عندما بلغت أخبار اغتيال الرئيس الأمريكي ابراهام لينكون الى المملكة المغربية قام العاهل المغربي السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن (محمد الرابع) بإرسال خطاب تعزية للرئيس الأمريكي الجديد أندرو جونصن A.Johnson يعتبر الخطاب معبراً عن وعي ملك المغرب بظروف الحادث وأسبابه، الأمر الذي نقرأه في نص هذا الخطاب الفريد الذي نقدمه للمهتمين بالعلاقات الدولية للمغرب وبخاصة ما يتصل باهتمام المغرب بحقوق الإنسان والتفرقة العنصرية. وقد وقفت على صورة الخطاب في الأرشيف الوطني بواشنطن عندما كنت أعد العدة لتأليف موسوعتي حول التاريخ الدولي للمغرب(1). بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم من عبد الله المتوكل على الله، المفوض أمره إلى الله، أمير المؤمنين (محمد) ابن أمير المؤمنين (عبد الرحمن) ابن أمير المؤمنين (هشام) ابن أمير المؤمنين (محمد)، ابن أمير المؤمنين (عبد الله) ابن أمير المؤمنين (إسماعيل) ابن أمير المؤمنين (محمد) بالمغرب الأقصى وهو: (الطابع الملكي) يوجد في الوسط اسم السلطان: محمد بن عبد الرحمن غفر الله له، وقد احتوت الدائرة على بيت البوصيري: ومَن تكن برسول الله نصرته إن تلقه الأسد في آجامها تجم وقد ملئت زوايا الخاتم السداسي بكلمات: الله، محمد، أبو بكر، عثمان، علي. كما ملئت الجوانب المجاورة بالآية الكريمة: «وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب..» يلاحظ أن الرسائل المخزنية إذا ما كانت موجهة إلى مَن يشارك المغرب في عقيدته، قيل فيها بعد البسملة: والصلاة والسلام على النبي الكريم. أما إذا كانت موجهةً إلى من لايشترك مع المغرب في دينه، قيل فيها بعد البسملة: (ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). وهذا هو بقية النص الكامل للرسالة بعد الطابع الذي قدمنا الحديث عنه، والذي يحمل اسم الملك: [أيد الله نصره، وزين بالخيرات عصره، إلى المحب الزعيم العظيم عظيم دولة جنس المركان المفخم، العاقل البريزيدنط جنْصن أما بعد، فقد كان بين أسلافنا قدسهم الله وبين عظماء جنسكم محبة أوجبت اعتبارها وردها إلى ماكانت عليه، وإحياءها، ولاشك أن المحبة تقتضي أن يسر الحبيب بما يسر محبه، ويكدره ما يكدر قلبه، ولذلك تألمنا لما بلغنا ما وقع بالعظيم البر يزيد نط ابراهام لينكون، كيف وكان بمكان من العقل والسعي في المصالح بين الناس والتحبب لجميع الأجناس حرصا على أن يكون الناس ذاتا واحدة ونفسا متحدة، ومن هو على هذه الأوصاف المذكورة والمساعي المشكورة حقيق وجدير بأن يتكدر على فقده أهل صحبته لكونهم فقدوا رجلا قليل النظير، وغاب على أعينهم من يستحق الحزن والتأسف عليه من الكبير والصغير، وحق على من عرف سيرته أن يذكره بما كان عليه، وينشر ما كان يفعله مع العباد، وينسب إليه ليبقى ذكره مخلدا، لكنّ من خلف أمثالكم مكانه لم يمت، فإن ذلك الجنس العظيم فيه من العقلاء من يحيى مشاعر أسلافهم العظماء وكبارهم القدماء، ونحن عرفناكم بما لنا من العناية بجانبكم، والتأسف على هذا العظيم الذي ضاع منكم لتعرفوا أن المحبة المؤسسة بين الأسلاف باقية بحالها بل هي في الزيادة ولا تزول عن محلها، والتمام في متم جمادى الأخيرة عام 1285.] هذا كان النص الكامل لهذا الخطاب التاريخي الهام الذي لا ندري بماذا نصفه، وهل أنه كان دليلا على حيوية الدبلوماسية المغربية ومواكبتها للأحداث العالمية بالرغم من بعد المسافات؟ أم أن الخطاب كان تشريفا للولايات المتحدةالأمريكية بما احتواه من أوصاف رفيعة لقادتها.. أوهما معا! ومن المهم في ختام هذا العرض أن نذكر أنه بمجرد وصول خبر الحادثة إلى العاصمة الديبلوماسية المغربية طنجة قام القنصل الأمريكي فيها بفتح سجل لتقديم التعازي حيث وجدنا النائب السلطاني بها السيد محمد بركاش رحمه الله في صدر الموقعين على السجل... وقد حدث أن القنصل الأمريكي قام بتصوير صفحات السجل بما يحتوي عليه وأهدى نسخا منه لكل من ورد اسمه ضمن المعزين حيث نجد النائب المغربي بركاش يقوم بتبليغ السجل للسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن الذي نراه يزود النيابة بطنجة بصورة من خطابه حول الموضوع حتى تكتمل الصورة لدى الدبلوماسي المغربي حول هذه الالتفاتة الملكية إزاء رجل عظيم كالرئيس ابراهام لينكون. ولعل من تمام الفائدة أن نذكر هنا نص الخطاب الذي بعثه الملك محمد الرابع إلى نائبه بطنجة جوابا عن خطابه المصحوب بالسجل، هذا الجواب الذي أورده مؤرخ الدولة المغربية مولاي عبد الرحمن بن زيدان في الجزء الثالث من كتابه الاتحاف. قال الخطاب الذي نلاحظ أنه يستعمل نعت «المغدور» عوض المغتال: وبعد. وصلنا كتابك وصحبته «الكناش» الذي وجهه لجانبنا العالي بالله تعالى نائب جنس المركان متضمناً لذكر كل من بلغهم عزاؤه في عظيمهم الذي مات مغدوراً، وذكرت أنهم وجهوا مثله لكل من عزاهم من الملوك والدول حسبما في كتابه الذي وجهت ونبهت على أنك كنت وجهت لهم العزاء مشافهة على مقتضى القانون حين بلغك موته، وصار كل ذلك بالبال، فاعلم أنا كتبنا له بنحو ما أشرت به ولا بأس بذلك، فإن أسلافنا قدس الله أرواحهم كانت بينهم وبين هذا الجنس محبة ومواصلة، وكان مولانا سليمان قدسه الله يصافيه ويستعمله في بعض أموره المهمات. والله يعينك في 27 جمادى الأخيرة عام 1285. وبعد.. فقد قصدت بتقديم هذه اللقطة من تاريخ علاقاتنا الدبلوماسية بالولايات المتحدةالأمريكية إلى تذكير أبنائنا ومواطنينا بمدى يقظة المملكة المغربية لما كان يجري خارج رقعتها، وبيقظة التشريفات الملكية في باب المجاملات والمكايسات.. ولعلّ الذين يتتبعون الأخبار التي تهتم اليوم بنبش تاريخ الرئيس ابراهام لينكون، لعلهم يجدون في هذه الوثيقة ما يذكرهم أيضا بمركز المغرب الدولي طوال التاريخ... الهوامش: 1 - د.التازي: التاريخ الدبلوماسي للمغرب، ج 10 ص 142، رقم الإيداع القانوني 1986/25 الوسيط في التاريخ الدولي للمغرب ج III ص 282، رقم الإيداع القانوني 2001/1174