يقوم بيت مال القدس الشريف التابع للجنة القدس التي يترأسها جلالة الملك، بعمل كبير يفوق في جدواه ومردوديته وأهميته وتأثيره، كلَّ عمل يندرج تحت العنوان العريض (العمل الإسلامي المشترك) في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، باعتبار الفوائد العديدة والمنافع الكثيرة الملموسة التي يجنيها منه الشعب الفلسطيني الصامد والمرابط في القدس الشريف، ونظراً إلى الآثار المترتبة عليه التي تقوم شاهدةً على أن بيت مال القدس مؤسسة واقعية تعمل بفكر واقعي وتنفذ برامجها وأنشطتها في الواقع المعيش، وتتوجه بالأعمال التي تقوم بها، إلى المواطنين الفلسطينيين المقدسيين الذين يتعرضون لطمس هويتهم العربية الإسلامية والمسيحية، ولهدم منازلهم، ولإغلاق منافذ الرزق والعيش الكريم في وجوههم، ولضرب الحصار على مؤسساتهم التربوية والعلمية والثقافية والاجتماعية والمدنية التي تعاني من الخصاص ومن قلة الموارد، مما يهددها بالتوقف الكلي أو الجزئي عن مزاولة أنشطتها التي تقدم من خلالها الخدمات الضرورية إلى أبناء المدينة المقدسة من المواطنين الفلسطينيين. لقد كان تأسيس بيت مال القدس إحدى المبادرات العبقرية والأفكار الهادفة البناءة لجلالة الملك الحسن الثاني، يرحمه الله، الذي اختير من طرف إخوانه الملوك والرؤساء والأمراء قادة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، لرئاسة لجنة القدس، ثقة في قدراته ومؤهلاته ونجاعة اتصالاته مع الأطراف الدولية، وتقديراً للدور الذي كان ينهض به في ساحة الدفاع عن القضية الفلسطينية وحماية الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، واعترافاً بأهمية الاختيارات السياسية التي كان ينهجها على الصعيد الدولي. يعمل بيت مال القدس في مجالات حيوية يمكن أن نقول عنها إنها إعادة البناء المدني والاجتماعي والثقافي والتربوي في القدس الشريف، وحماية الهوية العربية الإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة، والحفاظ على خصوصياتها الروحية والثقافية والحضارية، وتثبيت جذور المواطنين العرب المقدسيين في وطنهم، بما يعني ذلك من بناء المنازل، أو ترميمها، وبناء المؤسسات الصحية والتعليمية، أو تقديم الدعم المالي، لما يحتاج منها إلى الدعم، وجميعها يحتاج إلى الدعم، وتقديم المساعدات العينية إلى المواطنين المقدسيين للتغلب على مشاكل العيش الكريم. ويتم هذا العمل التنموي الإنقاذي بالتنسيق والتعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة، ومع المنظمات والهيئات والجمعيات الأهلية ذات المصداقية في القدس من جهة ثانية. وقد استفاد عشرات الآلاف من المقدسيين من الأنشطة التي ينفذها بيت مال القدس في المدينة المقدسة. وترتبط هذه المؤسسة في أذهان المقدسيين بعاهلين كريمين هما جلالة الملك الحسن الثاني، مؤسس بيت مال القدس، وجلالة الملك محمد السادس الراعي الأمين لشؤونها ورئيسها الأعلى باعتبارها تدخل ضمن لجنة القدس التي يرأسها بقرار من مؤتمر القمة الإسلامي، والتي هي إحدى اللجان الدائمة التي يرأسها رؤساء دول إسلامية، هي باكستان وتركيا والسنغال، وهي اللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي، واللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي، واللجنة الدائمة للثقافة والإعلام. ويُعدُّ بيت مال القدس الشريف أهمَّ مؤسسة تخدم الشعب الفلسطيني في مدينة القدس بشكل مباشر، في مجالات الإسكان، والصحة، والتعليم، والخدمات الاجتماعية والمدنية الأخرى، فهي تمارس عملها على الطبيعة، وتبتعد تماماً عن المجالات الأخرى التي للأسف ينشغل بها الآخرون بدون أن يكون لانشغالهم هذا أي فائدة عملية ملموسة يجنيها الشعب الفلسطيني، أو على الأقل فئة أو فئات منه. فهي مؤسسة من مؤسسات العمل الإسلامي المشترك الأكثر اقتراباً من الواقع الصعب الذي يعيش فيه المواطنون الفلسطينيون في القدس وتفاعلاً معه واندماجاً فيه. هذا العمل الجدي النافع الهادف الذي ينهض به بيت مال القدس الشريف، يتكامل من وجوه كثيرة، مع العمل الذي تقوم به المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو- في إطار دعم المؤسسات التربوية والعلمية والثقافية في القدس. وهو برنامج ثابت في جميع خطط العمل الثلاثية للمنظمة، يستفيد منه عدد من هذه المؤسسات. لقد تابعت جهد الإمكان، النشاطَ المكثف الذي يقوم به الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري، المدير العام لبيت مال القدس الشرف، ولا أزال أتابعه، فوجدتني أقارن بين هذه الجهود المثمرة التي يبذلها المغرب، بتوجيهات من صاحب الجلالة من أجل خدمة القضية الفلسطينية من خلال دعم الشعب الفلسطيني في القدس، وبين جهود أخرى تبذل على أكثر من صعيد من دون أن تكون لها الفائدة المباشرة أو نفع يمكث في الأرض. وقد قام المدير العام لهذه المؤسسة خلال الأيام القليلة الماضية، بزيارة عمل إلى القدس، ثم إلى رام الله حيث التقى بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتباحث معه حول الأنشطة التي تقوم بها مؤسسته لفائدة المواطنين الفلسطينيين في القدس. وقد أشرف المدير العام لبيت مال القدس الشريف خلال جولته الفلسطينية، على تدشين عدد من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية التي ستقدم خدمات مهمة للمقدسيين. وهذا جهدٌ موصولٌ لا يتوقف منذ سنوات، محكوم برؤية واقعية، وبخطة عمل موضوعية، وبإرادة قوية للعمل الجدّي المدروس والهادف. وهو مثال للعمل الفاعل والمؤثر الذي يخدم الناس في حياتهم اليومية. وهذا النوع من العمل الإسلامي الذي يتم في إطار إحدى اللجان الدائمة المنبثقة عن مؤتمر القمة الإسلامي، هو المطلوب في هذه المرحلة الصعبة، وفي جميع المراحل القادمة، لمواجهة المخاطر الكثيرة التي تهدد الوجود العربي في القدس بصورة خاصة. لقد أضرَّ العمل السياسي غير المحكوم بالرؤية الواقعية، بالقضية الفلسطينية إلى حد بعيد، سواء على صعيد العمل العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية، أو على صعيد العمل الإسلامي المشترك في دائرة منظمة المؤتمر الإسلامي المشترك. ولم ينفع العمل السياسي الذي يساير تقلبات الظروف، في تقديم الخدمات الإنسانية اللازمة المطلوبة للعشب الفلسطيني. وقد حان الوقت اليوم لإعادة النظر في كثير من الاختيارات والمواقف والمقولات من مثل عدم زيارة المواطنين من الدول العربية الإسلامية للقدس الشريف، تجنباً لما يقال عنه (التطبيع مع إسرائيل). وهذا كلام مبهم وغامض ولا مدلول واقعياً له؛ إذ لا معنى (للتطبيع مع إسرائيل) في حالة زيارة يقوم بها مواطن من إحدى الدول العربية الإسلامية، لإخوانه في القدس، للصلاة في المسجد لأقصى، الذي يشد له الرحال، وللإسهام ولو بحظ قليل، في إنعاش الاقتصاد المقدسي. ماذا يضير لو نظمت رحلات جماعية بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى القدس الشريف، لإحياء صلة الرحم بإخواننا الفلسطينيين المرابطين الصامدين في هذه المدينة المقدسة؟. وهل يفيد الفلسطينيين في شيء هذا العزوفُ عن القيام بزيارة القدس تحت دعاوى فارغة من المعنى، من مثل (التطبيع مع إسرائيل)، أو (الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي). وهل زيارة أحد المواطنين أو مجموعة من المواطنين ينتمون إلى إحدى الدول العربية والإسلامية، للقدس الشريف، تنطوي على اعتراف منهم بالاحتلال الإسرائيلي لها؟. لقد سبق للمدير العام لبيت مال القدس الشريف، فيما أذكر، أن طرح هذا الموضوع بالصراحة الكاملة التي تُحمد له، في إحدى تصريحاته الصحافية، ونَاشَدَ العرب والمسلمين القيام بزيارات جماعية إلى القدس عبر السلطة الوطنية الفلسطينية. ولاشك أن مثل هذه الزيارات تعود بالفائدة والنفع المادي الملموس على المقدسيين، وفيها دعم قوي للمقدسيين وشدٌّ لأزرهم وتقوية لمعنوياتهم. الأمر في حاجة إلى مراجعة ونقد ذاتي، بعيداً عن ضوضاء الشعارات وجلبة المواقف السياسية التي لا تستند إلى أساس صحيح ولا تنطوي على الواقعية والحكمة السياسية في كل الأحوال. إن إخلاصنا للقضية الفلسطينية ووفاءنا للقدس الشريف يجعلاننا نقول : إن القدس في بؤبؤة العين.