كشف تقرير صدر حديثا عن مفارقة ''عجيبة'' تخص قطاع الأدوية في المغرب. ففي الوقت الذي تعرف فيه الصناعة الدوائية بالمغرب تطورا ملحوظا من حيث حجم النشاط، فإن التقرير الصادر عن المرصد الخاص بالشراكة الدوائية سجل استمرار ضعف استهلاك المغاربة للدواء. وسجل التقرير المذكور أن المواطن المغربي لا يستهلك سوى 21 دولار (168 درهم) في السنة كمتوسط من الدواء مقابل 517 دولار (4136) بالنسبة للمواطن الفرنسي. وبالمقابل حققت صناعة الدواء رقم معاملات ناهز سنة 10 2010 مليار درهم، وهو ما يجعل من المغرب البلد الثاني إفرقيا في حجم الصناعة الدوائية. واعتبر محمد بنجلون أحد معدي التقرير، في هذا السياق، أنه بعد سنة ونصف من تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية حول ثمن الدواء'' لم يتم إنجاز ماكان منتظرا''. معتبرا أن ''ثمن الدواء، بالرغم من تخفيضات مسجلة بالنسبة لبعض الأنواع، يظل غاليا بالمقارنة مع القدرة الشرائية للمواطن''. وتساءل بنجلون: ''هل يمكن التساؤل عن سياسة دوائية في الوقت الذي لايتجاوز استهلاك المغربي على صحته درهما واحدا في اليوم؟''. وعن خلاصات الدراسة، قال بنجلون ''أعتبر أن إرادة الوزارة ضعيفة أمام مصالح وجشع لوبيات القطاع''. كما أن ضعف التغطية الاجتماعية، وهشاشة الأنظمة العلاجية، وضعف الأجور يفسر ''عدم القدرة على رسم سياسة دوائية مغربية ناجعة''. وخلص التقرير إلى أن استمرار ضعف استهلاك المغاربة للأدوية أكبر دليل على أن الاستراتيجية الوطنية للدواء الحالية ''لم تؤت أكلها''. وتساءل التقرير عمن يحول حقيقة دون ''التقدم الفعلي في تفعيل سياسة دوائية تستجيب للأهداف المرسومة والمتمثلة أساسا في تخفيض تكلفة العلاجات وتسهيل عمليات الولوج إلى الدواء''. وأبرز التقرير، أن قطاع الصناعة الدوائية في المغرب، التي يهيمن عليها منطق الاشتغال عبر اللوبيات المصلحية، مضطرة إلى تكييف سياساتها مع استراتيجية الدولة التي تقتضي تشجيع دخول الأدوية الجنيسية المنخفضة التكلفة إلى سلة الأدوية بالمغرب (تقضي الاستراتيجية على أن تصبح 60 بالمائة من الأدوية المستهلكة في المغرب في أفق 2015 ذات طبيعة جنيسة). وكشف التقرير أن المغرب ينتج 65 بالمائة من حاجياته، وأن الأدوية المخصصة لعلاج الجهاز الهضمي تشكل أعلى أصناف الأدوية المستهلكة بالمغرب بنسبة تتجاوز 17 بالمائة. ومن جانب آخر، كشف التقرير أن من أوجه ''ضعف السياسة الدوائية'' في المغرب كون منظمة الصحة العالمية توصي الدول بتخصيص 10 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للدواء، لكن المغرب لا يخصص حاليا سوى 5 بالمائة من ناتجه الداخلي الخام. أيضا خلص معدو التقرير إلى أن تقليص الوزارة في يوليوز 2010 لأثمنة أصناف معينة من الأدوية ''غير كاف'' إذ ''لم تستفد من تلك التخفيضات الشرائح الأكثر فقرا وحاجة''. وهو ما يتطلب، حسب الدراسة، اتخاذ إجراءات ملموسة، منها تعميم التغطية الصحية، ثم تخفيض تكلفة الدواء، ومعالجة عجز صناديق التأمينات، وكذلك تعديل مرسوم الخاص بقطاع صناعة الدواء والصيدلية باتجاه يكرس الشفافية في القطاع.