بعد تأجيل متكرر ألقى الوزير الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي مساء فاتح غشت 2002 أمام مجلس النواب خطبة استغرقت ثلاث ساعات حول حصيلة حكومة التناوب، كان أعلن عنها في حديث صحفي خاص للقناة الثانية. فلماذا اختار هذا الوقت بالضبط حيث لم يعد يفصلنا عن الاستحقاقات المقبلة إلا بضعة أسابيع؟ ولماذا قدمها أمام مجلس النواب بعدما كان وعد بأنه سيقدمها أمام أنظار الشعب المغربي والذي سيحاكمها من خلال صناديق الاقتراع؟ وهل هي حصيلة الاتحاد الاشتراكي كما يذهب إلي ذلك بعض زعمائه أم أنها حصيلة الأغلبية الحكومية بأحزابها السبعة ؟وإذا كان الأمر كذلك لماذا لم يتحمسوا للدفاع عنها حماس الاتحاديين وكيف تعاملت معها المعارضة؟ دواعي تقديم الحصيلة قد يقول قائل بأن حكومة "التناوب" أرادت أن يكون لها الفضل في سن هذا العرف في المغرب وذلك بأن تقدم كل حكومة على رأس نهاية ولايتها حصيلة أعمالها ،لكن المتتبع يدرك أن الفكرة لم تأت بناء على هذا الأساس لوحده ولكن لأسباب أخرى نلخصها فيما لي: 1. استطلاع الرأي الذي أنجزته جمعية مغرب 2020 بالتعاون مع مؤسسة متخصصة في استطلاعات الرأي، كشف أن ما بين 73% و 76 % من العينة المستجوبة تنظر بسلبية واستياء كبير لحصيلة حكومة "التناوب" خاصة في مجال مكافحة البطالة والفقر والفساد الإداري وغيره. 2. انتقاد مسار العمل الحكومي وحصيلته من داخل الأغلبية ومن داخل ما كان يعرف بالكتلة، إذ لطالما وصف حزب الاستقلال عمل الحكومة بالارتباك والبطء. أما منظمة العمل الديمقراطي سابقا وفي التقرير السياسي الذي قدم في دورة اللجنة المركزية لفبراير 2002. اعتبر حصيلة حكومة "التناوب" سلبية ومخيبة للآمال. 3. اتساع اتجاه اليأس أو تنامي السخط أو الاحتجاجات من طرف شرائح واسعة من المجتمع على النتائج الهزيلة لحكومة اليوسفي وخاصة الشباب الذي كان يعقد عليها آمالا كبيرة بأن تدشن عهدا ومناخا جديدين وتحل مشاكله أو جزء منها على الأقل. المشاكل التي لطالما عزفت عليها. فإذا بها تتفنن في التماس الأعذار على ضعف الحصيلة بوجود إكراهات وإرث ثقيل. وهو ما دعا حزب الاتحاد الاشتراكي الطرف الأساسي في الحكومة إلى المراهنة على شبيبته لتطييب خاطر الشباب المغربي وإقناعه بأهمية "الإنجازات" وصعوبة العراقيل، حيث كان اليوسفي صريحا في مطالبة الشبيبة الاتحادية الجديدة بالذود عن الحصيلة. 4. الانتقادات الشديدة من طرف المعارضة وخاصة حزب العدالة والتنمية الذي ساند الحكومة لفترة من الزمن والتمس لها الأعذار إلى أن طفح الكيل ونفذ الصبر فخرج إلى معارضتها بل وإحراجها في عدد من المحطات والملفات. كيف تم إعداد الحصيلة نظرا للأسباب السالفة الذكر وتفاديا للنكسة قرر حزب الاتحاد الاشتراكي المعني الأكبر بالموضوع من داخل اللجنة المركزية، في إحدى دوراتها تشكيل هيئة حزبية لإنجاز تقرير حول حصيلة الحكومة الحالية فيها تقييم شل مل لكل ما أنجز ولمختلف القطاعات إلا أن القرار المذكور أثار حفيظة الحلفاء داخل الحكومة واتهموا المايسترو بأنه يرغب في الاستحواذ على "ثمار" التجربة بأكملها. الأمر الذي نفاه الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي من موقع المسؤولية الحزبية والحكومية من خلال اجتماعه مع الأمناء العامين لأحزاب الائتلاف الحكومي. وقد شابت عملية إعداد الحصيلة في البداية سلبيات كثيرة حيث لم يركز على العمل الميداني لبعض الوزراء الذين لا يشتغلون تحت أضواء الإعلام ولا يتحدثون للصحافة إلا لماما. لكن تم تدارك الأمر وحصل في لقاء آخر للأغلبية التوافق على النص النهائي لوثيقة تقييم حصيلة الحكومة. المعني بالحصيلة في الوقت الذي يعتبر فيه بعض زعماء الاتحاد الاشتراكي بأنهم أصحاب الفضل في الحصيلة ويظهرون افتخارهم بها كما برز بوضوح لا يحتاج معه إلى تأويل في أغلب المؤتمرات الإقليمية الأخيرة للحزب. ويتمنون البقاء في نفس الموقع في المرحلة المقبلة ، فإن الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ولوعيه بالتبعات الثقيلة لهذا الادعاء والزعم صرح أمام شبيبة الحزب من أسابيع مضت في مؤتمرها بأن الحصيلة ليست حصيلة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بل هي في العمق عمل الدولة والمجتمع برمته. تصريح لا يعبأ به كثير من القيادات الاتحادية وراحت تغني بأن الحصيلة حصيلة تدبير الحزب ،وكل المؤشرات تنطق بهذا نذكر على سبيل المثال ما يلي: قرار إنجاز تقييم للحصيلة نفسه اتخذ داخل اللجنة المركزية للحزب وليس في لقاء الأغلبية. كلمات مبعوثي الحزب (المكتب السياسي) إلى المؤتمرات الإقليمية الحوارات التي أجراها قادة الحزب ومنها حوار ذ. الحبيب المالكي مع الشرق الأوسط لما قال: إن موقف الحزب مريح لأنه احترم التزاماته إزاء ملك البلاد وإزاء الحلفاء ولم يتخذ أي مبادرة حزبية ضيقة عكس ما فعله بعض الحلفاء (يقصد حزب الاستقلال). موعد إلقاء التصريح نفسه تم الإعلان عنه في اللجنة الإدارية الأخيرة الأحد الماضي. وغيرها من المؤشرات التي تؤكد أن حزب الاتحاد الاشتراكي يتبنى الحصيلة ويعول عليها وعلى تزيينها في القلوب والعقول والتسويق لها بكل الطرق للحد من خسائره السياسية من حيث تدبير الشأن العام وعدم الوفاء بما ورد في التصريحين" مارس 98 ويناير 2000 "ومن خسائره التنظيمية الداخلية خاصة بعد زلزال الموتمر السادس وما نتج عنه من شق الحزب وانسحاب تيار الوفاء الديمقراطي (أكثر من 350 مناضل واللائحة مفتوحة) مؤخرا وبشكل رسمي من الحزب. ملخص الحصيلة مهد الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي وهو يقدم الحصيلة بمدخل يذكر فيه السامع والقارئ بضرورة استحضار الواقع المأساوي للبلاد (اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا/ ثقافيا) والظروف والإكراهات التي واجهت حكومته منذ الوهلة الأولى لتحملها المسؤولية حتى تكون محاكمتها مستوفية لشروط الموضوعية والاستقامة الفكرية، وبعد أن ذكر بالأولويات التي اشتغلت عليها الحكومة، أخذ يسرد ما سماه بالإنجازات في كل مستوى من مستويات العمل الحكومي نجملها في ما يلي: على مستوى الحريات وبناء دولة الحق والقانون وتجديد المؤسسات أكد الوزير الأول أن الحكومة فتحت ورش الإصلاح السياسي بغية إحداث قطيعة مع الماضي لأنه لا يمكن لأي مشروع تنموي اقتصادي واجتماعي أن يحصل دون تحقيق تأهيل سياسي يعيد الإنسان كرامته. وفي هذا السياق جاءت مجموعة من المبادرات نذكر جزءا منها مختصرة: تنصيب هيئة مستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي بفضل جلالة الملك محمد السادس. تسوية الوضعية المالية والإدارية للمطرودين والموقوفين لأسباب سياسية أو نقابية من موظفي الدولة أو المؤسسات العمومية. إصلاح المسطرة الجنائية وتقوية الضمانات للمحاكمة العادلة. توسيع فضاء الحريات العامة وتحصينها (تغيير قانون الصحافة/ قانون الجمعيات والتجمعات). وأوضح السيد الوزير بأن الحكومة ولربح رهان الدمقرطة السياسية واستكمال البناء المؤسسي وتخليق تدبير الشأن العام عملت على تحقيق مطمحين، الأول وضع الحقل السياسي في مأمن مما لحقه في الماضي (تزوير الانتخابات) والإصرار على مرور أول انتخابات في ظل العهد الجديد وتحت إشرافها بنزاهة وشفافية وذلك من خلال تغيير نمط الاقتراع وتشريع عدد من "الضمانات" لسلامة الانتخابات وإقرار اللائحة الوطنية الموجهة إلى المرأة. والثاني رد المصداقية لتدبير الشأن العام ومصالحة المواطن مع مؤسساته وذكر ذ. عبد الرحمان اليوسفي بأن المبادرة الملكية بإحداث مؤسسة ديوان المظالم جاءت تدعيما لهذا المسار ورافعة للحواجز القائمة بين الإدارة والمواطن. على مستوى قضايا المرأة ميز الوزير الأول بين مسؤولية الجهاز التنفيذي في إدماج المرأة المغربية اقتصاديا واجتماعيا و نوه بشكل مسكوت عنه بما يسمى بالخطة الوطنية حيث وصفها بالتصور الشامل، وبين مراجعة مدونة الأحوال الشخصية التي هي من اختصاص أمير المومنين والذي أعاد التذكير بها في خطاب العرش، واعتبر عبد الرحمان اليوسفي بأن ما سبق يشكل تأسيسا لثقافة جديدة في تناول قضايا المرأة المبنية على المرجعية الإسلامية والتوفيق بين الهوية والتحديث. على المستوى التعليمي نوه الوزير الأول بما قامت به الحكومة من إصلاح لمنظومة التربية والتكوين كأحد الأولويات الأساسية وباعتبارها فاتحة التقدم وتحصين الذات من الاستلاب مذكرا بأن الحكومة راهنت على إلزامية التعليم وتعميمه وضمان صوته وكذا ملاءمته مع عالم الشغل ،وأعطى بالمناسبة مجموعة من المعطيات الرقمية في الموضوع. على المستوى الثقافي اعتبر الوزير الأول أن الحكومة وضعت استراتيجية متكاملة وتوافق تطلعات مغرب الألفية الثالثة تعتمد على الشراكة مع الهيئات المهتمة بالمجال ،في أفق تنمية مستدامة ومواكبة للعصر مع صيانة التراث وتأهيله وتنميته. وأنها عملت على توسيع وتطوير البنيات التحتية المساعدة على ترويج المنتوج الثقافي بالإضافة إلى تشجيعها لاستعمال تقنيات الإعلام والمواصلات الحديثة وتقليص ما أسماه تقريرا لحصيلة بالهوة الرقمية. على المستوى الاقتصادي أشار تقرير حصيلة حكومة "التناوب" إلى أن أغلبية المؤشرات الاقتصادية والمالية عبرت عن التحسن الواضح الذي عرفه الاقتصاد المغربي إبان تسيير هذه الحكومة على الرغم من الصعوبات (ارتفاع أسغار المنتوجات البترولية، آثار الجفاف...) وسرد التقرير عدة معطيات أو حصيلة رقمية على هذا المستوى مصحوبة بمقارنة مع فترة (94/1997) نذكر منها على سبيل المثال. تحقيق تسبة3.8 كمعدل سنوي للناتج الداخلي الخام من سنة 98 / 2001 مقابل 6.2 من 1993/98 وينتظر أن يصل هذا الرقم إلى 4.4 % سنة 2002 التحكم في التضخم وارتفاع التوفير العمومي وكذا المعدل السنوي للمداخيل الجبائية تقليص المديونية العمومية الخارجية تحسن وضعية المالية الخارجية ارتفاع رصيد البلد من العملة الصعبة إلى مستويات قياسية تحسين مستوى الاستثمار الوطني والخارجي. تحرير بعض القطاعات الاقتصادية ومواصلة مسلسل الخوصصة ليخلص الوزير الأول إلى أن الحصيلة الرقمية الإيجابية في نظره أظهرت قدرة الحكومة على التحكم في التوازنات المالية الأساسية واستقرار الإطار الإجمالي للاقتصاد الوطني. على المستوى الاجتماعي سجل السيد عبد الرحمان اليوسفي بأن الحكومة سعت لرفع مستوى الاستثمار الوطني والخارجي كآلية لربح تحدي التشغيل ،ومعالجة المسألة الاجتماعية التي تعرف وضعا مزريا ،معترفا باتساع رقعة الفقر والإقصاء الاجتماعي وخاصة في العالم القروي. وأوضح بأن الحكومة وضعت استراتيجية في هذا الباب قائمة على أمرين: الأول: سياسة إرادية لتشغيل الشباب. الثاني: اعتماد سياسة اجتماعية تضامنية في نطاق من السلم الاجتماعي المبني على شراكة إيجابية بين الأطراف المنتجة ،وخلص إلى أن هذه السياسة انتهت إلى انخفاض معدل البطالة الإجمالي على المستوى الوطني من 13.9% سنة 1999 إلى 12.5 % سنة 2001 وانخفاض معدل البطالة في الوسط الحضري إلى 19.5 سنة 2001 مقابل 22% سنة 1999 فيما استقر معدل البطالة في الوسط القروي ،وتكلم تقرير الحصيلة عن 130000 فرصة شغل سنة 2001 وإحداث ما يفوق 70000 منصب شغل داخل الميزانية العامة للدولة ما بين 98/2002. وتطرق السيد الوزير في حصيلته إلى الحوار الاجتماعي معتبرا بأن الحكومة كانت سباقة إلى تنفيذ ما التزمت به الدولة وسارعت إلى إرساء منهجية جديدة للتعامل مع مواضيع الحوار الاجتماعي. على المستوى التشريعي: اعتبر الوزير الأول بأن ولاية حكومته كانت أغنى محطة للإنجاز التشريعي الذي عرفه المغرب وذلك من خلال الحجم الهائل لمشاريع القوانين التي تمت المصادقة عليها خلال هذه الولاية التشريعية 161 قانون من أصل 181 مشروع أودعت لدى المجلس مؤكدا أن التحديات والرهانات التي تواجه البلاد أصبحت بفضل هذه الحكومة محددة وواضحة ولأن الإصلاحات الأساسية التي ستشكل لمغرب الديمقراطي والعصري قد تم الشروع فيها ويتعين مواصلتها إلى النهاية وإنجاحها. هذه باختصار شديد المعالم الكبرى للحصيلة التي قدمها ذ عبد الرحمان اليوسفي أمام مجلس النواب فكيف تعاملت معها أحزاب المعارضة ؟وهل كانت فعلا محط إجماع بين كل أحزاب الأغلبية؟ أحز اب الأغلبية الحكومية والحصيلة في مقابل مدافعة كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب جبهة القوى الديمقراطية وحزب التقدم والاشتراكية عن الحصيلة ،حيث اعتبروها إنجازا هاما وجديا وجد إجابية وبرروا مظاهر الخلل والنقص التي اعتورتها بالإرث الثقيل الذي ورثته من الماضي وطبيعة الإكراهات التي واجهتها، ومنها آثار الجفاف حيث قال السيد بنعيسى الورديغي في تصريح للصحافة:" أعتقد أن حصيلة القوى الديمقراطية في نهاية تجربة حكومة التناوب تعطي رصيدا مهما وواعدا ما أجل استثناره للمرحلة المقبلة." في مقابل هذا نجد بأن كل من حزب الأحرار وحزب الاستقلال وحزب الحركة الوطنية الشعبية لم تكن راضية على الحصيلة بالشكل المطلوب ولا يبدو عليها الحماس للدفاع عنها. فحزب الاستقلال صرح أكثر من مرة ومن أعلى هرمة وقبل عرض الحصيلة بأن تجربة التناوب عرفت بعض الخلل وأن عمل الحكومة اتسم بالبطء والارتباك وعدم التواصل مع المواطنين وذلك عبر القناة الثانية وعلى مائدة برنامج " في الواجهة" حيث سرد السيد عباس الفاسي الأمين العام للحزب أكثر من سلبية للحكومة وعلى رأسها عدم إصلاح الإدارة وعدم إصلاح القضاء ابتعهاد الخطاب الحكومي عن الهوية الإسلامية وغيرها لدرجة اعتبرته جريدة الاتحاد الاشتراكي حكم "مكفر" للحكومة ،ونفس الملاحظات صرح بها النائب الاستقلالي خليل بوستة للقناة الأولى عقب تلاوة الوزير الأول لتقرير الحصيلة،فضلا عمايصرح به عبد الرزاق أفيلال و يترجمه إعلام الحزب. حزب الأحرار من جهته وعلى لسان رئيس فريقه النيابي ذ. الطيب بن الشيخ صرح بأن تقرير الحصيلة ركز على الجوانب الإيجابية دون الكلام عن النقائض (التشغيل، السكن غير اللائق، الفقر..) الأمر الذي لم يعط للمواطن صورة ورؤية مكتملة للوضع في البلد ولما أنجزته الحكومة. وكان انتقد على الحكومة في حوار سابق له مع رسالة الأمة (العدد 5406) البطء في التنفيذ والخضوع لبيروقراطية ثقيلة لم يعد المغرب يتحملها. وبخصوص الإرث الثقيل الذي تتحجج الحكومة به أوضح ذ. بن الشيخ أن كل الأحزاب ساهمت فيه. وعن عدم تحمس حزبه للدفاع عن الحصيلة قال: "كنا فقط مشاركين ولسنا كل الحكومة وبالتالي فنحن سندافع على قدر مشاركتنا". ونفس الملاحظات أبدتها الحركة الوطنية الشعبية التي كانت قد دعت إلى إعادة النظر في قرار الاقتراع باللائحة. أحزاب المعارضة والحصيلة الحكومية أجمعت أحزاب المعارضة على اعتبار الحصيلة المقدمة لا تعدو أن تكون مجموعة من المعلومات والتقارير تلقاها الوزير الأول من مختلف القطاعات الحكومية،و جمعت في صيغ إنشائية متراصة منها إنجازات تحققت فعلا لكنها تظل عادية وتستطيع أي حكومة أن تحققها ولا يمكن للحكومة أن تفتخر بها كما قال بذلك ذ. مصطفى الرميد رئيس فريق العدالة والتنمية. أما المعطيات الرقمية الواردة في تقرير الحصيلة فقالت عنها بأنهامعطيات غير حقيقية ومغلوطة فيها تحريف للمفاهيم والأدوات التقييمية ،وتقصد تغليط الرأي العام الوطني ووعدت بأنها ستكشف ذلك من خلال مناقشة الحصيلة أمام مجلس النواب،مؤكدة أن فشلها كان ذريعا بالنظرإل مقومات النجاح التي توفرت لها ولم تترفر لغيرها من قبيل قيمة تفويت رخصة الهاتف النقال و الدعم الداخلي والخارجي. بل إن ذلبصير عن فريق الاتحاد الدستوري اعتبر الأمر حملة انتخابية مكشوفة سابقة لأوانها على غرار تقديمه لمشروع التغطية الصحية ،حيث كان من المفروض أن يقدمه وزير الصحة الوصي على القطاع مسجلا غياب الوزير الأول طيلة مدة تدبيره للشأن العام عن المؤسسة التشريعية ،ورفضه إطلاع الشعب من خلال ممثليه في البرلمان على ما يطلبه من معلومات. ولم يكتف د. عبد المجيد بوزوبع الكاتب العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي بالإنتقادات السالفة الذكر بل انتظر أن يصوت الشعب عليها تصويتا عقابيا مادام منتوجا كان هزيلا، وقال يوم 61/6/2002 أمام المؤتمر الإقليمي للحزب بالدار البيضاء:"بأنها حكومة بدون برنامج ولا لون سياسي وأنها نهجت نهج التكنوقراط وأنهااستمرار للممارسات السابقة وبأنها أصرت على تمرير قوانين كانت الحكومات السابقةتخجل من تمريرها وعملت على تقديمها بصيغ مجحفة وبدون إشراك المعنيين بالأمر كقانون الصحافة". جماعة العدل والإحسان بدورها لم تبق بعيدة عن تقييم الحصيلة الحكومية قبل تقديمها أمام مجلس النواب حيث قال ناطقها الرسمي الأستاذ فتح الله أرسلان: "يكاد يجمع الخبراء على أن الحصيلة متدهورة ولا تتميز عما أنتجته الحكومة السابقة، فالمعطيات التي يمدنا بها الواقع المعيش فضلا عن أرقام المتخصصين وشهادة المحللين المحايدين تشهد بأن أوضاعنا الاقتصادية عامة في تدهور ولن تستطيع أي حكومة في ظل ظروفنا السياسية الراهنة أن تحقق شيئا لأن صلاحيات اتخاذ القرارات الجريئة والحاسمة ليست بيدها إنها حكومة لا تملك صناعة القرارات المصيرية." أما منظمة العمل الديمقراطي الشعبي سابقا العضو الأساسي في اليسار الاشتراكي الموحد حاليا فقد سبق لها هي الأخرى أن انتقدت الحصيلة الحكومية لتجربة التناوب في دورة اللجنة المركزية لفبراير 2002 معتبرة أنها كرست تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وغلب عليها هاجس الحفاظ على التوازنات المالية وفشلت في إحداث قطيعة مع التجارب السابقة. وهو الأمر الذي رأت فيه مزكيا لموقفها من الدستور سنة 1996 وعدم اتفاقها مع باقي أطراف الكتلة الذين تراجعوا عن إعطاء الأولوية للإصلاح السياسي والدستوري. خلاصة: إن المعارضة وإن كانت انتقدت وستفصل نقدها لتقرير حصيلة حكومة "التناوب" التي قادها ذ.عبد الرحمان اليوسفي ،إلا أنهالا تنكر النجاح السياسي لهذه الأخيرة، فهل سيشفع لها هذا النجاح أمام الشعب المغربي الذي لم يبصر ما قاله ذ. عبد الرحمان اليوسفي على أرض الواقع "في الشغل وفي مستوى العيش وفي السكن اللائق وفي ميدان النقل والصحة واللائحة طويلة."فالحصيلة الحقيقية ما يرى الشعب لا ما يسمع. فهل تعي الحكومة هذه الحقيقة أم أنها تحب أن تحمد على ما لم تفعل وتطلب تجديد الثقة فيها وهي لم ترع الأمانة التي حملتها حق رعايتها، وهل هي الوحيدة التي تملك إمكانية الإصلاح وتعميقه وما دونها سيجهض الإصلاح ويرجع المفسدين كما يدعي ذلك بعض الاتحاديين. ذلك ما ستجيب عنه صناديق الاقتراع في الأسبوع الأول من أكتوبر المقبل؟ محمد عيادي