يعتزم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاجتماع قريباً لبحث الأوضاع في سوريا للخروج بتحرك مشترك، في حين استدعت الكويت والبحرين، أول أمس، سفيريهما لدى دمشق للتشاور، في خطوة لاحقة لخطاب العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي دعا إلى وقف إراقة الدماء، وأعلن استدعاء سفير بلاده، الأمر الذي لقي ترحيباً لدى أوساط عربية وأوروبية، ورأت فيه الولاياتالمتحدة موقفاً أكثر حزماً، بالتزامن مع تحرك واشنطن لدى تركيا للتنسيق حيال الشأن السوري بعد أن حذر أردوغان الرئيس السوري من مصير مبارك، ومع حديث أوروبي عن تشديد للعقوبات، في وقت تواصل فيه دبابات جيش نظام «الأسد» قصفها لمدن وبلدات سورية أسفرت عن سقوط قتلى وسط حملة اعتقالات واسعة ونزوح كبير للعائلات نحو الحدود التركية. وأعلن وزير الخارجية الكويتي محمد الصباح أن الكويت قررت استدعاء سفيرها في دمشق تعبيراً عن احتجاجها على قمع التظاهرات المعادية للنظام. وأكد أن وزراء خارجية دول مجلس التعاون، سيعقدون اجتماعا في وقت قريب لبحث التطورات في سوريا والخروج بتحرك مشترك. كما استدعت البحرين سفيرها في دمشق “للتشاور”، حسب ما صرح وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن حمد آل خليفة. وجاء الإعلان الكويتي بعد أقل من يوم من استدعاء السعودية لسفيرها لدى دمشق وشجب العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز استخدام سوريا للقوة لقمع الاحتجاجات المندلعة في سوريا منذ خمسة أشهر. وأوضح الملك «أن تداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سوريا، والتي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء الذين أريقت دماؤهم وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين، ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهم يدرك أن ذلك ليس من الدين ولا من القيم والأخلاق». وقال العاهل السعودي: «إن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية؛ فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة.. فمستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع لا سمح الله». من جهتها، رحبت الولاياتالمتحدة بالموقف العربي “الأكثر” حزماً ووصفته بأنه “مشجع” . وقال مارك تونر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية “إن التصريحات القوية الصادرة عن الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي مشجعة للغاية وكانت مصدر ارتياح لنا”. وأضاف للصحفيين «هذه مؤشرات جديدة على أن المجتمع الدولي يرفض الأعمال الوحشية التي ترتكبها الحكومة السورية هذا كذلك إشارة إلى أن بشار الأسد وحكومته يزدادان عزلة على المستوى الدولي بسبب أعمالهم». وبحث السفير الأمريكي في أنقرة فرانسيس ريكيارديوني مستجدات الوضع السوري مع إبراهيم كالين مستشار رئيس الوزراء التركي، فيما عقد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اجتماعاً للأمن الخارجي، عشية زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى دمشق. كما وصل مسؤول الملف السوري في الخارجية الأمريكية فريديريك هوف إلى أنقرة لبحث التطورات. ● موقف تركي حازم وكانت أنقرة قد بدأت في اتخاذ موقف سياسي جديد «أكثر حزمًا» من الأزمة السورية بعد أن ضاقت ذرعا من سلوك نظام «الأسد» الإجرامي، حيث ذكَّر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الرئيس السوري بشار الأسد بمصير الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وقدم له نصيحة باللغة العربية. وتتوارد تصريحات تعد الأشد من نوعها حتى الآن ضد نظام بشار الأسد بعد المجازر التي قامت بها قواته العسكرية في كل من حماة وحمص وأخيراً دير الزور، في ما يمكن اختصاره في عبارة «كفى فالكيل قد طفح». وأكدت مصادر مطلعة في الخارجية التركية أن أنقرة اتخذت موقفا سياسيا جديدا من الأزمة السورية، يستند إلى أنه «لا يمكن ترك النظام السوري يقوم بهذه الجرائم من قتل وتعذيب من دون محاسبة أو عقاب وأن الحكومة السورية ستحاسب، دوليا، على ما تفعله». جاءت تلك التصريحات غداة خروج رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن صمته، مطلقا رسائل من العيار الثقيل في اتجاه دمشق. وكان أردوغان قد قال، في حفلة إفطار لإحدى مؤسسات التكافل الاجتماعي، إن صبر بلاده نفد وتنتظر من دمشق إنهاء العنف والعمليات العسكرية، معلنا إيفاد وزير خارجيته أحمد داود أوغلو، أمس، إلى دمشق «حاملا رسائل حازمة ونهائية. وسيتحدد موقف تركيا من الآن وصاعدا وفق الرد السوري على تلك الرسائل». وتطرق أرودغان في حديثه إلى مدينة حماة التي شهدت خلال الأيام الماضية حملة قاسية من الجيش والأمن السوري سقط فيها عشرات القتلى، وقال: إن بلاده «تابعت الأزمة السورية عن كثب منذ بدايتها وسعت إلى البحث عن سبل للمساعدة في حلها وتهدئتها، وما إذا كانت هناك في دمشق آذان تصغي للنصيحة». وأضاف: «لكننا اليوم وصلنا الى نهاية صبرنا. أي عقل وأي ضمير في العالم يقبل أن تعيش حماة مأساتها القديمة نفسها من جديد وفي شهر رمضان المبارك؟ هل يمكن أن يؤسس الإنسان حكمه على ظلم الآخرين؟ الى متى يمكن حكم الناس داخل أقفاص حديدية وفولاذية؟». وذكّر أردوغان الرئيس السوري بشار الأسد بمصير الرئيس حسني مبارك، إذ قال: «كم من مسلم سيق إلى حبل المشنقة من وراء تلك الأقفاص الحديدية. واليوم ترون أن من شنق هؤلاء يحضر إلى محاكمته على سرير داخل القفص الذي وضعهم فيه سابقا. لدى العرب كلمة مشهورة، يقولون: من دَق دُق»، (قالها بالعربية). وكانت الثورة التي اندلعت في مصر يوم 25 يناير الماضي، قد نجحت في الإطاحة بمبارك الذي أعلن تنحيه عن الحكم يوم 11 فبراير. وظهر مبارك على سرير مرضي داخل قفص المحاكمة يوم الأربعاء الماضي، حيث جرت أولى جلسات محاكمته في عدة قضايا أبرزها قضية قتل المتظاهرين إبان أحداث الثورة. وخلص رئيس الوزراء التركي إلى مخاطبة المسؤولين السوريين بالقول: «ألا ترون ما يحدث حولكم؟ ألا تنتبهون إلى ما يدور في العالم؟ من تظنون أنكم تفرحون عندما تفتحون النار على شعبكم؟». وفي هذا الإطار، قالت مصادر في الخارجية التركية «إنه من الغريب ألا تتعظ دمشق بما يحدث في المنطقة، ولا ترى أن الاصرار على الحلول الأمنية لا يحل أزمتها بل يزيدها تعقيدا ويساعد على انهيار النظام». وردًا على سؤال لصحيفة «الحياة» عما يمكن لأنقرة أن تتخذه من تدابير، واذا ما كان انشاء منطقة عازلة والتحضير لتدخل وفرض منطقة حظر جوي داخل سورية، قالت المصادر: «إن كل شيء تم وضعه على الطاولة. لكن الوقت لم يحن بعد للحديث عن هذه التدابير تحديدا». وذكّرت المصادر بتجربة الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومواجهته حصارا ومقاطعة اقتصادية، في إشارة الى التعاون التجاري والاقتصادي الكبير بين تركيا وسورية، ملمحة الى ان سوريا قد تواجه وضعا مماثلا في حال لم تؤد زيارة داود أوغلو لدمشق الى «نتائج ايجابية». واعتبر مصدر قريب من رئيس الوزراء التركي أن الرئيس بشار الأسد «خسر صديقا مهما وهو أردوغان، وأنه كان على الرئيس السوري أن يتنبه الى التغييرات التي تحصل في المنطقة وفي تركيا تحديدا»، لافتًا إلى أن «تركيا اليوم تسيطر على جيشها بشكل كامل مع قيادة عسكرية جديدة، ولها علاقات قوية مع الدول العربية والاتحاد الاوروبي وواشنطن، لذا كان على الاسد أن لا يشك في نصائح أنقرة لانها تدرك ما قد يؤول الأمر اليه بسبب سياساته الحالية». هذا، وترأس رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اجتماعا، أول أمس، للأمن الخارجي التركي لبحث الوضع في سوريا بحضور وزيري الخارجية والدفاع وقادة الجيش والأجهزة الأمنية. ● تشديد أوروبي للعقوبات على الصعيد الأوروبي، أعلنت مصادر دبلوماسية أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات جديدة على سوريا، وقال دبلوماسي إن المكتب الدبلوماسي الأوروبي كلف إعداد “لائحة من الخيارات للذهاب أبعد مما هو مطبق” بحلول شتنبر المقبل. وطالبت كل من فرنسا وألمانيا، النظام السوري بوقف حملة القمع ضد المدنيين وحذرتا من أن مضيه في سلوكه الحالي ينزعه عنه الشرعية ويستوجب معاقبته، في أعقاب التصعيد العنيف في معاقل الاحتجاجات، الذي بلغ ذروته في الأيام الأخيرة، خاصة في دير الزور وحماة. وقالت مساعدة المتحدث باسم الخارجية الفرنسية كريستين فاج إن «زمن إفلات السلطات السورية من العقاب قد ولى»، داعية إلى «إخلاء سبيل جميع الأشخاص الذين اعتقلوا في سوريا بسبب آرائهم أو من أجل أعمالهم للدفاع عن حقوق الإنسان». وطالبت السلطات السورية ب «تنفيذ الانتقال الديمقراطي الذي يلبي التطلعات المشروعة للسكان السوريين». وأدانت «استمرار القمع الذي يمارس على نطاق واسع في سوريا، والذي أودى بحياة حوالي خمسين شخصًا، الأحد الماضي، في دير الزور، وفي منطقة حمص»، معتبرة أن أعمال «العنف هذه واعتقال المعارض السوري وليد البني، لا تعطي أي مصداقية للإعلانات الجديدة التي قامت بها السلطات السورية فيما يتعلق بإجراء انتخابات حرة وشفافة، والتي تبدو وكأنها تكتيك جديد للمماطلة»، حسب قولها وأعربت مجددا عن «قلق فرنسا العميق للانتهاكات الجسيمة المستمرة لحقوق الإنسان واستخدام الدبابات والذخيرة الحية ضد المدنيين والاعتقالات والتعذيب»، مشيرة إلى أنه جرى في الأسبوع الماضي الإعراب عن القلق داخل مجلس الأمن كما تتقاسمه أيضا دول المنطقة على نطاق واسع، في التصريحات الأخيرة للجامعة العربية، ومن خلال استدعاء السعودية سفيرها بدمشق، بحسب وكالة «آكي» الإيطالية للأنباء. من جانبها، حذرت كريستوف شتيجمانز المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أول أمس، من أن الرئيس السوري بشار الأسد سيفقد شرعيته في الحكم إذا لم يوقف القمع العسكري للمحتجين المدنيين. وقال شتيجمانز للصحفيين عادية «استمر الجيش السوري كما رأينا خلال مطلع الاسبوع في هجماته الوحشية على المدنيين»، وأضاف: «اذا استمر الرئيس الأسد في رفض الحوار مع الشعب السوري واستخدام العنف فمن رأي الحكومة الألمانية أنه سيفقد شرعيته في قيادة البلاد في المستقبل». وقالت الخارجية الألمانية إنها تعتقد أن الأسد فقد شرعيته بالفعل في عيون الشعب السوري وإنه يتسبب في المزيد من المشكلات لنفسه مع المجتمع الدولي. وأفاد المتحدث ديرك أوجوستين «في الوقت الحالي يبذل النظام السوري كل ما في وسعه لتقويض شرعيته». وتجرى برلين اتصالا بدول المنطقة وترحب بزيادة الضغوط على دمشق. وقال أوجوستين «تشديد تركيا للضغوط أمر إيجابي جدا.. وكذلك جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والسعودية أصبحت تنتقد الوضع في سوريا بشكل متزايد». ● مدن وبلدات مستهدفة على الأرض، يواصل نظام «الأسد» سياسة الأرض المحروقة في عدة مدن وبلدات سورية ضد المعارضين السلميين غير آبه بالدماء التي تسيل. وتعرض أحد أحياء مدينة دير الزور شرقي سوريا صباح أمس لإطلاق رصاص كثيف، بعد يوم واحد من مقتل خمسة أشخاص بينهم امرأتان وطفلان برصاص قوات الأمن، في إطار حملة القمع التي تتعرض لها المدينة المتاخمة للحدود مع العراق وأودت بحياة العشرات. وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان نقلته وكالة الأنباء الفرنسية «فرانس برس»، صباح أمس، أن «صوت إطلاق الرصاص الكثيف يسمع في حي الجبيلة منذ الساعة السادسة والربع صباحا مع ورود معلومات للأهالي أن السلطات الأمنية والعسكرية ستنفذ عمليات مداهمة اليوم (أمس) الثلاثاء في حي الجبيلة». وتشهد منطقة الضاحية بمدينة دير الزور انتشارا مكثفا لآليات الجيش. وكانت ضاحية الحويقة في المدينة تعرضت لقصف عنيف من المدرعات مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. كما قامت القوات الأمنية بحملة اعتقالات واسعة في حي الجورة. ويحول الوجود المكثف للآليات العسكرية دون نقل المصابين إلى المستشفيات. ونقلت وكالة «رويترز» عن أحد السكان ويدعى محمد عبر الهاتف، إن ضاحية الحويقة تتعرض لقصف عنيف من مركبات مدرعة وإن المستشفيات الخاصة مغلقة والناس يخشون نقل المصابين للمستشفيات الحكومية لأنها تعج بالشرطة السرية. وقتل 65 شخصا على الأقل منذ اقتحمت دبابات ومركبات مدرعة المدينة الواقعة على بعد 400 كيلومتر شمال شرقي دمشق الأحد الماضي وسحقت حواجز وفتحت نيرانها. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن من بين القتلى أم وطفليها وامرأة عجوز وفتاة صغيرة. وفي درعا جنوبي البلاد، قال شهود عيان ونشطاء ان القوات السورية قتلت ثلاثة اشخاص على الاقل يوم الاثنين عندما أطلقت النار على جنازة أحد المحتجين الذين يطالبون بالديمقراطية. وقال رامي عبد الرحمن مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن من بين القتلى معين يوسف عودات وهو ناشط سياسي بارز أفرج عنه من السجن أخيرا. وأقيمت جنازة لشاب اعتقل في وقت سابق هذا الأسبوع على أيدي قوات الأمن عندما شارك في إحدى المظاهرات اليومية المناهضة لحكم بشار الأسد. وقال أقارب له تم الاتصال بهم هاتفيا في درعا إن جثته سلمت إلى أقاربه في وقت سابق أول أمس وبها علامات تعذيب واضحة. من جهة ثانية، أكد المرصد أن مدينة حمص وسط سوريا شهدت مساء أول تظاهرة حاشدة في شارع الملعب الرئيسي بعد صلاة التراويح شارك فيها أكثر من 15 ألف شخص رددوا هتافات تنتصر لحماة ودير الزور وتطالب بإسقاط النظام. واقتحمت دبابات قوات الرئيس السوري قرية عقرب التابعة لمدينة الحولة بمحافظة حمص. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان مساء أول أمس: «إن قوات الأمن قامت بإطلاق الرصاص بشكل مباشر على المتظاهرين». وذكر اتحاد تنسيقيات الثورة السوريَّة أن «عددًا من الدبابات اقتحمت قرية عقرب التابعة لمدينة الحولة بمحافظة حمص، وإن القوات الأمنيَّة تقوم بمداهمات للبيوت وباعتقالات عشوائيَّة». وفي محافظة إدلب بشمال غرب البلاد قرب تركيا، قال المرصد: إن دبابات وناقلات جند مدرعة اقتحمت بلدة معرة النعمان ورافقتها قوات أمنية بدأت تنفيذ حملة اعتقالات واسعة وأسفرت عن اعتقال العشرات حتى الآن. وأكد ناشطون وصول تعزيزات عسكريَّة وحافلات تقل من يسمون الشبيحة إلى داخل بلدة معرة النعمان. ونقلت وكالة «رويترز» عن سكان في المدينة أن آلافًا نزحوا من المنطقة بسبب قصف الجيش السوري. وفي حي الزمالكة وفي عربين قرب دمشق طوقت أجهزة الأمن التي منعت السيارات من المرور، وقال السكان: إن الاتصالات قطعت منذ الصباح في الزمالكة. وتشهد سوريا موجة احتجاجات منذ منتصف مارس أسفرت عن مقتل حوالى 2000 مدني واعتقال اكثر من 12 ألفا ونزوح الآلاف، وفق منظمات حقوق الإنسان.