قال سعد الدين العثماني، إن الممارسة السياسية في العالم العربي والإسلامي يجب أن تقوم على تكريس ''الحكم الرشيد في تدبير الشأن العام وبناء نظم ديمقراطية، تمكن من التداول السلمي على السلطة وتفتح المجال للتنافس الشفاف بين الأفكار داخل المجتمع''. وأضاف رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، في عرض عنونه ''الحركات الإسلامية والدولة المدنية'' قدمه أمام ندوة دولية بالعاصمة التونسية نهاية الأسبوع الماضي، إن مستقبل العمل السياسي الإسلامي يجب أن يستهدف تحقيق الحكامة والديمقراطية بدل التفكير في إقامة ما يسمى ب''الدولة الإسلامية''، مشيرا إلى ضرورة إعادة تعريف دور الحزب كأداة للعمل السياسي. وأوضح العثماني في الندوة التي ناقش فيها المتدخلون التحولات السياسية في العالم العربي وسقوط خطاب العنف والتي نظمها المنتدى العالمي للوسطية بشراكة مع منتدى الجاحظ أن الحزب السياسي المدني ''ذو المرجعية الإسلامية''، يجب أن يكون له برنامج سياسي مدني يعمل على تطبيقه وفق القواعد الديمقراطية، ويجيب عن الأسئلة المطروحة ''سياسيا وليس دينيا''، وأن يسعى إلى الإسهام في ''تدبير الشأن العام من قبل مواطنين مدنيين ذوي خبرة في الشأن العام وفق القواعد الديمقراطية''. ويرى العثماني في عرضه أنه يجب التمييز بين الشريعة والقانون، معتبرا أن الشريعة هي ''أحكام ملزمة دينيا، بينما القانون وضع بشري ملزم دنيويا، بحكم طبيعة الدولة التي تحتكر السلطة بتفويض من المجتمع''، مشيرا إلى أن المواطن المسلم يسعى إلى ''تحقيق الانسجام بينهما بالإقناع وبالوسائل الديمقراطية''. وأشار العثماني إلى أن سياق النقاش في الفكر الإسلامي المعاصر متأثر بتغول الدولة القطرية، وفق النموذج اليعقوبي الفرنسي أو النماذج القريبة منه مضيفا أن الممارسة السياسية اليوم تسير ومعها الفكر السياسي العالمي نحو قوة المجتمع في مقابل قوة الدولة وهو ما تكرسه العولمة. وفي تعريفه للدولة الدينية استنتج العثماني أنها واحد من ثلاثة أمور أولها كون الحاكمين يعبرون في قراراتهم عن إرادة إلهية مقدسة، أوهم معصومون، أو كون شرعيتهم تستند إلى حق ديني مقدس، لا إلى الاختيار الطوعي الحر للمواطنين والثالثة كونها منحازة دينيا، ولا تضمن حقوق مختلف أتباع الديانات من شعبها ولا تساوي بينهم في الحقوق. وبخصوص العلاقة الملتبسة بين الدين والدنيا اشار العثماني إلى أن العلماء والمفكرون والدعاة بذلوا جهودا حثيثة لإعادة شمولية الدين إلى العقل المسلم فبالغوا في التنظير للتماهي بين الدين والدنيا تنظيرات العلماء وحالنظارح المسلمين عبر التاريخ، ميزت بوضوح بين ما هو ديني، يتوجه فيه المسلم إلى الله بالعبادة، والأصل فيه التوقيف حتى يرد الإذن الشرعي، وما هو دنيوي والأصل فيه الإذن والإباحة حتى يرد فيه المنع الشرعي مستدلا بقول الصحابي الحباب بن المنذر في غزوة بدر: ''يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة''. فقال صلى الله عليه وسلم: ''بل هو الرأي والحرب والمكيدة''. فقال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، ثم اقترح عليه التقدم إلى ما وراء الماء فيشرب المسلمون ولا يشرب أعداؤهم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ''لقد أشرت بالرأي''. وفي توضيحه لثمار التمييز بين الديني والسياسي قال الباحث في الفكر الإسلامي إن هذا التمييز ينبني على أساس مشروعية السلطة وآليات ممارستها وبين مرجعية النظام القانوني للدولة وهذا الأمر حسبه مطروح لقضايا سياسية المرجع فيها رضى المواطنين، كما أنه نتيجة عن ممارسة تلك المقتضيات السياسية لكون القوانين تستند إلى المرجعية الإسلامية، لا يمنع من تحولها بفعل الآلية الديمقراطية إلى قوانين مدنية. وخلص إلى القول إن الفكر السياسي وكذا الممارسة السياسية يتجهان اليوم عالميا، نحو تكريس ''قوة المجتمع في مقابل قوة الدولة (..) ، التي يقوم فيها النظام السياسي على الإرادة الحرة للمواطنين، والتي ترتبط فيها المسؤولية بالمحاسبة''. وعلى هامش مشاركته في هذه الندوة إلى جانب نخبة من المفكرين والباحثين من عدة بلدان عربية وإسلامية، أجرى المسؤول الحزبي المغربي، سلسلة لقاءات مع عدد الأحزاب السياسية التونسية تناولت ''مستقبل العمل السياسي بتونس وإمكانية التعاون بين الأحزاب السياسية المغربية والتونسية''، حسب ما صرح به لوكالة المغرب العربي للأنباء.