الذي يجري هذه الأيام في القدس ينبئ بخطر عظيم، تعاظم مع الأيام، ولكن الآلة الإعلامية الجهنمية شغلت الناس عن القدس بكل ما يمكنها شغلها به عنه، وكثير منها ما يزال يمارس نفس الدور وكأن عبارات الأقصى في خطر التي تصدر من المقدسيين المرابطين ومن كل الأحرار في العالم تتردد هنا وهناك بصيغ مغايرة تماما فتصير: حقوق الشواذ في خطر أو الحريات الفردية في خطر أو بعض النوطات الموسيقية في خطر، أو أكلات شعبية في خطر أوحيوانات متوحشة في خطر أوفراشات نادرة في خطر، فتختل الموازين ونفقد سلم الأولويات وتضيع التعبئة للقضية!! إذ ينشغل هؤلاء بدفع هذا الخطر وينشغل أولائك ببيان أنه ليس في الأمر خطر... ويكبر مع الأيام الخطر الحقيقي الذي يهدد الأقصى!!! والقدس أيها السادة هو مسرى النبي الأمين وقد قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الإسراء :1 ) والربط أكثر من واضح بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى . والقدس أيها السادة هو ثالث الحرمين، ففي الحديث وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا متفق عليه. والقدس أيها السادة هو أولى القبلتين وقد قال تعالى في إشارة إلى القبلة الأولى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ (البقرة : 143 ) وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً... ولكن هل أحسنا استثمار هذه الثلاثية المجيدة؟ أليس في عالمنا العربي والإسلامي قضايا كثيرة يسيل من أجلها مداد كثير، وتنفق في سبيلها أموال طائلة، وتعقد لها الندوات والمؤتمرات، وهي أتفه من التافهة، وكان حق كل تلك الجهود أن تتجه إلى الأولويات في كل شيء ومن أهمها بلا شك قضية الأقصى والقدس بشكل عام. وهل نحتاج هنا أيضا أن نعقد المقارنة الأليمة بين المنظمات التي تشتغل من أجل هيكل مزعوم: ما هي ميزانيتها؟ وما هي برامجها؟ وما هي الجهات الداعمة لها؟ كل ذلك من أجل هيكل مزعوم، فما بال الأقصى القائم لا تجند له ذات الطاقات؟ خاصة في أوقات الخطر مثل الذي يجري في أيامنا هذه؟ ألا يكفي ما حفر من الأنفاق للتحرك؟ ألا يكفي ما افتتح من الكنس للتحرك؟ ألا يكفي ما أحدثته الحفريات من آثار للتحرك؟ ألا يكفي ما نراه ونسمعه يوميا من هدم للبيوت وتشريد للمقدسيين للتحرك؟ ألا يكفي التحرش اليومي والاستفزازات المتوالية ومحاولات الاقتحام المدعومة للتحرك؟ أخشى أن نكتفي بأسماء القدس التي أطلقناها على المدارس والثانويات والشوارع والساحات وغيرها... وعوض أن تكون عناصر لحماية الذاكرة وتنشيطها تتحول إلى عناصر للتعويض والإلهاء. إن الوقت لا ينتظر، والمتربصون بالقدس والأقصى لا يفترون، فهم يمكرون بالليل والنهار كما قال تعالى: بل مكر الليل والنهار، والمقدسيون قد أعذروا إلى ربهم بالذي قاموا ويقومون به ولا يحق لأحد أن يلومهم، لكن السؤال الرهيب هو عن المليار وما فوق المليار من المسلمين؟ هل سنقول جميعا ما قاله الشاعر المتمرد أحمد مطر يا قدس معذرة وليس مثلى يعتذر ما لى يد فيما جرى فالأمر ما أمروا وأنا ضعيف ليس لى أثر عار علي السمع والبصر وأنا بسيف الحرف أنتحر وأنا اللهيب وقادتي المطر فمتى سأستعر وفي بقية القصيدة يحمل المسؤولية كاملة للحكام، وأظن أنه منطق لم ينفعنا في شيء، على الشعوب أن تدرك أن لها دورا وعليها مسؤولية، فهذا أمر يشترك فيه الجميع، كل معني فيه بدرجة من الدرجات، فالقدس للجميع ومصيرها أمانة في عنق الجميع.