دخلت معركة السيطرة على ليبيا مراحلها الأخيرة وبات لزاما على الزعيم معمر القذافي أن يختار بين أمرين: إما السعي عبر المفاوضات لتأمين خروجه من البلاد وإما الدفاع عن عاصمته حتى آخر رصاصة. وسيطر معارضون تدعمهم طائرات حربية تابعة لحلف شمال الأطلسي خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة على بلدات مهمة حول معقل القذافي في طرابلس في سلسلة تقدم قطعت إمدادات الوقود والغذاء عن العاصمة. وكانت هجمات المعارضين سرعان ما تنقلب في الماضي إلى تقهقر، لكنهم إذا استطاعوا الحفاظ على المناطق التي سيطروا عليها مؤخرا فإن نهاية حكم القذافي الممتد منذ 41 عاما ستكون أقرب منها في أي وقت مضى منذ بدء الصراع قبل ستة شهور. وقال مسؤول أمريكي إن قوات القذافي أطلقت للمرة الأولى في الصراع صاروخ سكود يوم الأحد (الماضي) وهي خطوة غير ذات جدوى من الناحية العسكرية لكنها أشارت الى يأس دب في صفوف قوات الحكومة. وقال دانيال كورسكي وهو زميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية «النظام الليبي قد ينهار أو لا ينهار على الفور لكن يبدو الآن أن هذا سيحدث ان عاجلا أم اجلا». وأضاف «لكن الطريقة التي سينهار بها وطريقة سيطرة المعارضين على السلطة ستكون بنفس أهمية مسار الحرب». وتحدث يوم الاثنين (الماضي) مقاتلون في المعارضة تغمرهم السعادة لنجاحهم في الاقتراب من طرابلس عن الهجوم على العاصمة في الخطوة المقبلة، لكن محللين قالوا إن قادة المقاتلين لن يفضلوا هذا الخيار. فالقذافي سيسخر كل رجاله وسلاحه للدفاع عن العاصمة وستكون الخسائر في صفوف المدنيين كبيرة كما يرجح أن تقف قطاعات من سكان طرابلس في وجه المعارضين. وحتى إذا تمكن معارضو القذافي من كسب المعركة فإن إراقة الدماء ستخلف أحزانا ورغبة في الانتقام قد تجعل العاصمة وربما البلاد كلها عصية على الحكم. وقال ديفيد هارتويل محلل شؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة (اي.اتش.اس) جينز للاستشارات الدفاعية والأمنية «من المتوقع أن يكون أي قتال للسيطرة على طرابلس داميا للغاية». وأضاف «أظن أن الخطة ستتمثل في عزل العاصمة والبدء في ممارسة الضغط... يبدو أنهم (المعارضين) يحاولون قطع خطوط الاتصال بالعاصمة ويمكن أن نفترض أن الهدف من هذا هو عدم الاضطرار لمهاجمة العاصمة». لكن هل سينجح هذا النهج؟ فمحاصرة طرابلس وقطع الإمدادات عنها قد تسفر عن واحدة من ثلاث نتائج أو قد تسفر عن النتائج الثلاث جميعا. فبعد نفاد الوقود والعجز عن جلب المزيد من الأسلحة والتعزيزات قد ترى عناصر في قوات القذافي في طرابلس أن أفضل طريقة لإنقاذ نفسها هي تسليم أسلحتها أو الانضمام إلى صفوف المعارضين. وقد يكون حدوث انقسامات في الأجهزة الأمنية التابعة للقذافي مؤشرا على النتيجة الثانية وهي أن يبدأ معارضون للقذافي انتفاضة من داخل طرابلس في الخفاء. وقال ممثلون للمعارضة السرية ل»رويترز» إنهم في انتظار اللحظة المناسبة لبدء انتفاضة. وبعضهم لديه أسلحة. وذكر شاشانك جوشي الزميل المساعد في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن إن حدوث انتفاضة في طرابلس يستلزم وقتا. وأضاف أن طرابلس «ليست على شفا الانهيار ومن المحتمل للغاية أن كثيرين فيها لا يعلمون ماذا حدث في الزاوية لذا فإن الوضع لا يجعلنا نقترب من النقطة الحاسمة». والاحتمال الثالث هو أن يقرر القذافي التفاوض بشأن خروجه. وقد يشمل هذا الاتفاق نفي الزعيم الليبي وأسرته إلى دولة لن تسلمهم للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويقول من يعرفون القذافي إن وراء شخصيته غريبة الأطوار شخصا عمليا سيبرم اتفاقا إذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر لينقذ حياة أسرته. لكنهم يقولون أيضا إن هذا لن يحدث حتى يقتنع أنه لم يعد بإمكانه الانتصار. ونفى متحدث باسم القذافي يوم الأحد إجراء أي مفاوضات حول رحيله. وقال هارتويل «إذا كان سيحاول التوصل لاتفاق فإنه سيترك الأمر حتى اللحظة الأخيرة... مازال يعتقد أن لديه ما يقاتل من أجله». وأسوأ سيناريو للأحداث بالنسبة للمعارضين الليبيين وداعميهم في الغرب هو ألا تنجح استراتيجية محاصرة طرابلس في إزاحة القذافي. وفي هذه الحالة ستنشب معركة للسيطرة على طرابلس والشيء الأكيد في هذه الحالة هو أنه سيكون هناك الكثير من الخسائر البشرية. وقال انتوني سكينر المحلل في شركة مابلكروفت لاستشارات المخاطر «لن يكون من المدهش أن يشهر القذافي كل أسلحته مادام ليس هناك اتفاق على الطاولة وليست لديه استراتيجية للخروج». وأضاف «قد ينصب العقيد الأفخاخ في طرابلس وربما يخوض أنصاره أيضا قتالا حتى الموت».