اسم الله البصير ورد مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ومقترنا باسم الله السميع في آيات كثيرة، كقوله تعالى: } سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {. أما ما ورد في السنة فقد تقدم عند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:"كنّا مع النبيِّ في سَفَر، فكنا إذا عَلونا كبَّرنا، فقال النبيُّ : ( أيها الناس اربعوا على أنفُسِكم فإنكم لا تَدْعونَ أصمَّ ولا غائباً، ولكنْ تدعون سميعاً بصيراً ). معناه: البَصِيرٌ في اللغة من أبنية المبالغة، فعيل بمعنى فاعل، وهو سبحانه وتعالى المتصف بالبصر، والبصر صفة من صفات ذاته تليق بجلاله يجب إثباتها لله دون تمثيل أو تكييف، أو تعطيل أو تحريف، فهو الذي يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة، ويرى الأشياء كلها مهما خفيت أو ظهرت ومهما دقَّت أو عظمت . وهو سبحانه وتعالى مطَّلع على خلقه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد، السّر عنده علانية والغيب عنده شهادة، يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويرى نياط (ما يُعلق به الشيء)عروقَها ومجاري القوت في أعضائها. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: وهو البصير يرى دبيب النملة السوداء تحت الصخر والصوان ويرى مجاري القوت في أعضائها ويرى عروق بياضها بعيان ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كذاك تقلب الأجفان. من معاني اسم الله البصير: الذي ينظر للمؤمنين بكرمه ورحمته، ويمن عليهم بنعمته وجنته، ويزيدهم كرما بلقائه ورؤيته، ولا ينظر إلى الكافرين إيقاعا لعقوبته، فهم مخلدون في العذاب محجوبون عن رؤيته، كما قال تعالى: }كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ { ، وقال جل وعلا: } أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { . من أثر معرفة اسم الله البصير: - إن معرفة العبد بسمع الله وبصره تجعله يدرك رقابة الله تعالى عليه فيعصم نفسه من الذنوب والمعاصي، لعلمه أنه لا مفرَّ من الله إلا إليه. ولله در القائل: إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل خلوتُ ولكن قل:عليَّ رقيبُ ولا تحسبن الله يغفلُ ساعةً ولا أنَّ ما تُخفي عليه يغيبُ فيصل العبد بهذه المعرفة إلى مقام الإحسان وهو :" أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" فيوقن أن ربَّه من فوق عرشه بصير بعبادته، عليم بإخلاصه ونيته، قال: } وَقُل اعْمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلكُمْ وَرَسُولهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عَالمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلونَ { . وإذا كانت المعرفة باسم الله البصير من شأنها أن تصل بالعبد إلى مقام الإحسان فإن هذا الأخير يورّث عند العبد حبّ الإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين). وفي الحديث:"إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". ولا شك أن الإتقان يُكسب الأمة المسلمة الإخلاص في العمل لارتباطه بالمراقبة الداخلية، كما أنه يُجَرِّد العمل من كلّ مظاهر النفاق والرياء. - ومن أهم فروع المعنى الذي تقدم، تحلي المسلم بحسن الخلق الذي يدرك به درجة القائم الصائم كما في الحديث الصحيح. - العلم باسم الله البصير يجعل المؤمن طيّب البال، مرتاح النفس، راضيا بقضاء الله وقدره، مهما ظلمه الظالمون أو أخطأ في حقه المخطئون، أو استهزأ به المستهزئون، كما قال سبحانه وتعالى لموسى وهارون حينما أمرهما بالذهاب إلى فرعون: }إنَّني مَعَكُمَا أسْمَعُ وَأَرى{.فالله تعالى هو السميع البصير، وفي هذا عزاء للمؤمنين ومواساة للمظلومين.