عسكريون أمريكيون: تزود المغرب بمروحيات "الأباتشي" يردع الإرهاب    الإصلاح يتواصل بمراكز الاستثمار    المغرب ينتقي شركات للهيدروجين الأخضر    عملية رمضان 1446.. توزيع 1456 حصة غذائية في مدينة شفشاون    الحزب الاشتراكي الموحد فرع تمارة يحيي اليوم الأممي للمرأة 8 مارس    استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر.. حالة من الهوس المرضي الذي يعاني منه النظام الجزائري تجاه المغرب    المنتخب النسوي بالرتبة 60 عالميا    مأساة الطفلة ملاك.. بالوعة قاتلة تُعيد فتح ملف الإهمال بالمغرب    بعد محاولات إنقاذ صعبة لساعات... السلطات تعثر على طفلة ابتلعتها قناة للصرف الصحي ببركان    حزم أمني ضد مروجي المفرقعات بطنجة.. مداهمات وتوقيفات في الأفق    رسميًا.. إعلان موعد إقامة بطولة كأس العرب 2025    بوريطة يؤكد أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودول مجلس التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية    أمن طنجة يحبط محاولة تهريب أزيد من خمسة أطنان من المخدرات بضواحي مولاي بوسلهام    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    أسعار الخضر تواصل الارتفاع في شهر رمضان.. الفلفل يتجاوز 16 درهما والطماطم تستقر في 10 دراهم    حملة مراقبة تغلق محلَّات تجارية في شفشاون وتحجز حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك    المغرب يستضيف دوري دولي في "الفوتسال" بمشاركة أربع منتخبات    "القسام" تلتزم باتفاق وقف الحرب    وكالة بيت مال القدس تواصل توزيع حصص الدعم الغذائي على أهالي القدس بمناسبة شهر رمضان    سلسلة 'صلاح وفاتي' تتصدر المشهد على القناة الأولى وتحقق رقما قياسيا في نسبة المشاهدة    ممثل البنك الأوروبي للاستثمار يشيد بالتقدم الملحوظ للمغرب تحت قيادة جلالة الملك    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    بايتاس: 12 ألف منصب شغل مرتقب في منطقة التسريع الصناعي ببن جرير    الفنان ابراهيم الأبيض يطل علينا باغنية "أسعد الأيام" في رمضان    مرصد: مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالمملكة تسجل 2,04 مليون ليلة مبيت    بايتاس يطمئن المغاربة بشأن مراقبة المواد الأساسية ويؤكد على الوفرة في المنتجات    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن -06-    السلطات تمنع تنقل جماهير اتحاد طنجة نحو فاس لمؤازرة فريقها أمام "الماص"    مانشستر يونايتد يدخل التنافس على خدمات نايف أكرد    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    جون ماري لوكليزيو.. في دواعي اللقاء المفترض بين الأدب والأنثربولوجيا    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم وأسرار في الإسراء والمعراج (1)
نشر في ميثاق الرابطة يوم 24 - 06 - 2011

قال الله تقدست أسماؤه: "بسم الله الرحمن الرحيم: "سُبْحَانَ اَلذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اِلاَقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ايَاتِنَا إِنَّه هُوَ اَلسَّمِيعُ الْبَصِير" [سورة الاِسراء، الآية: 1].
هكذا افتتحت سورة الإسراء التي سميت كذلك ببني إسرائيل، فهي بذلك تجعل حدث الإسراء والمعراج، وما ينطوي عليه من معان وأسرار في قلب عقيدة المسلمين وذاكرتهم ووعيهم مهما تباعد الزمان واشتط المزار.
يخبر سبحانه أنه أسرى بعبده أي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عاد به إلى منطلقه في جزء يسير من الليل، وهذا حادث عجيب في بابه، خارق للعادة، لكونه قطعَ مسافة بعيدة، وانتقالا من أرض إلى أرض في بعض ليلة.
فالعقول تستبعد مثل هذا الأمر ولا تستقل بإدراكه، فلذلك تعجبت قريش منه وأكبرته، وكان بحق فتنة للناس، ارتد بها قوم وزاد بها إيمان آخرين.
وهذا وجهُ افتتاح السورة بالتسبيح "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى" فمعناه تنزيه الباري جل وعلا عن العجز أي تنزه وتقدس سبحانه عما ينسبون إليه من صفات العجز، فالله قادر مقتدر على ما يريد، هو الذي أسرى بعبده ولم يسر العبد بنفسه، فمم العجب إذن؟
ثم قال: "من اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلاَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" [سورة الإسراء، جزء من الآية: 1]. وهذا إيحاء لطيف بما سيقت لأجله السورة، إنها تريد أن تعرف هذه الأمة وجميع الناس ببركة المسجد الأقصى وقدسيته، وإبراز العلاقة بينه وبين المسجد الحرام، وأن تعرف بشأن هذا النبي، وشأن النبأ العظيم الذي أنزل عليه، وأن حادثة الإسراء ترمز إلى لحظة تاريخية حاسمة، وهي انتقال أمانة الوحي ورسالاته من بني إسرائيل إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فمن أسباب بركة المسجد الأقصى وقدسيته، أن رافع قواعده إبراهيم عليه السلام كما في الصحيحين، "عن أبي ذر قال: قلت يَا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أَول، قَالَ: المسجد الحرام قال: قلت ثم أَي قال: المسجد الاقصى قلت كم كان بينهما قال: أربعون سنة".
ومنها: أن باب السماء الذي تعرج منه الملائكة هو بحذاء بيت المقدس، فقد ذكر القاضي ابن عطية في تفسيره لسورة ق "وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي اِلْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ" [سورة ق، الآية: 41]. يعني صخرة بيت المقدس، ووصفها بشدة القرب من السماء.
ومنها: ما لحقه من البركة ممن هاجر إليه، وصلى به من الأنبياء من داود وسليمان، ثم بحلول النبي عيسى عليه السلام ، ومنها بركة من دفن حوله من الأنبياء عليهم السلام أجمعين.
وأعظم تلك البركات على الإطلاق، حلول سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ذلكم الحلول المعجز الخارق للعادة، وصلاته فيه بالأنبياء جميعا، فأراد ربك ألا يخلي تربة فاضلة من مشهده ووطء قدمه، فتمم تقديس بيت المقدس بصلاة نبينا محمد صلى الله وسلم فيه، وإمامته بالأنبياء.
وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "َقدْ رأيْتنِي فِي الْحِجْرِ وَقرَيْش تَسْأَلنِي عَنْ مَسْرَاي، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقدِسِ لَمْ أثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْد كَأَنه مِنْ رِجَالِ شَنوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِي، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ" [كتاب الأنبياء، فتح الباري، ابن حجر، رقم الحديث 3257].
وقال جل ذكره: "أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَءاهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ ايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى" [سورة النجم، الآيات: 12-18].
وهذه الآيات صريحة بصدق خبر المعراج ووقوعه؛ وأنه صلى الله عليه وسلم، رأى جبريل عليه السلام، وعرج به إلى السماء، وأن ذلك كله إنما كان كرامة له صلى الله عليه وسلم، ومعجزة وتقوية له وتسلية. وخص بالذكر رؤيته صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى لعظيم شرف المكان؛ ولأنه منتهى الارتقاء في مراتب الكرامة، ولما غشيه من أنوار الجلال والجمال، ولما حصل عنده من آيات ربه الكبرى.
وإليكم تفاصيل القصة كما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم حيث قال: "أُتِيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِه، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا" ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً؛ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً قَالَ فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْه" [باب الإسراء، كتاب الإيمان، صحيح مسلم، رقم الحديث: 162].
وقد تضمن هذا الحديث فوائد جمة نذكر منها ما يلي:
أولاهن: عبارة عن سؤال طالما شغل العلماء وهو ما الحكمة في اختصاص كل واحد من الأنبياء بالسماء التي رآه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما الحكمة في اختصاص هؤلاء الأنبياء باللقاء دون غيرهم، وإن كان رأى الأنبياء أجمعين فما الحكمة في اختصاص هؤلاء بالذكر.
والجواب على تأويل بعض العلماء؛ ومنهم المحققان الكبيران السهيلي وابن دحية، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذه الفترة بمكة، تناوشه قريش في أصحابه ودعوته، ومكة حرم الله وأمنه، وقطانها جيران الله؛ لأن فيها بيته، فأول ما رأى من الأنبياء آدم الذي كان في أمن الله وجواره، فأخرجه عدوه إبليس منها، وهذه القصة تشبهها الحالة الأولى من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حين أخرجه قومه من حرم الله وجوار بيته، فكربه ذلك وغمه، فأشبه حاله في هذا حال آدم.
أما الحكمة من كون آدم في السماء الدنيا فحتى يتمكن من رؤية الفريقين معا؛ لأن أرواح أهل الشقاء لا تلج في السماء، ولا تفتح لهم أبوابها كما قال جل ذكره: "إِنَّ اَلذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ" [سورة الاَعراف، الآية: 40].
ثم رأى في السماء الثانية عيسى ويحيى وهما النبيان الممتحنان المضطهدان من قبل يهود، أما عيسى فكذبوه وآذوه وهموا بقتله، فرفعه الله، أما يحيى فقتلوه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد انتقاله إلى المدينة صار إلى حالة ثانية من الابتلاء والامتحان، وكانت محنته فيها باليهود شديدة، آذوه وظاهروا عليه، وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه، فنجاه الله كما نجى عيسى منهم، ثم سموه بالشاة، وهكذا فعلوا بنبيي الخالة عيسى ويحيى...
وأما لقاؤه يوسف عليه السلام في السماء الثالثة؛ فإنه إيذان بحالة ثالثة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومتقلبه تشبه حال يوسف وهي مرحلة التمكين، وذلك أن هذا النبي ظفر بإخوته بعد ما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم، وقال: "لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ" [سورة يوسف، جزء من الآية: 92]. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أسر يوم بدر جماعة من أقاربه الذين أخرجوه فيهم عمه عباس وابن عمه عقيل، ثم ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم وقال أقول لكم ما قال أخي يوسف: "لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ" [سورة يوسف، جزء من الآية: 92]
أما لقاؤه إدريس عليه السلام في السماء الرابعة وهو المقام الذي سماه مكانا عليا، وإدريس عليه السلام أول من أوتي الخط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من بنى المدائن والحصون، وكثير من علماء اللغة على أن لفظ إدريس مشتق من الدراسة، قيل له ذلك لكثرة درسه كتب النبوة، فلقاء هذا النبي مؤذن بحالة رابعة هي مرحلة العلم والتعلم، وذلك أن رسالات الله إنما تنتشر، ويمكن لها في القلوب بنور العلم، ونور المعرفة.
ولم تقم حضارة الإسلام منذ أول يوم إلا على حركية القلم، والإعلاء من شأنه، وبناء مجتمع المعرفة، حين كان النبي صلى الله عليه وسلم، يكتب إلى جميع ملوك الأرض، ويراسل القاصي والداني، فمنهم من آمن كالنجاشي، ومنهم من هادنه، وأهدى إليه كهرقل ومقوقس، ومنهم من استكبر وعصى.
وأما لقاؤه في السماء الخامسة لهارون عليه السلام المحبب في قومه، فمؤذن بحب قريش وجميع العرب للنبي صلى الله عليه وسلم، بعد معاداتهم له.
ولقاؤه بموسى في السماء السادسة مؤذن بحالة تشبه حال موسى حين أمر بالتوجه إلى الشام، فظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها، وأدخل بني إسرائيل البلد الذي خرجوا منه بعد إهلاك عدوهم، وكذلك فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك من أرض الشام، ودخل في الإسلام أهل الفرات والنيل والمغرب، وفتح مكة ودخل أصحابه البلد الذي أخرجوا منه.
وأما لقاؤه إبراهيم في السماء السابعة، ولماذا تأخر ذكر إبراهيم إلى هذه المرتبة، فذلك لحكمة بالغة تتسق مع هذا التأويل، وهي أن آخر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، حجه إلى البيت الحرام، وحج معه ذلك العام نحو من سبعين ألفا من المسلمين، ورؤية إبراهيم عليه السلام عند أهل التعبير تؤذن بالحج؛ لأنه الداعي إليه والرافع لقواعده، وثمة تأويلات أخرى أرجو الله تعالى أن يفسح لنا في الأجل والتسديد حتى نجعلها مادة للدرس والبحث والاعتبار، وبالله التوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.