الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    جوائز الكاف: المغرب حاضر بقوة في الترشيحات لفئات السيدات        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض        حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإتحاد الجمركي العربي وأهداف ومستقبل التعاون التجاري العربي
نشر في أسيف يوم 26 - 12 - 2007

في الأول من دجنبر سنة 2005 قامت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والتي بلغ عدد أعضائها حتى اليوم 17 بلدا عربيا. وقد انضمت الجزائر الى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين البلدان العربية ومن ثم ستصبح البلد ال18 كما تتمتع السودان واليمن بالمزايا التي تعطي للبلدان العربية الأقل نموا بالمنطقة الحرة. وبالنسبة لتحرير تجارة الخدمات فقد عقدت بعض جولات من المفاوضات الثنائية وشاركت فيها بعض البلدان العربية وتجري الآن مفاوضات ثنائية وجماعية لتقديم التزامات بالتحرير. والمنتجات الزراعية لها إطار منفصل وفقا للبرنامج التنفيذي في حين هناك بعض الإستثناءات الضمنية في بعض المنتجات الصناعية.
والآن ونحن على أعتاب التحرير الواسع لتجارة الخدمات خلال سنة 2008 ثم مرحلة الإتحاد الجمركي التي وصلتها بلدان مجلس التعاون الخليجي، سيتم توحيد الرسوم الجمركية تجاه العالم الخارجي ووضع حدين أعلى للتعريفة الجمركية للبلدان الأعضاء في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. فماذا عن أهداف ومستقبل التعاون التجاري العربي؟.1- الأوضاع الحالية:إنّ الحجم الإقتصادي للمنطقة العربية محدود ويمثل مجموع الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية أقل قليلا من مجموع الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا، ويوجد بلد عربي واحد وهو مصر أكثر من 72 مليون نسمة، أما باقي أسواق البلدان العربية باستثناء المملكة العربية السعودية فهي محدودة. وتداعيات صغر الكثير من أسواق البلدان العربية يؤثر على تكاليف التي تتحملها التجارة والإستثمار نتيجة اختلاف القوانين بين البلدان العربية وتعتبر أعلى بكثير من تلك التي يتحملها الإتحاد الأوروبي، وكذلك يعتبر الحجم المحدود لأسواق البلدان العربية عاملا حاسما في تفسير تواضع الجهود التي تمت في الفترة الماضية.وهناك خصائص عديدة للبلدان العربية تمثل جوانب سلبية في جهود الإندماج العربي، فأسواق البلدان العربية ومنتجاتها وهياكلها الإقتصادية متشابهة وتنافس مع بعضها في نفس أسواق التصدير.وإجمالا تشير البيانات إلى أن المنطقة العربية مجزأة إلى اقتصادات صغيرة نسبيا تشكل معا كتلة متوسطة الحجم تتنافس على أسواق بعينها مما يحد من حوافز التجارة. وليس من المحتمل أن تتغلب البلدان العربية على الإختلافات الواسعة في الدخل التي تترتب عليها بعض الآثار السلبية في مجالي التجارة والإستثمار.وعلى الجانب الآخر شهد العقد الماضي قدرا يعتد به من الإصلاحات في اتجاه تحرير التجارة على مستوى البلد القطري منفرد بجانب بعض جهود إقليمية وجهود متعددة الأطراف. فهناك 18 بلدا عربيا له عضوية كاملة في منظمة التجارة العالمية أو في سبيله للإنضمام إليها، من بينها سبعة بلدان عربية موقعة على اتفاقات مشاركة مع الإتحاد الأوروبي من بينها تونس أولى هذه البلدان. كما أن هناك بعض بلدان عربية وقعت اتفاقات مناطق حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبعضا آخر في طريقه للتوقيع، وذلك بجانب بعض الإتفاقات الثنائية العربية، فما هو أثر هذا التداخل على حركة التجارة العربية مستقبلا؟.أ- التداخل بين المحلي والإقليمي والدولي:فهل هذا التداخل بين المحلي والإقليمي والدولي سيسفر عن تقوية الدوافع للتكامل العربي وتمكينها من الاستفادة من تراكم قواعد المنشأ فضلا عن التغلب على ظاهرة المركز والأطراف؟ كما اشتملت عمليات الإصلاح على أدوار جديدة للحكومات والقطاع الخاص على حد سواء. ومن المتوقع أن تساهم زيادة مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الإقتصادية في توسيع النطاق الاقليمي من جانب آخر.وفضلا عما سبق فقد أسفرت التغيرات الحديثة في بعض البلدان العربية عن توقعات إيجابية بشأن الإسراع بعملية الإصلاح الإقتصادية والسياسية، ومع ذلك يظل هناك الكثير مما ينبغي عمله من أجل تحقيق الإندماج الإقتصادي العربي خاصة وأن هناك اليوم قنوات متعددة للتعاون الإقليمي، وهو ما يمثل أحد القواعد الأساسية التي تحكم الإطار الدولي الراهن للعلاقات الدولية.ومن ثم فإنّ التكامل الإقليمي أصبح اختيارا حتميا باعتباره وسيلة لعملية طويلة الأجل تتطلب عملا فوريا ومستمرا.ب- اتفاق أكادير:في شهر ماي سنة 2001 تم إطلاق مبادرة بين البلدان العربية المتوسطية التي تمثل جزءا من الإتفاقيات المشاركة الأورومتوسطية لإنشاء منطقة تجارة حرة ،فقد وقعت كل من مصر وتونس والمغرب والأردن على هذا الإتفاق ومن المتوقع أن تنضم إليها لبنان وسوريا والجزائر وسمي باتفاق أكادير وتغطي الإتفاقية المنتجات الصناعية، وكان من المفترض أن يبدأ تنفيذها في سنة 2003 بخفض التعريفة الجمركية بنسبة 60 بالمائة ثم الى80 بالمائة في دجنبر 2004 ،90 بالمائة،لتصل هذه التخفيضات في دجنبر 2005 إلى90 بالمائة،و100 بالمائة في دجنبر 2006،لكن الإتفاق لا يغطي التجارة في الخدمات. أما بالنسبة لقواعد المنشأ فقد اتفق على تبني القواعد الأوروبية حتى يتم الإستفادة من مبدأ تراكم القيمة المضاعفة ثنائيا أو قطريا بين أعضاء الإتفاقية وذلك بغية دخول منتجات البلدان الأعضاء إلى الإتحاد الأوروبي دون رسوم جمركية.وعلى الرغم من أننا الآن في نهاية سنة 2007 وبداية سنة 2008 إلا أن اتفاق أكادير لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن. ولكن يشفع لهذا الأمر أن اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية قد تجاوزته عمليا بمعنى أنه تم إلغاء التعريفة الجمركية بين أعضاء اتفاق أكادير تحت مظلة إلغاء الرسوم الجمركية بين البلدان العربية في إطار منطقة التجارة الحرة العربية.ويجب أن نلاحظ أنه من المتوقع في هذا الإطار أن تخسر الصناعات التي تتمتع بنسب مرتفعة من الحماية (أكثر من 25 بالمائة) ولا تتمكن من التصدير، وهذا ما تعالجه الإتفاقات الإقليمية الأورومتوسطية وفقا لبرامج تحديث الصناعة التي يمولها الإتحاد الأوروبي بجانب بند المساعدات والمنح المقدمة للبلدان الموقعة على اتفاقيات للمشاركة في الإتحاد الأوروبي وقروض بنك الإستثمار الأوروبي.ت- إصلاحات اقتصادية مطلوبة:ومن جهة أخرى لا بد من معالجة الآثار المالية السيئة الناجمة عن تقليص الرسوم الجمركية، اذ تعتمد البلدان العربية غير الخليجية على هذه الرسوم في إيراداتها العامة وتمويل نفقاتها، فعلى الرغم من الإصلاحات الإقتصادية الهادفة الى تحرير التجارة الخارجية لا تزال حصيلة الرسوم الجمركية تشكل مصدرا أساسيا من مصادر المداخيل العامة في المغرب ومصر والأردن وتونس. ولما كانت ميزانيات هذه البلدان تعاني من عجز مزمن فإنّ أي تقليص لهذه الرسوم يقود إلى ارتفاع العجز المالي مما يستوجب تغطيته بالقروض الداخلية والخارجية فتتراكم الديون أو بالصادرات النقدية فترتفع الأسعار أو بهذين الأسلوبين معا.ويتعين عدم المبالغة في حجم هذه الآثار السيئة نظرا لضعف المبادلات البينية، لكن خطر تفاقم العجز قائم بسبب التحرير التجاري، وتختلف درجة الخطر حسب أهمية الواردات البينية، فكلما ارتفعت حصة هذه الأخيرة هبطت الحصيلة الضربية وعلى هذا الأساس فإنّ تحسين العلاقات الإقتصادية العربية يجب أن يعوض الخسارة المالية عن طريق رفع مستويات الإستثمارات والمبادلات البينية.وتلعب السياسة النقدية دورا كبيرا في الأنشطة الإقتصادية لاسيما التجارة الخارجية والعمليات الجارية الأخرى، فكلما تحررت العملة نمت التجارة الخارجية والعكس بالعكس. وهذه العلاقة من أهم وأخطر العلاقات التي تواجه السياسات الإقتصادية. ويرتكز تحرير العملة على ثلاثة مبادئ أقرتها المادة الثامنة من اتفاقية صندوق النقد الدولي: أولها تجنب فرض القيود على مدفوعات المعاملات الجارية لأن هذه القيود تجعل العملة غير قابلة للتحويل وتعرقل بالتالي اندماج البلد في الإقتصاد العالمي، كما تجعل القطاع الخاص تحت رحمة التدخل الحكومي، ناهيك عن أن رؤوس الأموال الأجنبية التي تحتاجها البلدان العربية تعتبر العملة غير القابلة للتحويل عائقا أمام الإستثمار. ويتضمن المبدأ الثاني عدم اتباع نظام تعدد أسعار الصرف، اذ أن توحيد سعر الصرف يزيد الثقة بالعملة ويقضي على فوضى التعدد ويقلص تدخل الدولة في المبادلات التجارية وفي الحياة الإقتصادية والإجتماعية اليومية. أما المبدأ الثالث فيتمثل في تحرير العمليات الرأسمالية من جميع القيود وفي مقدمتها عدم المقدرة على استبدال عملة أخرى بالعملة المحلية. ويمكن اعتبار بلدان مجلس التعاون الخليجي ولبنان والأردن البلدان الوحيدة في العالم العربي التي لا تفرض أي قيد من القيود المذكورة أعلاه.ولا يمكن تنمية التجارة العربية البيئية إلا إذا تمت معالجة مشكلة ضعف هياكل الإنتاج. فمن ناحية ينتج العالم العربي موادا لا يحتاجها بكاملها في أسواقه المحلية. وأوضح مثال على ذلك النفط حيث لا يزيد الإستهلاك على 17 بالمائة من الإنتاج. ويحتاج العالم العربي لأنواع عديدة من السلع لا تنتجها أجهزته بصورة كافية على المستويين الكمي والنوعي. ففي الميدان الزراعي تبلغ قيمة الفجوة أكثر من 19 مليار دولار سنويا وتنصب على منتجات لا تقبل الإستغناء أو الإستعاضة كالحبوب. أما المواد المصنعة فهي تستحوذ على 67 بالمائة من مجموع الواردات العربية وهي تقريبا النسبة نفسها التي تحتلها المنتجات الطاقية في الصادرات. ولما كانت المواد المصنعة تنتج في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض البلدان الآسيوية، ولما كانت هذه المجموعات أكبر سوق لتصريف المنتجات الطاقية فإنّ الجزء الأكبر من التجارة العربية يجري معها وبالتالي تنتفي الحاجة إلى المبادلات البينية فتصبح ضعيفة. وعلى هذا الأساس يلعب تحرير التجارة دورا ثانويا قياسيا بدرجة مرونة هياكل الإنتاج. فإن استمر وضع الإنتاج العربي على هذا النحو فلن تؤثر المنطقة الحرة في التجارة البينية تأثيرا يستحق الذكر. لذا فإنّه ينبغي العمل على تنويع القاعدة الإنتاجية وتحسين كميات الإنتاج ورفع الكفاءة النوعية للمنتجات. وما يثبت صحة هذا التحليل النتائج الإيجابية التي حصلت عليها مجموعة المركوسور، حيث ارتفعت حصة التجارة البينية لبلدان أمريكا اللاتينية لأنها صناعية وزراعية في آن واحد ولأن الجزء الأكبر من تجارتها ينصب على سلع تنتج محليا. وينطبق هذا التحليل على مجموعة آسيان. وفي الحالتين أسهمت منطقة التبادل الحر دون أن تكون العامل الوحيد في تنمية التجارة البينية.وأصبح من الضروري التنسيق بين البلدان العربية بشأن التخصص في الإنتاج حسب الأحوال الإقتصادية لكل دولة إذ إن وجود منطقة حرة مع إنتاج سلع قليلة ومتشابهة في عدة دول عربية يقود إلى منافسة حادة دون الحصول على نتائج إيجابية. لا شك في أن المنافسة ضرورية للمنتجين والمستهلكين على حد سواء ولكن الإندماج التجاري العربي وهو الهدف من المنطقة الحرة لا يتحقق إلا عبر التخصص المنظم الذي يكفل تحسين المقدرة الإنتاجية. هذا الأسلوب يشجع الإستثمارات العربية البينية ويوفر المناخ المناسب للإستثمارات الأجنبية ويطور القدرة التنافسية للسلع العربية المصدرة إلى خارج المنطقة، كما يسمح بالإستخدام الأمثل للعمالة والأطر العلمية الفنية. عندئذ تنمو الصناعة والزراعة وتزدهر الحياة الإقتصادية والإجتماعية.2- الأوضاع المرتقبةأ- تجارة الخدمات:نظرا الى أن الخدمات تعتبر مدخلا رئيسيا في العملية الإنتاجية وكذلك أنشطة التوزيع والبيع، فإنّ تحرير الخدمات يمكن أن يولد مكاسب مهمة بفضل تكاليف إنتاج أكثر انخفاضا بالنسبة لقطاعي الصناعات التحويلية والزراعة. وينبغي أن تعمل التخفيضات في تلك التكاليف على تسهيل تحرير التجارة عن طريق تعزيز القدرة التنافسية للصناعة والزراعة. وبالإضافة الى ذلك فإنّ إصلاحات قطاع الخدمات ستزيد الإستثمارات في الصناعات المحررة، ومن شأن ذلك أن يولد فرصا لتوظف للعمال المهرة وغير المهرة الذين تستخدمهم الحكومة أو الصناعات المنافسة للواردات، أو العمال العاطلين عن العمل. وفي حين أن تفكيك القيود التنظيمية على الدخول الى الأسواق سيفسر حتما عن إعادة هيكلة للصناعة المحلية، فإنّ التداعيات بعيدة الأثر لإصلاح قطاع الخدمات بالنسبة لحجم أعمال القطاعات والعمالة الكلية أقل منها بالنسبة لإلغاء الحواجز التجارية لأن الخدمات كثيرا ما تنزع الى أن تستهلك حيث تنتج.ويمكن التغلب على المعوقات السياسية لتحرير التجارة اذا ما استهدفت الإصلاحات قطاع الخدمات ويمكن لمثل هذه الإصلاحات أن تخفض ما يتصل بالتجارة من تكاليف النقل والإمداد والتموين والمعاملات، وأن تقلل تكلفة المدخلات الرئيسية مثل التمويل والإتصالات السلكية واللاسلكية والتسويق والتوزيع والخدمات الشبيهة، وأن تزيد تنوعها. كما أن الإصلاحات المحابية للمنافسة التي تسهل دخول الشركات الجديدة، تعمل على توليد فرص التوظف للعمال المهرة وغير المهرة الذين تستخدمهم الحكومة أو الجهات المصنعة للسلع المنافسة للواردات في الوقت الراهن، أو العاطلين منهم عن العمل. وفي حقيقة الأمر فإنّ أحد الشروط السياسية المسبقة لتقليل حجم القطاع العام أن تبرز مثل هذه الفرص البديلة للتشغيل. فيتعين معالجة مخاوف فقد الوظائف أولا من خلال إنشاء شبكات
أمان ومساعدات تصحيحية انتقالية إلا أن الأهم أكثر من غيره أن تخلق فرص التشغيل في أماكن أخرى في الإقتصاد الاقليمي في أعقاب الإصلاح. ومن الفوائد الرئيسية لإستراتيجية متظافرة صوب إصلاح قطاع الخدمات أو الصناعات المنتجة للسلع ولا شك أن ذلك سيساهم في حل مشكلة البطالة في البلدان العربية، باعتبارها قضية أمن قومي حيث تحتاج هذه البلدان الى خلق 100 مليون فرصة عمل في الفترة المقبلة وهي مشكلة يعجز عن حلها كل بلد عربي منفرد.ومن القضايا الجوهرية ذلك المبرر المنطقي للسعي إلى تحرير الخدمات والتجارة والإستثمار في سياق إقليمي فيمكن السعي إلى الكثير مما تظهر الحاجة إليه من خلال إجراءات أحادية الجانب.والسؤال الرئيسي هنا هو هل من الممكن بجهد عربي قائم على الإندماج يبذل لتحرير الخدمات أن يساعد في التغلب على المعوقات السياسية والإقتصادية الوطنية للإصلاح؟ وكيف يتحقق ذلك؟.لا بد لأي نهج إقليمي ازاء إصلاحات قطاع الخدمات أن يعترف بحقيقة أن الكثير من البلدان العربية وقعت اتفاقات مع الجماعات الأوروبية وأن الكثير منها أيضا دخل في مفاوضات بشأن التجارة في السلع والخدمات في منطقة التجارة العالمية. وتتضمن جميع الإتفاقات الأوروبية المتوسطة أحكاما تدعو الى وضع ضوابط تنظيمية للإستثمار والتجارة في الخدمات. كما أنها تحتوي على العديد من الأحكام التي تطالب الجماعة الأوروبية بالتعاون على توفير المساعدة الفنية والمالية في المجالات التنظيمية المتصلة بالتجارة. ويمكن أخذ هذه الإتفاقات في الإعتبار بل وينبغي أخذها عند تصميم أي استراتيجية اندماج عربية.وفي الحقيقة فإنّه في حين انصب الإختيار السياسي والتركيز على خيارات التعاون العربي، فإنّه يمكن مواصلة تنفيذ استراتيجية مماثلة في سياق الإتفاقات المبرمة مع اقتصادات الدخل المرتفع الرئيسية مثل الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، فمن الممكن أن تقضي اتفاقات الإندماج العميق مع هؤلاء الشركاء الى فوائد أكبر من خلال آثار المصداقية المعززة وتحويلات المساعدات المالية والفنية التي يحتمل أن تكون مرتبطة بها.ب- الإطار الإقليمي الإقتصادي المطلوب:وهناك تسلسل لا بد أن تتبعه التكتلات الإقتصادية المزمع إنشاؤها تماما كما حصل في أوروبا. فالمرحلة الأولى هي إنشاء منطقة التجارة الحرة حيث تتفق البلدان الأعضاء على إلغاء العوائق الجمركية في ما بينها خلال فترة زمنية محددة، لكن يحتفظ كل بلد بالحرية الكاملة بالنسبة للتبادل التجاري مع البلدان التي ليست أعضاء في الإتفاقية.والمرحلة الثانية هي قيام إتحاد جمركي، وهو عبارة عن اتفاق الغرض منه إزالة الحصص والتعريفات الجمركية كافة على تبادل السلع والخدمات بين البلدان الأعضاء في هذا الإتحاد، واتباع سياسة جمركية موحدة بالنسبة للبلدان من خارج الإتحاد، وهو ما اتفقت عليه بلدان مجلس التعاون الخليجي، من أنه اعتبارا من سنة 2005 سيكون هناك هيكل جمركي موحد لكافة الواردات من خارج المجلس يراوح بين 5.5 بالمائة و7.5 بالمائة.والمرحلة الثالثة هي السوق المشتركة، وهنا إضافة إلى حرية إنسياب السلع والخدمات بين البلدان الأعضاء في السوق يسمح أيضا بحرية التنقل لعوامل الإنتاج من رأس المال والأيدي العاملة والتقنية وغيرها.والمرحلة الأخيرة هي الوحدة الإقتصادية وهي التي توصلت إليها البلدان الأوروبية حيث يكون هناك تكامل اقتصادي يشمل توحيد نهج السياسات المالية والنقدية بين الدول الأعضاء، وإنشاء مصرف مركزي موحد وقيام عملة موحدة وتوحيد الأنظمة والتشريعات الخاصة بالعلاقات والتبادل التجاري. وتم إقرار إتفاقية التجارة الحرة العربية في نوفمبر 1997 وبوشر تنفيذها ابتداء من سنة 1998 بحيث يتم خفض تدريجي للتعريفة الجمركية على السلع المتبادلة بين البلدان الأعضاء بنسبة 10 في المائة سنويا على أن تلغى الرسوم الجمركية كافة مع نهاية سنة 2007. غير أن 17 بلدا عربيا فقط وقع على هذه الإتفاقية، كما أن العديد من البلدان الأعضاء أخذت في المرحلة الأولى تطلب استثناءات لسلعها من شروط منطقة التجارة الحرة العربية، بحيث أصبح استثناء السلع هو القاعدة وتحرير التجارة البينية هو الإستثناء ولكن الأمر تحسن الآن بالغاء هذه الإستثناءات صراحة.ولا يزال هناك العديد من الإجراءات الحمائية غير الجمركية مثل رخص الإستيراد والتي تطلق عليها مسميات أخرى مثل استمارة أو شهادة المنشأ. وهناك أيضا رسوم الترخيص للإستراد وإغلاق الحدود أمام تدفقات السلع من دون سابق إنذار وهي أمور يتم معالجتها في إطار المجلس الإقتصادي والإجتماعي بحيث تتحول هذه الرسوم الى رسوم جمركية للخفض التدريجي.ت- نحو اتحاد جمركي عربي:لا تتعارض بنود اتفاقية منظمة التجارة العالمية مع تشكيل التكتلات الإقتصادية، كما أنها قد تتعارض مع اتفاقيات التبادل التجاري كمنطقة التجارة الحرة العربية وفقا لنص المادة (24) من الإتفاقية. ومع دخول معظم البلدان العربية إلى منظمة التجارة العالمية، ستجد هذه البلدان أن إزالة الرسوم الجمركية فيما بينها وفرضها على البلدان الأخرى الأعضاء في منظمة التجارة الدولية يتعارض مع مبدأ معاملة كل البلدان الأعضاء في المنظمة معاملة متساوية من دون أن تكون هناك أي تفرقة بين عضو وآخر.. ومن هنا نجد ضرورة الإنتقال السريع من إتفاقية التجارة الحرة إلى المرحلة الثانية من التعاون الإقليمي، وهي إنشاء إتحاد جمركي بين البلدان العربية كخطوة ضرورية لا تتعارض مع شروط منظمة التجارة العالمية. كما أن وجود مثل هذا التجمع الإقليمي والتحول نحو سوق عربية مشتركة لاحقا، سيشجع على قيام صناعات تعمد على التصدير إلى السوق الإقليمية مستفيدة من اقتصاديات الحجم بدلا من السوق المحلية الصغيرة كما أن هذه الصناعات قد تستطيع الحصول على الدعم ما دامت تصدر فقط الى أسواق التكتل الإقتصادي الموحد. كذلك سيشجع الإستثمار الأجنبي للدخول في التكتل الإقتصادي الأوسع سوقا، وستصبح المفاوضات مع التكتلات الاقتصادية الأخرى أسهل.ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى رغم أهميتها لا تمنح في حد ذاتها باعتبارها مرحلة أي ثقل دولي للعالم العربي، لأنها تعبر فقط عن رغبة أعضائها في زيادة التبادل البيني، في حين يعكس الإتحاد الجمركي إرادة أعضائها في مواجهة المبادلات الخارجية بموقف موحد. ويلاحظ أن منظمة التجارة العالمية لا تقبل عضوية التكتلات إلا اذا كانت تعبر عن سياسات إقتصادية ومالية موحدة فعلى الرغم من ظهور عدد كبير من التكتلات الإقتصادية في العالم ترقى إلى مستوى الأسواق المشتركة لم تقبل المنظمة سوى الإتحاد الأوروبي الذي يمثل 27 بلدا. وعلى هذا الأساس لن تتم الموافقة على عضوية الإتحاد الجمركي العربي في حالة قيامه نظرا للإختلاف الكبير بين السياسات الإقتصادية والمالية للأقطار العربية. ومن ثم فإنّ الإتحاد الجمركي العربي يجب أن يقترن بسياسات إقتصادية ومالية ونقدية موحدة وبأهداف مستقبلية واضحة مثل تلك التي ارتضتها بلدان الإتحاد الأوروبي عند موافقتها على قيام السوق الموحدة في أوائل التسعينات.ويستمد الإتحاد الجمركي مصداقيته من منطقة التبادل الحر، فكلما كانت درجة تنفيذ الإلتزامات في إطار المنطقة عالية يصبح الإتحاد متينا، وكلما اتسعت أصناف التجارة في المنطقة يصبح الإتحاد فعالا، وعلى الصعيد العملي لا تزال القيود الكمية تعرقل تنمية المبادلات العربية البينية، كما يقتصر البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى على المبادلات السلعية. لا شك في أن تجارة الخدمات ضعيفة مقارنة بتجارة السلع لكن هذا الضعف لا يفسر عدم سريان التحرير التجاري على الخدمات. وهناك عوامل إقتصادية وسياسية تحول دون ذلك فمن السهل إلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على الملابس الجاهزة والمواد الغذائية، ولكن من الصعب تقليص القيود الكمية على الإتصالات والعمليات المصرفية ويلاحظ أن تقييد تجارة الخدمات لا يقتصر على المبادلات البينية بل يشمل أيضا المبادلات الخارجية، إذ لم تلتزم غالبية البلدان العربية الأعضاء في منطقة التجارة العالمية بالإتفاق المتعدد الأطراف الخاص بالخدمات إلا في بعض المجالات كالسياحة والإتصالات والخدمات المالية. وكما هو الحال في منطقة التجارة الحرة يتعين أن يسهل الإتحاد الجمركي المبادلات التجارية بين البلدان الأعضاء وألا يقود إلى وضع عراقيل أمام تجارة البلدان غير الأعضاء. ولكن على خلاف منطقة التجارة الحرة يستوجب الإتحاد الإتفاق على جدول جمركي موحد يسري على سلع البلدان غير الأعضاء. ترى كيف يمكن التوصل إلى هذا الجدول الموحد بحيث لا يتضرر الغير؟ في أغلب الأحيان يصعب التوفيق بين هذين الأمرين نظرا للإختلاف الكبير في الأسعار الجمركية العربية، فالأسعار المفروضة على إستيراد السلع تتراوح بين10 و50 بالمائة وتصل أحيانا الى أكثر من ذلك وتوحيد الجداول (لكل سلعة سعر خاص موحد) يفترض بالضرورة الإعتماد على الجداول الوطنية السائدة قبل تأسيس الإتحاد ثم تتولى لجنة متخصصة تحديد متوسط الأسعار، والمتوسط هو الجدول الموحد، وينجم هذا التحديد عن دراسات إقتصادية ومالية معمقة وعن التوفيق بين المصالح المتعارضة.ولكن في جميع الحالات تقريبا يفضي الجدول الموحد إلى تقليص الرسوم الجمركية للبلدان التي كانت تطبق رسوما منخفضة. في الحالة الأولى لا توجد مشكلة على صعيد تنظيم المبادلات العالمية الذي يسعى إلى تخفيف الرسوم الجمركية وإلى إلغائها، وترتبط المشكلة فقط بمالية البلد المعني ومدى استعداده للتنازل عن بعض إيراداته العامة لصالح الإتحاد. أما الحالة الثانية فتثير بعض المشاكل إن كان البلد الذي رفع رسومه الجمركية منتمي إلى منظمة التجارة العالمية، لأنه التزم بموجب الإتفاقات المتعددة الأطراف بوضع حد أعلى لرسومه الجمركية لا يجوز تجاوزه إلا في نطاق سياسة مكافحة الإغراق أو التدابير الوقائية وتحت شروط محددة. وبطبيعة الحال لا علاقة للإنضمام الى الإتحاد الجمركي بهذه السياسة والتدابير. وعلى هذا الاساس يقود الإتحاد إلى الإضرار بمصالح البلدان غير الأعضاء فيه، الأمر الذي يربك العلاقات التجارية إن كانت هذه البلدان منتمية إلى منظمة التجارة العالمية، لذلك ينبغي الدخول بمفاوضات مع البلدان المتضررة بهدف إيجاد الحلول المناسبة التي تفضي إلى ما يسمى بالإجراءات التعويضية، وتتمثل هذه الإجراءات بمنح إمتيازات تجارية أو مالية جديدة للبلدان المتضررة تتعلق بالإستثمارات مثلا. ويمكن لبلدان الخلية أن تتعرض لهذه المشكلة لأن معدل رسومها الجمركية أضعف بكثير من معدل الرسوم السائدة في البلدان العربية الأخرى.ولا يفترض الإنتقال إلى الإتحاد الجمركي إنضمام جميع أعضاء المنطقة الحرة بل يكفي استعداد بعض البلدان. بمعنى آخر أن الإتحاد الجمركي لا يلغي المنطقة الحرة، ومن هذا الباب يمكن للبلدان العربية الأخرى الإنتماء إلى المنطقة دون الإتحاد، ويتبيّن من تجربة المركوسور نجاح هذه الفكرة، ففي سنة 1991 وقعت البرازيل والأرجنتين وأورغواي وباراغواي على معاهدة لإنشاء منطقة تجارية بينها تحولت في سنة 1995 إلى إتحاد جمركي. ولم يمنع هذا التطور دخول الشيلي سنة 1996 وبوليفيا سنة 1997 إلى المنطقة الحرة للمركوسور مع رفضهما الإنضمام إلى الإتحاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.