بدأ العد العكسي لرحيل الحكومة الحالية، وهو ما يستدعي كما جرت العادة في الدول الديمقراطية تقييم التجربة، سواء تعلق الأمر بالإنجازات أو الاكراهات أو المشاكل، فهل استطاعت الحكومة الحالية أن تضع قطار التنمية الاقتصادية والسوسيواقتصادية في السكة الصحيحة؟ أم أن كفة الاخفاقات و الإكراهات ظلت راجحة على حساب المنجزات؟ حصيلة على الرغم مما سوقت له الحكومة كمنجزات لها، لم تستطع الحكومة المغربية كسب الرهان في التنمية الاقتصادية، خصوصا أنها عجزت في مكافحة الفساد (كلفة الفساد بالصفقات العمومية بالمغرب تصل سنويا إلى 27 مليار درهم حسب ترانسبرانسي المغرب)، فضلا عن غياب التنافسية الناتج عن صعوبة المساطر الإدارية وتعطل إصلاح القضاء، وهو ما يؤثر على الاستثمارات سواء الداخلية أو الخارجية ويرى فاعلون اقتصاديون أن الاحتكار والرشوة وغياب التخطيط أبرز نقط ضعف الحصيلة الاقتصادية، فضلا عن الاختلالات التي تطبع منظومة الضرائب. حيث أكدت ترانسبرانسي المغرب أن النظام الضريبي يساهم في امتلاك الثروات لصالح أقلية وإفقار أغلبية السكان. وفي الوقت التي أطلقت الحكومة الحالية العديد من الاستراتيجيات (12 استراتيجية قطاعية)، كشفت دراسة منجزة حديثا أن ‘'القيمة المضافة لمجمل الاستراتيجيات تبقى ضعيفة'. مشيرة إلى ‘غياب الانسجام والتنسيق بين مختلف تلك القطاعات». وأكدت الحكومة أنها قامت بإسكان مليون مواطنة ومواطن، أي ما يناهز 177 ألف أسرة من أصل 348 ألف أسرة مستهدفة في إطار برنامج محاربة السكن غير اللائق، مما مكن من إعلان 43 مدينة بدون صفيح. إلا أن هذا البرنامج يعرف العديد من الاختلالات، فضلا عن عودة البراريك إلى بعض المدن. وحاولت الحكومة أن تبين حصيلتها الايجابية من خلال إطلاقها لموقع مكاسب، وأشارت إلى أنها حسنت مؤشرات الفقر والهشاشة وتقليص عدد الفقراء من 4 ملايين و461 ألف إلى 2مليون و773 ألف مواطنة ومواطن، أي بما يناهز 50% (التقليص من الهشاشة ما بين 2001 و2007 من 22,8% إلى 17,5%؛ تحسين التقائية برامج التنمية الاجتماعية لمحاربة الفقر. ووفق المصدرذاته، فقد مأسسة الحكومة الحوار الاجتماعي وتكريس دوريته وانتظاميته في إطار تشاوري بين الحكومة والمركزيات النقابية وأرباب العمل؛ إذ بلغت كلفة الحوار الاجتماعي 32,2 مليار درهم، وهو ما يتجاوز مجموع ما تم تخصيصه للحوار الاجتماعي خلال العشر سنوات الماضية ب 30%؛ والرفع من أجور جميع الموظفين بما لا يقل عن 900 درهم؛ والرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص ب 25% (من 2010 درهم إلى 2556 درهم). وأكد زهير الخيار أستاذ الاقتصاد أن أهم المنجزات الحكومة المسوَّقة هي تلك التي تتمثل على المستوى السوسيوإقتصادي في خلق مناصب للشغل ناهزت 500 ألف منصب على مدى أربع سنوات (2007-2010)، منها 70 ألف منصب بالقطاع العمومي أكثر من نصفها من حملة الشواهد العاطلين، وهو الأمر الذي ساهم إلى خفض نسبة البطالة من 9,8% إلى 9,1% خلال هذه الفترة. كما من أهم إنجازاتها الأخيرة في مجال التشغيل هو الرفع من الحد الأدنى للأجور الذي وصل بالوظيفة العمومية إلى 2800 درهم عوض 1600 درهم سابقا. أما على المستوى الاقتصادي المحض فإن الحكومة تعتبر أن من أهم إنجازاتها هو إنجاز أكثر من 600 مقاولة صغرى وبرمجة 170 مشروع تنموي فلاحي يستفيد منه أكثر من 360 ألف مستفيد بغلاف مالي يقدر ب 22 مليار درهم وذلك خلال الفترة نفسها. إخفاقات يرى فاعلون اقتصاديون أن المغرب لا يمكن أن يحسن من مؤشراته الاقتصادية أو حتى الاجتماعية بدون وضع حد للفساد والرشوة، فتقارير المجلس الأعلى للحسابات كشف عن اختلالات كبيرة همت المؤسسات الاقتصادية والمجالس الاستثمارية وحتى الوزارات والمجالس الجماعية. وقال الخيار إنه دون التفصيل الجزئي في إكراهات الحكومة في المجال الإقتصادي، فإجمالا يمكن التأكيد على أنه توجد إكراهات ليست وليدة اليوم بل هي مرتبطة بطبيعة الاقتصاد الوطني المتسم بالريع وبالتبعية والخضوع لإملاءات الصناديق الدولية، كما أن عرفت هذه الحكومة مجموعة من الإكراهات التي زادت الطين بلة، كتأثرها بالانعكاسات الخارجية للأزمة المالية منذ 2008، وبسوء التخطيط الداخلي حيث إن هذه الحكومة منذ مجيئها لم تعمل على اعتماد مخطط خماسي لها، يعمل على توحيد الجهود القطاعية ضمن سياسية تنموية واضحة المعالم وموحدة الوسائل والمنهج والأهداف. ولعل هذا في نظرنا ما جعلها تتعاطى بمنهج براغماتي لحظي وسياسوي مع الفرص والإكراهات المتعلقة بالاقتصاد الوطني، الأمر الذي ساهم في الرفع من نسبة العجز إلى أكثر من 6% خلال هذه السنة، هذه النسبة تبقى لوحدها كافية لإعادة مساءلة أكثر هذه الإنجازات السابقة التي تقدمها الحكومة. ودق بنك المغرب ناقوس الخطر من خلال اللغة الحادة التي استعملها في تقريره السنوي للسنة الماضية، حيث أكد أن تطور ميزان الأداءات يشير إلى استمرار اعتماد التوازنات الخارجية على التحويلات الجارية وتدفقات الرساميل، مما يعكس ضعف الاقتصاد الوطني أمام تغيرات الظرفية الاقتصادية والمالية الدولية وتقلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفي ما يخص المالية العمومية، تميزت سنة 2010 بارتفاع جديد في النفقات الإجمالية، يعزى بالأساس إلى تزايد نفقات المقاصة بأكثر من الضعف مقارنة بالعام السابق. وعلى الرغم من التحسن الطفيف في عائدات الضرائب، فقد أدى هذا التطور إلى تفاقم العجز دون احتساب مداخيل الخوصصة، وكذا إلى توقف المنحى التنازلي لنسبة المديونية العمومية المباشرة التي ارتفعت إلى 50,3 % من الناتج الداخلي الإجمالي، بدلا من 47,1 % في 2009. وأضاف بنك المغرب أنه بالنظر لحجم هذه التحديات، يتعين أن تكون السياسات العمومية أكثر تفاعلا وفاعلية، في ظل مناخ دولي يزداد تقلبا وتعقيدا، وأن يتقوى الأداء الكلي للاقتصاد الوطني. وينبغي تعزيز التوجهات الكبرى لبلادنا والاستراتيجيات التي تنهجها بآليات للحكامة من شأنها تحسين إدارة هذه السياسات والرفع من فعاليتها. وفي الواقع، فإن نتائج الاستراتيجيات القطاعية من حيث تنويع النسيج الإنتاجي، لاسيما الصادرات، ورغم تحقيقها لبعض النتائج الإيجابية لم تنعكس بعد بشكل ملموس على المؤشرات الرئيسية، خصوصا تلك المتعلقة بالحسابات الخارجية. وفي هذا الصدد، يتعين العمل على تطوير بنية الصادرات، مع رفع حصة المنتجات ذات القيمة التكنولوجية العالية وإيجاد أسواق واعدة جديدة. وحسب الخيار، فإن فقهاء التنمية وكذا الدارسون والمتابعون للاقتصاد المغربي، يجمعون على أن الحل هو سياسي بالدرجة الأولى وليس اقتصاديا، حيث لا تنمية بدون حرية ولا فك للارتهان الخارجية ودون الحفاظ على درجة كافية من الاستقلال الذي يصون المصلحة الاقتصادية الوطنية ودون تحقيق استقرار سياسي تديره نخبة سياسية واعية بمشروعها المجتمعي نابعة من صناديق الاقتراع من غير تزييف ولا تزوير. فإن أكدنا من الناحية الاقتصادية على حل من الحلول فإننا نؤكد على ضرورة العودة إلى التخطيط الوطني، يكون هذه المرة حقيقة تخطيطا مندمجا يشمل جميع القطاعات الوزارية، وتشاركيا يشمل جميع الفئات الشريكة والمعنية من ساكنة ومجتمع مدني، وترابيا من خلال بنائه من الأسفل ومن الجماعات المحلية أفقيا وعموديا وليس تنزيله من أعلى. هذا، دون إغفال هذه المرة وضع آليات للمتابعة والرقابة تكون عقلانية وصارمة، تمكن من تحديد المسؤوليات ومن تقييم وتقويم مستمرين.