع مستشارين عن الحركة الشعبية طردوا بعدها من الحزب بسبب إصرارهم على الوفاء بالتزامهم، وهو ما وصفه الأمين العام امحند العنصر بأنه خروج عن مقررات الحزب الذي قرر التحالف مع الاستقلال وحزب الهمة. في حين أكد وكيل لائحة السنبلة مصطفى بن عبد الحق في وقت سابق ل «المساء» أن تحالفه مع العدالة والتنمية جاء بعد موافقة العنصر نفسه على الفكرة واستحسانها. وبعيد انتخاب احجيرة، تطورت الأحداث بانسحاب مستشاري العدالة والتنمية من جلسة التصويت، إذ بمجرد أن خرجوا من مقر البلدية حتى تلقفتهم هراوات رجال الأمن، حيث سقط المحامي نورالدين بوبكر مغشيا عليه، ليتضح فيما بعد أنه أصيب بنزيف داخلي في الدماغ ظل بسببه لمدة أسبوع كامل في غيبوبة. وعرفت «واقعة وجدة» منعطفا نوعيا بعد حادثتي «الاختفاء المفاجئ» للمستشارة فدوى منوني، ورسالة النائب البرلماني أفتاتي إلى السفارة الفرنسية حول الحالة الصحية للمستشار نور الدين بوبكر. ففي الوقت الذي تحدث فيه قياديون من العدالة والتنمية عن فرضية «اختطاف» فدوى من طرف أجهزة أمنية، راجت أنباء غير مؤكدة تتحدث عن أن المستشارة الجماعية «في رحلة سياحية لمدينة إيفران». وفاجأت منوني الجميع مرة ثانية عندما ظهرت على شريط فيديو أياما بعد تشكيل مجلس بلدية وجدة، تتهم فيه العدالة والتنمية بمحاولة إرشائها لكسب دعمها، وهو الاتهام الذي نفته قيادة الحزب الإسلامي، وشككت في حقيقة مواقف منوني الواردة فيه، وهي الآراء التي تخالف كلية ما سبق أن عبرت عنه خلال ندوة صحافية بمدينة وجدة قبل تشكيل أعضاء المجلس. وأحدثت رسالة أفتاتي تداعيات ملفتة، حيث عبرت أحزاب سياسية ومكتب مجلس النواب إلى جانب الحكومة ووزارة الداخلية بشكل خاص عن رفضها لما أسمته «الاحتماء بالأجنبي» واصفة الإجراء الذي قام به أفتاتي ب «التصرف غير المسؤول». واعترفت قيادة العدالة والتنمية ب «الخطأ الذي أقدم عليه عضو الأمانة العامة»، وأعلنت قبولها استقالته من هيئات الحزب، ووصفت ردود الفعل الحزبية والرسمية بأنه ا«مبالغ فيها»، مطالبة بإرسال لجنة تحقيق لبحث ما جرى في وجدة على غرار اللجنة التي تم إرسالها إلى مراكش بعد الإطاحة بعمدة المدينة «فاطمة الزهراء المنصوري» عن حزب الهمة. وشدد أفتاتي في اتصال مع «المساء» على أن المؤسسات الحزبية باتت ملزمة باتخاذ موقف صريح وواضح مما يجري على الساحة السياسية الوطنية، وتحمل مسؤوليتها كاملة إزاءها. وأضاف «من المفترض أن تحترم الأحزاب برامجها ودورها في تعبئة المواطنين وتثقيفهم، وألاّ ترهن تحركاتها بإشارات المخزن». مصطفى الإبراهيمي وتهمة الاعتداء على رجل أمن جاءت حالة النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية لتضيف مشهدا جديدا إلى «واقعة وجدة»، حيث بدأت محاكمته بتهمة الاعتداء على رجل أمن أثناء انتخاب رئيس بلدية المدينة الحدودية. وأجلت المحكمة الجلسة الثالثة إلى يوم 29 من الشهر الجاري للنظر في ملف النائب البرلماني، في وقت وصف فيه الإبراهيمي محاكمته ب «السياسية» وقال في اتصال مع «المساء» إن القضية جاءت كحلقة ضمن مسلسل التضييق على حزب العدالة والتنمية لكي لا ينجح في تسيير بلديات المدن المهمة ومنها وجدة. وقد اعتقل الإبراهيمي مساء 3 يوليوز الجاري في خضم الصراع حول تشكيل مجلس بلدية وجدة، وبقي في مفوضية الشرطة إلى حدود ساعات الصباح الأولى من يوم السبت 4 يوليوز، حيث تم استنطاقه بشأن ما اتهم به. وشرح الإبراهيمي ل«المساء» أن التهمة «ملفقة» له، وأن عناصر من الأمن انتقدت ب«كلمات نابية» قيادات حزبه. وبدأت جلسات محاكمة الإبراهيمي بعد رفض وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بوجدة الاستماع إلى الشهود ومن بينهم أطباء أكدوا أن حالة عنصر الأمن الذي يتهم النائب البرلماني بالاعتداء عليه «في حالة صحية جيدة ولا يوجد ما يدل على أنه تعرض لأي تعنيف». وفي الوقت الذي تشبثت فيه الأجهزة الأمنية بروايتها، أكد الإبراهيمي أن أطر مستشفى الفارابي رفضت الاحتفاظ بعنصر الأمن بأقسامها، قبل أن يجدوا له مكانا بجناح الأطفال !