قال محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، إن كل مشاريع الإصلاح لا بد لها من مرتكزات ثلاث من أجل تموضع صحيح ومن أجل تحقيق نهضة شاملة، وعددها في فعل دعوي تربوي وفعل مدني مجتمعي وفعل حزبي سياسي، وقال إن هذه المفاهيم لا يمكن فصلها عن بعضها البعض في سبيل تحقيق التغير وفق مشروع مجتمعي تجمعه التربية و الدعوة لترسيخ السلوك والعقيدة الصحيحة لتصاحبه بعد ذلك الأعمال السياسية و الحزبية لتثبيت عودها. وأكد الحمداوي أنه باجتثاث هذا العمل السياسي عن أصوله التربوية وبتناسي جانبه الأيديولوجي والفكري فلن يكون إلا نهايتا للمشروع الإصلاحي. وأضح الحمداوي في عرض له بالأكاديمية حول "حسن التموضع للمشروع المجتمعي" أن تكون لكل مشروع منطلقات ومبادئ واضحة وموثقة وكذلك على أهمية حسن التموضع من خلال عمق التحليل وموضوعية التفسير والدقة في التوقع حتى لا يتحول يقول المحاضر صاحب الرسالة فقط إلى وعاء يحتوي كل ما يفسره ويحلله الأخر أو رصاصة في مسدس الذي حدد هدفه و وجهته و موقعه الآخرون. كما نبه الحمداوي، خلال حواره مع الشباب، إلى عدة مطبات ينبغي تجنبها ومنها استنساخ التجارب و السياسة المزدوجة للتسارع والتباطؤ وخطر الازدواجية. كما على الفرد أن لا يعتقد أنه لا سبيل للتغير إلا في مسار واحد فيسقط في فخ الاستنساخ عند دراسته و انفتاحه على تجارب الآخرين الموفقة. و من جهة أخرى قال الحمداوي يجب تفادي الإدارات المزدوجة للتسارع و التباطؤ بقراءة الفرد لما في محيطه حتى لا تخرج طلقات مسدسه قبل الأوان ولا تتأخر عن الأوان. و بذلك سيستطيع الفرد المحافضة على أوراقه الاحتياطية للمعركة لكي لا يسقط في الهزيمة و لا يفوت فرصة النجاح. ثم الحذر من الوقوع في الازدواجية التي تمنع من تحقيق الانتصار الكامل حيت أنها تضعف المرء أمام الأخر عندما تجرده من موقف واضح يحول دون عمله داخل الصف بدون ارتباك. كما ذكر المهندس الحمداوي في نهاية عرضه بنموذجين تمثل فيهما حسن التموقع وأولها يقول الحمداوي تجربة تأسيس منظمة التجديد الطلابي بعد المراجعة التي أقدمت عليها في علاقاتها بالإتحاد الوطني لطلبة المغرب. وثاني هذه النماذج مشروع ترشيد التدين بنقل المجتمع الحركي من مرحلة الرد على الشبهات و التحصين و الالتزام العام إلى برامج ترسيخ و تعميق الإلتزام و بناء الحضارة. في إطار ذات الفعاليات الخاصة بالشطر الأول من فعاليات الأكاديمية الصيفية لأطر الغد أسس الأخ امحمد طلابي، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، في محاضرة له بعنوان "الديمقراطية و النهضة" (أسس) فيها للعلاقة القائمة بين هذين المفهومين، مستعرضا بداية مكونات الرسالة في إطار المشروع الإسلامي النهضوي، و التي تحتاج إلى ما أسماه بالفيلسوف الفقيه كدعامة أساسية لحمل و تنزيل المشروع. وركز طلابي على علم العمل الإسلامي كأساس و مكون رئيسي من مكونات الرسالة، "فلا نهضة مع الجهل بسنن التاريخ وإدراك هذه الأخيرة هو المفتاح لتسخيرها و توجيهها". كما صنف طلابي هذه السنن بين فرص و تهديدات. فرص تتجلى في ما أسماه بالهجرات الأربع : الهجرة نحو الله، و الهجرة نحو الحرية، و هجرة الحضارة من الغرب إلى الشرق و كذا الهجرة نحو الدولة العابرة للأقطار. في مقابل ذلك أكد طلابي على ضرورة التصدي إلى مجموع التهديدات التي تواجه نهضة الأمة الإسلامية والتي لخصها في أربع تحديات : الغزاة و الطغاة و الغلاة و الشتات. وأوضح أن سبيل تجاوز هذه التحديات متعلق بمدى قدرتنا على استثمار الفرص المتاحة والانتقال من الإيمان إلى العمران بالاستمرار في تحقيق الصحوة الدينية وترسيخ الصحوة الديمقراطية التي بدأت رياحها تهب على المنطقة العربية و التركيز على التكتلات والدول العابرة للأقطار و كذا تسريع عملية الانتقال من مرحلة اليقظة إلى مرحلة النهضة الشاملة. من جانبه عرف مصطفى الخلفي، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، التغيير السياسي باعتباره سيرورة من التحولات المتتالية والتي تتم على أربع مستويات، تبدأ بتغيير السياسات ثم تنتقل لتغيير القيادات والأشخاص، ثم تغيير البنيات الأساسية ثم تغيير الثقافة السياسية ويقصد بها "مجموع القيم و المعارف التي توجه السلوك السياسي". وأضاف الخلفي في محاضرة ألقاها تحت عنوان "التغيير السياسي في المغرب آمال و محاذير"، إن التحولات لا تتم فجأة و إنما هي سيرورة ذات طابع تراكمي من أجل الوصول إلى تغير جذري. وقال بأن المنطقة العربية في بداية التغيير السياسي و السيرورة لأننا لم نصل بعد إلى تغيير على المستويات الأربع آنفة الذكر، واعتبر أن تشكل نظام المثل الجديدة "أي ما ينبغي أن يكون" وتزامنه مع ظهور فئات شابة عاطلة بشهادات عالية وغير مشاركة في الاقتصاد. من نتائج اندلاع مسلسل التغيير السياسي مما أدى إلى تغيير و تحول البنية السياسية، وربط المسؤولية برضا الشعب و ربط تدبير المجال السياسي بالتعاقد بين الجميع. كما تطرق بعد ذلك المتحدث ذاته إلى الفاعلين في التغيير وعددهم في الشعب و المجتمع وأيضا في النخب التي تمثل الدعوة إلى الإصلاح و التي تحصل على مساندة الشعب عندما يضع يثق فيها، ثم القوى المضادة للإصلاح وهم المستفيدين من الوضع الراهن من أجل ضمان مصالحهم الشخصية بالإضافة إلى القوى التي تشكل صمام الأمان في المجتمع والممثلة مثلا في الجيش الذي يحرص بالأساس على استقرار الدولة وفي الحالة المغربية، تتمثل هذه القوى في الملكية و الحركة الإسلامية. وكذلك الغرب أو القوى الخارجية. كما تطرق الخلفي إلى شروط التغيير وذكر منها بناء الثقة، وهو عملية تبادلية من مظاهرها تسوية المناخ السياسي و الإفراج عن المعتقلين و تسوية الحزب السلطوي، بالإضافة إلى شروط مؤسساتية، تتلخص في ضرورة وجود مؤسسات ذات مصداقية. كما تطرق إلى المؤتراث التي تحكم هذا الإصلاح ومنها المناخ العربي الضاغط اليوم للإصلاح بالإضافة إلى أن البلد الذي لم يدخل بعد في مسلسل الإصلاحات يعتبر غير مستقر بالنسبة للمستثمرين الأجانب بالإضافة إلى التحول الإيجابي للمغرب في قضية الصحراء المغربية و الذي من مظاهره منح المغرب صفة شريك في الديمقراطية مع الاتحاد الأوروبي. من جهته قال الإعلامي حسن بويخف، إن التغيير سنة كونية تطال كل شيء في الوجود، الأفكار والأشياء والبشر، مضيفا أن هذه الحقيقة عبر عنها الفلاسفة والمفكرون والعلماء عبر التاريخ وعلى اختلاف مشاربهم الفكرية، وأوضح المحاضر أن الأدبيات الإسلامية عرف فيها القول الشهير"دوام الحال من المحال". وأكد بويخف أن القاعدة في مفهوم التغيير وتصوره تلخصها الآية الكريمة " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". فالآية، حسب نفس المحاضر، جعلت مبتدأ التغيير في فعل الإنسان ومنتهاه في حكم الله وقدره. وهو ما توضحه الآية الكريمة (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ). وأضاف بويخف في محاضرة بعنوان "سنن التغيير في النفس والمجتمع" أن مسؤولية الإنسان أن يكتشف سنن الفساد لمواجهتها بما تقتضيه طبيعتها، وسنن الرقي لاعتمادها وفق ما تقتضيه طبيعتها، مؤكدا أن تاريخ البشرية حافل بنماذج لا تحصى من الأعمال التي أحدثت التغيير سواء على مستوى النفوس أو على مستوى المجتمعات.