في هذا الحوار نتناول مع خالد الحريري، مقرر المهمة الاستطلاعية حول ثمن الدواء بالمغرب، السياق الذي جاء فيه تكليف اللجنة البرلمانية للقيام بتلك المهمة، والصعوبات التي واجهتها وموقفها من ردود الأفعال التي أثارتها منذ صدور تقريرها في الأسبوع الفارط. - ما هو السياق الذي جاء فيه القيام بمهمة استطلاعية حول ثمن الدواء في المغرب؟ > أملى القيام بهذه المهمة اعتباران اثنان، يرتبط الأول بملاحظة يتقاسمها الجميع، وتتمثل في صعوبة استفادة شرائح واسعة من المواطنين من الدواء، ويتصل الثاني بالنقاش الذي شهدته لجنة المالية أثناء مناقشة مشروع قانون مالية السنة الحالية، والذي تضمن مقترحا لإزالة الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية على بعض الأدوية التي تستعمل لمعالجة بعض الأمراض المزمنة. بطبيعة الحال الجميع ثمن هذا الإعفاء، غير أن بعض النواب اعتبروا أنه من الضروري التصدي لدراسة إشكالية ثمن الأدوية في المغرب، ومن هنا جاء طلب الفريق الاشتراكي الذي التمس تشكيل لجنة للقيام بمهمة استطلاعية، واللجنة ليست مهمتها التحقيق بل فقط إخبار البرلمان بإشكالية تهم الرأي العام أو بطريقة تطبيق قانون. عندما شرعنا في العمل في فبراير الماضي لم نكن نتوقع بلوغ هذه النتيجة التي ضمناها في التقرير. - لماذا لم تكونوا تتوقعون التوصل إلى النتيجة التي عرضتموها الأسبوع الفارط؟ > كان هناك إحساس بأن الدواء غال في المغرب، لكننا لم نتوقع أن نتوصل إلى أن الدواء في المغرب أغلى من فرنسا. لم نكن نعرف إشكالية الأدوية المكلفة والاختلالات العميقة التي اكتشفناها فيها. في البداية قررنا الاستماع إلى جميع المتدخلين في سلسلة الدواء، ولكن خلال الاستماع كانت هناك آراء مختلفة ومتضاربة حول أسباب غلاء أسعار الدواء. فهنالك من يعتبرها رخيصة مقارنة ببلدان أخرى، ويرى أن المشكل يكمن في النظام الصحي. وثمة من لا يتفق مع هذا الرأي ويشدد على أن الأدوية غالية. ولكي نخرج من هذه الاختلافات قررنا التعاطي مع إشكالية الأسعار بطريقة علمية وموضوعية. - ما هي التخوفات التي كانت تنتابكم وأنتم تخوضون مهمتكم؟ > تساءل الناس حول خلفيات اللجنة والسياق الذي جاءت فيه ، فقمنا بتفسير أسبابها ودواعيها لمن طلبنا الاستماع إليهم. وقد حصلنا من الجميع على آرائهم حين توجهنا إليهم. لكن المشكل الذي واجهناه يتمثل في صعوبة الوصول إلى المعطيات، لأنه للأسف لا يوجد مصدر للمعلومات المدققة من قبيل مبيعات الدواء في المغرب، حيث اضطررنا للاسترشاد بمصادر مختلفة حتى نتوصل إلى رقم معين. ومن المفارقات أن هذا الميدان بقدر ما يبدو مغلقا، بقدر ما هو مكشوف عبر الولوج إلى الأنترنيت، حيث يمكن التعرف على الأسعار وعدد الأدوية في المغرب وفي البلدان الأخرى، لكن هذا يقتضي مجهودا في البحث والتجميع والتحليل والمقارنة والحساب. - هل المصادر التي اعتمدتموها عبر الأنترنيت مغربية أم أجنبية؟ > سوف أضرب بعض الأمثلة، فبالنسبة إلى استهلاك الأدوية المكلفة، حصلنا على المعطيات المتعلقة بها من الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي الذي وضح لنا مسؤولوه حجم وأبعاد أسعار أدوية الأمراض المزمنة. وتعرفنا كذلك على الأثمان عبر موقع الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، حيث توجد فيه جميع الأدوية المسموح بتعويضها في المغرب. وهذا شيء إيجابي. واسترشدنا بدراسة أنجزتها منظمة الصحة العالمية في 2004 حول أسعار الأدوية في المغرب والتي خلصت إلى غلائها. وحول الرخص الإجبارية استندنا إلى ما نشرته وزارة الصحة التايلاندية على موقعها، والذي يحتوى على معطيات جد دقيقة. ومن أجل المقارنة لجأنا إلى مواقع البلدان المعنية. وعموما جميع المعطيات متوفرة لمن يريد أو يجيد البحث. - هل الإمكانيات التي وفرت لكم كافية؟ > لو كان البرلمان يتوفر على إمكانيات كافية لأنجزنا التقرير في وقت أقصر ولوسعناه إلى ميادين ذات صلة بالموضوع. - ماهي هذه الميادين؟ > وقفنا على إشكالية كبيرة مرتبطة ببعض التجهيزات التي تستعمل في زرع بعض الأعضاء، فجهاز واحد وجدنا أن سعره يتراوح بين 50 و300 ألف درهم. هناك فوضى كبيرة في هذا المجال. هناك من طلب منا توسيع مجال البحث إلى هذه التجهيزات. - بالنسبة إلى الأسعار، أين تكمن مسؤولية الدولة والصناعيين عن الوضعية الحالية؟ > في جميع الدول تبحث شركات صناعة الأدوية عن أكبر ربح وهذا مشروع، لكن في جميع الدول تجد السلطات العمومية المكلفة بالصحة تواجه استراتيجيات تلك الشركات حتى تحافظ على أقل سعر. فإذا استطاعت الدولة مواجهة الشركات تنخفض الأسعار وإذا فشلت ترتفع. - ما هي الأدوات التي تتوفر عليها السلطات العمومية من أجل ربح رهان خفض الأسعار؟ > بعد صدور التقرير سمعت البعض يرد بأننا نوجد في سوق حر، غير أن ما يغفلونه أن الأسعار لا تحددها المنافسة فيما يتعلق بالدواء، بل تحددها الدولة في المغرب. وهذا خيار مغربي عكس بلدان أخرى. ومسطرة تحديد الأسعار وضعتها السلطات العمومية بهدف خلق صناعة دوائية قوية. غير أن هذا الهاجس لم يعد قائما، حيث يجب المرور إلى الاهتمام بالصحة عبر السعر. وهذا هو التحول الذي لم ينجز، ومن ثمة الحديث عن ارتفاع الأسعار في المغرب، التي تحدد في إطار مسطرة يجب أن تلغى. - بالنسبة إلى المقارنة مع دول أخرى، هناك من يعتبر أن بلدانا مثل تونس تمنح مجموعة من الامتيازات التفضيلية لقطاع الأدوية وهذا ما تفتقده الصناعة المحلية. وبالتالي لا مقارنة مع وجود الفارق.. > استحضرنا عند إعداد التقرير كل الاعتراضات الممكنة. لما قارنا المغرب بتونس لم نجد إجراءات تفسر فرق 180 في المائة في سعر دواء معين. فهامش ربح الصيدلي في تونس هو نفسه تقريبا في المغرب، وكذلك بالنسبة إلى هامش الموزع. بحيث إن استحضار هذا لن يفسر سوى 2 في المائة من الفرق في السعر. وهناك مغالطة تروج حول تونس، فالدولة هناك لا تدعم سعر الأدوية، إذ إن ثمة صيدلية مركزية تكلف بشراء الأدوية من الخارج وتستعمل القوة التفاوضية للدولة كي تحصل على أسعار منخفضة. وهذه الصيدلية لا تحصل على أي دعم من الدولة، فهي تشتري أدوية ذات هامش ربح كبير وأخرى ذات هامش ضعيف، وتقوم بنوع من الموازنة الداخلية. - هناك من يعتبر أن الجودة لها ثمن كبير > أفاجأ عندما أسمع ممثل شركة متعددة الجنسيات في المغرب يقول إن الأدوية التي تصنعها نفس الشركة في تونس جودتها منخفضة مقارنة بتلك التي تصنع في المغرب. هذا كلام خطير، لو كان يتحدث عن الأدوية الجنيسة لتفهمنا الأمر، لكننا قارنا 15 منتوجا أصليا، ومن غير المنطقي على هذا المستوى أن يكون ثمة فارق على مستوى الجودة. نحن انطلقنا من منطق صحي، فمادام الدواء حصل على الرخصة، يفترض أن تكون له نفس الجودة. ونحن نعتقد أنه آن الأوان كي نكف عن الإشاعات التي تنسج حول الدواء الجنيس، فأي متدخل له شك في فعالية دواء معين، يجب أن يصرح به رسميا، حتى تتخذ السلطات العمومية الموقف الواجب. - هناك من يعتقد بأن ضعف الطلب على الدواء هو الذي يفضي إلى ارتفاع أسعارها، هل هذا صحيح؟ > هذه من الاعتقادات التي ثبت لنا بطلانها. فقد كنا نتصور كما العديدين أن المغربي لا يصرف على الدواء سوى 200 درهم في السنة. غير أننا إذا قمنا بعملية حسابية بسيطة لاكتشفنا أن المغاربة ينفقون 12.5مليار درهم، هذا دون احتساب ما تبذله المستشفيات الخاصة والمستشفيات التابعة لصندوق الضمان الاجتماعي والمستشفيات العسكرية والتعاضديات. وإذا قسمنا 12.5 على 30 مليون مغربي نكتشف أن كل واحد ينفق 420 درهما، وهو تقريبا نفس ما يرصده المواطن التونسي للدواء. - هناك من يعتقد أن لدينا صناعة قوية للدواء ويجب تحصينها عبر الكف عن الحديث عن الأسعار، إلى أي حد يعتبر هذا وجيها؟ > تحصين الصناعة الدوائية لا يجب أن يتم على حساب المريض، إذا كان لنا أن نختار بين الولوج إلى الدواء بسعر مناسب وتواجد صناعة قوية، فإن الكفة يجب أن ترجح لفائدة الاختيار الأول، لكن نحن تكونت عندنا قناعة يشاطرنا فيها جزء مهم من الفاعلين في الصناعة الدوائية، ومفادها أنه يمكن في نفس الوقت أن نخفض ثمن السعر بالمستويات التي تحدث عنها التقرير، ونقوي الصناعة المحلية حتى يتأتى لها المرور إلى التصدير. غير أن هذا يتطلب نوعا من العقلنة على مستوى الإنتاج، فنحن نتوفر على 12 شركة تصنع دواء “ أموكسيلين”، والحال أنه يمكن للشركات أن تتخصص في أدوية معينة حتى توسع حصتها، مما يخول لها خفض الثمن واللجوء إلى التصدير. وحسب بعض المعلومات التي توصلت إليها بعد صدور التقرير فإن دراسة أنجزت لفائدة الصناعيين ووزارة التجارة والصناعة توصلت إلى أن الأسعار مرتفعة، و يجب مراجعتها حتى يتأتى للصناعة الدوائية التصدير. - فيما يتعلق بالسياسة الدوائية، ألا ترون أن السلطات العمومية تتحمل المسؤولية عن عدم حماية المستهلك ؟ > الوضعية الحالية ليست وليدة اليوم، ويتحمل مسؤوليتها جميع وزراء الصحة الذين تعاقبوا على تحمل المسؤولية. وللإنصاف أقول إن الوزيرة الحالية، ياسمينة بادور تحدثت عن النية في خفض الأسعار عند طرح ميزانية 2009. لكن الحلول التي تقترحها وزارة الصحة تبدو لنا غير كافية، وأنا أتصور أن ما قدمه التقرير من توصيات كفيلة بالمساهمة في معالجة المشكل.