اقترح مجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون الخليجي سابقا) على المغرب العضوية في هذا الفضاء الاندماجي، وهو أمر يثير الكثير من التساؤلات ذات الطابع السياسي لكنه في منطقه الصرف يغلب عليه الجانب الاقتصادي. فهل يلبي طموح المغرب ودول المجلس في هذا المستوى؟ المغرب والإطار الثنائي لتحرير التجارة العربية أطرت العلاقات الثنائية التجارية بين الدول العربية أساسا الاتفاقيات ذات الطابع التجاري العام، لكن نظرا لعدم مسايرتها للتحولات السريعة برزت اتفاقيات التبادل الحر الثنائية. إن تحرير التجارة فيما بين الدول العربية بهدف زيادة حجمها لا يتحقق فقط من خلال تخفيض أو إزالة الرسوم والضرائب الجمركية، على الرغم من أنه يمثل أحد العناصر التي تدعم هذا الاتجاه ويمكن السلع العربية من منافسة السلع الأجنبية المماثلة في أسواق الدول العربية، إلا أن ذلك وحده ليس كافيا لتسهيل حركة التبادل التجاري العربي البيني، وإنما يتطلب كذلك اتخاذ العديد من الإجراءات لتذليل العقبات التي تحول دون انسياب ودخول السلع العربية إلى أسواق الدول العربية من أجل الارتقاء بمعدلات التبادل التجاري فيما بينها إلى مستويات أعلى مما هي عليه الآن ولعل الاتجاه في استنباط أفضل الصيغ وأقربها إلى القبول لتفعيل العمل العربي المشترك، ممثلة في عقد اتفاقيات ثنائية لتحرير التجارة العربية إحدى هذه الإجراءات وهذا الاتجاه يمثل إحدى الخطوات المهمة المؤدية إلى الإسراع في تنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية، بل يرى فيه أغلب القادة العرب الطريقة العملية والواقعية لقيام السوق العربية المشتركة. تنص اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية على اعتبار ''المبادئ المتفق عليها حدا أدنى للتعاون التجاري بين الدول الأطراف، ولكل دولة طرف حق منح امتيازات وأفضليات أكثر لأية دولة عربية أخرى، وذلك من خلال اتفاقات تعقدها سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف'' (المادة 06) . ومن جهة أخرى ينص البرنامج التنفيذي بدوره على جواز اتفاق دولتين عربيتين أو أكثر من أطراف الاتفاقية على تبادل أفضليات تسبق الجدول الزمني للبرنامج. لكن الملاحظ أن بعض الاتفاقيات تخالف أو تعطل العمل ببعض بأحكام الاتفاقية أو البرنامج التنفيذي، ويتضح ذلك أساس في جانبين: - الفترة الزمنية: تنص بنود بعض الاتفاقيات الثنائية للتبادل الحر على فترة زمنية لتحرير التجارة تفوق المدة المحدودة في البرنامج التنفيذي وهي عشر سنوات، كما هو الحال في الاتفاق المغربي الأردني والاتفاق المغربي المصري اللذان ينصان على 12 سنة تبتدئ من .1998 - استثناء بعض السلع: وهو ما يعرف بالقوائم السلبية حيث تفرض قيود تفوق تلك التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وقع المغرب اتفاقيات للتبادل الحر مع كل من مصر بتاريخ 27 ماي 1998 دخلت حيز التنفيذ في 29 أبريل ,1999 ومع الأردن بتاريخ 16 يونيو 1998 دخلت حيز التنفيذ في 21 أكتوبر ,1999 ومع تونس في 16 مارس 1999 دخلت حيز التنفيذ بمجرد التوقيع عليها. مع ملاحظة التشابه التام بين الاتفاقين الأولين يمكن القول أن مجمل الترتيبات التي نصت عليها هذه الاتفاقية تنحصر فيما يلي: بالنسبة للإعفاءات الجمركية وغير الجمركية: - الإعفاء الفوري من الرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل على قائمة موحدة من المنتجات مباشرة بعد دخول الاتفاقيات حيز التنفيذ (المادة (2) فقرة (أ) مع تونس، والمادة (2) الفقرة (1) مع الأردن. - خضوع قوائم أخرى للتفكيك التدريجي للرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل حسب جدول زمني. التدابير الوقائية والمراجعة والمتابعة وحل النزاعات: تقضي الاتفاقيات بإمكانية اللجوء إلى اتخاذ التدابير الوقائية في حالة دعم أو إغراق في واردات أحدهما أو صعوبات في ميزان الأداءات، أو ما يهدد بحدوث ذلك وفقا لمقتضيات اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات الأخرى الملحقة بها. تميز الحجم الإجمالي لمبادلات بين الدول العربية بعدم الاستقرار، حيث ظلت نسبة التجارة العربية البينية قاصرة عن تحقيق أي زيادة مأمولة. نتيجة لهذا التذبذب تراوحت نسبة المبادلات التجارية مع هذه الدول بين 12% من الحجم الإجمالي لتجارة المغرب الخارجية و5,7%،وهي نتيجة ضعيفة بالمقارنة مع حجم الآمال المعلقة على هذا المسار. في نموذج آخر تظهر بعض الآثار المضللة لاتفاقيات تحرير التجارة بين الدول العربية ويتمثل ذلك في النموذج المصري، فالملاحظ أنه، رغم زيادة حجم التجارة البينية، إلا أنه بالرجوع إلى نوعية المنتجات المتبادلة نجدها ترتبط بالصناعات البترولية. وهو أمر يشوه مفهوم تحرير التجارة القائم أصلا على فرضية تنويع المبادلات. خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة