نحن الآن في الأسبوع الأخير من شهر رجب شهر الله الحرام، وفيه يتذكر المسلمون حادثا جللا من أحداث السيرة النبوية العاطرة، ذلك هو حادث الإسراء والمعراج برسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس هناك قطع بأن الإسراء حدث في ليلة السابع والعشرين من رجب، غير أن الذي يهمنا أساسا هو الحدث في حد ذاته، الإسراء واقع بنص القرآن الكريم، وسميت بإسمه سورة من سوره، وافتتح الله بذكره هذه السورة حينما قال عزوجل: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير). أما المعراج، فلم يذكر في القرآن إلا من باب الإشارة وذلك في سورة النجم حيث قال تعالى: (والنجم إذا هوى وما ضل صاحبكم وماغوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى، (الكلام عن جبريل عليه السلام الذي كان يأتي بالقرآن للنبي صلى الله عليه و سلم)، {فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى، و لقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى}. الإسراء والمعراج تكريم للرسول وتسرية عنه والإسراء رحلة أرضية بين المسجدين المباركين المقدسين: مسجد الحرام بمكة ومسجد القدس الشريف( من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى). أما المعراج، فهو رحلة تبتدئ من الأرض إلى السماوات العلى إلى مستوى لا يعلمه إلا الله تبارك و تعالى، هناك بلغ مستوى لم يبلغه بشر قبله صلى الله عليه وسلم. كان الأنبياء في استقباله في كل سماء، كان هذا التكريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نال ما نال من إعراض الخلق ومن إيذاء البشر، واشتد الأذى أكثر وأكثر بعد موت عمه أبي طالب، الذي كان دائما مدافعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، و بعد موت خديجة زوجه رضي الله عنها، وكلاهما كانا سندا له، فسماه النبي صلى الله عليه و سلم عام الحزن، وتوالى الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هذا التكريم: الإسراء و المعراج. مشاهدات عجيبة بعث الله أمين الوحي جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم و أراه الله ما أراه، أراه أجزية وعقوبات لأناس كثيرين، ورأى رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال : الخطباء من أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، ورأى عقوبة الذين يغتابون الناس إذ كانوا يخمشون وجوههم بأظافر من نحاس، ثم تعود كما كانت ثم يخمشونها، و هكذا . رأى ما رأى في طريقه، وفي مسيره حتى وصل إلى بيت المقدس، وكان هناك الأنبياء ينتظرونه. بداية فرض الصلاة ثم من هناك، صعد إلى السماوات العلى إلى حيث ناجى ربه عز وجل وفرض عليه الصلوات، كانت في أول أمرها خمسين صلاة، ولكن بمشورة أخيه موسى عليه السلام ظل يراجع ربه، فخففها من خمسين حتى بلغت خمسا، و قال الله تعالى : ما يبدل القول لدي، هي في العمل خمس وفي الأجر خمسين، كانت هذه بداية فرضية الصلاة، عمود الدين التي هي الصلة اليومية بين الإنسان وربه، وهي المعراج اليومي للمؤمنين. عرج به حتى فرض الله عليه في السماوات هذه الصلوات، وكان هذا فضلا لهذه الفريضة على غيرها من الفرائض والشعائر، فالفرائض كلها فرضت في الأرض، إلا الصلاة فرضت في السماء، دلالة على مكانتها في الدين ودلالة على منزلتها لأنها عماد الدين، من أقامها فقد أقام الإسلام و من هدمها فقد هدم الدين . الصلاة معراج المسلم إن الصلاة هي معراج كل مسلم إلى ربه، تستطيع أن ترقى إلى الله يوميا بهذه الصلوات، التي تنتزعك من دنيا الناس مما عليه يتصارع الناس، فتنتزعك من دنيا الغفلة، ومن دنيا الصراع إلى حيث تقف بين يدي ربك تناجيه فتناجي قريبا غير بعيد، وتسأله فتسأل كريما غير بخيل، وتستعينه فتستعين قويا غير ضعيف، وكأنك تسمع له، وهو يقول في الحديث القدسي: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، إذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي، وإذا قال الرحمان الرحيم، قال أثنى علي عبدي؛ فإذا قال مالك يوم الدين، قال مجدني عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. فهناك تجاوب كامل بين الله وبين عبده المصلي . إن التحفة والهدية والذخيرة التي بقيت لنا من ذكرى الإسراء والمعراج هي هذه الصلوات، هذه هي بقية الإسراء والمعراج: الصلوات التي نرى كثيرا من المسلمين يفرطون فيها ويضيعونها، فصدق فيهم قوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)، إلى بقية الآية (فسوف يلقون غيا)، ونسأله تعالى أن يتداركنا برحمته بالتوبة قبل المصير.. ونرى من أبناء المسلمين ممن يتسمى بأسماء المسلمين، وبأسماء الأنبياء، وبأسماء الصحابة، من اسمه أحمد و محمد وعلي وعمر وحسن وحسين، ومع هذا لا يعرفون المسجد ولاينحنون لله راكعين، ولا يضعون الجباه لله ساجدين. الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ولنا من الإسراء والمعراج شيء مهم، وهو الربط بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام، فقد ربط الله تعالى في كتابه بينهما في هذه الآية الكريمة التي بُدئت بها سورة الإسراء، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، ولا يفرط في أحد منهما، فإنه إذا فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر. إذا تركنا المسجد الأقصى تأخذه اليهود ويعبثون به، ويعملون على تهديمه، ليقيموا مكانه الهيكل المزعوم، إذا فرطنا في المسجد الأقصى فلا يستبعد أن نفرط يوما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في المسجد الحرام، ولليهود أطماع في المدينة حيث كان هناك بنو قينقاع وبنوقريظة وبنو النضير. ربط الله تعالى في كتابه بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام، حتى لا تهون عندنا حرمة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، هذا المسجد الأقصى أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، كما جاء في الحديث الصحيح: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا أي مسجده صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فعلينا أيها المسلمون، أن نتذكر قضية المسجد الأقصى ولا ننساها، لا ينبغي أن يصبح الأمر واقعا مفروضا علينا، ونتقبل هذا بهزيمة نفسية منكرة ويصبح اليهود سادة المسجد الأقصى وسادة أرض النبوات. فلو أن هذا الجيل فرط أو ضيع أوخان، فإن الأجيال التالية ستلعنه وستحاول تدارك ما فات، ولا بد أن يأتي يوم يقاتل المسلمون فيه، لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود . متفق عليه وإنا لهذا اليوم منتظرون وما ذلك على الله بعزيز. قال سبحانه: (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون).