" كل واحد عليه من موقعه استكمال الأوراش التي دافع عنها البردوزي، لاسيما تفعيل جوهر دستور 2011 ومواجهة إشكالات التعليم" كانت هذه أبرز خلاصات الشهادات التي جاءت في لقاء نظم بالمكتبة الوطنية بالرباط الجمعة الماضي لتخليذ الذكرى الأربعينية لرحيل محمد البردوزي. وبتأثر قالت بديعة ملوك، زوجة الراحل، هذه مناسبة لإنعاش الذاكرة، لاسيما أن البردوزي الذي اشتغل في كثير من الأوراش الكبرى التي رسمت معالم مغرب العقد الأخير. مشيرة إلى أن الحمولة الاخلاقية والقيم التي ميزت شخصية الراحل ومواقفه ظلت حاضرة بشكل كبير في طباعه ووجدانه حتى آخر لحظات حياته. وكان البردوزي "يشتغل في ورش إعداد مشروع الدستور الحالي وهو يصارع الموت". الراحل كان عضوا بكل من اللجنة العلمية لإنجاز تقرير "50 سنة من التنمية البشرية في المغرب وآفاق 2025"، واللجنة الاستشارية للجهوية، واللجنة الخاصة للتربية والتكوين والمجلس الأعلى للتعليم، ومساهما في مجلس الجالية المغربية بالخارج، واللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور. وحسب أحمد حرزني، عرف عن البردوزي، ايمانه بضرورة الالتزام بعدد من الأوراش المؤسسة لدولة الحق والقانون.من جهة أخرى، اعلن ادريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، أن المجلس سيصدر خمسة من كتب البردوزي، وسيتم عرضها في 10 فبراير القادم أثناء المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، كما أن هناك تفكير لإنشاء مؤسسة أكاديمية تحمل اسم البردوزي. البردوزي، المولود في قرية من هوامش المغرب اسمها بولمان دادس بورزازات، وانتمى إلى اليسار الجدري في مراحل أولى من حياته، قبل أن يطلق السياسة براوافدها الستالينية، ويؤمن بضرورة التأسيس لتنمية المغرب عبر الانخراط في آليات تحديث البنيات المؤسساتية والذهنية المتأخرة. لذلك تميز بانخراطه في مشروع التحديث عبر ثلاث مسارات: المعرفة العلمية، والنضال الحقوقي، والمساهمة في الأوراش الكبرى المؤسسة لدولة الحق والقانون. في هذا السياق، اعتبر مصطفى الخلفي أحد طلبة البردوزي والذي جاوره لمدة تزيد على عقد من الزمن، أن قيمة البردوزي تكمن في ايمانه الصارم بكون المعرفة مدخل أساسي لتحديث المجتمع المغربي. معرفة مقاومة للدوغمائية والمثالية، بالمقابل هي مستوعبة لقوانين العلم المنبثق من الممارسة وحركية المجتمع. واعتبر الخلفي، أن من أبرز انجازات البردوزي العلمية، هو تطويره للعدة المنهجية لنقد الآخر (الغربي) الذي ينظر إلينا كمادة مدروسة. وتجسد في البردوزي، وفق الخلفي أيضا، ثنائية رجل العلم والمعرفة المؤسسة للتحديث ورجل الجدولة. وكان البردوزي يؤمن بثلاث خصال: تحذيره من النزعة المغامرة في العمل السياسي، وأن قضايا الوطن العليا بوصلة الحركية السياسية. ثانيا: نبذه لكل النزعات المتطرفة، ثالثا: تسلحه بمبدأ النسبية، وتطويره لمناهج حل مشكلات الواقع. وفي ذات الحفل، الذي حضره معارف الفقيد ونخب أكاديمية ورجال من عالم السياسة والنضال الحقوقي، تم تقديم فيلم "مؤثر" عن مسار البردوزي، كما تم تقديم كتاب أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان يحمل عنوان "العلم والعطاء". يذكر أن الفقيد حاصل على دكتوراه الدولة في القانون العام والعلوم السياسية وعمل أستاذا للسوسيولوجيا السياسية بكلية الحقوق الرباط - أكدال، وخبيرا في مجالات التكوين والسياسات العمومية واستراتيجيات التنمية المؤسساتية.وقد أنجز العديد من الدراسات والأبحاث، من بينها كتاب "تحديث التعليم .. من الميثاق إلى التفعيل"، كما ترجم إلى اللغة العربية كتاب "علم النفس والبيداغوجيا" لجان بياجي.