عندما كنت أستعد لإصدار موسوعتي عن "التاريخ الدبلوماسي للمغرب" شعرت بأن دور السيدة المغربية في هذا التاريخ كان دوراً رائداً ولو أن أحداً لم ينتبه إليه، وقد تجلى لي هذا في المراسلات المتبادلة بين قادة المملكة المغربية وقادة بعض الدول الأوروبية، الأمر الذي جعلني أخص المرأة المغربية بتأليف على حدة يحمل عنوان "المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي"الذي لقي إقبالاً على صعيد المغرب وخارج المغرب ومنذ ذلك التاريخ 1992، أي قبل عقدين، وأنا أتطلع لتأليف يتناول مسيرة المرأة المغربية المعاصرة، وكنت أصيخ بسمعي لكل الذين واللواتي يتناولون موضوع المرأة في ظروفنا الحالية، وهكذا قرأنا على صفحات "العلم"مثلا، عدداً من المحاولات التي كانت تهدف إلى رصد الخطوات التي تخطوها السيدة المغربية ابتداء مما كانت تردده الجريدة على صفحاتها في الأربعينيات من القرن الماضي في زاوية "أسرة النور" ومروراً بما كانت ترصده أجهزة الإعلام حول كل حركة تهدف إلى النهوض بالمرأة بالرغم من كل تلك المحاولات وبالرغم مما ظهر على الساحة المغربية من عناصر نسوية احتلت بكل جدارة واستحقاق أعلى الوظائف والمناصب، وبرهنت على أنها جديرة حقا بكل تلك الحظوة التي تبوأتها، بالرغم من ذلك، كنا في حاجة إلى من يتقفى الخطوات، كان ذلك ضرورياً للذين يهتمون بتاريخ المرأة ولاسيما في العالم الغربي. وقد لفت نظري أخيراً ما قرأته في جريدة "التجديد" عن ندوة انعقدت بالمغرب دعا إليها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة أول يونيه الماضي، لفت نظري ما قرأته حول هذا الكتاب"الحركة النسائية بالمغرب المعاصر". وقد زاد في تطلعي للوقوف على الكتاب ما قاله الأستاذ مصطفى الخلفي مدير المركز المذكور عن التأليف، الأمر الذي دفع بي إلى مهاتفة المؤلفة التي لم تكن غير النائبة البرلمانية الدكتورة جميلة المصلي، ونظراً لراهنية الموضوع بالنسبة إلي وإلى كل الذين يلاحظون مدى السرعة التي تتحرك بها قضية المرأة في المغرب، فقد بادرت إلى قراءة الكتاب الذي كان في الواقع بحثاً أكاديمياً قدم كرسالة لنيل لقب دكتوراه، ولم تر الأستاذة من هو جدير بإهداء الكتاب إليه إلا كل من يحب هذا الوطن ويسعى للنهوض به، وهو إهداء جميل يعبر عن الروح الوطنية التي تتملك الدكتورة التي تربَّت في بيت المقاومة المغربية الشريفة، ولما أن الباحثة كانت تعرف مدى ما بذلته من جهد لإصدار هذا العمل الجليل فقد اشترطت للنقل عنه، وهذا من حقها، أن يتم ذلك بعد الإذن الخطي. لقد تضمن الكتاب في بابه الأول عوامل نشأة الحركة النسائية بالمغرب المعاصر ومراحل تطورها ومكوناتها، من خلال ثلاثة فصول، تناولت ملامح من وضعية المرأة في مغرب فترة الحماية الأجنبية فرنسية وإسبانية والعوامل التي أسهمت في ظهور وتبلور الوعي النسائي في هذه المرحلة ومراحل تطور الحركة النسائية المغربية مع بحث الخصائص الكبرى لكل مرحلة، كما قدمت الباحثة في هذا الباب عرضاً مسهباً لأهم مكونات هذه الحركة مع قراءة موجزة في بنيتها ومجالات عملها وخصائصها، وتناول الباب الثاني من الكتاب الاتجاه اليساري في الحركة النسائية من خلال ثلاثة فصول، قدمت فيها الباحثة نبذة موجزة عن أهم التنظيمات المكونة للاتجاه اليساري في الحركة النسائية المغربية، والأسس المرجعية والمرتكزات الفكرية والمنهجية لهذا الاتجاه، كما تناولت الباحثة في الفصل الثالث منه قضايا الاتجاه اليساري في الحركة النسائية المغربية، أما الباب الثالث فأفردته للاتجاه الإسلامي في الحركة النسائية المغربية وقسمته إلى أربعة فصول، تناولت فيها أهم العوامل التي أسهمت في نشأة وانبعاث التنظيمات النسائية ذات التوجه الإسلامي، ونماذج من هذه التنظيمات والأسس المرجعية والمرتكزات الفكرية لرؤية ومعالجة هذه التنظيمات لقضايا المرأة ومطالبها. وتكمن أهمية موضوع هذا الكتاب في مجموعة من الجوانب أهمها، صلته بجزء مهم من التاريخ الاجتماعي والثقافي للمغرب، والحاجة إلى معرفة علاقة هذا التاريخ الثقافي بالتاريخ السياسي لهذا البلد وبالتطور العام للمجتمع المغربي وما شاهده من تغيرات على مختلف الصعد علاقته بالمرأة التي تشكل نصف المجتمع وتربي النصف الآخر وتنتمي لشريحة مفصلية في المجتمع، عانت لعقود من الزمن من الأمية والتهميش والإقصاء والحرمان من الخدمات الأساسية ومن كثير من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما أثر سلبا على خطط التنمية وعلى التطور العام للمجتمع في اتجاه التقدم والازدهار الحضاري، وتؤكد الدراسة على امتداد المراحل التي مر بها النقاش حول قضايا المرأة والأسرة بالمغرب المعاصر، وكان لتنظيمات الحركة النسائية واتجاهاتها حضور "يتفاوت قوة وضعفا بحسب هذه المراحل، سواء في تأطير المرأة المغربية أو في مواكبة النقاش بشأن قضاياها واهتماماتها، وخلال هذه المراحل راكمت هذه التنظيمات عدة تجارب وكانت لها أنشطة كثيرة وتظاهرات وتحركات ومبادرات، وصدرت عنها وثائق وبيانات وبلاغات كثيرة، حتى أصبحت في بعض الفترات ضمن فصائل المجتمع المدني الأعلى صوتا والأبرز تأثيرا، وأضحت مع هذا كله ظاهرة اجتماعية جديرة بالبحث والدراسة والتأمل غير أن كثيرا من الباحثين مازالوا يتهيبون بحث مثل هذه الظواهر الاجتماعية، خاصة مع قلة مراكز التوثيق التي يمكن أن تكون خزانا وراصدا ومنسقا لمختلف الأنشطة والمبادرات والفعاليات التي تصدر عن هذه الحركة، وقلة النصوص والوثائق التي تنتجها هي بنفسها في موضوع تقييمها وتقويمها لمنجزاتها وإخفاقاتها. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة في هذه الدراسة ما يلي، عرف المجتمع المغربي عبر تاريخه حضور المرأة وفعالياتها في مجال الحياة الأسرية والاجتماعية، وخلال فترات من هذا التاريخ برزت أسماء شخصيات نسائية في مجالات أخرى كالأدب والثقافة والتاريخ والعلوم الدينية والعمل الدبلوماسي ولم لانقول السياسة والريادة وغيرها من المجالات غير أن ظاهرة العمل النسائي المنظم الذي يستهدف النهوض بالمرأة والدفاع عن حقوقها لم تبدأ في البروز إلا في عهد الحماية الفرنسية والإسبانية للمغرب، ففي هذه الفترة تضافرت عدة عوامل أسهمت في نشأة الوعي النسائي، وتأسيس الطلائع الأولى في التنظيمات النسائية، وكان على رأس هذه العوامل تشجيع العاهل المغربي لزعماء الحركة الوطنية الذين كانوا يتنافسون على إنشاء المدارس الحرة لتعليم المرأة، وانخراط المرأة في مقاومة المستعمر، وانتشار أفكار رواد الحركة السلفية الإصلاحية الداعية إلى تحرير المرأة من مخلّفات عصور الانحطاط وحمايتها في نفس الآن من التيارات الفكرية الوافدة من الغرب - كان للتنظيمات النسائية خلال المرحلة الاستعمارية إسهام مقدّر في الدفاع عن حوزة البلاد ومناهضة المستعمر والعمل على تحسين أوضاع المرأة المغربية، خاصة في مجال الإسعاف ومحاربة الفقر ومحو الأمية، وعلماً أن إمكانيات هذه التنظيمات كانت محدودة جداً وقد كانت برامج وأنشطة هذه التنظيمات تتضمن قضايا متصلة بمعاناة المرأة المغربية آنذاك، كما كانت جل مكونات الحركة النسائية في هذه المرحلة تنطلق في مبادراتها ومقترحاتها من المرجعية الإسلامية والقيم الأخلاقية والحضارية للمجتمع المغربي. -تعد الحركة النسائية المغربية من الظواهر الاجتماعية الحديثة التي ارتبط ظهورها وتطورها بالتطور العام الذي شهده المجتمع المغربي على عدة مستويات وبالتأثيرات والتفاعلات القوية التي خلفها انفتاح المغرب على محيطه الإقليمي والدولي ففي بداية نشأتها اصطبغت هذه الحركة بالطابع القومي الإسلامي الذي اصطبغت به الحركة الوطنية، وبعد بروز التيارات اليسارية في الوطن العربي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، اتخذت أغلب مكونات الحركة النسائية المغربية وجهة يسارية ومنذ منتصف سبيعنات القرن الماضي أضحى تأثير الاهتمام الدولي بالمسألة النسائية قوياً جداً على الساحة المغربية، وكانت للاتفاقيات الدولية التي صدرت عن مؤسسات الأممالمتحدة المهتمة بموضوع المرأة أصداء "وتأثيرات واضحة في برامج وتوجهات معظم التنظيمات النسائية المغربية، ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي برز تيار ?جديد? أصبح له حضور وازن في ساحة الفعل النسائي وهو التيار النسائي ذو التوجه الإسلامي، الذي يدعو إلى النهوض بالمرأة والأسرة وفق منظور شامل يعتز بالمرجعية الإسلامية والهوية الوطنية والخصوصية المغربية، وينفتح على المشترك الإنساني والكوني في الحضارات الأخرى ويتطلع إلى بناء نموذج نسائي جديد يتمسك بهويته وأصوله الحضارية ويساهم في نفس الوقت في بناء حضارة إنسانية راشدة -تحتاج تنظيمات الحركة النسائية المغربية بعد مرور عدة عقود على عملها في مجال المرأة إلى وقفات لمساءلة الذات والقيام بالنقد الذاتي، من أجل تقييم أدائها ومدى تحقيقها لأهدافها ومدى استجابة مقترحاتها ومطالبها لحاجات المرأة المغربية وتطلعاتها ذلك أن واقع فئات واسعة من النساء المغربيات مازال يشكو من انتشار الأمية والفقر وضعف الخدمات الصحية والإقصاء والتهميش وغيرها من الحاجات الأساسية، مما تبدو معه اهتمامات بعض التنظيمات النسائية بعيدة عن المطالب الحقيقية للمرأة المغربية بعد دراسة اتجاهات الحركة النسائية بالمغرب، خاصة بعد صدور مدونة الأسرة التي حظيت بنوع من الإجماع لدى أغلب التنظيمات النسائية، وكذا التوافق حول بعض المقتضيات التنظيمية والتشريعية لرفع نسبة تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة بيّن للباحثة ضعف استثمار المساحات المشتركة بين تيارات العمل النسائي، وهي الرفع من القدرات النسائية والنضال من أجل تمكين فئات واسعة من النساء في القرى وأحواز المدن من الولوج إلى الخدمات الأساسية والاستفادة من التنمية، وستسمح لي الدكتورة جميلة إذا طلبتُ إليها، ولو أنها شرطت علينا أن لانقتبس من كتابها إلا بإذن مكتوب، إذا طلبت إليها أن تعمل على إبلاغ تأليفها إلى كلّ مكتبة، إلى كل هيئة أو مؤسسة وطنية أو إقليمية أو دولية تهتم بالمرأة سواء داخل المغرب أو خارجه، إن لكل هذه الجهات الحقّ في أن تطلع على ما وصلت إليه المرأة في مغربنا الحاضر، أخيرا أجدد التهنئة لابنتنا متمنياً أن تستمري في رصد هذه المسيرة النسائية التي أتوقع لها أن تظل في تقدم وفي توهج مادامت أنها عرفت الطريق الذي تسلكه. عضو أكاديمية المملكة المغربية