سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الغوتي: الحكومة ملزمة بسن سياسة دوائية تحترم جيب المواطن وتضمن مصالح المهنيين أكد أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي ما تزال تفرض رسوما باهظة على استيراد الأدوية
أكد الدكتور محمد الأغظف الغوتي، الخبير في منظمة الصحة العالمية ورئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحق في الصحة وحماية المستهلك، أن الحكومة المغربية باتت ملزمة باتخاذ إجراءات واقعية لتفعيل سياسة دوائية تضمن للمواطنين الحق في الولوج إلى الدواء، وتحفظ مصالح المهنيين الذين ما يزالون يعانون من التهميش من طرف الوزارة المختصة، وكذلك مصالح المختبرات وشركات الأدوية. وحسب الغوتي، فإن ارتفاع سعر الدواء يرجع بالأساس إلى الرسوم الباهظة التي يتم فرضها على استيراد الأدوية، إلى جانب غياب مراقبة دقيقة للمجال وفرض احترام القانون على الجميع، موضحا في هذا السياق أن الغياب الطويل للدولة عن تنظيم القطاع وتقنينه يجب أن ينتهي لصالح فرض قواعد معادلة تحمي مصالح المواطنين بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى مصالح كافة الفاعلين داخل القطاع. نقاش ساخن يدور في البلاد بشأن الأدوية وأسعارها ومدى قدرة المواطن المغربي على الولوج إليها. ما هو موقفكم كهيئة صيادلة بخصوص هذا النقاش؟ - للإحاطة بالموضوع لا بد أولا من العودة قليلا إلى الوراء للتوضيح بأن ما نعيشه حاليا هو نتاج قرارات خاطئة تم اتخاذها من طرف الحكومات المتعاقبة في السابق، ومن هنا أود التأكيد بأن المغرب انتهج منذ ثمانينيات القرن الماضي سياسة التقويم الهيكلي، التي أملاها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البلاد، وانتهت برفع يد الدولة عن كل ما هو اجتماعي بما في ذلك قطاع الصحة، حيث قررت الدولة توسيع القاعدة الجبائية وفرضت رسوما باهظة على استيراد الأدوية، حيث إن الدواء الذي يبلغ ثمنه على سبيل المثال 100 درهم تستفيد الدولة من 54 درهما كرسوم، في حين يستفيد الصيدلي من نحو 7 بالمائة، ويتقاسم باقي الفاعلين في القطاع ما تبقى. لا بد أن نعترف بأن المشكل في بلادنا يكمن أساسا في غياب سياسة دوائية تحترم جيب المواطن، فدول جارة لنا تتمتع بتغطية صحية مائة بالمائة، ونحن الذين نصنع الأدوية ونصدرها لها. أعتقد أن لجوء الحكومة إلى الحديث عن الأدوية وأسعارها في هذا الوقت يهدف إلى تغطية المشاكل الكبيرة التي يعيشها القطاع، ونحن مستعدون للنقاش، لكن دون الانجراف إلى مناقشات مغلوطة، ونوضح أن 30 مليون مغربي يستهلكون ما معدله 8 مليارات درهم سنويا فقط من الدواء، وهو مجموع ما يستهلكه 6 ملايين مواطن أردني فقط. من المسؤول عن ارتفاع أسعار الأدوية الذي يشكل عائقا أمام المواطنين للولوج إلى الدواء؟ - العديد من العوامل تتحكم في أسعار الدواء بالمغرب، من بينها ضعف القدرة الشرائية لفئة عريضة من المواطنين، وتقادم المسطرة المتبعة من طرف وزارة الصحة لوضع أثمنة الدواء بالمغرب، إلى جانب كون التغطية الصحية للمواطنين «ضعيفة» ولا تتناسب مع الحقائق الموضوعية القائمة، حيث إن 70 بالمائة من المغاربة لا يتمتعون بهذا الحق. وفي نظري الشخصي، فإن أهم العوامل التي تتحكم في تحديد سعر الدواء بالبلاد هو الاستمرار في فرض الرسوم الضريبية والجمركية على استيرادها، وهو ما يعني بشكل بديهي الرفع من ثمنها، وهذا يعود بالضرر على المواطن في نهاية المطاف. ما هو تقييمكم للدراسة التي أنجزها مكتب الدراسات الأمريكي لفائدة وزارة الصحة حول تخفيض أسعار الأدوية عبر فتح الباب لتشجيع الأدوية الجنيسة؟ - قبل الحديث عن أي تقييم للتقرير الذي أنجزه مكتب الدراسات الأمريكي يحق لنا كمهنيين أن نتساءل أولا: لماذا تلجأ الوزارة إلى مكاتب دراسات أجنبية، في الوقت الذي يعج المغرب بالطاقات والكفاءات التي هي أكثر اطلاعا من غيرها على أحوال البلاد وظروفها وعلى علم بحاجيات المواطنين والتوازنات الحكومية؟ لماذا هذا التجاهل لكفاءات بلادنا، على الرغم من أن تكلفة إنجاز الدراسات المطلوبة ستكون أقل بمقارنتها مع ما يحصل عليه الأجانب. ثانيا، وبخصوص التقرير، أود التوضيح بأنه من اللازم عدم التسرع في قبوله أو رفضه لسبب بسيط هو أن هذه الدراسة يجب أن نعطيها حقها من الوقت الكافي لدراسة جميع ما جاء فيها، ونحن نشعر بأننا ملزمون بوضع خطة عملية وعلمية لفهم واستيعاب ما تضمنه التقرير من خلاصات، وبالتالي معرفة انعكاسات الدراسة على الصيدليات مع مراعاة مختلف التباينات والخصوصيات، سواء بين صيدليات المدن أو صيدليات القرى. وهذه مناسبة نلتمس فيها من السيدة الوزيرة التفضل بإعطائنا الوقت الكافي لدراسة هذا التقرير ومناقشته مع مصالح وزارة الصحة لما فيه مصلحة المواطن ومصلحة الصيدلي على حد سواء. هناك مبرر لتخوف الصيادلة ولوبي صناعة الأدوية بالبلاد من استراتيجية خفض أسعار الأدوية، لماذا كل هذا الخوف؟ - أعتقد أن هذا التخوف الذي يتحدث الجميع عنه يمكن تفسيره من عدة جوانب، منها الانعكاس السلبي لهذه الاستراتيجية على القطاع الصحي ككل، نظرا للظروف الصعبة التي يعيشها الكثير من الصيادلة وصناع الأدوية، خاصة مع استمرار انخفاض أو بالكاد استقرار حجم معاملاتهم. وهذا الشعور بالخوف شعور مبرر لأن واقع الصيدلي بالمغرب واقع مزر، والجميع يعلم أن ثلث مهنيي القطاع يعاني حالة تشبه «الإفلاس»، والثلث الثاني يعيش مشاكل بالجملة جراء العراقيل التي يعانيها القطاع كله بسبب كون معدل استهلاك الدواء في بلادنا يبقى متدنيا بالمقارنة مع الدول التي يمكننا مقارنة أنفسنا بها. كيف يمكن أن نصل إلى معادلة سليمة متوازنة تمكن المواطن البسيط من حقه في الولوج إلى الدواء، وفي نفس الوقت تحمي مصالح شركات تصنيع الأدوية والمختبرات؟ - لكي نصل إلى معادلة سليمة متوازنة تمكن المواطن البسيط من حقه في الولوج إلى الدواء، وفي الوقت نفسه تحمي مصالح شركات تصنيع الأدوية والمختبرات، يجب أن تحقق أهداف محددة تتمثل في ضرورة أن تسارع الهيئات المسؤولة إلى سن سياسة دوائية حقيقية بالمغرب عبر توسيع التغطية الصحية الإجبارية لتشمل كل المواطنين، وإزالة الرسوم الضريبية والجمركية عن الأدوية، إلى جانب تحيين المسطرة المتبعة لوضع ثمن الدواء بالمغرب من خلال إشراك جميع المتدخلين والفاعلين في القطاع. كما أرى أن الحكومة صارت ملزمة بالعمل على إدراج الأدوية ضمن لائحة الدعم الذي يقدمه صندوق المقاصة للدولة، بغرض تسهيل ولوج المواطنين، خاصة من الفئات المتوسطة والضعيفة، للدواء على غرار مجموعة من الدول المجاورة كالجزائر مثلا. أعتقد أن المعادلة التي تحفظ التوازن بسيطة، وباتخاذ الإجراءات السابق ذكرها سنقطع مسافات كبيرة إلى الأمام، لأنه في حالة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتسهيل ولوج المواطن إلى الدواء دون المساس بالقطاعات المهنية أيا كان نوعها هو الحل. الأمل معقود على أن تسارع الحكومة إلى اتخاذ قرار جريء برفع الضرائب والرسوم عن قطاع الأدوية، ولا بد من التذكير هنا بأن المغرب هو البلد الوحيد الذي يفرض الضريبة على القيمة المضافة على الأدوية. بتعدد مختبرات الأدوية والشركات المستوردة والشركات التي تتعامل داخل المجال، ما هو تصوركم لدور الدولة في هذا الموضوع وهل تؤيدون تدخلها المباشر أم تفضلون حلا آخر؟ - الدولة كانت غائبة لمدة طويلة عن هذا المجال وتركت الساحة فارغة لفترة مهمة لمختبرات الأدوية والشركات المستوردة لتطوير قدراتها الخاصة الإنتاجية والتسويقية. لكن من المهم التوضيح بأن هذه المختبرات كان لها دور كبير في تحقيق نسبة كبيرة من الاكتفاء الذاتي للمغرب بلغت حدود %85، مما جعله من بين الدول الرائدة في إفريقيا في هذا المجال. الوضع الحالي ينبئ عن تطور متسارع يعرفه القطاع ونعتقد أن تدخل الدولة بغرض تنظيمه وتقنينه وتحسين الخدمات المقدمة صار أمرا حتميا، وذلك بغرض فرض قيم الشفافية والنزاهة والكفاءة، ونعتقد أن تدخل الدولة بإلغاء الرسوم المفروضة على الاستيراد ومسارعتها إلى دعم الدواء باعتباره مادة استراتيجية من طرف صندوق المقاصة، سيكون خطوة مهمة تعود بالنفع على الجميع في نهاية المطاف وفي مقدمتهم المواطن البسيط الذي سيبقى بإمكانه وقتها الولوج إلى الدواء بطريقة أفضل ماديا. الدولة كذلك يجب أن تتدخل لأجل مساعدة مختبرات الأدوية للبحث عن أسواق خارجية للتسويق وللرفع من معاملاتها التجارية التي أصبحت مهددة بسبب ضعف الاستهلاك الدوائي الداخلي.