جاء الانتصار الديموقراطي التركي كرسالة ثقيلة للنخب المغربية المعنية بمستقبل الديموقراطية في بلادنا، والباحثة عن نموذج ناجح ورائد يؤكد أن المصالحة بين المرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة والنظام الديموقراطي الحديث هو المدخل لحداثة حقيقية تحقق التنمية والتقدم والاستقرار، وليس حداثة مشوهة ومغشوشة همها الأول والأخير استهداف القيم الدينية في المجتمع مثل ما نشهده باستمرار مع اللائكية الفرنسية المتطرفة. واجبنا اليوم هو أن نستثمر الفرصة التاريخية ونتقدم إلى بناء نموذج مغربي مواز ومتفاعل مع النموذج التركي الحالي كما حصل قبل قرون حيث كانت كل من الدولتين قطبين للعالم الإسلامي في علاقته مع العالم قبل هجمة الاستعمار في القرن التاسع عشر، أي أننا مطالبون بالتخلص من عقدة الاستنساخ التدريجي للنموذج الفرنسي كما تخلصت تركيا من وهم استنساخه بعد أن أضاعت ما يناهز الثمانين سنة في ذلك وانطلقت قبل حوالي 10 سنوات نحو تصحيحه، وحققت تقدمها بالدمج الإيجابي بين الهوية والديموقراطية لفائدة دولة مدنية حديثة غير متصادمة مع المرجعية الإسلامية وتسعى إلى تفكيك الإرث الأتاتوركي في شقه المتعلق بتهميش هذه المرجعية. للأسف، كانت المفاجأة ثقيلة في حالتنا المغربية، وكشفت فشلا ذريعا في تحقيق هذا الدمج، بل والسير في عكس حركة التاريخ وضدا على إرادة الشعوب، بتقديم مشروع حمل تناقضات صارخة في هذا المجال، وشوش على قوة المقترحات الديموقراطية الجيدة. هل سيتم استدراك أعطاب مشروع اللجنة الاستشارية قبل تقديم مسودة الدستور إلى الآلية السياسية ؟ أم سيترك لاجتماع الآلية السياسية أن يغرق في جدالات هامشية من أجل تصحيح التراجعات التي تمت ليس فقط على الدستور الحالي بل والخطاب الملكي ل9 مارس حول الهوية والمرجعية؟ الجواب واضح، وهي أن مصلحة البلاد وقوة مؤسساتها تقتضي أن يتم العمل بالخيار الأول، وأن لا يقدم مشروع خلافي يضرب أسس الشرعية الدينية للدولة وينتقص من المرجعية الإسلامية للمجتمع في الجمل الأولى من ديباجة الدستور والتي تحدد هوية المغرب وانتمائه الحضاري والجغرافي فضلا عن المقتضيات الأخرى التي تفرغ إسلامية الدولة من مدلوله العملي. لا نريد لبلدنا أن يسقط في هذه الثنائية المضللة أو الاستقطاب الوهمي بين الهوية والديموقراطية، واستدراج بلادنا لمسلسل الصدام الهوياتي، لأننا بكل بساطة نريد مغربا ديموقراطيا لا يتم شله بتوتر هوياتي يزرع في وثيقته الدستورية. والحل بسيط يرتكز على تحمل المسؤولية وإلغاء كل المواد المشوشة واعتماد الصيغ الموجودة في الدستور الحالي، وذلك كحد أدنى. ونعتقد أن من يرغب في نجاح مشروع المراجعة مطالب بتجاوز متاهات إغراق اللجنة في قضايا محسومة تاريخيا ومجتمعيا وتمكين اللجنة من مشروع يعكس إرادة بناء التوافق وإنجاح المسلسل السياسي الذي انطلق مع الخطاب الملكي 9 مارس، وذلك في الوقت الذي نحن مدعون للاستعداد لمقتضيات البناء الدستوري الجديد، والانخراط في مسلسل تعبئة وطنية لإرساء المؤسسات المنتخبة الجديدة ومواجهة معضلات تأهيل الكفاءات البشرية والبرامج السياسية المستوعبة لإمكانات الإطار الدستور الجديد .