جزمت قيادة التحالف الثماني في تصريح لوكالة رويترز من أن المغرب لن يسلم السلطة للإسلاميين مثل ما حصل في تونس باعتبار أن ديموقراطية المغرب أكثر نضجا، وذلك ثلاثة أيام قبل انتهاء الحملة الانتخابية لاقتراع 25 نونبر المصيري، مما عكس موقفا إقصائيا جديدا يفضح نزعة الوصاية على الشعب المغربي ويكشف عن التوجه السلطوي الكامن والذي يمثل الخطر الأكبر على مصداقية التحول السياسي، والأكثر من ذلك يقدم دليلا يطعن في مصداقية نزاهة الانتخابات القادمة، ويزيد من الشكوك في التدخل للتحكم في نتائجها، وذلك ضدا على الموقف الرسمي المتشبث بنزاهة وشفافية الاقتراع. ليس هناك حاجة للنقاش حول المقارنة بتونس ومدى نضج ديموقراطيتها، خاصة عند النظر لنسبة المشاركة المرتفعة التي شهدتها الانتخابات التونسية بما يفوق 90 %، والتي نتطلع في المغرب إلى تتجاوز نصفها على الأقل، أو عند النظر للنظام القانوني الذي منح الحق في التصويت لكل تونسي حامل للبطاقة الوطنية وجعل التسجيل في اللوائح الانتخابية اختيارا، كما منح حق التصويت لتونسيي الخارج في بلدانهم ومنح حق التوفر على ممثلين مباشرين دون لجوء للإقصاء عبر آلية التصويت بالوكالة، وجرى اعتماد عدد قليل من مكاتب التصويت في حدود 7 ألاف مكتب مما أنتج قدرة أكبر على مراقبة شفافية الاقتراع وليس مثل بلادنا التي اعتمدت 45 ألف مكتب تصويت ليس في مقدور أي حزب تغطيتها بأكملها، والأهم هو وجود هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات وغياب حركة مقاطعة وانخراط جماعي في بناء تونس مما انعكس على تشكل تحالف حكومي قوي هناك حقق انتقالا ديموقراطيا رائدا. أهمية التصريح السلطوي تتجلى، إذن، في تجديده للمخاوف من استمرار منطق الديموقراطية المتحكم فيها والمحسومة نتائجها، ويفسر بالتالي الحملة الشرسة التي استهدفت التيار الإسلامي المشارك في الانتخابات في الأشهر الاخير والرهانات التي أطرت السعي لبناء تحالفات مصطنعة لإيقاف المد الديموقراطي، كما يقدم مؤشرا على مغرب ما بعد 25 نونبر والمخاطر التي ستعترض تحوله الديموقراطي، والتهديدات المبطنة بضرب نتائج هذا التحول وإفشالها، وإبقاء المغرب رهينة للتوتر المفتعل مع الحركة الإسلامية المعتدلة، وضحية لفزاعة الإسلاميين في الوقت الذي يتقدم غيره في التحرر منها وإدماج كل طاقته ومكوناته في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. في الواقع، إن هذا المنطق لا يمثل سوى موقفا مضادا لحركة التاريخ وإرادة الشعوب في إعادة الاعتبار للحركة الإسلامية باعتبارها قوة إصلاحية فاعلة في صيانة الاستقرار ومؤهلة لكسب تحديات التنمية، وكل إعاقة أو عرقلة لهذا المسار لا تنتج سوى تأجيلا له، ولعل القراءة الصحيحة لما تشهده مصر هذه الأيام من حراك ديموقراطي جديد، تفرض إيقاف المناورات التي جرى اللجوء إليها لإيقاف مسلسل التحول الديموقراطي الجدي، وعدم هدر وقت الشعوب في متاهات الإقصاء والوصاية على الشعوب. لقد اختار المغرب طريقا ثالثا في الربيع الديموقراطي قائم على الإصلاح والتجاوب مع المبادرة الملكية لتحقيقه في إطار الاستقرار، والمسؤولية تقتضي المضي في هذا الخيار والنجاح في كسب استحقاقاته وقطع الطريق على المتربصين الساعين للتآمر على تجربة الانتقال الديموقراطي وإجهاضها، باعتبار ذلك الخيار الوحيد المتبقي للمغرب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه.