دق محمد الأغظف غوتي، خبير السياسات الصحية، ونائب الأمين العام لاتحاد الصيادلة العرب، ناقوس خطر إرهاب من نوع جديد يتعلق بانتشار الأدوية المزيفة التي تهدد الأمن الدوائي لأي دولة، وقال إن المغرب معرض أكثر لمخاطر هذه الآفة بسبب موقعه على الواجهتين الإفريقية والأوربية، خصوصا وأن عوامل انتشار التجارة في الدواء المزيف تتمثل في تفشي الرشوة وضعف الترسانة القانونية وارتفاع الأسعار، ونقص في الموارد والخبرة وتدخل السلطات، ونقص القيمة الاعتبارية للدواء في السياسات الصحية ببلادنا، وضعف في مراقبة الحدود داعيا إلى نهج سياسة دوائية واضحة المعالم، عن طريق إنشاء وكالة وطنية مستقلة للدواء، وإنشاء مجلس أعلى للصحة. س.نظمت اللجنة الصحية المغربية لدعم العراق وفلسطين ومجموعة العمل الوطنية ندوة علمية بتنسيق مع اتحاد الصيادلة العرب والمجلس الجهوي لصيادلة الشمال، وهيئة العلماء والخبراء (أبسوا) ندوة علمية بعنوان "الأمن العربي الدوائي، أي تحديات؟"، ربطتم خلالها بين الإرهاب وظاهرة التجارة في الدواء المزيف، هل تدقون ناقوس خطر إرهاب من نوع آخر؟ ج.في هذه الظرفية الدولية الخاصة التي يحضر فيها الهاجس الأمني بقوة ويكثر فيها الحديث عن الإرهاب وكيفية مواجهته، تطرقت ندوتنا إلى أمن من نوع خاص: إنه الأمن الدوائي. لأن مفهوم الإرهاب ليس كما تفهمه المقاربة الأمريكية الضيقة، في الوقت الذي يتم فيه غض الطرف عن إرهاب الدواء أو الغذاء الذي بدأ الانتباه إليه باعتباره من أخطر أنواع الإرهاب في العصر الحديث، لأنه يمكن تزوير إحدى الماركات العالمية في الملابس مثلا وهذا لايؤثر على صحة الإنسان، بينما تزييف الدواء يرتبط بقضية حياة أو موت الإنسان، مما يجعل الحديث عن هذا النوع من الأمن ومحاربة الأدوية المغشوشة أمرا استعجاليا، خاصة أن اختراق هذا الأمن صار وسيلة من وسائل الإرهاب، والدليل هو ما تقوم به "إسرائيل" التي اتضح بأنها من أكبر المتورطين في الاتجار في الأدوية المزيفة عالميا، إضافة إلى سويسرا التي أعلن الاتحاد الأوربي أن أكثر من 40% من الأدوية المزورة التي يتم ضبطها بدول الاتحاد الأوربي كان مصدرها سويسرا، لذا فإن الخطر القادم من هذه التجارة يمثل خطورة مضاعفة على الأمن الدوائي العربي وعلى الاقتصاد العربي. س.بالنظر إلى عدم ارتفاع ثمن الدواء بالمغرب، يبدو منطقيا أن تلجأ شرائح كبيرة من المواطنين إلى الدواء المزيف بوصفه أقل كلفة؟ ج.(مقاطعا..) هناك نوع من التعاطي غير الموضوعي مع إشكالية الدواء في بلادنا، فالمشكل الجوهري يتمثل في ضعف القدرة الشرائية للمواطن وليس فقط ارتفاع أثمنة الدواء، فمعدل استهلاك المواطن المغربي للأدوية لايتعدى 200 درهم سنويا أي أقل من درهم واحد في اليوم، وهو ما يعتبر نقطة سوداء في السياسة الصحية والدوائية ببلادنا، هذا إلى جانب محدودية التغطية الصحية التي لا تتعدى نسبة 30 بالمائة، مما يحول دون ارتفاع استهلاك الأدوية إضافة إلى وجود العديد من أنظمة موازية لكنها غير قانونية تنافس الطب العصري كالطب الشعبي والشعوذة، التي يعتبرها بعض المواطنين ملاذا للعلاج بتكلفة بسيطة، مقابل استعمال الدواء الذي يصفه الطبيب، بسبب ارتفاع ثمنه، والسبب في ذلك يعود إلى تحصيل الدولة نصف أرباح القطاع، إضافة إلى غياب دليل مرجعي للعلاجات والوضوح والمرونة فيما يتعلق بمساطر تحديد الأسعار والنسب المسترجعة عن بعض الأدوية، وهذا يمثل العائق الحقيقي أمام الوصول إلى العلاج، حيث إن الأطراف المتدخلة في تحديد قيمة الأدوية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن هذا الارتفاع ومسؤولية ذلك تقع على عاتق الدولة التي تفرض ضرائب باهضة على القطاع ما يؤثر بشكل مباشر على سعر الدواء، ف54 بالمائة من قيمة الاستهلاك السنوي للأدوية بالمغرب الذي يتراوح بين 6 و7 مليارات درهم تذهب إلى خزينة الدولة. وهذه أرقام مهولة إذا ما قارناها بدول مجاورة كتونس، التي لا تفرض أي ضرائب على القطاع، أو الجزائر التي لا تكتفي بعدم فرض الضرائب وإنما تقدم دعما كبيرا للقطاع يجعل ثمن الدواء ينخفض دون قيمته الحقيقية، وغياب سياسة دوائية يفتح الباب واسعا أمام تجار الأدوية المزيفة ممن لايهمهم سوى تحقيق الربح السريع ليبيعوا سمومهم خارج الطرق المشروعية، ورغم أن السوق المغربي مضبوط إلى حد ما، ولا توجد فيه تجارة الدواء المزيف مثلما هو الحال في بلدان أخرى، غير أن بعض نقط بيع الأدوية المزيفة بدأت تعرف انتشارا في بعض المدن مثل مدينة وجدة وبالضبط بسوق "الفلاح" الذي صار يستنسخ أسواقا أخرى، كدرب عمر في الدارالبيضاء الذي عرف مؤخرا انتشار أحد الأدوية المزيفة، يُعرف باسم "دردك" يتم جلبه من الهند، ويدعي المتاجرون فيه بأنه يُساعد على زيادة الوزن، في الوقت الذي يتسبب في وقوع العديد من الآثار الجانبية الخطيرة من بينها السكري، وهشاشة العظام وكسور وقرحة المعدة والأمعاء ونزيف على مستوى المعدة ومرض الكليتين. س.من تحملونه مسؤولية انتشار مثل هذه الأدوية في السوق المغربي؟ ج.يمكن تلخيص عوامل ذلك في تفشي الرشوة وضعف الترسانة القانونية وارتفاع الأسعار، ونقص في الموارد والخبرة وتدخل السلطات، ونقص القيمة الاعتبارية للدواء في السياسات الصحية وضعف في مراقبة الحدود، وضعف المتخصصين لأن تجارة الأدوية المزيفة تهم العديد من الأصناف من الأدوية انطلاقا من تلك النوع المتدني العابر لقنوات التوزيع المشروعة، مفلتة بذلك من مراقبة السلطات والمؤسسات المعنية، وصولا إلى المنتجات التي لا تحتوي على أي مادة نشيطة بل أحيانا مواد أخرى غريبة عن الدواء، ورغم وجود حوالي 200 مفتشا صيدليا، وأيضا توفر بلادنا على مختبر الأدوية معتمد من طرف الاتحاد الأوروبي، والذي يعتبر المختبر المرجعي في إفريقيا، إلا أن رغم ذلك فإننا لا نتوفر على الإمكانيات الضرورية لضبط لوبي التجارة في الأدوية المزيفة، خصوصا وان عمل المفتشين يقتصر على تفتيش الصيدليات، دون باقي الأسواق والمتاجر غير القانونية، وحسب بعض الإحصائيات فإنه من المرتقب أن تنتقل مستقبلا نسبة هذه التجارة إلى 20 بالمائة، لأنها تتناسل بشكل كبير جدا، بينما هذه التجارة تستشري في العالم كما يستشري السرطان في الجسم، ويتفاقم خطرها يوما بعد يوم بانتشار العولمة وما يرافقها من إلغاء مستمر للحواجز الجمركية وانفتاح غير مسبوق على الأسواق العالمية، بحيث أنها تجارة لم تعد تستثني اليوم أحدا، وإن كانت شعوب العالم الثالث تعاني من تبعاتها أكثر من غيرها، وبلادنا معرضة أكثر لمخاطر هذه الآفة وربما صورة مضاعفة بسبب موقعها على الواجهتين الإفريقية والأوربية. س.هل السياسة الدوائية المتبعة حاليا بإمكانها، مواجهة هذا الخطر الداهم؟ ج.وزارة الصحة غائبة عن هذا الموضوع، لسببين اثنين أولهما انشغالها بقضايا ظرفية مثل استحواذ انفلوانزا الخنازير قبل أشهر على اهتمام مصالحها، حيث تم تجنيد كل مصالحها لهذا الوباء الذي أخذ حجم الجائحة العالمية، وتم أيضا الاهتمام بأزمنة الأدوية خاصة بعد الإعلان عن نتائج التقرير الذي تم إعداده حول أثمنه الدواء بالمغرب من طرف لجنة برلمانية عقب قيامها بمهمة استطلاعية، السبب الثاني وهو الأساسي هو التغيير الذي طرأ على مجموعة من المواقع الأساسية في وزارة الصحة، إذ تم تعيين وزيرة جديدة وكاتب عام لا علاقة لهما بقطاع الصحة، ولا أقول بأن وزير الصحة ينبغي أن يكون طبيبا، ولكن كان يجب أن يواكب التغييرات التي تمت بمجموعة من المديريات تعيين أشخاص لهم خبرة وتجربة ميدانية، حتى يسهل عليهم الانكباب على الملفات الصحية واستيعابها وضبط مصالحها وأقسامها والتعرف على مختلف الفاعلين في القطاع، لربح الوقت ومعالجة الملفات العالقة والمعطلة ومن بينها النصوص التطبيقية لمدونة الدواء والصيدلة، علاوة على ملفات أخرى لا تقل أهمية ستظل مغيبة في أروقة الوزارة ولا تحظى بأدنى أهمية أو أولوية سواء على المدى القريب أو المتوسط. س.هل في نظركم سيستمر الأمر على ما هو عليه الآن؟ ج. سيستمر إذا ظلت الدولة مستقيلة عن القيام بدورها الاجتماعي في القطاع الصحي الذي تخلت عنه في سبيل تحقيق التوازنات الماكرواقتصادية، وقد كان من أبرز وجوه هذه الاستقالة تراجع نفقاتها في القطاع الصحي، وصارت تتعاطى معه وخاصة في القطاع الدوائي شأنه شأن باقي القطاعات التجارية والصناعية، بحيث أنها تمتص من الصحة موارد مالية مثلما تفعل مع باقي القطاعات الأخرى، وحسب دراسة أنا بصدد إنجازها فإن الأسر المغربية تساهم بنسبة كبيرة تصل إلى 59 بالمائة، بينما لا تساهم الدولة إلا بنسبة 26 بالمائة، بينما هامش ربحها في قطاع الأدوية بلغ 50 بالمائة وهي أعلى قيمة عربيا، فيما لا يتعدى هذا الهامش0 بالمائة في كل من الأردن والإمارات والبحرين، و5 بالمائة في ليبيا، و15 بالمائة في السودان، و20 بالمائة في كل من الجزائر وموريتانيا واليمن. ويبلغ متوسط الوصفة الطبية بالمغرب أكثر من 250 درهما فيما لم يتجاوز 60 درهما في الأردن، و200 درهم في البحرين و230 درهما في كل الإماراتوتونس، ويبدو أن المغرب يحتل الرتبة الأولى في غلاء الوصفة الطبية بين الدول العربية، وفي التأمين الصحي، لا يستفيد سوى 30 بالمائة فقط من المغاربة، فيما تبلغ هذه النسبة 100 بالمائة في كل من الإمارات والبحرين و98 بالمائة في تونس، و60 بالمائة في الأردن و40 بالمائة في السودان، وقد تؤدي الإصابة بأحد الأمراض المزمنة إلى إفلاس أسر بكاملها، وأعرف حالات بعض الأسر التي لم يتردد في بيع ممتلكاتها كليا أو جزيئا من أجل تسديد مصاريف علاج أحد أفرادها. س.ماذا تقترحون، لكي لا تبقى شريحة واسعة من المواطنين المغاربة محرومة من الأدوية؟ ج.أن ترفع الدولة يدها على القطاع أوعلى الأقل تقليص الضريبة على القيمة المضافة على الدواء إلى الحد الأدنى لأن فرض الضرائب على الأدوية يتنافى وشعار الحق في العلاج، وأن تعمل أيضا على إدراج بعض أصناف الأدوية ضمن المواد الأساسية التي يجب أن تستفيد من دعم صندوق المقاصة، وتحديد هامش واضح للربح بالنسبة لشركات تصنيع الأدوية. ولن يستقيم الوضع الصحي إلا بأربع عناصر أساسية يلزم أخذها على محمل الجد في أجندة وزارة الصحة، للسنوات المقبلة، أولا بلورة سياسة دوائية وطنية تراعي الخصوصيات المغربية والأولويات الصحية يشارك جميع المهنيين في صياغة عناصرها وتحديد أهدافها بما فيهم المنظمات الحقوقية، على اعتبار أن الحق في التداوي والحق في الصحة من أهم ما يعتني به في منظومة حقوق الإنسان، وكذا منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المستهلك. فالأدوية ليست مواد استهلاكية عادية بل هي مواد أساسية وإستراتيجية مرتبطة بأغلى ما يملك الإنسان وهي صحته. مطلوب أيضا مراجعة فورية للإطار التنظيمي لمهنة الصيدلة بتعديل للظهير المحدث لهيئة الصيادلة ومرسومه التطبيقي الذي أصبح متجاوزا ولا يساري تطور المهنة، فالقانون الذي وضع عام 1976 لجسم مهني لا يتجاوز أفراده 300 صيدلاني لا يعقل أن تسري بنوده عام 2010 بعد أن تضاعف عدد الصيادلة بأكثر من ثلاثين مرة وتجاوز عشرة آلاف صيدلي، ومطلوب في هذا الإطار الإسراع في أقرب وقت بتحويل مديرية الدواء والصيدلية إلى وكالة وطنية مستقلة كمؤسسة محورية قادرة على تنفيذ السياسة الوطنية الدوائية وتقويمها، والتي ينبغي أن تنبثق من السياسة الصحية التي بدورها يلزم أن يضع عناصرها مجلس أعلى للصحة، يتم تأسيسه مهمته الجوهرية ترتبط بإقرار سياسة صحية وطنية، وهذا كله لايمكن أن يتأتى ويتحقق على أرض الواقع إلا بتوفر إرادة سياسية على أعلى مستوى، وإنشاء مرصد وطني للأمن الدوائي، باعتبار أن الصحة هي المدخل والمقدمة الأساسية لأي تنمية، وأيضا بلورة خطة عاجلة للتثقيف الصحي من طرف المصالح الحكومية وفعاليات المجتمع المدني، لأن الارتباط الضعيف للمواطن بالدواء لايرجع فقط إلى ارتفاع سعره أو إلى القدرة الشرائية المتدنية فقط، وإنما ترتبط أيضا بمشكلة ثقافية عنوانها مدى اهتمام المواطن بصحته، وتظهر المشكلة أكثر عند المقارنة مع استهلاك المواطن المغربي مثلا للتبغ الذي يصل إلى ما يناهز 15 مليار درهم، أي ضعف الرقم لمخصص للأدوية أو استهلاك المخصص للاتصالات الذي يصل إلى حوالي 13 مليار درهم.