يوم الاثنين 25 يوليو 2011 أقر الأميرال الأمريكي مايكل مولن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بأن الحلف الأطلسي يواجه «طريقا مسدودا» في حملته العسكرية في ليبيا، إلا أنه أعرب عن تفاؤله بأن استراتيجية الحلف ستقود إلى مغادرة الزعيم الليبي معمر القذافي بلاده. وصرح مولن، في موجز صحافي في واشنطن وصف أنه الأخير قبل تقاعده «نحن وبشكل عام نواجه طريقا مسدودا». وفي إشارة إلى الغارات التي يشنها الأطلسي، ذكر مولن أن الحلف «تمكن من إضعاف قوات القذافي بشكل كبير»، مشيرا أنه «تمت ممارسة مزيد من الضغوط»، وأضاف «على المدى الطويل اعتقد أن الاستراتيجية ستنجح .. في الإطاحة بالقذافي من السلطة». في واشنطن ذكرت مصادر مقربة من البنتاغون أن الجنرال مارتن دمبسي الذي من المقرر أن يتولى رئاسة هيئة الأركان الأمريكية المشتركة ابتداء من 30 سبتمبر 2011 يقدر أنه على حلف الأطلسي أن يتدخل عسكريا وبكثافة بقواته البرية في ليبيا، وأنه إن لم يمكن تحقيق ذلك فإنه من الأفضل أن تنفض واشنطن يدها كليا من الصراع في ليبيا. وتقول مصادر رصد ألمانية أن خليفة مولن وعدد من كبار القادة العسكريين الأمريكيين يؤكدون أن هناك أطرافا دولية عديدة من المنطقة الشرق أوسطية ومن خارجها تسعى لكي تنتكس جهود الحلفاء الغربيين في ليبيا، حتى يكون ذلك درسا لحلف «الناتو» يحول بينه وبين التدخل خلال المستقبل القريب في ساحات أخرى. وتشير مصادر لحلف الأطلسي أن خبراء من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وفيتنام يوجدون منذ أشهر في ليبيا لدراسة تكتيكات القوات الغربية والمعدات التي تستخدمها لتعطيل فعاليات تجهيزات الدفاع الجوي الليبية وهي في غالبيتها من صنع روسي. إمكانيات محدودة قبل تصريح مولن بأربعة وعشرين ساعة نشرت وكالة فرانس برس تحليلا عكس وجهة نظر خبراء عسكريين غربيين عن تطور الوضع وقد جاء في هذا التقرير: كثفت قوات الحلف الأطلسي الغارات على العاصمة الليبية في الأيام الأخيرة، وبذلت جهودا لضرب مقر العقيد معمر القذافي خصوصا، إضافة إلى «مراكز القيادة العسكرية» لجيشه. ولكن بعد خمسة أشهر من بداية حركة التمرد، يبدو أن الزعيم الليبي لا يمكن إزاحته والمعسكرين عالقان في وضع قائم غير ملائم. وحسب المحللين، وعلى الرغم من الدعم الذي يقدمه لهم الحلف الأطلسي، لا يملك الثوار فعليا وسائل السيطرة على طرابلس، وباتوا يعتمدون أكثر من أي وقت، مضى على ثورة قصر يقوم بها المقربون من القذافي. الأطلسي يواجه كذلك مزيدا من الخلافات في صفوفه خاصة حول جدوى الاستمرار في الحملة العسكرية. يوم الأربعاء جاء في تقرير لوكالة فرانس برس: باتت باريس ولندن تؤكدان أن بوسع معمر القذافي البقاء في ليبيا إذا تخلى عن الحكم، رغبة منهما في وضع حد لمغامرة عسكرية بدأت بالمراوحة، غير أن مثل هذا الاحتمال الأقرب إلى إقرار بالعجز غير قابل للترجمة على ارض الواقع. ولفت دوني بوشار من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إلى أن «هناك ضغطا من الجانب الفرنسي للسعي إلى إيجاد حل سياسي». وأضاف «إن البريطانيين يذهبون في الاتجاه نفسه الذي تسلكه فرنسا، رأس الحربة في هذه القضية»، متحدثين عن إمكانية بقاء الزعيم الليبي في بلاده بعد تنحيه عن السلطة. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ يوم الاثنين 25 يوليو أن الأفضل بالنسبة لليبيين أن يغادر القذافي البلاد. لكن «القرار يعود في نهاية المطاف إلى الشعب الليبي» في تلميح إلى بقائه في بلاده فيما كانت بريطانيا ترغب حتى الآن برحيله إلى الخارج. وقبل بضعة أيام فتح نظيره الفرنسي ألان جوبيه الباب أمام بقاء العقيد القذافي في ليبيا، علما بان الزعيم الليبي رفض دوما مغادرة بلاده. وقال الوزير الفرنسي لشبكة التلفزة ال سي إي ان «إحدى الفرضيات المطروحة تتمثل في أن يقيم في ليبيا لكن بشرط أن يبتعد كليا عن الحياة السياسية الليبية». أحلام الحديث عن تعثر حملة الأطلسي ليس جديدا ولكن في كل مرة يحاول القادة الغربيون توقع تطور مستقبلي نحو الأفضل. يوم 28 يونيو وفي مقال لصحيفة «ذي غارديان» البريطانية ذكرت إنه بعد مرور 100 يوم من الغارات والحسابات، فالأخبار القاتمة من مكتب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون العالي الارتفاع تحاول تحديد المنتصرين في الحرب الأهلية الليبية، والتشاؤم ينصب اليوم على أولئك الذين اعتقدوا يوما ما أن نصرا سريعا في صحراء إفريقيا الشمالية سيعيد تفعيل عقيدة «التدخل الليبرالي» التالفة. قادة سلاح الجو والبحرية أعلنوا أن السلاحين لا يستطيعان مواصلة القتال دون تجهيزات إضافية، حتى قبل الإعلان عن تخفيضات ليام فوكس الأخيرة. وتبين لعمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية ما لم يتضح من قبل مطلقا لتوني بلير - وهو جهاز التراجع إلى الخلف - وغير رأيه بخصوص دعم الهجمات، ساحبا ورقة توت الدعم الإقليمي التي تحدث عنها كاميرون كثيرا منذ البداية. وكان التدخل العربي دائما في الجانب الفاتر من حيث غياب الحماسة. والآن يبدو أكثر وضوحا أن هذه الحرب تماثل تماما تلك الحروب التي شنتها دول استعمارية سابقة على أي بلد عربي. الثمن الذي تدفعه الحكومة البريطانية التي تدعي أنها محرومة من الأموال من أجل استمرارية العملية الحربية وصل 260 مليون جنيه استرليني بالفعل، على الرغم من تعهد جورج أوزبورن سابقا بأنه لن يتجاوز «عشرات وليس مئات الملايين من الجنيهات»، ويرتفع الرقم بسرعة. وتشير استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد ضئيل لاستمرار الحرب في دول التحالف، وما يزال التأييد اقل للتصعيد، إما من خلال ضرب أهداف غير عسكرية أو نشر قوات أرضية نظامية (القوات غير النظامية موجودة هناك بالفعل، كما نفترض). الحكومة الإيطالية تعبت من القتال وانضمت إلى جوقة المطالبين بوقف إطلاق النار. وقد حاول الجمهوريون في الولاياتالمتحدة الإعلان عن عدم شرعية الحرب والمطالبة بفك ارتباط الولاياتالمتحدة بها. وهناك خسائر في صفوف المدنيين. إن وقفا لإطلاق النار سيكون مناقضا لأهداف المتحاربين - ولا سيما حفظ ماء وجه كاميرون وساركوزي. وبما أنهم بدأوا انطلاقا مما اتضح الآن أنه سوء فهم للوضع الفعلي في ليبيا، فهم يطالبون بالنصر قبل إنهاء القتال. وهذا هو الموقف الذي يؤيده كاميرون وقلائل آخرون، وهم الذين يرون أن المحافظة على صدقية «ناتو» في العالم يفوق كل الاعتبارات الأخرى. انقلاب داخلي ويتركز النصر في حرب ليبيا على قيام القذافي بالتنحي جانبا. وحتى لو حدث هذا فليس من الواضح مطلقا ماذا ستكون الخطوة التالية في دولة مقسمة. وسيكون على كاميرون أن يعيد تنفيذ الكارثة العراقية، وأن يسيطر على بلد عربي بالقوة فقط ومن دون أية ملامح عن الكيفية التي سيحكم بها هذا البلد أو من سيحكمه. والحقيقة أن حكومات الغرب ستكون معتادة بحلول هذا الوقت على الخسارة، آو على الأقل على عدم تحقق الأهداف التي رسمت عندما ابتدأت حروب هذا القرن. فلم يتم الانتصار في العراق ولا في أفغانستان، ولن يحدث الانتصار فيهما أبدا. ويعود السبب إلى أن هذه الحروب تتصف بتطلعات سياسية امبريالية وهي التعبير الحي، إذا كانت هذه هي الكلمة المناسبة، عن عقلية ترى أن القلة من الأغنياء الأقوياء لها الحق في التدخل في الأماكن التي ستتعزز فيها مصالحها، ومن الواضح في حالة ليبيا أن المصالح تشمل البترول. معظم الناس في بريطانيا يريدون للقصف أن يتوقف. وهم لا يريدون مزيدا من الحروب، ويريدون توفير الأموال. الضربات الجوية كوسيلة سيطرة نشرت صحيفة «ذي اندبندنت» البريطانية يوم 24 يوليو 2001 تحليلا للخبير السياسي البريطاني باتريك كوكبورن تحت عنوان «الناتو لم يأخذ العبرة في ليبيا من الدروس المكلفة في أفغانستان» جاء فيه: إن الضربات الجوية أصبحت الوسيلة الأساسية للغرب للسيطرة على الشرق الأوسط وجنوب آسيا من دون انتشار جنود على الأرض، الأمر الذي من الممكن أن يؤدي الى حصيلة من القتلى مضرة سياسيا. واستخدمت المملكة المتحدةوفرنساوالولاياتالمتحدة القوة الجوية فقط لشن حربها في ليبيا خلال الأربعة أشهر الماضية. من ناحية أخرى، تقوم الولاياتالمتحدة بتصعيد هجماتها الجوية في اليمن، حيث ستبدأ وكالة الاستخبارات المركزية في استخدام طائرات «البريداتور» بلا طيار إلى جانب الجيش الأمريكي، وتواصل هجماتها في شمال غرب أفغانستان. وحتى في العراق، حيث من المفترض أن الولاياتالمتحدة ستنهي التزامها العسكري، قامت بشن هجمات مفاجئة بالقنابل على مدينة العمارة التي تقع في جنوب العراق ما أصاب السكان بالصدمة. إن استعمال القوة الجوية كشرطي استعماري في المنطقة له تاريخ طويل ودموي، وقد أثبت فشله في العديد من الحالات على المدى الطويل. فطيار الناتو الذي قام بقصف عين زارة جنوبطرابلس في بداية هذا الشهر لم يكن يعلم بالتأكيد بأن هذا الهجوم يأتي بعد 100 عام بالضبط تقريبا من إلقاء طائرة ايطالية لقنبلتين صغيرتين على نفس الهدف عام 1911. وكانت الغارة الجوية الايطالية هي الأولى تاريخيا، وقد تمت بعد فترة قصيرة من غزو ايطاليا لما اصبح اليوم يعرف بليبيا بعد أن تم فصلها عن الإمبراطورية العثمانية. الطلعة الاستطلاعية الجوية الأولى تمت بالقرب من بنغازي في أكتوبر، وفي الأول من نوفمبر أصبح الملازم الأول جوليو جافوتي أول طيار يقوم بقصف جوي. فقد قام بالتحليق فوق معسكر تركي في عين زارة وألقى أربع قنابل يدوية بوزن 4.5 باوند من حقيبة جلدية كانت في قمرة القيادة. واحتج الأتراك لأن قنابل جافوتي استهدفت مستشفى، وأصابت عددا من المدنيين. جهود غير مجدية وأصبحت الايجابيات والسلبيات فيما بعد واضحة بشكل كبير. فالضربات الجوية ليست مجدية على الإطلاق. فقد كنت في بغداد خلال القصف الأمريكي عام 1991 وخلال عملية ثعلب الصحراء عام 1998، أجلس القرفصاء في غرفتي بالفندق، وأشاهد أعمدة اللهب ترتفع في المدينة وطلقات المدفعية المضادة للطائرات المثيرة للشفقة في المقابل، لقد كانت تجربة اختبرت نفسي فيها. وعلى صعيد آخر، فقد كان القصف الذي شهدته في بيروت خلال الحروب الأهلية أسوأ نوعا ما لأنه استمر أطول وكان عشوائيا تماما. وكنت آمل في بغداد أن يهتم الأمريكيون بنوعية ما يضربونه من الأهداف، ولو لأسباب تتعلق بالعلاقات العامة، رغم أن ثقتي انهارت عندما قتلوا حوالي 400 مدني في ملجأ العامرية. وكثيرا ما تبالغ القوات الجوية في أهمية ما تقوم به من أعمال. وهم دائما أقل دقة مما يدعون، وتعتمد فعاليتهم على المعلومات الاستخبارية التكتيكية. ويكون القصف أكثر فعالية كأداة فتاكة ضد المدنيين وكعقوبة جماعية. أما ضد الجنود الذين يتم تدربهم بشكل جيد، مثل ميليشيا حزب الله، فهو أقل فعالية بكثير. والمغامرة الاسرائيلية المدمرة في لبنان، ربما تصنف في التاريخ على أنها أسوأ تقديرات للحرب الجوية حتى العام الحالي، عندما قررت فرنسا وبريطانيا أن تتحالفا مع ميليشيا متحمسة لكنها سيئة التدريب للإطاحة بمعمر القذافي. ولم تبدأ الحرب هكذا. وعندما بدأ حلف ناتو القصف، كان الهدف منه هو منع دبابات القذافي من التقدم على الطريق من أجدابيا إلى بنغازي معقل الثوار. وكانت الضربات فعالة، لكن الهدف تغير بسرعة ليصبح حربا مفتوحة النهاية للإطاحة بالقذافي قدم الناتو خلالها الدعم الجوي لميليشيا الثوار. وتماما مثل المغامرات الامبريالية الفرنسية في غرب افريقيا، فمن المستغرب أن لا يتعرض هذا التدخل الأجنبي، الذي لا تبدو له نهاية، للانتقاد في بريطانيا. وكان الثوار دائما أضعف مما ادعى داعموهم في حلف «ناتو». ومن الجيد أن نعترف بهم كحكومة شرعية لليبيا، ولكن ليس كل الليبيين يوافقون على ذلك. وتقول منظمة إدارة الأزمات التي لديها معلومات موثوقة إن عنصرا أساسيا «في قدرة القذافي على الصمود في مساحة لا بأس بها من غربي ليبيا كان الانشقاقات القليلة حتى الآن في القبائل الرئيسة التي تحالفت مع النظام». والواقع أن الناتو المنقسم انضم إلى طرف واحد في الحرب الأهلية الليبية، كما فعل في وقت سابق في أفغانستان، وكما فعلت الولاياتالمتحدة وبريطانيا في العراق. وعادة ما يكون الأسبوع الأول هو الأفضل في الحروب الجوية. وبعد انتهائه، فإن أسهل الأهداف تكون قد دمرت، وسيتعلم العدو كيف يخفي وينشر قواته ويتجنب إظهار أي هدف. وفي حالة ليبيا فإن القوات الموالية للقذافي بدأت في استخدام الشاحنات الصغيرة التي ركبت عليها مدافع ثقيلة من الخلف تماما مثل الثوار. وضرب الناتو مرارا حلفاءه وكانت النتائج كارثية. ويشير جنرالات سلاح الجو إلى الدقة المدهشة لأسلحتهم الذكية، حيث ضربوا أهدافا صغيرة جدا، لكنهم نادرا ما يعيدون ذلك إلى المعلومات الاستخبارية الصحيحة. مثل هذه المعلومات الاستخبارية مهزوزة في كثير من الأحيان. وقد كنت في مدينة هراة غربي أفغانستان عام 2009 عندما قتلت الطائرات الأمريكية حوالي 147 شخصا في ثلاث قرى بالجنوب. ودمرت القنابل البيوت المبنية من الطوب الترابي وتمزقت أجساد الضحايا إلى أشلاء نتيجة التفجيرات. وما حدث في تلك القرى، الواقعة في عمق مناطق طالبان، هو أن عددا من العربات الأمريكية والأفغانية وقعت في كمين ناجح. وطلب الجنود الخائفون والمرتبكون الدعم الجوي. وقاد الناجون الغاضبون جرارا يسحب مقطورة محملة بأشلاء القتلى وهم يهتفون «الموت لأمريكا» و «الموت للحكومة»، واتجهوا نحو مكتب الحاكم في مدينة فرح. وكان رد وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس على كل ذلك هو الإدعاء بأن طالبان اقتحمت القرى وأفرادها يلقون بالقنابل. والهدف من أكاذيب كهذه إلى حد كبير هو الاستهلاك في الولاياتالمتحدة، لكنها أغضبت الأفغان الذين كانوا يشاهدون الحفر العميقة على شاشة تلفزيونهم. فهل ستنتهي الحملة الجوية على ليبيا بكارثة مشابهة؟ إن التسامح السياسي في بريطانيا والولاياتالمتحدة تجاه الحرب على ليبيا قليل، وربما ينتهي بشكل تام إذا حدث قتل جماعي للمدنيين. والعبرة في الوقت الحاضر أنه عندما ألقى الملازم غافوتي قنابله قبل 100 عام من جانب قمرته، فقد اجتذب الحكومات الغربية لفكرة أن الحروب يمكن أن يتم ربحها من خلال القوة الجوية وحدها. وسيكون النصر رخيصا ما لم تشارك فيه قوات أرضية. وفي نهاية المطاف فسيصبح واضحا، كما نرى الآن في ليبيا، أن القوة الجوية وحدها نادرا ما تؤدي للنصر في الحروب. حرب نفسية كتب المحلل الفرنسي اندرو بيتي يوم 24 يوليو 2011 يرى خبراء ان الهجوم الذي يشنه المتمردون الليبيون خلال الأيام الأخيرة عشية رمضان، لا يهدف الى التقدم ميدانيا بالقوة بل خصوصا الى اقناع الموالين للعقيد معمر القذافي بان قضيتهم خاسرة. ويتحرك المتمردون على كافة الجبهات في معارك متزامنة في مدينة البريقة النفطية وواحة القطرون الصحراوية التي تبعد أكثر من ألف كلم جنوبطرابلس وفي مصراته الساحلية وجبال نفوسة جنوب غرب العاصمة. كل ذلك يندرج خصوصا في استعراض قوة والدفع بالعدو إلى الانشقاق أكثر مما يهدف إلى التقدم ميدانيا، بينما لم تكف أربعة أشهر من القصف الأطلسي ليتمكنوا من تحقيق تقدم حاسم في المعركة، كما يرى خبراء عسكريون. واعتبرت لينات نوشباشر الأستاذة في أكاديمية ساندهارست العسكرية الملكية ببريطانيا أن «أفضل ما قد يحصل للمتمردين هو أن يقع تمرد في القصر» ولذلك أفضل ما يجب القيام به هو «إقناع الجيش الليبي بأنه لا يستطيع الانتصار». وأكد اندرو تيريل الأستاذ في المعهد العسكري للجيش الأمريكي «انه استعراض قوة في محاولة الدفع بقوات القذافي الى الانشقاق». وأضاف «إذا تمكنوا من إثبات أنهم يتقدمون فقد يكون لذلك انعكاسا كبيرا على الموالين للنظام الذين لا زالوا يترددون في اختيار معسكرهم، إنهم يعرضون عليهم بديلا ذا مصداقية». وتتأكد هذه النظرية في موقف المتمردين أنفسهم على الأرض. وتنبع هذه الاستراتيجية جزئيا من الضرورة إذ أن قوات المتمردين رغم جهودهم ما زالت غير منضبطة وتفتقر إلى التدريب والتجهيزات. وقال تيريل «نرى جيدا أنهم لا يخوضون سوى عمليات متواضعة لأنه إذا سقط لهم يوميا ما بين 10 إلى 12 أو حتى 18 قتيلا وجريحا، من البديهي انها ليست معركة كبيرة وتقليدية». وتشاطره نوشباشر الرأي بالقول إن «تقدم الجبهة نحو الغرب في البريقة ممكن شرط أن يتوفر مخزون من الوقود ومراقبة المجال الجوي لكن لا أظن أن يكون المتمردون يتحكمون في ذلك». كما أشارت إلى أن السير 800 كلم التي تفصل البريقة عن طرابلس يحتاج أيضا إلى مئات الآليات المدرعة التي لا يملكونها. وحتى لو وصل المتمردون إلى طرابلس فلا شيء يدل على ان الانتصار في متناول يدهم. وقال تيريل «لم أر عناصر كثيرة تشير إلى أن المتمردين سيعرفون كيف يقودوا حرب شوارع ستكون ضرورية في طرابلس. إنها من أصعب الأمور التي يجب انجازها في الحرب». وفي نهاية المطاف، قد يكون قادة الحلف الأطلسي على حق عندما قالوا أن حل النزاع الليبي لن يكون عسكريا وقد يكون الحل بلا شك رهن نجاح هجوم عشية رمضان. اغتيال القائد العسكري للمعارضة التعقيدات التي تواجه حلف «الناتو» عرفت زيادة نوعية بعد ظهور مؤشرات عن انقسام وعمليات تصفية داخلية بين قيادات المعارضة الليبية. فيوم الخميس 28 يوليو قتل القائد العسكري للثوار الليبيين اللواء عبد الفتاح يونس ورفيقيه العقيد محمد خميس والمقدم ناصر مذكور وهم من أهم أعمدة الحركة المسلحة للمعارضة. وأعلن مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، الهيئة السياسية للثوار، خلال مؤتمر صحافي في بنغازي أن الثلاثة قتلوا برصاص مسلحين. ولكنه اعترف أن يونس كان قد استدعي للمثول أمام لجنة «للتحقيق بموضوعات تتعلق بالشأن العسكري»، ولكنه قتل قبل مثوله. وأضاف أن الجثامين الثلاثة لا تزال مفقودة وجار البحث عنها كما عن الجناة. وإذ أعلن الحداد ثلاثة أيام على الضحايا، أكد رئيس المجلس الوطني الانتقالي اعتقال رئيس المجموعة المتهمة بتنفيذ عملية الاغتيال، مؤكدا فتح تحقيق للوقوف على ملابسات ما جرى. كما وجه تحذيرا إلى المجموعات المسلحة الموجودة في المدن، ودعاها الى الانضمام الى قوات المعارضة، أو قوات الأمن الوطني المسؤولة عن الأمن في المدن التي تسيطر عليها المعارضة، أو مواجهة السلاح. ولم يقدم عبد الجليل أي إيضاحات إضافية حول ملابسات الحادث، وذلك بعدما سرت شائعات خلال النهار تفيد بان اللواء يونس اعتقل في بنغازي للتحقيق معه بتهمة الاتصال بنظام العقيد معمر القذافي. ولم يتضح أين قتل يونس ومرافقيه وحراسه أو كيف علم عبد الجليل بموتهم. وكان الوضع ملتبسا مساء الخميس في بنغازي، معقل المعارضة، حيث حاول مسلحون الدخول إلى الفندق حيث كان عبد الجليل يعقد مؤتمره الصحافي، بحسب ما أفادت مراسلة وكالة فرانس برس في بنغازي. وتوجهت مجموعة من مسلحي الثوار إلى الفندق وهي تطلق النار في الهواء ولكنهم منعوا من الدخول إلى الفندق. وتم إجلاء الصحافيين عن الفندق. ويعرف عن اللواء يونس انه كان احد الضباط الذين شاركوا في انقلاب ثورة الأول من سبتمبر الذي قاده القذافي وأطاح بالحكم الملكي السنوسي في عام 1969. وكان اللواء يونس وزيرا للداخلية في حكومة القذافي وقد صنفه الأمريكيون في ذلك الحين على أنه الرجل الثاني في النظام، قبل أن ينشق وينضم إلى قوات المعارضة في فبراير. بعد ساعات قليلة على مقتل اللواء عبد الفتاح يونس انعكس الحدث على الوضع العسكري للثوار الذين سادت بينهم حالة من الإحباط، بل وتحدثت بعض الأنباء عن انسحاب متطوعين من جبهة القتال وعودتهم إلى بيوتهم، وإتهام مدنيين وعسكريين عبد الجليل وطاقمه بتدبير عملية القتل. استراتيجية مهترئة وقد أعرب مسؤولون غربيون منذ أسابيع عن الاستياء من المعارضة بسبب ما وصفوه باستراتيجيتها العسكرية المهترئة التي ينقصها التنظيم. وقد تعاقد المجلس الانتقالي مع إحدى شركات العلاقات العامة الأمريكية، وهي شركة «باتون بوغز» التي عملت لصالح أنظمة دكتاتورية ولها علاقات مع شركات الأمن الخاصة مثل بلاك ووترز. وتقول صحيفة «الاندبندنت» إن الثوار الليبيين الذين وصفهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي باعتبارهم مقاتلين من أجل الحرية، انضموا إلى قائمة عملاء لتلك الشركة. وتبين لل»اندبندنت» من مستندات حصلت عليها من وزارة العدل الأمريكية ان المجلس الانتقالي أوكل إلى «باتون بوغز» مهمة استعادة مليارات الدولارات من الأصول الوطنية الليبية المجمدة في الخارج مقابل عمولات خيالية. وتضيف الصحيفة ان الثوار في ليبيا يواجهون ايضا اتهامهم بارتكاب انتهاكات. ففي أعقاب الانتفاضة جرت حالات متكررة تتعلق بقتل الأفارقة. وكان العذر في ذلك الوقت هو أن هؤلاء الرجال كانوا من المرتزقة الذين استخدمهم القذافي. إلا أن غالبية هؤلاء كانوا مجرد عمال أجانب أبرياء من بلدان جنوب الصحراء الإفريقية. كما أن مسؤولين في النظام تعرضوا للقتل العشوائي في أعقاب التمرد. وفي البيضاء قرب طبرق مثلا أُخرج 20 مسؤولا من مساكنهم وشنقوا. وقد أدرجت حالات الانتهاكات اخيرا في تقرير نشرته منظمة «هيومان رايتس ووتش». إلا أن أحدا لم يخضع للتحقيق أو المساءلة القانونية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. ويقر أعضاء في الإدارة الانتقالية أن من المستبعد كثيرا أن يحدث ذلك. ولم تطالب الدول الغربية بإجراء تحقيق في الأمر. وفي الداخل، عانت المعارضة من الارتباك والرسائل المتعارضة. ذلك ان الكثير من أعضاء المجلس الانتقالي كانوا حتى وقت قريب مسؤولين حكوميين. ورئيس المجلس مصطفى عبد الجليل كان وزيرا للعدل في حكومة القذافي، وهو على خلاف منذ أشهر مع كبير الناطقين باسم المجلس عبد الحافظ الخوجة. وعندما تشكل المجلس الوطني الانتقالي في البداية في نهاية فبراير أعلن عبد الجليل أنه الرئيس وقال أن بالإمكان التوصل إلى اتفاق مع العقيد القذافي. وقد خالفه الخوجة في كلا الأمرين. طروحات أمريكية المأزق الذي تحدث عنه رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة دفع البيت الأبيض إلى التحدث إلى حكومة القذافي بعد أن كانت ترفض ذلك. يوم الاثنين 18 يوليو أعلن مسؤول في البيت الأبيض أن موفدين أمريكيين التقوا مؤخرا ممثلين عن نظام معمر القذافي.ورفض المسؤول الأمريكي إعطاء أية تفاصيل حول موضوع هذا اللقاء ولكن محطة «سي إن إن» نقلت أن المحادثات جرت السبت 16 يوليو في تونس. يوم 26 يوليو نشرت عدة مصادر إعلامية ما قالت أنه تقارير من مصادر أمريكية كشفت أن واشنطن تعمل على إقناع النظام الليبي والمعارضة، بقبول خطة لوقف إطلاق النار وتنحي العقيد معمر القذافي وتنازله عن السلطة وعدم ممارسته السياسة في مقابل بقائه وأفراد أسرته في البلاد. وقالت نفس المصادر إن محادثات جارية تبحث في تشكيل حكومة تقتسم السلطة في مرحلة انتقالية. وتحدثت مصادر ليبية في نظام العقيد القذافي وأخرى في المجلس الانتقالي، عن خطة عبد الإله الخطيب، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة التي تنص على تشكيل مجلس رئاسي انتقالي من 5 أشخاص لإدارة شؤون ليبيا، في مرحلة انتقالية لا تتجاوز 18 شهرا، على ان يضم المجلس اثنين يمثلان المنطقة الشرقية ويختارهما المجلس الانتقالي، وآخرين من الغربية ويختارهما نظام القذافي. ومن ثم يختار أربعتهم رئيسا للمجلس يقود البلاد في المرحلة الانتقالية. واشنطن تبحث عن حل مأزق التحالف الغربي العسكري وحدوث تصدعات في صفوف المعارضة الليبية المسلحة جعلت حكومة طرابلس تشدد موقفها. تقارير نشرت يوم 26 يوليو ذكرت أن المشهد السياسي في ليبيا عاد إلى المربع رقم صفر مجددا، بعدما أبدى نظام العقيد معمر القذافي تشددا ملحوظا ولافتا للانتباه في مسألة إمكانية تنحي الزعيم الليبي عن السلطة، وفقا لخطة يقترحها عبد الإله الخطيب مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا، الذي عاد من العاصمة الليبية طرابلس، بخفي حنين، بعدما تحفظت طرابلس على خطته لتسوية الأزمة الليبية واعتبرتها غير ممكنة التطبيق. ولم يلتق الخطيب وزير الخارجية الأردني السابق، العقيد الليبي، واكتفى بمحادثته مع رئيس الحكومة الليبية الدكتور البغدادي المحمودي، الذي أعلن عقب اللقاء، أن بلاده لن تبدأ أي محادثات بشأن وضع نهاية للصراع مع المجلس الانتقالي، قبل توقف الهجمات الجوية التي يشنها حلف الناتو. كما اعتبر أن تبديل قيادة القذافي غير مطروحة للتفاوض. وقال المحمودي في مؤتمر صحافي مقتضب، إن الهجمات الجوية التي يشنها حلف «الناتو» ينبغي أن تتوقف على الفور، ومن غير ذلك لا يمكن إجراء أي حوار أو حل أي مشكلة في ليبيا. واستبعد القذافي من جانبه يوم الخميس 21 يوليو إجراء محادثات مع المعارضين الساعين إلى إنهاء حكمه المستمر منذ 41 عاما مثيرا شكوكا بشأن سلسلة من الجهود الغربية للتفاوض على إنهاء الحرب الأهلية المتفاقمة. ويشار إلى أن هناك جدل عن إمكانية سحب التفويض الأممي للتدخل العسكري في ليبيا إذا قررت ذلك سواء موسكو أو بكين، حيث أن موعد نهاية التفويض الممنوح للتحالف الذي يقوده حلف الناتو، بالتدخل عسكريا في ليبيا ينتهي في السابع والعشرين من شهر سبتمبر 2011. تشدد رمزي من القواعد الأساسية في الصراعات الدولية أنه عندما يواجه طرف صعوبات فإنه بعد تقديم تنازلات يحاول أن يغطيها بتشدد على الأقل رمزي. يوم 22 يوليو نقلت وكالات دولية للأخبار خبرا مفاده أن الجيش الأمريكي يدرس مع استمرار الحرب في ليبيا خيارات ربما تعمق تدخله في الصراع. وقال مسؤول أمريكي لرويترز أن الولاياتالمتحدة تدرس طلبا من حلف شمال الأطلسي لإرسال مزيد من طائرات بلا طيار من طراز «بريداتور» إلى ليبيا بالإضافة إلى طائرات مراقبة أخرى. ونشرت تلك الخيارات لأول مرة في صحيفة «لوس انجليس تايمز» بعد أيام من إعلان وزير الدفاع الأمريكي الجديد ليون بانيتا خلال أول زيارة له للخارج كوزير للدفاع أن الانتصار في ليبيا احد أهم أولوياته. ولكن بانيتا حذر أيضا من أن واشنطن ربما يطلب منها تولي مسؤوليات اكبر مع بدء فتور همة الحلفاء في حلف شمال الأطلسي الذين يعانون من قلة السيولة النقدية في حملة القصف التي بدأت قبل أربعة أشهر. وقال بانيتا للقوات الأمريكية في بغداد في وقت سابق من شهر يوليو، في غضون التسعين يوما المقبلة قد تستنفد كثير من تلك الدول الأخرى طاقاتها ومن ثم فكما تعرفون سيتم التطلع إلى الولاياتالمتحدة للمساعدة في ملء هذا الفراغ. ودعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فو راسموسن منتصف شهر يوليو الدول الأعضاء في الحلف إلى تقديم مزيد من الطائرات لقصف قوات القذافي. وعلى الرغم من أن إرسال مزيد من طائرات «بريداتور» ربما يساعد عملية ليبيا فان القادة الأمريكيين يشعرون بحساسية إزاء سحب عتاد من مهمات أخرى ولاسيما في أفغانستان والعراق. بغض النظر عن من يحكم ليبيا وحجم شعبيته أو من يعارضه، فإننا الآن أمام امتحان جديد لصراع القوى.