على المغرب أن يعزز جهوده باستكمال آليات الزجر المتعلقة بجرائم الفساد واستكمال ترسانته القانونية بقانون ينظم حق الوصول إلى المعلومات وقانون يحمي الشهود والمبلغين شدد عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، في حوار مع بيان اليوم، على أن الوزير الأول عبر عن استعداده ورغبته في منح الهيئة كل ما يلزمها من الوسائل والإمكانيات للقيام بمهامها. كما التزم في نفس الإطار بدراسة مضامين التقرير والنظر في إمكانية ترجمة الاقتراحات التي تضمنها إلى إجراءات ضمن البرنامج الحكومي للوقاية من الرشوة الذي كان في ذلك الوقت قيد التحيين. لكن أبو درار استدرك بالقول أن ميزانية الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في حجمها الحالي مثيرة للسخرية بالنظر إلى حجم المهام المنوطة بها في مرسوم الإحداث. وأشار أبودرار إلى أن عددا من القطاعات الوزارية والإدارات العمومية أبدت استعدادا كبيرا للتجاوب مع مضامين التقرير السنوي للهيئة برسم سنة 2009، لكنه أكد أيضا أن دور الطبقة السياسية في مجال مكافحة الفساد يبقى حيويا. * بعد التقرير السنوي الذي أعدته الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة والذي تضمن العديد من التوصيات والمقترحات التي وصفتموها بالقابلة للتنفيذ، هل تلقيتم تجاوبا من قبل الحكومة؟ وهل تم تحديد جدولة زمنية لأجرأت تلك المقترحات؟ - لقد تم تقديم التقرير السنوي للسيد الوزير الأول عند صدوره، وذلك طبقا لمقتضيات المرسوم المحدث للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وقد عبر السيد الوزير الأول في إبانه عن استعداده ورغبته في منح الهيئة كل ما يلزمها من الوسائل والإمكانيات للقيام بمهامها. كما التزم في نفس الإطار بدراسة مضامين التقرير والنظر في إمكانية ترجمة الاقتراحات التي تضمنها إلى إجراءات ضمن البرنامج الحكومي للوقاية من الرشوة الذي كان في ذلك الوقت قيد التحيين. من جانب آخر، تجدر الإشارة إلى أن عددا من القطاعات الوزارية والإدارات العمومية أبدت استعدادا كبيرا للتجاوب مع مضامين التقرير السنوي للهيئة برسم سنة 2009، ونحن بصدد بلورة ذلك في شكل شراكات أو تعاون، حيث اقتربنا مثلا من الإعلان عن نتائج دراستين قطاعيتين تم إنجازهما في قطاعي الصحة والنقل. * في نظركم، ما هو الورش الذي يكتسي طابع الاستعجال في مجال مكافحة الفساد والرشوة، والذي يتعين الانكباب في سنة 2011؟ - معلوم أن المغرب سيستقبل خلال سنة 2011 مجموعة من اللقاءات الهامة التي تهم الحكامة الجيدة ومكافحة الفساد، وفي هذا السياق ستعمل الهيئة في إطار الصلاحيات المحددة في المرسوم المحدث لها على مواصلة تقييمها للسياسات الحكومية في هذا المجال خاصة أن البرنامج الحكومي سيدخل حيز التنفيذ، إضافة إلى ذلك يمكن الإشارة إلى أن أهم الأوراش التي ستنكب الهيئة عليها خلال هذه السنة تتمثل على الخصوص في تقديم مشروع قانون متكامل لحماية الشهود إلى الحكومة لبحث إمكانية إقراره نظرا لأهميته الكبرى في تشجيع المواطنين على مقاومة الفساد بكل أشكاله، كما ستنكب الهيئة على بلورة مقترحات لتعديل المرسوم المحدث لها بشكل يضمن لها مزيدا من الفعالية والوضوح في أداء مهامها. * رغم الإرادة السياسية المعرب عنها عن في مجال محاربة الرشوة، وكذا الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا المجال، لا زال المغرب يصنف في مراتب متأخرة في عدة تقارير تتعلق بالرشوة والحكامة والشفافية، ما هو السبب في ذلك؟ - أكيد أن المغرب قام بالعديد من الخطوات من أجل محاربة الفساد، إن على المستوى القانوني أو المؤسساتي، مع دعم كل ذلك بإصلاحات سياسية واقتصادية، تستهدف محاصرة بؤر الفساد وتقليص حدة تأثيره على جهود التنمية، بيد أن هذه الجهود لم تنعكس كثيرا على ترتيب المغرب في المؤشرات الدولية المتعلقة بالرشوة والحكامة والتنمية ومناخ الأعمال وغير ذلك. ودون التشكيك في نتائج هذه المؤشرات التي تبقى مهمة مادامت تقدم الصورة كما يراها الناس في فترة معينة، فإن المغرب مدعو لتعزيز جهوده باستكمال آليات الزجر المتعلقة بجرائم الفساد، واستكمال ترسانته القانونية بقانونين مهمين جدا في هذا المجال هما قانون ينظم حق الوصول إلى المعلومات وقانون يحمي الشهود والمبلغين. كما يتعين في نفس الإطار العمل على واجهات متعددة خاصة ما يتعلق بالحد من الاحتكار ومظاهر اقتصاد الريع، ومن السلطات التقديرية لدى المسؤولين، ومن ظاهرة تضارب المصالح والجمع بين المسؤوليات المتناقضة. * يسود الاعتقاد لدى الرأي العام، أنه ليس هناك تجاوب من قبل المواطنين للتصدي لظاهرة الرشوة، ما هي في نظركم العوامل التي تحول دون انخراط مجتمعي واسع لمحاربة الظاهرة؟ - أولا إذا نظرنا إلى الرشوة من زاوية ثقافية، نجد أن هناك ازدواجية لدى الناس في ما يتعلق بموقفهم من هذه الظاهرة. ذلك أن هناك لدى البعض نوعا من التسامح والقبول، إما لأنهم يعتبرونها هدية، أو أنها وجه من أوجه التضامن مع موظفين يعانون من ضعف أجورهم، ينضاف إلى هذا اعتبار الرشوة قدرا لا يمكن القضاء عليه ولا الحد من انتشاره وكذلك فقدان الثقة في السياسات العامة بشكل عام. بمقابل هذا الموقف هناك الموقف المضاد الذي يرى في الرشوة كل مظهر من مظاهر انعدام القيم التي تضع المصلحة العامة فوق كل الاعتبارات الأخرى. انطلاقا من هذه الرؤية يمكن فهم جزء من عدم تجاوب البعض من المواطنين مع جهود التصدي للظاهرة، أما الجزء الآخر فيتمثل في خوف الناس من المتابعات أو الانتقام في ظل غياب قانون يحميهم إذا هم انخرطوا في هذا الورش الهام جدا، وهذه مناسبة للتأكيد من جديد على أهمية مشروع القانون المتعلق بحماية الشهود والمبلغين الذي نسعى لوضعه على طاولة الحكومة خلال سنة 2011. وعلى العموم، فقد سجلت الهيئة المركزية في تشخيصها لوضعية الفساد بالمغرب أمرين أساسيين، يتعلق الأول منهما بعدم الاستثمار الكافي لآليات التبليغ والإخبار بالإجراءات المتخذة في مجال مكافحة الفساد، الأمر الذي ساهم في إضعاف مقومات الانخراط الجماعي في دينامية هذا الورش. في حين يتعلق الأمر الثاني بصعوبة التأقلم السريع مع متطلبات التغيير، لأن كل ترسيخ لقيم ومبادئ جديدة عادة ما يواجه بمقاومة وتشنج، اعتبارا لكون المواطنين تحكمهم في الغالب عادات وتقاليد وثقافات متجذرة تستدعي انخراطا تدريجيا في الممارسة التخليقية. وقد تأكد للهيئة أن انغلاق التدبير والمعالجة غير الملائمة لملفات المواطنين وغياب معايير الجودة في التعامل الإداري والجهل بطرق التظلم وصعوبة الإثبات وغياب الحماية تبقى في مجملها حلقات مترابطة يتعين تجاوزها لرفع الوعي العام لدى جميع المواطنين بخطورة هذه الآفة، وضمان انتقالهم من الاستنكار إلى التبليغ الفاعل، وبالتالي تمكين الآليات المؤسساتية المعنية من ضمانات حقيقية لممارسة اختصاصاتها في هذا الشأن. * طالبتم بإحداث آلية قانونية لحماية المبلغين عن جرائم الفساد، أين وصل إعداد هذا المشروع؟ - أود التذكير بأن أرضية هذا القانون كانت موضوع ورشة دولية بالرباط في أكتوبر الماضي، بهدف إغنائها خاصة أن هذه الورشة عرفت مشاركة خبراء مغاربة وأجانب. وقد خرجنا بعدد من التوصيات المهمة التي ستمكننا من إعداد مشروع قانون متكامل نتمنى تقديمه إلى الحكومة في الأشهر الأولى من سنة 2011. * برنامج العمل الذي سطرته الهيئة المركزية يتطلب اعتمادات مالية هامة، ولأجل ذلك طالبت الهيئة الوزير الأول بالزيادة في الاعتمادات المالية المخصصة لها، إلى أي مدى تمت الاستجابة لهذا الطلب؟ وما هي الميزانية التي خصصت لكم برسم السنة المالية 2011؟ - سبق أن أشرت من قبل إلى أن ميزانية الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في حجمها الحالي مثيرة للسخرية بالنظر إلى حجم المهام المنوطة بها في مرسوم الإحداث. وإذا أضفنا على ذلك اعتبارات البيروقراطية الإدارية وضعف عدد المناصب المالية المسندة للهيئة، سنكشف إلى أي مدى ظروف العمل الصعبة التي تشتغل في إطارها الهيئة. وأؤكد أنه من غير المعقول اعتبار ميزانية الهيئة بمثابة ميزانية تسيير، بل ينبغي اعتبارها ميزانية استثمار لأن عملها منصب بالأساس على تقليص حجم الفساد في الاقتصاد المغربي، والذي تقدر تكلفته بعدة ملايير من الدراهم، وهذا وحده سبب كاف في حد ذاته، ودون سرد أسباب أخرى، لتمكين الهيئة من ميزانية محترمة، وكافية لإنجاز مهامها الجسيمة. * لاشك أن تفشي الرشوة في المجتمع يشكل عائقا حقيقيا أمام تحقيق التنمية الاقتصادية، كيف ذلك؟ وما هي حجم الخسائر التي تكبدها الرشوة للاقتصاد الوطني؟ - كل الدراسات المتعلقة بالتنمية تؤكد هذه العلاقة، ذلك أن الرشوة تحد من التنمية وتساعد على تفشي الفقر والاقتصاد غير المهيكل، وعلى تقليص مداخيل الدولة التي يمكن استثمارها في توسيع استفادة المواطنين من الخدمات الاجتماعية الأساسية وتقوية المرافق العمومية وتوفير كل أسباب التنمية المستدامة سواء تعلق الأمر بالبنيات التحتية أو توفير فرص العمل. إذا كانت هذه خلاصة عامة لآثار وتكاليف الفساد، فإن المعطيات التي بين أيدينا يمكن أن تمنحنا صورة تقريبية أكثر لتكاليف الفساد ذات الطابع الاقتصادي كما رصدتها مجموعة من التقارير الوطنية والدولية، نسوقها كالتالي: - إن كلفة غياب الشفافية في الصفقات العمومية تقدر بالنسبة لدول المينا ب 0.5% من الناتج الداخلي الخام، - إن المبالغ المالية غير المشروعة المدفوعة في مجال الصفقات العمومية تقدر بحوالي 3 إلى 6 % من قيمة العقد، - إن رقم المعاملات التجارية غير المصرح به يصل على المستوى العالمي، حسب بعض التقارير الدولية إلى 55%، - إن نصف مسيري المقاولات العالمية الذين تم استطلاع آرائهم يقدرون ارتفاع كلفة المشاريع نتيجة للفساد بنسبة 10% على الأقل، وقد ترتفع إلى نسبة 25%، - إن مجموع الرشاوى المقدمة في البلدان النامية يقدر بمبلغ يتراوح ما بين 20 و40 مليار دولار سنويا أي ما يعادل 20 إلى 40 % من الدعم العمومي الموجه للتنمية، - إن التقهقر بنسبة نقطة واحدة في مؤشر ملامسة الرشوة لترانسبارانسي الدولية يعادل تراجع دخول رؤوس الأموال بنسبة 0.8 % من الناتج الداخلي الخام، وانخفاض الدخل المتوسط بنسبة 4 %. * يطالب المجتمع المدني بتوسيع صلاحيات الهيئة المركزية من دور الوقاية إلى دور التقصي والزجر على غرار ما هو معمول به في هيئات مماثلة في العديد من الدول، ماذا تنوون القيام به لتحقيق ذلك؟ وهل تنوون القيام باقتراح تعديل القانون المحدث للهيئة مثل ما قام به مجلس المنافسة؟ - كما أشرت إلى ذلك في جواب سابق، تشكل مراجعة المرسوم المحدث للهيئة المركزية واحدة من الأوراش التي سننكب عليها خلال سنة 2011، أولا من أجل تمكين الهيئة من مقومات الشخصية القانونية وتوضيحها، ثم من أجل تعزيز صلاحيات الهيئة، لضمان مزيد من الفعالية في أداء مهامها، وقد استقر الرأي داخل الجمع العام للهيئة على إحداث لجينة تتكون من عدد من الأعضاء لصياغة مشروع بهذا الاتجاه. * محاربة الرشوة هي قضية الجميع، ودور المجتمع المدني أساسي في هذا المجال، ما هي أوجه التعاون مع منظمات المجتمع المدني؟ وهل هناك برامج محددة للعمل والتعاون المشترك بينكم وبين المجتمع المدني في هذا المجال؟ - ما من شك في أن المرافعات التي يقوم بها المجتمع ضرورية لدق ناقوس الخطر وحث السلطات العمومية على اتخاذ التدابير اللازمة للحد من مظاهر الفساد وهدر المال العام. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أهم هيئات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال ممثلة داخل الجمع العام للهيئة المركزية، وهو وجه من أوجه الخصوصية التي تتميز بها الهيئة، أي التركيبة المتنوعة لجمعها العام. أما أوجه التعاون مع هذه الهيئات بغض النظر عن تمثيليتها داخل الهيئة، فنحن نسعى في إطار تفعيل مضامين التقرير السنوي برسم سنة 2009 إلى فتح قنوات الشراكة معها على غرار القطاعات الوزارية والبرلمان ومؤسسات أخرى، بما يترجم رؤية الهيئة التي تتلخص في أن محاربة الفساد تستدعي مقاربة تشاركية تتضافر فيها جهود الجميع، وأنه دون هذه المقاربة التشاركية لن نصل إلى النتائج التي نأملها. * كيف تتصورون دور الطبقة السياسية والجهاز التشريعي في مجال التصدي لظاهرة الفساد عموما والفساد الانتخابي على وجه التحديد؟ - لا شك أن دور الطبقة السياسية في مجال مكافحة الفساد يبقى حيويا من زاويتين أساسيتين؛ تتعلق الأولى بتحصين الممارسة السياسية من كل الأفعال المكرسة للفساد والمنافية للضوابط الأخلاقية، وتهم الثانية النهوض بدور هذه الطبقة في المكافحة باعتبارها فاعلا أساسيا ضمن مكونات المنظومة الوطنية للنزاهة. وأرى من المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن الهيئة المركزية تقدمت بتوصيات واقتراحات عملية لتعزيز دور الطبقة السياسية والجهاز التشريعي في مسار مكافحة الفساد، خاصة من خلال دعوتها إلى تعزيز شفافية الحياة السياسية وتخليق الشأن الحزبي، بمراجعة المقتضيات المتعلقة بحالات التنافي ودعم نشر حسابات الأحزاب وتوجيه الهيئات السياسية نحو تبني ميثاق وطني للأخلاقيات، إضافة إلى اعتماد منظور متطور للحصانة البرلمانية يستجيب لمتطلبات سيادة القانون وتحقيق العدالة، وكذا مراجعة المقتضيات المتعلقة بضمان تفعيل دور المحكمة العليا لمحاكمة الوزراء. كما تقدمت الهيئة بمقترحات تستهدف الرفع من فعالية المراقبة السياسية، خاصة من خلال الدعوة إلى تعزيز قدرة البرلمان على توظيف الأدوات الرقابية المتاحة له على مستوى متابعة تطبيق القوانين وتجاوز دور المساءلة إلى ممارسة استقصاء واستطلاع الحقائق. * يحتضن المغرب خلال شهر نونبر من سنة 2011، مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية لمحاربة الرشوة. كيف تستعدون لذلك؟ وما هي أهمية انعقاد هذا المؤتمر في المغرب؟ وما هي النتائج التي تنتظرونها من هذا المؤتمر؟ - من المهم الإشارة في البداية إلى أن اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد نصت ضمن مقتضياتها على آلية للتتبع والمواكبة يمثلها مؤتمر الدول الأطراف في هذه الاتفاقية. وهذا يعني أن مراقبة تنفيذ الاتفاقيات الأممية لم يعد أمرا مقتصرا على مجال الأسلحة وحقوق الإنسان والبيئة، بل أصبح يطال أيضا ميدان مكافحة الفساد، وهو ما يؤكد قناعة المنتظم الدولي بالتداخل الكبير بين الفساد والإرهاب وتبييض الأموال والجريمة المنظمة، وبالتالي ارتباط مكافحته حاليا بأجندة الأمن والاستقرار. وجدير بالانتباه أن الموافقة على قرار احتضان المغرب لهذا المؤتمر يعتبر في حد ذاته اعترافا ضمنيا بالمجهودات المبذولة والمواقف المعلنة لبلادنا في هذا المجال. كما أن هذا الاحتضان يؤكد الدور الذي أصبح يلعبه المغرب كمبادر ومساهم في صياغة القرارات. لذلك، فإن أهمية انعقاد هذا المؤتمر بالمغرب تظل رهينة بالتحضير الجيد لإنجاح هذا الاحتضان، خاصة من خلال التجاوب الموضوعي مع الآلية الأممية المكونة من فريق الخبراء الدوليين والمكلفة بتتبع تطبيق الاتفاقية، وإعطاء نموذج للاستعراض الحقيقي والفاعل، وكذا بمواجهة التحدي الموضوعي المتمثل في تجاوز التباين الموجود بين الخطاب والمجهودات المبذولة وبين واقع تفاعل الفساد، مع أهمية كسب بعض النقاط في تصنيف منظمة الشفافية العالمية كمدخل لضمان نجاح هذا الاحتضان. وبالنسبة لاستعدادات الهيئة لهذه التظاهرة، فيمكن القول أنه، بالإضافة إلى تنظيمها لقاء عالميا للهيئات الدولية لمكافحة الفساد تمهيدا لمؤتمر الدول الأطراف، تَعتبر الهيئة أن الاستعداد الحقيقي لهذا المؤتمر يتمثل في توجيه الجهود نحو تفعيل مقتضيات الاتفاقية الأممية بما يتطلبه الأمر من إجراء الدراسات والأبحاث حول التشريعات والسياسات والممارسات القائمة ومعرفة مدى تجاوبها مع الاتفاقية الأممية، واعتماد تفاسير موحدة ومتفق عليها لمقتضياتها، وتمكين الهيئات المعنية من آليات إرشادية تساعد على تفسير الاتفاقية وتسهيل إدراج مقتضياتها في مشاريع ومقترحات القوانين. وكلها مبادرات تسعى الهيئة بشكل حثيث نحو النهوض بها وتفعيلها مع كل الجهات المعنية. أما بخصوص النتائج المنتظرة من هذا المؤتمر، فيمكن القول بأنها ستسير في اتجاه ترسيخ الاقتناع الذي أصبح سائدا بضرورة التلاؤم التام مع مقتضيات هذه الاتفاقية، باعتباره خيارا أساسيا لكسب ورقة الانخراط في المنظومة الدولية لمكافحة الفساد. وهذا يعني أن عدم التجاوب مع هذه الاتفاقية قد يساهم مستقبلا في تقييد آليات دعم التنمية والمساعدة التقنية الموجهة للدول في هذا المضمار، خاصة بعد أن أصبحت مكافحة الفساد متموقعة في صلب الأجندة الدولية التي تؤطر العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف بين الدول. * سيقدم المغرب تقريرا حول حالة الرشوة خلال هذا المؤتمر، كيف ستشاركون في إعداد هذا التقرير؟ - لا بد من التنبيه إلى أن التقرير الذي سيقدم للمؤتمر هو تقرير يلخص المجهودات المبذولة من طرف الحكومة في مجال مكافحة الفساد. لذلك فنطاق إعداده يظل مجالا محفوظا للحكومة، لأن دور الهيئة يتمثل في تقييم هذه السياسات وتتبعها والتقدم بالتوصيات والاقتراحات في مجال الوقاية من الرشوة. * محاربة الرشوة ليست مسألة قانونية فحسب، بل هي أيضا مرتبطة بعوائق ثقافية وقيمية في المجتمع، كيف يمكن التصدي لهذه العوائق؟ وهل تفكرون في برامج تعليمية وإعلامية في الموضوع؟ - بالفعل، فالوقاية من الفساد والعمل على التخليق الشامل للحياة العامة لا يمكن اختزالهما في إجراءات تقنية أو قانونية زجرية كانت أو وقائية، بل تستلزمان العمل الدؤوب والنفس الطويل لمواجهة الإكراهات و التماس السبل المؤدية لرفع التحديات وربح الرهانات المطروحة. ولعل من أهم هذه الإكراهات بعض القيم الثقافية والأعراف الاجتماعية التي ساهمت في درجة قبول أو استنكار التصرفات المرتبطة بالفساد، وبالتالي حالت دون إفشاء العديد من السلوكات المعتبرة في حكم الفساد، من منطلق كونها أمرا عاديا ومقبولا. إن الهيئة المركزية، من منطلق هذا الوعي، ظلت تؤكد على ضرورة المقاربة الشمولية التي تستهدف الأسباب الموضوعية للفساد وكذا مختلف تمظهراته وانعكاساته، الأمر الذي جعلها تركز ضمن استراتيجيتها على المجهود التربوي والتحسيسي والإعلامي المنشود في هذا الشأن. وفي هذا الإطار، تتجه جهودها نحو إبرام شراكات مع القطاعات المعنية لأجل نشر ثقافة النزاهة والشفافية والمساءلة في إطار برامج تربوية للتحسيس والتوعية تشمل المناهج المدرسية والجامعية وبرامج التكوين وكذا المنابر الدينية، كما تقدمت باقتراحات لتفعيل الدور الوازن لوسائل الإعلام في تعزيز منظومة النزاهة، بالإضافة إلى إعدادها استراتيجية للتواصل تضع ضمن أهدافها تعميق الوعي لدى المواطنين بآفة الفساد وتكاليفه الباهظة على مختلف المستويات.