هي القدس محط أنظار كل مسلم وعربي وفلسطيني لأنها حق إسلامي عربي فلسطيني خالص وابدي , وهي القدس التي تغنى بها الشعراء ولا يزالون , وغنى لها المغنون ولا يزالون , وأنشد لها المنشدون ولا يزالون , وهي القدس التي عُقدت حولها آلاف المؤتمرات والمهرجانات ولا تزال , وأعُدت عنها آلاف الأبحاث والدراسات ولا تزال , بل لا تزال تُكتب عنها مئات المقالات يومياً في كثير من الصحف ومواقع الشبكة العنكبوتية على الصعيد الاسلامي والعربي والفلسطيني , وهي القدس التي صوّرت مأساتها وتحدثت عن آلامها آلاف الأفلام الوثائقية ولا تزال , وترجلت لبث همها آلاف الفضائيات والاذاعات المسلمة والعربية والفلسطينية ولا تزال , وهي القدس التي سمينا باسمها آلافاً بل مئات آلاف الفنادق والمدارس والمطاعم والشوارع والصحف والاذاعات والفضائيات والجامعات والقاعات والمكتبات لدرجة ان الواحد منا اينما سافر وجد اسم القدس امامه في شتى انحاء الوطن الاسلامي والعربي وفي مؤسسات الجاليات المسلمة والعربية في بلاد المهجر . وهي القدس التي دعت لنصرتها منظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية ولا تزال , وهي القدس التي دعت لنصرتها آلاف الجمعيات والمؤسسات الأهلية ولا تزال , لا بل لا تزال هناك مئات من هذه الجمعيات والمؤسسات الأهلية تحمل اسم القدس , وهي القدس التي ترددت على ألسنة حكام وملوك المسلمين والعرب ولا تزال , وهي التي لا تزال تأخذ لها موقعاً ثابتاً من خطاباتهم ووعودهم وتصريحاتهم , وهي القدس التي لهج باسمها يدعو لنصرتها آلاف الخطباء من على منابر المساجد ومنصات المظاهرات والمهرجانات الشعبية ومباني البرلمانات الاسلامية والعربية , ولكن هي القدس التي لا تزال محتلة اسيرة سبيّة يربض عليها الاحتلال الاسرائيلي بقوة سلاحه ويسعى الى تهويدها ووضع اليد عنوة على كل مقدساتها ويسعى الى بناء هيكل اسطوري على حساب المسجد الاقصى المبارك تاج القدس الشريف وتاج فلسطين , ثم لا زلنا نقول : القدس عروس عروبتكم , ولا زلنا نقول : القدس في العيون نفنى ولا تهون , ولا زلنا نقول : القدس في العقل والقلب والضمير . هذه بعض مآسي القدس بالأرقام لو تعلمون : * قام الاحتلال الاسرائيلي بمصادرة 24,500 دونم من املاك الاهل المقدسيين خلال السنوات الماضية . * قام الاحتلال الاسرائيلي ببناء 15 مستوطنة على هذه الارض المصادرة وقام بتوطين 191 ألف مستوطن فيها. * قام الاحتلال الاسرائيلي بالسيطرة على 86% من اراضي شرقي القدس حتى عام 2000م , ولا يزال يهدف للسيطرة على ما تبقى منها . * قام الاحتلال الاسرائيلي باخراج 125 ألف مقدسي خارج القدس بواسطة جدار الفصل العنصري الخانق الذي بناه حول القدس . * يعكف الاحتلال الاسرائيلي اليوم على إنفاق مليار ونصف مليار دولار بهدف تهويد القدس والوصول الى اغلبية يهودية في القدس لا تقل عن 88% مقابل اقلية مقدسية لا تتعدى 12% . * قام الاحتلال الاسرائيلي ببناء 50,197 وحدة سكنية للمستوطنين على اراضي القدس المصادرة في المقابل لم يتم بناء أية وحدة سكنية فلسطينية . * 77,2% من الأطفال الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر في القدس . * 67% من العائلات الفلسطينية تعيش تحت خط الفقر في القدس . * قام الاحتلال الاسرائيلي بسحب هوية 1363 من الاهل المقدسيين في عام 2006م وهذا يعني إرتفاع نسبة سحب الهويات من الاهل المقدسيين الى نسبة 500% منذ عام 1985م . * اقرت منظمة ( بيتسيلم ) الاسرائيلية خلال تقرير لها نشرته في صحيفة يديعوت - أحرونوت العبرية ان الأحتلال الاسرائيلي يمارس سياسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين المقدسيين بواسطة سحب الهويات ومنع البناء وهدم البيوت وإجبارهم على الإقامة خارج حدود مدينة القدس . إلى متى التأجيل ؟ إزاء هذه المآسي التي لا تزال تعاني منها القدس والتي اوردناها بالارقام والتي لا تزال تزداد , ازاء كل ذلك وجب علينا ان نتساءل هل اصبح ملف القدس مغلقاً لا يقبل التفاوض عليه , وهل اصبحت القدس حتماً مقضياً عاصمة ابدية للمؤسسة الاسرائيلية ولا يرضى الاحتلال الاسرائيلي ان يدرجها في يوم من الأيام في قائمة ما يجري التفاوض عليه , ام ان قضية القدس اصبحت قضية مؤجلة سيجري التفاوض عليها في يوم من الايام , والسؤال متى ؟! هل بعد عام ام بعد عامين ام بعد اعوام ؟! وهل سيجري التفاوض عليها عام 2010م ام عام 2020م ام عام 2050م ؟! ألا يخشى الجانب الفلسطيني بعد اعوام لا تزال مجهولة ان يُقال له تعال بنا نتفاوض على القدس فيجد نفسه انه يتفاوض على قدس يهودية لا غير ؟! وهذا ما دفع الخبير الفلسطيني في شؤون الاستيطان خليل التفكجي ان يقول لصحيفة ( مع الحدث ) بتاريخ 25/4/2008م : (( اريد أن أنوه في هذا السياق الى أن الجانب الاسرائيلي ولأول مرة يطرح قضية القدس بشكل علني ويقول إن القدس الموحدة بجزأيها هي العاصمة الأبدية للدولة العبرية , دون ان يكون هناك أي شريك فلسطيني , وبالتالي الجانب الاسرائيلي يؤكد على نقطتين مهمتين : النقطة الاولى التوسع الأستيطاني والبناء الأستيطاني دون النظر الى ما قد يحدث في المستقبل , والنقطة الثانية هي إحداث تغيير ديمغرافي لصالح اليهود في القدس , وعندما سنصل الى المفاوضات سيكون المواطنون وستكون القدس واراضيها في أيدي الجانب الاسرائيلي . )) . ثم ليتنا نقف عند تصريح الكاتب الاسرائيلي ران هاكوهين حيث يقول : (( إن النخبة العسكرية الحاكمة في إسرائيل اقامت الجدار العنصري كجزء من مشروع يهدف الى تدمير الفلسطينيين .... إن هذا الجدار قد أقيم بهدف نهب أكبر مساحة ممكنة من اراضي الفلسطينيين واكبر كمية من المياه , وان النخبة العسكرية الاسرائيلية لا تنوي التخلي عن الضفة الغربية او تحقيق السلام.)), هذا يعني بصريح العبارة ان الأحتلال الاسرائيلي يواصل تهويد القدس منذ سنوات ويحرص في نفس الوقت ألا تطرح قضية القدس للمفاوضات كي يكسب الوقت ويستكمل تهويد القدس . حكواتي القدس أنا اعترف علانية وصراحة عن سبق اصرار انني قد اجتهدت خلال السنوات الماضية ان اراسل مئات العناوين في الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني وقد تحدثت لهم خلال تلك المراسلات عن مأساة القدسالمحتلة والمسجد الاقصى المحتل والخطر الذي يتهدد سائر مقدساتها , واجتهدت ان اوضح خلال تلك المراسلات مبيناً وفق قناعتي ما هي الاستراتيجية المطلوبة لنصرة القدسالمحتلة والمسجد الاقصى المحتل وسائر المقدسات , ومحدداً جدولاً من المشاريع المطلوب تنفيذها اما فوراً او على مراحل من اجل الوقوف في وجه تهويد القدس وحصار المسجد الاقصى , وقد شملت تلك المراسلات من ضمن ما شملت الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والبنك الاسلامي للتنمية ورابطة العالم الاسلامي وعشرات المؤسسات الأهلية , وشملت تلك المراسلات من ضمن ما شملت عشرات الرؤساء والملوك والحكام , ولم اكتف بارسال تلك الرسائل الى تلك العناوين لمرة واحدة , بل واظبت على تلك المراسلات لكل تلك العناوين اكثر من مرة , ولا زلت اراسلها حتى الآن طامعاً ان أتلقى جواباً شافياً ورداً مناصراً في يوم من الأيام , كما ولا زلت اواصل انا والكثير من الأخوة في الحركة الاسلامية القيام بحملة استغاثة واسعة كنا ولا زلنا نطلقها باسم القدسالمحتلة وباسم المسجد الاقصى المحتل وسائر مقدساتها المحتلة من على كل منبر متاح لنا على صعيد الحاضر الانساني والاسلامي والعربي والفلسطيني , موقنين ان استغاثتنا لن تذهب سدى بل ستلقى القلوب الصادقة والآذان الواعية والهمم العالية في يوم من الأيام ولو بعد حين . ولذلك كانت لنا جولاتنا المتواصلة في تركيا وجنوب افريقيا والمغرب وقطر وبعض الدول الأوروبية ولا تزال لنا جولات اخرى الى دول اخرى في المستقبل القريب , وكان لنا عشرات اللقاءات الاعلامية عبر فضائيات واذاعات وصحف ولا زلنا نشارك في كل لقاء إعلامي جديد يسهم بإيصال استغاثتنا الى اوسع مدى، موقنين ان حديثنا الطويل عن القدسالمحتلة والمسجد الاقصى المحتل لن يكون مجرد حديث الحكواتي الذي ينتهي دوره عند حد كلامه وهو يحدث الناس من على خشبة مسرحه عن عنترة بن شداد والزير سالم والملك سيف , بل إن حديثنا الطويل عن القدسالمحتلة والمسجد الاقصى المحتل هو مقدمة ضرورية لإثارة النخوة الجادة والحمية الصادقة لدى كل حاضرنا الاسلامي والعربي والفلسطيني على صعيد الحكام والعلماء والأحزاب والمؤسسات والاعلام والشعوب لنصرة القدسالمحتلة والمسجد الأقصى المحتل حتى زوال الاحتلال الاسرائيلي عنهما . الويل لنا إن فقدوا الثقة مشاهد صمود الأهل المقدسيين أمام المغريات المالية التي يسيل لها لعاب كل رخيص , هذه المشاهد من الصمود كثيرة , وعلى سبيل المثال انا اعرف ان احد الأهل المقدسيين عرضوا عليه مبلغاً بقيمة احد عشر مليون دولار أمريكي وان يعطوه حق الإقامة له ولزوجه ولأولاده في فلوريدا مقابل ان يبيع بيته فرفض هذا الإغراء وداس عليه غير نادم , وأنا اعرف أن أسرة مقدسية تعيش لوحدها في بيتها الذي ورثته عن الآباء والأجداد , وبعد أن قام الاحتلال الإسرائيلي ببناء جداره العنصري الخانق حول القدس أضحى بيت هذه الأسرة خلف الجدار من جهة ومن جهة أخرى تخنقه إحدى المستوطنات الاحتلالية التي أقيمت في خاصرة القدس , فعرضوا على هذه الاسرة الذهب والدولارات مقابل بيع هذا البيت إلا أنها رفضت هذا الإغراء وداست عليه , وأنا اعرف ان أصحاب عشرات البيوت الواقعة في القدس القديمة قد عُرض على كل واحد منهم سند مالي وله حرية وضع الرقم المالي الذي يختاره على هذا السند المالي وان يأخذ هذا السند المالي لنفسه مقابل بيع بيته إلا ان كل هؤلاء الاهل أصحاب هذه البيوت رفضوا هذه العروض المغرية وداسوا عليها , ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : هل يكفي ان نصفق لهؤلاء الصامدين من الأهل المقدسيين من بعيد ثم نقف موقف المتفرج على معاناتهم الخانقة؟! وهل يكفي ان نحثهم ان يحافظوا على ارض القدس وبيوتها ومؤسساتها ومقدساتها ومظاهر الحياة السيادية الفلسطينية فيها ثم ندعي من بعيد حب القدس وان نقف عند حدود ادعاء هذا الحب فقط ؟! وهَلاّ علمنا ان الآلاف من الأهل المقدسيين يعانون من ويلات الضرائب الباهظة التي فرضتها عليهم بلدية القدس العبرية وانهم عاجزون عن دفع هذه الضرائب وهذا يعني ان هذه البلدية العبرية قد تقوم في كل لحظة بسحب هوياتهم وطردهم خارج القدس ؟! وهَلاّ علمنا ان الآلاف من الأهل المقدسيين يعيشون شبه مشردين لا لسبب إلا انهم رغم حفاظهم على آرضهم إلا انهم عاجزون عن بناء بيوت لهم بسبب الرسومات المالية المجنونة التي تفرضها بلدية القدس العبرية مقابل استصدار اية رخصة بناء ؟! وهَلاّ علمنا أن الآلاف من الأهل المقدسيين قد هُدمت بيوتهم وان الآلاف الآخرين منهم مهددون بهدم بيوتهم في كل لحظة؟! وهَلاّ علمنا ان الآلاف من الأهل المقدسيين مهددون بمصادرة بيوتهم او ارضهم بذرائع احتلالية قبيحة أساسها الظلم ليس إلا ؟! وهَلاّ علمنا ان المئات من مؤسسات الأهل المقدسيين مهددة بالإغلاق , وقد تكون هذه المؤسسات تعليمية او صحية او اجتماعية او اقتصادية او تطوعية ؟! وهَلاّ علمنا ان الحركة التجارية في مسيرة الاهل المقدسيين مهددة بالانهيار ؟! وأن اسواق القدس القديمة بخاصة مهددة بالإفلاس ؟! وهَلاّ علمنا ان الآلاف من الاسر المقدسية قد طالها الجوع وخنقها الحرمان وباتت مهددة في لقمة طعامها ولقمة طعام اطفالها ؟! فماذا قدمنا نحن , الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني لدعم صمود الأهل المقدسيين في القدس سوى الدعم البخس والدراهم المعدودة , وكنا ولا زلنا نكتفي بإطلاق الوعود وإقامة الصناديق لدعم القدس إلا انها تموت في مهدها ؟! لذلك فإن أخشى ما أخشاه ان يفقد الاهل المقدسيون ثقتهم بكل الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني وهم معذورون !! فإلى الآن لا زالت نداءاتهم ولا زالت صرخاتهم واستغاثاتهم ورسائلهم بلا جواب عملي جاد من هذا الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني !! على اثر ذلك اعود واقول ان أخشى ما أخشاه ان يفقد الأهل المقدسيون ثقتهم بكل هذا الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني وان يدفع ذلك بعضهم الى سلوكيات شاذة ومستهجنة بسبب ظروف القهر التي تحاصرهم !! وان اخشى ما اخشاه ان تتسبب هذه السلوكيات الشاذة والمستهجنة بتسرب وضياع بعض بيوت وارض الأهل المقدسيين !! فهَلاّ استحيينا من هذا الموقف المشين الذي لا زلنا نقفه على صعيد الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني في قضية القدسالمحتلة والأهل المقدسيين المحتلين والمسجد الاقصى المحتل ؟! وهَلاّ علمنا ان مجرد الوعود ومجرد عقد المؤتمرات ومجرد إقامة الصناديق الداعمة لا ينصر القدس , ولا ينصر الأهل المقدسيين ولا ينصر المسجد الاقصى ؟! وهَلاّ صارحنا انفسنا واعترفنا اننا على صعيد الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني نتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما تتعرض له القدس من خطر التهويد , وما يتعرض له الأهل المقدسيون من خطر التطهير العرقي , وما يتعرض له المسجد الأقصى من خطر هدمه وبناء هيكل اسطوري على حسابه ؟! إلى القدس وأسواقها .. إلى المسجد الاقصى ... بعيداً عن الخطاب الذي لا زلنا نوجهه وبحق الى الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني , وبعيداً عن استيائنا الشديد بسبب الرد الهزيل الذي لا زلنا نتلقاه من هذا الحاضر الاسلامي والعربي والفلسطيني - هذا إذا تلقينا رداً- !! وبعيداً عن ضرورة الانتقال من جلد الذات الى القيام بواجب نصرة القدس واهلها ونصرة المسجد الأقصى وسائر مقدساتها , بعيداً عن كل ذلك فإنني اتمنى على الاهل في الداخل الفلسطيني - من باب اضعف الايمان- ان نواصل تسيير الحافلات يومياً الى القدس والمسجد الاقصى , دعماً لصمود المسجد الاقصى كي لا يظل وحيداً , ودعماً لسائر مقدسات القدس , ودعماً لأسواقها خاصة في القدس القديمة , ودعماً للحركة التجارية فيها , وإنني اتمنى على الأهل في الداخل الفلسطيني ان ننظم الرحلات الاسرية والطلابية والحزبية الى القدس ومعالمها , دعماً لها ودعماً للأهل المقدسيين فيها ودعماً لفنادقهم واقتصادهم وصناعاتهم التراثية , وانني اتمنى على اصحاب رؤوس الأموال من الأهل في الداخل الفلسطيني ان يواصلوا دعم الاقتصاد الفلسطيني ومشاريعه في القدس وفق خبراتهم وقدراتهم , ولنا في مسيرة البيارق التي تقوم بها مؤسسة الأقصى خير نموذج يجب ان نحتذي به قولاً وعملاً اذا قررنا ان نخرج من حالة المتفرج الى القدس وهي تحترق نحو بذل كل الجهد لأطفاء حريقها وزرعها بقيم النصرة والعزة والثبات .