لا تسلم وأنت تحاور الدكتور أحمد الريسوني من شعور الاندهاش والتعجب من قدرته التحليلية المبنية على المتابعة الدقيقة للوقائع والأحداث. ربما كانت عقليته الأصولية المقاصدية هي السر في القدرة على الملاحظة والتحليل والتركيب والفرز والتصنيف والاستنباط والتوقع. ذلك ما يظهر من خلال هذه المقابلة معه حول قضية ساخنة ملتهبة تقلب تاريخ الأمة العربية والإسلامية، والعالم أيضا. إنها الصفحات الرائعة الجديدة التي تكتبها الشعوب العربية بثوراتها وحراكها وأسئلتها. حملت بعضا من تلك الأسئلة، وخاصة الأسئلة الفكرية والعلمية والشرعية لفقيه المقاصد الشرعية وألقيتها بين يديه، فكان هذا الحوار المكتوب الذي يرافق الحوار المشاهد المبثوث في يوتوب وفي صفحة أحمد الريسوني على الفيسبوك وفي موقعه الإلكتروني ومواقع أخرى: كفى من الإذلال ● الدكتور أحمد الريسوني-بعد الترحيب بكم في هذا الحوار المشاهد عبر اليوتوب حول الثورات العربية وتحولاتها وأسئلتها الفكرية والشرعية والسياسية- نبدأ بالسؤال الأول إن سمحتم بهذه الثورات التي بدأت في تونس ثم انتقلت إلى مصر، فليبيا واليمن وسوريا.. من خلال متابعتكم لهذه الثورات، وهذه التجارب، وهذه العينات.. هل هناك قاسم مشترك، وأسباب مشتركة لهذه الثورات العربية؟ وهل تعتقدون أن هذه الثورات ستنتقل إلى بلدان أخرى عربية وإسلامية؟ وهل ستؤثر على الصعيد السياسي العالمي؟ ●● بسم الله الرحمن الرحيم، أما السبب العام المشترك والكبير والأساس لهذه التموجات وهذه الثورات في العالم العربي هو الإحباط والخيبة من مرحلة الاستقلال برمتها، لأن هذا الذي يقع اليوم هو الذي وقع في السنين الأخيرة من الاحتلال الأجنبي ومن الاستعمار الأجنبي الأوروبي الذي غزا معظم الدول العربية. يومذاك كان الناس يكافحون لأجل التحرر، لأجل الاستقلال، لأجل إعادة بناء كياناتهم ودولهم ومجتمعاتهم.. واليوم هذه الثورات لها نفس الأحاسيس ونفس التطلعات. فهي تحركات وثورات ترنو وتطمح إلى التحرر وإلى الاستقلال وإلى استعادة السيادة وإلى إعادة البناء. جميع هذه الدول التي ذكرتها في السؤال، سواء التي سقط فيها رؤساؤها وأنظمتها أو التي هي في طريق ذلك.. تدعو منذ البداية إلى إعادة بناء الدولة، إلى استعادة السيادة والكرامة والتنمية والحرية. هذه الشعارات هي نفسها شعارات حركات الاستقلال وحركات التحرر، ولكن الآن تشهد الجماهير بصوت صارخ أن تلك الأهداف لم تتحقق. ونحن نعرف هذا.. الدارسون والمثقفون والسياسيون.. يعرفون أن أهداف الاستقلال وأهداف الحركات التحررية لم تتحقق، وأنه وقع الالتفاف عليها، ووقع الانقلاب عليها، ووقع إجهاضها، وفي مظم الدول كان ذلك راجعا إلى أن الدول الاستعمارية لما أيست من البقاء، عملت على ترتيب الأوضاع، وتم ترتيب الأوضاع. وكان السبب الثاني أيضا هو قفز كثير من المتسلطين ومن الانقلابيين ومن المغامرين على كراسي الحكم، واعتبارهم له غنيمة، وتعاملهم معه على هذا الأساس. فإذن على العموم، خمسون سنة وستون وسبعون سنة من الاستقلال أعطت لدى الشعوب-من تكلم ومن لم يتكلم.. نحن نعرف من لا يتكلمون ومن نسمعهم يتكلمون في البيوت وفي المجالس الخاصة- كلهم مجمعون على أن هناك خيبة.. على أن الذين تعاقبوا على الحكم خلال نصف قرن ويزيد قد خيبوا الآمال، بل قضوا على تلك الآمال. إذن كان هناك حقيقة نوع من اليأس والإحباط والانسداد، ولذلك الشعوب أعرضت عن الاهتمام بالشؤون العامة وأصبحنا نسمع كثيرا ما يعرف بالعزوف عن العمل السياسي وعن المشاركة في الانتخابات المغشوشة والمزيفة، لكن الآن هذا الإحباط، وهذه الخيبة بدأت تتحول إلى فعل وإلى أمل بحكم تراكمها أولا، وبحكم أن هؤلاء الحكام وأحزابهم وشبكاتهم أمعنوا في الإذلال وأمعنوا في الإهانة، وأمعنوا في التضييق على الناس، بحيث أصبح اليائس لا معنى ليأسه، لأن اليائس يدفع عن نفسه بعض الأذى، لأنه كما قيل قديما: «الناس من خوف الذل في ذل».. الناس يتسامحون أو يتنازلون عن كثير من حقوقهم تجنبا للإذلال والإضرار والأذى، لكن إذا كان هذا الأذى-حتى مع تنازلهم عن جميع حقوقهم تقريبا ومطالبهم واستسلامهم- مع ذلك الأذى يلاحقهم في كل شيء. لم يبق لهم شيئا، لا في أرزاقهم ولا في تحركاتهم ولا في خروجهم من البلد ولا في دخولهم إليه، ولا في حصولهم على وثائقهم ولا جمعياتهم، ولا ثقافتهم ولا دينهم.. فإذن وصلت هذه الشعوب ووصل شباب هذه الشعوب إلى أنه حتى البعد والاستسلام والعزوف لم يعد مجديا، لأن المضايقة تلاحقك في كل شيء. بالإضافة إلى هذا طبعا.. الثورة الإعلامية والثورة الثورة التواصلية، لا يمكن أن ننكر دورها.. هذا الذي نفعله الآن.. هذا الصوت وهذه الصورة، قبل سنوات غير بعيدة، ما كان لهذا أن يحصل، وما كان في متناول يدي ويدك وأيدي أمثالنا، بل لم يكن بالمرة بهذا الشكل قبل عشرات قليلة من السنين. هذا تغير كبير جدا.. العالم أصبح شفافا، كل شيء يرى وكل شيء يسمع، وكل شيء يتواصل الناس به بسرعة مفرطة.. هذا الهاتف الجوال وما يحمله، بل أصبح مجموعة أجهزة وليس هاتفا فقط.. هذه الكاميرات.. هذه الشبكات في الأنترنت.. هذه الأشكال الجديدة من التواصل المعروفة جعلت الناس يرون ويسمعون ويتواصلون. فإذن قديما كان التواصل يحتاج إلى منشور، والمنشور ممنوع، وقد تذهب لأجله إلى السجن. أنا ذهب بعض أصدقائي منشورا سنة 1976 وذهبت أنا إلى السجن لأني صديق لمن وزع المنشورات. كان توزيع منشور تقوم له الأجهزة ولا تقعد. الآن من الغباء أن توزع منشورا، ما حاجتنا إلى المنشور؟ فتواصل عامة الناس أصبح شبيها بتواصل الاستخبارات.. تقريبا في نفس الدرجة.. تواصل الناس أصبح كتواصل الرؤساء والملوك والأجهزة. تواصل تام وسريع وفعال إلى حد كبير.. هذا التواصل بلا شك، كما واكبنا منذ تونس ومصر، وإلى الآن، أدت وسائل التواصل من فضائيات وأنترنت وهواتف جوالة بالصورة والصوت وفيسبوك وتويتر ويوتوب.. هذه الوسائل فعلا ثورة حقيقية.. ثورة كاسحة..لأنها دخلت إلى جميع البيوت، وأحدثت تأثيرها في جميع العلاقات وجميع التصرفات.. فإذن كان لها بدون شك تأثير إيجابي، ولذلك لم يكن تأثيرها فقط في البلد الواحد، لكن لطبيعتها تأثيرها اليوم يمتد إلى أمريكا كما تعرف، إلى نيويورك وبعدها واشنطن، وقبل ذلك مدريد وروما.. العالم كله أصبح يتبادل الصورة يوميا، ويتبادل الخبر يوميا، ويشاهد ما يقع يوميا، فيستفيد بعضه من بعض، وأصبح التعتيم على الأخبار ضربا من الغباء، وحتى تحريفها وتزويرها أصبح عسيرا. بعض الأنظمة الآن زورت وزورت.. ولكن لا يصدقها أحد، ولا يلتفت إليها أحد، لأنه قديما، قبل ثلاثين وأربعين سنة، كان التلفزيون الوحيد المتاح أمامك هو تلفزيون الدولة وتلفزيون وزارة الإعلام.. الآن وزارة الإعلام لم يعد يعرفها أحد، ولم يعد يلتفتها إليها أحد، ولا لجريدتها ولا لتلفزتها. هذه هي العوامل المشتركة لهذه الثورات.. هناك العوامل الأساسية والعوامل المساعدة.. والمساعدة هي هاته التي كنت أشرحها والتي نسميها بالثورة الإعلامية والتواصلية، والعامل الأساسي هو الخيبة من مرحلة ما بعد الاستقلال. الآن هذه الشعوب تستأنف عملية تحرير جديد. ●● طيب.. هي عملية تحرير جديد. هل يمكن أن تستمر في بعض الدول العربية؟ هل يمكن أن يكون لها أثر في العالم؟ ●● ذكرت الآن أو قبل قليل أن التأثير وصل إلى نيويوركوواشنطن، وإلى عواصم عربية، وهناك تململ في الصين أيضا إسوة بما حصل في مصر. ● وفي إسرائيل أيضا.. ●● نعم حصل ذلك أيضا بالكيان الصهيوني، إذ فيه نوع من الاقتباس للتجربة المصرية، خاصة وأن هذه التجربة المصرية تظل هي النموذج الأكمل.. فإذا كان هذا يحصل.. هذه الإشعاعات وهذه التأثيرات تمتد عبر هذا العالم الذي ارتباطنا به دينيا وقوميا وجغرافيا وثقافيا.. ارتباط ضعيف، فكيف بالشعوب العربية نفسها.. وأنا أقول هذه الثورات ستقع في الدول الأخرى ولكني أقول هي واقعة. ربما قد لا نستعمل مصطلح الثورة حتى نجد التعبير المشترك، وإنما نقول هذا التحرك، وهذا التململ، وهذا الحراك، الآن واقع، ولا أقول سيقع، واقع في جميع الدول العربية بدون استثناء.. من يخالط الشباب ويلاحظ ما يقال وما يكتب.. هذا كله يعكس حركية، ويعكس خطابا جديدا، وتطلعات جديدة.. صحيح أن الوتيرة والإخراج مختلفان، لكن هذه الروح الجديدة، روح التطلع إلى استعادة الاستقلال والتحرير والانطلاق والكرامة وهدم أصنام الفساد.. هذه الروح الآن لا تستثني مدينة ولا بلدة ولا قرية في العالم العربي.. الآن هذا واقع بأشكال مختلفة.. بدرجات مختلفة.. فالآن عندنا المستوى الأول وهو الدول الخمس التي عرفت ثورة عارمة: تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن. وهناك دول تليها.. درجة التململ والحراك والاحتجاج على الفساد وعلى الانحراف أقل من الدائرة الأولى، كالمغرب والجزائر والبحرين ونحوها.. وهناك درجة أقل مثل دول الخليج في معظمها.. لكن بصفة عامة، هذا الغليان والتحرك والتأثير واقع في جميع هذه الدول. بطبيعة الحال، من حكمة الله أن لكل بلد طريقته وسيناريوه وتوقيته.. فلا أقول لا بد أن يقع في الدول العربية ما وقع في تونس أو مصر أو ليبيا.. فحتى هذه الدول مختلفة تماما.. لكن المشترك بين جميع الدول العربية هو هذا التململ الشديد وهذا التطلع الطموح إلى تغيير هذه الأوضاع، إلى الانطلاق في دورة تحرر جديدة، ودورة بناء جديدة بعد اليأس والفشل المريع الذي وصلت إليه مجمل هذه الأنظمة على اختلاف أشكالها وأزمانها وألوانها. إنها تشترك في القمع والفساد والانحراف والاستبداد وتغييب الشعوب ودوس كرامتها، ودوس إرادتها، هذا هو الرصيد المشترك لهذه الأنظمة، وهو كله كله محل سخط من جميع الشعوب، ومحل رفض من جميع الشعوب، لكن الوتيرة تختلف، والمواقف تختلف. تقدم الثائرون وتخلف المفكرون ● على ذكر الشعوب.. الملاحظ أن الكلمة الأولى والأخيرة في هذه الثورات وفي هذا الحراك كانت للجماهير وللشعوب.. هل يصح القول إن الفكر تأخر عن الجماهير؟ هل يصح القول إن الفكر لم يكن حاضرا في هذه الثورات؟ ما علاقة الفكر بهذه الثورات؟ ●● حقيقة أنا أرى أن دور الفكر كان متأخرا.. لا أقول إنه غائب، لكن دور الفكر والمفكرين والعلم والعلماء كان متواريا وكان ضعيفا. هو كان حاضرا على اعتبار أن هؤلاء، أو كثيرا من هؤلاء المفكرين والعلماء، وعلى مدى العقود الماضية، قد أدانوا بكتاباتهم هذه التجارب الفاشلة، وعبروا عن هذا الإحباط، عبروا عن نهضة وشروطها، وأنها لحد الآن غير متوافرة.. فهذه الكتابات كانت بمثابة شهادات على أن الوضع في العالم العربي- وضع ما بعد الاستقلال والوضع لخمسين سنة وليس لخمس سنوات، فخمس سنوات قد تغتفر فيها الأخطاء والضعف، لكن هذه تجربة نصف قرن ويزيد- كثير من الدعاة والمفكرين والمحللين والأكاديميين أدوا شهادة مفادها أن هناك انحرافا وهناك فشلا، وهناك فسادا.. هذه الشهادة بدون شك لها أثرها، لكن لم تكن حاضرة على سبيل القيادة، وعلى سبيل الدعوة المباشرة.. ففي الميدان، وكما هو معروف، حتى الحركات والتنظيمات السياسية المجاهدة والمناضلة معا، والتي قدمت شهداء وقدمت مساجين وقدمت منفيين ومطرودين، لم تكن في الطليعة. وهذا من مزايا هذا الحراك ومن حسناته، وهو أنه ليس له رأس ولا رؤوس.. عدم وجود رأس ولا رؤوس أولا، حير السلطة، من تضرب، ومن تعتقل.. الآن سوريا على سبيل المثال- وكلنا في الهم سواء- اعتقالات بعشرات الآلاف، والواقع هو الواقع. لو فرضنا أن هذا الأمر يحركه الحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية، اعتقال مئات يضع حدا.. قتل رأس أو رأسين يضع حدا.. لا.. هذه شعوب، والأنظمة وأجهزتها الاستخباراتية التي كان شعارها دائما «وإني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها»، تقطفها بسرعة وينتهي كل شيء وتصفي خصومها في أيام أو في ليلة قبل صباحها.. الآن هذا متعذر. الأمر الآخر هو أنه أعطاها شرعية، لأنه عادة عندما تثور فئة معينة، أو حزب معين، الحزب الشيوعي أو الإخوان المسلمون، أو حزب التحرير، أو كذا أو كذا، معناه أن الفئة الفلانية تريد الحكم وتريد السلطة وتنافس الحزب الحاكم.. يعني حزب ينافس حزبا، وقائد معارض ينافس قائدا حاكما، فحتى شرعيتهما تكون متكافئة أو يكون الذي في الحكم أولى، على كل حال.. فإذا كنت تطلب الحكم وهو يتمسك بالحكم، فاتركه يتمسك بالحكم. الآن ليس هناك أحد يطلب الحكم. ويكذب من يقول كما يقول حاكم اليمن يطلبون الحكم. لا.. هذه ملايين لا تطلب الحكم، تعرف أنها لن تصل إلى الحكم.. قصارى ما تطلبه كرامة وسيادة للشعب. فإذن ليس هناك جماعة طلبت الحكم وأطاحت ببن علي.. ليس هناك جماعة أو حزب أطاح بمبارك ويريد أن يحل محله، ولا في سوريا ولا في ليبيا... هذا معناه تحرك شعبي.. هذه إرادة الشعب.. هذه هي «الشعب يريد»، وليس جماعة فلان، و لا الشيخ فلان ولا الزعيم فلان. علماء مع الثورة ● لنتحدث إن شئتم عن علاقة الفكر بهذه الثورات.. الملاحظ أن هناك علماء أيدوا هذه الثورات.. الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. الشيخ يوسف القرضاوي.. الدكتور أحمد الريسوني.. والشيخ علي الصلابي.. هؤلاء العلماء الذين ايدوا الثورة، بل فيهم من كان في قلب الثورة.. هل تأييدهم كان له تأثير في توجيه الثورة وإنجاحها.. وما أدلتهم الشرعية والتأصيلية لمواقفهم؟ ●● قلت من قبل إن هذه الثورات ثورات شعوب بالدرجة الأولى، ليس هناك قيادة لا من العلماء ولا من الأحزاب، كل أسهم فيها، في وسطها أو في آخرها، أو إلى حد ما في طليعتها.. هؤلاء العلماء باعتبارهم جزءا من مجتمعاتهم يحسون ويقدرون، بل ربما إحساسهم أشد وأكثر رهافة، وأكثر حدة ووعيا.. كانوا حاضرين لهذه الأسباب، ولذلك الذين شاركوا وأيدوا، هم أصلا كانوا من أصحاب المواقف المناهضة للفساد وللاستبداد، وممن عانوا بأشكال متعددة، ولذلك فموقفهم ليس بجديد، لم يخترعوا شيئا جديدا ولم يبتكروا نظرية ولا رؤية جديدة، بل عبروا بالشكل الجديد للتعبير، فالشكل التعبيري هو الجديد. لكن حينما دخلوا وبرزوا سواء في مصر بالدرجة الأولى أو في اليمن أو في سوريا، هذه الوجوه العلمية لها تأثير كبير، وحضورهم زاد الناس حماسة وزادهم ثقة، وزاد الشباب اندفاعا لأن الناس، وخاصة، إذا كان الناس ممن يقيسون الأمور بمقياس ديني وشرعي، عندما يرون هؤلاء العلماء يحسم الأمر عندهم: أن هذا جائز أو أن هذا واجب، أو أن هذا ليس حراما.. معروف في مصر أنه لما ظهر الشيخ حافظ سلامة، وهو حفظه الله، في الثمانينات أو التسعينات من عمره، وجاء من مدينة السويس وهو شبه مقعد، لينزل إلى الميدان في القاهرة.. لم يأت للقاهرة بل إلى الميدان، وظهر معه عدد من الدعاة والوجوه كصفوت حجازي وعبد المقصود.. هؤلاء كان لهم تأثير كبير جدا.. كان لهم تأثير أولا في تثبيت المعتصمين بالميدان، وكان لهم تأثير في جلب مزيد من المعتصمين ومن المؤيدين.. هكذا أيضا في سوريا وموقف هيئة علماء سوريا برئاسة الشيخ محمد علي الصابوني، ووجوه علمية، منهم من اعتقل، ومنهم من نحي من منبره، منهم من خرج من سوريا.. لهم تأثير.. وأيضا في اليمن عدد من العلماء منهم الشيخ الزنداني كان لهم دور في إضفاء الطمأنينة والشرعية على الجماهير وعلى المتدينين بصفة خاصة. فإذن دخول هؤلاء العلماء بأي شكل: ببياناتهم، بفتاواهم، بحضورهم في الميدان له تأثير كبير، ويعد زادا، ويعد شهادة بالمشروعية وهذا هو الأهم. فموقف العام قد لا يكون ميدانيا وعمليا ذا شأن كبير، لكن قيمته المعنوية في إضفاء الشرعية والطابع الديني على التحرك، وأنه سديد وأنه مقبول شرعا.. هذا له تأثير كبير.